ديكابوليس
ديكابوليس Dekapolis (أو Decapolis) تسمية إغريقية تعني «المدن العشر»، أطلقت على مجموعة من المدن «المتهلينة» الواقعة اليوم في جنوبي سورية وشمالي فلسطين وشرقي الأردن، والتي أقامت اتحاداً فيما بينها مع بداية الحكم الروماني في المنطقة؛ ومع أن عددها زاد مع الأيام بانضمام مدن أخرى إلى هذا الاتحاد فقد بقيت التسمية الأولى عليها عهوداً طويلة.
كان بعض مدن الديكابوليس قائماً ومعروفاً قبل العصر الهلنستي، ولكن معظمها كانت تدعي الانتساب إلى الاسكندر الكبير المقدوني، الذي بدأ سياسة تأسيس مدن جديدة في البلاد المفتوحة والتي تابعها خلفاؤه من بعده، وعلى رأسهم السلوقيون، على نطاق واسع. ولقد دلت الأبحاث التاريخية والأثرية أن غالبية هذه المدن لم يتطور إلى مراكز مدنية بالمعنى الحقيقي للكلمة إلا في عهد البطالمة والسلوقيين، الذين تناوبوا على حكمها في القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد.
يرتبط قيام هذا الاتحاد باسم القائد الروماني بومبيوس[ر] Pompeius، الذي قضى على المملكة السلوقية واحتل عاصمتها أنطاكية عام 64ق.م وحول سورية إلى ولاية رومانية معلناً بذلك بداية عصر جديد في تاريخ المنطقة. وفي أثناء وجوده في دمشق اتخذ سلسلة من الإجراءات السياسية والإدارية من أجل ترسيخ الحكم الروماني في سورية، كان من أهمها الحد من نفوذ وسلطة مملكتي الأنباط والمكابيين وإخضاعهما لمشيئة الرومان، وتحرير بعض المدن ذات الطابع الإغريقي، التي كانوا قد بسطوا سيطرتهم عليها في أواخر العهد السلوقي، وأعلنها مدناً حرة تحت السيادة الرومانية. ويبدو أن بومبيوس قد شجع تلك المدن على إقامة نوع من الاتحاد فيما بينها لتؤلف سداً منيعاً ضد الأخطار التي تتهددها، وذلك في إطار دعم المدن الإغريقية بوصفها من أهم مرتكزات الحكم الروماني في الشرق.
وهكذا نشأ حلف الديكابوليس الذي ارتبط باسم بومبيوس، وبحرية المدن التي شكلته، وباتت ترى فيه أهم حدث في تاريخها، فاتخذت منه بداية لتقويم جديد بدأت العمل به منذ عام 63ق.م، ويعرف باسم التقويم البومبياني ويظهر على النقود التي سكتها باسمها. ومع الأسف لا توجد مصادر تاريخية كافية عن هذا التحالف تبين طبيعته وأهدافه ومؤسساته...وغير ذلك، فأقدم الروايات التاريخية عنه تعود إلى القرن الأول الميلادي، أي بعد مضي أكثر من مائة عام على تأسيسه. وقد عثر على أحد النقوش الذي يشير إلى وجود مندوب روماني يشرف على الديكابوليس مما يدل على أنه كان يشكل وحدة إدارية ضمن ولاية سورية. ويستدل من تبعية بعض المدن لمملكة هيرودسHerodes نحو(30-4ق.م) ومن خضوع دمشق لسلطة الأنباط (نحو 34-63م) ومن حقيقة أن غالبية مدن الديكابوليس قد ضمها الإمبراطور ترايان إلى الولاية العربية بعد تأسيسها عام 106م، أن مدن ديكابوليس لم تكون اتحاداً راسخاً له كيانه السياسي وحدوده المعترف بها من قبل الرومان، كما لم تكن طبيعته الإدارية ثابتة على الدوام. وهكذا يمكن القول إنه كان يمثل جامعة مدن هلنستية تربط بينها اللغة والثقافة والديانة الإغريقية والمصالح المشتركة.
وأول ذكر لمنطقة الديكابوليس يرد في إنجيل متى (ح4 ف25) وإنجيل مرقص (ح5 ف20، ح7 ف31) في أثناء الحديث عن الطريق التي سلكها السيد المسيح في هذه المنطقة والجموع التي تبعته من مدنها. لكن أهم نص تاريخي يتحدث عن المدن العشر يعود إلى النصف الثاني من القرن الأول الميلادي، وقد ورد في «موسوعة التاريخ الطبيعي» للعالم الروماني بلينيوس الأكبر[ر] Plinius والذي يتضمن أسماء هذه المدن وهي:
دمشق - فيلادفيا (عمان) - سكيثوبوليس (بيسان) - غدارا (أم قيس) - ديون (تل الأشعري) بلاّ (طبقة فحل) - جيراسا (جرش) - قناتا (قنوات) - هيبوس (الحصن) - رافانا (الرافه).
كما أن الجغرافي الشهير كلوذيوس بطلميوس[ر] Ptolemaios يذكر في «جغرافيته» قائمة تتضمن أسماء مدن تختلف بعض الشيء عن قائمة بلينيوس ويضيف إليها مدينتي أبيلا ودرعا.
أما اسطفانوس Stephanos البيزنطي فيحدد في قاموسه الجغرافي، عند حديثه عن مدينة جرش، عدد مدن الديكابوليس بأربع عشرة مدينة. ومن الجدير بالذكر أن دمشق تتصدر قائمة مدن الديكابوليس لدى كل من بلينيوس وبطلميوس، ويعتقد أنها انضمت إلى المدن العشر في عهد الإمبراطور نيرون (54-68م). ومما لاشك فيه أنها كانت أكبر مدن هذا التحالف وأعظمها أهمية. ومن الغريب أن المؤرخ يوسيفوس Josephos لا يذكرها بوصفها إحدى مدن الديكابوليس، لكنه يشير بالمقابل إلى أن سكيثوبوليس كانت أكبر تلك المدن. ويبدو أن مركز الاتحاد كان في البداية في مدينة غدارا Gadara التي أصدرت نقوداً باسمها، سكت في السنة الأولى من قيامه أي في عام 64/63ق.م.
كانت مدن الديكابوليس - ماعدا دمشق وقنوات - تشكل منطقة جغرافية متصلة في حوض الأردن تمتد من شرق بحيرة طبريا في الشمال حتى عمان في الجنوب كما تشمل منطقة بيسان على الطرف الغربي من نهر الأردن. وكانت ذات أهمية كبيرة من الناحيتين العسكرية والاقتصادية، إذ إنها كانت سداً منيعاً أمام هجمات القبائل البدوية وكان بعضها قواعد للجيوش الرومانية في الحروب اليهودية. وتأتي أهميتها الاقتصادية من كونها تضم مناطق زراعية خصبة، ومن وقوعها على الطريق التجاري الذي يربط خليج العقبة وشمال الجزيرة العربية بدمشق وبقية أرجاء سورية، والذي ازدادت أهميته بعد تأسيس الولاية العربية وجعل بصرى الشام عاصمة لها، وأدى هذا إلى انعطاف سير التجارة باتجاه الشمال، مما زاد في أهمية مدن الديكابوليس وقاد إلى ازدهار اقتصادي لمدنها وخاصة عمان وجرش وغدارا وبصرى ودمشق.
كانت مدن الديكابوليس تتمتع بالحكم الذاتي الذي يضمن لها إدارة أمورها الداخلية بنفسها عن طريق مجالسها وحكامها المنتخبين.كما كانت تملك حق سك النقود باسمها وتستعمل تقويمها الخاص بها. وبعد صدور مرسوم كركلا عام 212م، صار مواطنوها يتمتعون بحقوق الجنسية الرومانية. وقد منح الإمبراطور ألكسندر سفيروس Alexander Severus ت(222-235م) مدينة دمشق مكانة مستعمرة رومانية فكفل لها ذلك مزيداً من الامتيازات، ثم تلتها مدينة غدارا في عهد الإمبراطور فالنس Valens.
وعدا ذلك فإن مدن الديكابوليس كانت مراكز للثقافة والحضارة الإغريقية، وشهدت نهضة فكرية كبيرة تجلت في وجود النوادي والمدارس والمعاهد التعليمية التي تدرس علوم الخطابة والبلاغة والآداب والفنون. وظهر فيها أسماء لامعة في مجال الشعر والأدب والفلسفة من أمثال منيبوس Menippos الفيلسوف الكلبي والشاعر ملياغر Meleager وهما من غدارا، والخطيب أفلاطون Platon والفيلسوف نيكوماخوس Nikomachos من جرش، كما اشتهر من أبناء دمشق المؤرخ نيقولاوس Nikolaos الدمشقي والمهندس المعماري الشهير أبولودور Appolodoros.
كما أقيمت في هذه المدن المعابد الفخمة لكبار الآلهة الإغريقية، مثل زيوس وأرتميس وباخوس وهرقل، والتي نجد أطلالها اليوم خاصة في جرش وعمان وقنوات، كما أنشئت الملاعب والمسارح والمدرجات الرومانية والتي لا يزال بعضها قائماً حتى اليوم، مثل مدرجات بصرى وجرش وعمان وهي شواهد حية على عظمة ماضيها.
ديكابوليس Dekapolis (أو Decapolis) تسمية إغريقية تعني «المدن العشر»، أطلقت على مجموعة من المدن «المتهلينة» الواقعة اليوم في جنوبي سورية وشمالي فلسطين وشرقي الأردن، والتي أقامت اتحاداً فيما بينها مع بداية الحكم الروماني في المنطقة؛ ومع أن عددها زاد مع الأيام بانضمام مدن أخرى إلى هذا الاتحاد فقد بقيت التسمية الأولى عليها عهوداً طويلة.
كان بعض مدن الديكابوليس قائماً ومعروفاً قبل العصر الهلنستي، ولكن معظمها كانت تدعي الانتساب إلى الاسكندر الكبير المقدوني، الذي بدأ سياسة تأسيس مدن جديدة في البلاد المفتوحة والتي تابعها خلفاؤه من بعده، وعلى رأسهم السلوقيون، على نطاق واسع. ولقد دلت الأبحاث التاريخية والأثرية أن غالبية هذه المدن لم يتطور إلى مراكز مدنية بالمعنى الحقيقي للكلمة إلا في عهد البطالمة والسلوقيين، الذين تناوبوا على حكمها في القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد.
يرتبط قيام هذا الاتحاد باسم القائد الروماني بومبيوس[ر] Pompeius، الذي قضى على المملكة السلوقية واحتل عاصمتها أنطاكية عام 64ق.م وحول سورية إلى ولاية رومانية معلناً بذلك بداية عصر جديد في تاريخ المنطقة. وفي أثناء وجوده في دمشق اتخذ سلسلة من الإجراءات السياسية والإدارية من أجل ترسيخ الحكم الروماني في سورية، كان من أهمها الحد من نفوذ وسلطة مملكتي الأنباط والمكابيين وإخضاعهما لمشيئة الرومان، وتحرير بعض المدن ذات الطابع الإغريقي، التي كانوا قد بسطوا سيطرتهم عليها في أواخر العهد السلوقي، وأعلنها مدناً حرة تحت السيادة الرومانية. ويبدو أن بومبيوس قد شجع تلك المدن على إقامة نوع من الاتحاد فيما بينها لتؤلف سداً منيعاً ضد الأخطار التي تتهددها، وذلك في إطار دعم المدن الإغريقية بوصفها من أهم مرتكزات الحكم الروماني في الشرق.
وهكذا نشأ حلف الديكابوليس الذي ارتبط باسم بومبيوس، وبحرية المدن التي شكلته، وباتت ترى فيه أهم حدث في تاريخها، فاتخذت منه بداية لتقويم جديد بدأت العمل به منذ عام 63ق.م، ويعرف باسم التقويم البومبياني ويظهر على النقود التي سكتها باسمها. ومع الأسف لا توجد مصادر تاريخية كافية عن هذا التحالف تبين طبيعته وأهدافه ومؤسساته...وغير ذلك، فأقدم الروايات التاريخية عنه تعود إلى القرن الأول الميلادي، أي بعد مضي أكثر من مائة عام على تأسيسه. وقد عثر على أحد النقوش الذي يشير إلى وجود مندوب روماني يشرف على الديكابوليس مما يدل على أنه كان يشكل وحدة إدارية ضمن ولاية سورية. ويستدل من تبعية بعض المدن لمملكة هيرودسHerodes نحو(30-4ق.م) ومن خضوع دمشق لسلطة الأنباط (نحو 34-63م) ومن حقيقة أن غالبية مدن الديكابوليس قد ضمها الإمبراطور ترايان إلى الولاية العربية بعد تأسيسها عام 106م، أن مدن ديكابوليس لم تكون اتحاداً راسخاً له كيانه السياسي وحدوده المعترف بها من قبل الرومان، كما لم تكن طبيعته الإدارية ثابتة على الدوام. وهكذا يمكن القول إنه كان يمثل جامعة مدن هلنستية تربط بينها اللغة والثقافة والديانة الإغريقية والمصالح المشتركة.
وأول ذكر لمنطقة الديكابوليس يرد في إنجيل متى (ح4 ف25) وإنجيل مرقص (ح5 ف20، ح7 ف31) في أثناء الحديث عن الطريق التي سلكها السيد المسيح في هذه المنطقة والجموع التي تبعته من مدنها. لكن أهم نص تاريخي يتحدث عن المدن العشر يعود إلى النصف الثاني من القرن الأول الميلادي، وقد ورد في «موسوعة التاريخ الطبيعي» للعالم الروماني بلينيوس الأكبر[ر] Plinius والذي يتضمن أسماء هذه المدن وهي:
دمشق - فيلادفيا (عمان) - سكيثوبوليس (بيسان) - غدارا (أم قيس) - ديون (تل الأشعري) بلاّ (طبقة فحل) - جيراسا (جرش) - قناتا (قنوات) - هيبوس (الحصن) - رافانا (الرافه).
كما أن الجغرافي الشهير كلوذيوس بطلميوس[ر] Ptolemaios يذكر في «جغرافيته» قائمة تتضمن أسماء مدن تختلف بعض الشيء عن قائمة بلينيوس ويضيف إليها مدينتي أبيلا ودرعا.
أما اسطفانوس Stephanos البيزنطي فيحدد في قاموسه الجغرافي، عند حديثه عن مدينة جرش، عدد مدن الديكابوليس بأربع عشرة مدينة. ومن الجدير بالذكر أن دمشق تتصدر قائمة مدن الديكابوليس لدى كل من بلينيوس وبطلميوس، ويعتقد أنها انضمت إلى المدن العشر في عهد الإمبراطور نيرون (54-68م). ومما لاشك فيه أنها كانت أكبر مدن هذا التحالف وأعظمها أهمية. ومن الغريب أن المؤرخ يوسيفوس Josephos لا يذكرها بوصفها إحدى مدن الديكابوليس، لكنه يشير بالمقابل إلى أن سكيثوبوليس كانت أكبر تلك المدن. ويبدو أن مركز الاتحاد كان في البداية في مدينة غدارا Gadara التي أصدرت نقوداً باسمها، سكت في السنة الأولى من قيامه أي في عام 64/63ق.م.
كانت مدن الديكابوليس - ماعدا دمشق وقنوات - تشكل منطقة جغرافية متصلة في حوض الأردن تمتد من شرق بحيرة طبريا في الشمال حتى عمان في الجنوب كما تشمل منطقة بيسان على الطرف الغربي من نهر الأردن. وكانت ذات أهمية كبيرة من الناحيتين العسكرية والاقتصادية، إذ إنها كانت سداً منيعاً أمام هجمات القبائل البدوية وكان بعضها قواعد للجيوش الرومانية في الحروب اليهودية. وتأتي أهميتها الاقتصادية من كونها تضم مناطق زراعية خصبة، ومن وقوعها على الطريق التجاري الذي يربط خليج العقبة وشمال الجزيرة العربية بدمشق وبقية أرجاء سورية، والذي ازدادت أهميته بعد تأسيس الولاية العربية وجعل بصرى الشام عاصمة لها، وأدى هذا إلى انعطاف سير التجارة باتجاه الشمال، مما زاد في أهمية مدن الديكابوليس وقاد إلى ازدهار اقتصادي لمدنها وخاصة عمان وجرش وغدارا وبصرى ودمشق.
كانت مدن الديكابوليس تتمتع بالحكم الذاتي الذي يضمن لها إدارة أمورها الداخلية بنفسها عن طريق مجالسها وحكامها المنتخبين.كما كانت تملك حق سك النقود باسمها وتستعمل تقويمها الخاص بها. وبعد صدور مرسوم كركلا عام 212م، صار مواطنوها يتمتعون بحقوق الجنسية الرومانية. وقد منح الإمبراطور ألكسندر سفيروس Alexander Severus ت(222-235م) مدينة دمشق مكانة مستعمرة رومانية فكفل لها ذلك مزيداً من الامتيازات، ثم تلتها مدينة غدارا في عهد الإمبراطور فالنس Valens.
وعدا ذلك فإن مدن الديكابوليس كانت مراكز للثقافة والحضارة الإغريقية، وشهدت نهضة فكرية كبيرة تجلت في وجود النوادي والمدارس والمعاهد التعليمية التي تدرس علوم الخطابة والبلاغة والآداب والفنون. وظهر فيها أسماء لامعة في مجال الشعر والأدب والفلسفة من أمثال منيبوس Menippos الفيلسوف الكلبي والشاعر ملياغر Meleager وهما من غدارا، والخطيب أفلاطون Platon والفيلسوف نيكوماخوس Nikomachos من جرش، كما اشتهر من أبناء دمشق المؤرخ نيقولاوس Nikolaos الدمشقي والمهندس المعماري الشهير أبولودور Appolodoros.
كما أقيمت في هذه المدن المعابد الفخمة لكبار الآلهة الإغريقية، مثل زيوس وأرتميس وباخوس وهرقل، والتي نجد أطلالها اليوم خاصة في جرش وعمان وقنوات، كما أنشئت الملاعب والمسارح والمدرجات الرومانية والتي لا يزال بعضها قائماً حتى اليوم، مثل مدرجات بصرى وجرش وعمان وهي شواهد حية على عظمة ماضيها.
تعليق