المسجد الأقصى المبارك
هو ثاني مسجد وضع في الأرض دون أن يكون قبله كنيس ولا هيكل، وهو ثالث المساجد التي تشد إليها الرحال في الإسلام، والقبلة الأولى، واليه أسري بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، ومنه بدأ معراجه إلى السماء، وفيه أم الأنبياء, وهو المسجد المبارك ما حوله، والسكن في أرضه رباط إلى يوم الدين. يقع المسجد الأقصى المبارك فوق هضبة موريا في الزاوية الجنوبية الشرقية من البلدة القديمة بالقدس المحتلة، وهو عبارة عن مساحة كبيرة شبه مستطيلة، يحيط بها سور، وأغلبها غير مسقوف، باستثناء الجامع المبني في صدرها من جهة القبلة (يسمى "الجامع القِبْلي" وتعلوه قبة رصاصية)، وقبة الصخرة (ذات اللون الذهبي المميز) الواقعة في قلب المسجد الأقصى المبارك. فضلا عن ذلك، يشتمل المسجد الأقصى المبارك على عدة مصليات وقباب أخرى، وأسبلة مياه، ومواضئ، وآبار، ومصاطب، ومحاريب، وأروقة، ومدارس، وغير ذلك من المعالم التي تقارب في عددها 200 معلَم، وتقع داخل سور المسجد المبارك.
تبلغ مساحة المسجد الأقصى المبارك 144 ألف متر مربع (أي ما يعادل نحو سدس البلدة القديمة)، وتبلغ أطوال سوره 491م في جهته الغربية، و462م في جهته الشرقية، و310م في جهته الشمالية، و281م في جهته الجنوبية.
والثابت في الحديث الشريف أن المسجد الأقصى المبارك وضع في الأرض بعد المسجد الحرام بأربعين سنة، ويرجح أن يكون آدم (عليه الصلاة والسلام) هو أول من بناه، مما يدل على أن المسجد الأقصى لم يقم قبله كنيس ولا هيكل ولا أي مبنى آخر لعبادة غير الله. وبعد آدم (عليه الصلاة والسلام)، عمرته الأنبياء، ومنهم إبراهيم (عليه الصلاة والسلام)، الذي جدد أيضا بناء المسجد الحرام، وسليمان (عليه الصلاة والسلام)، الذي جدد بناءه، ودعا لمن صلى فيه.
وبعد الفتح الإسلامي للقدس عام 636م، (الموافق 15 للهجرة)، بنى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) جامعا في صدر المسجد الأقصى المبارك في موضع يعتقد أنه نفس الموضع الذي يقوم عليه الآن الجامع القِبْلي (المصلى الرئيسي في المسجد الأقصى المبارك). وفي عهد الأمويين، بنيت قبة الصخرة (الواقعة في قلب المسجد الأقصى المبارك) ، كما بني الجامع القِبْلي الحالي، واستغرق هذا كله قرابة 30 عاما من 66 هجرية/ 685 ميلادية - 96 هجرية/715 ميلادية. وفي عهود لاحقة، اعتنى المسلمون بإعمار المسجد الأقصى المبارك، وترميمه، والبناء فيه حتى اكتمل بشكله الحالي.
ويطلق الناس خطأ على المسجد الأقصى المبارك اسم "الحرم الشريف"، ولكن هذا الاسم خطأ شرعا لأن في الإسلام حرمان فقط باتفاق العلماء هما مكة والمدينة. ولقد سماه الله تعالى "المسجد الأقصى" في كتابه العزيز، فقال عز وجل: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير." فضلا عن ذلك، فإن الالتزام بالاسم الصحيح يقطع الطريق على أية محاولات صهيونية للاستيلاء على جزء من الأقصى بزعم أنه جزء من "حرم/ حمى" يحيط بالأقصى، وليس عين المسجد المبارك.
بعد الاحتلال الصليبي للقدس في 7/1099م- 8/492هـ، جرت مذابح يشيب لها الولدان في المسجد الأقصى المبارك، حيث قدرت بعض المصادر التاريخية عدد المسلمين الذين قتلوا داخل المسجد المبارك يوم سقوط المدينة بأيدي المحتلين بـ 70 ألف مسلم. كما جرى تحويل أجزاء من المسجد الأقصى المبارك إلى كنائس منها قبة الصخرة وجزء من الجامع القِبْلي، بينما استحدثت كنائس أخرى داخل حدود المسجد المبارك. إضافة لذلك، دنست أجزاء أخرى من الأقصى، وحولت إلى مساكن للفرسان، ومقار للقيادة، مثل الجامع القِبْلي، أو إلى اسطبلات للخيول، مثل المصلى المرواني الذي أسموه حينها "اسطبلات سليمان".
ومنذ الاحتلال الصهيوني للقدس في 6/1967م- 2/1387هـ، يتعرض المسجد الأقصى المبارك الأسير والمصلون فيه لاعتداءات كثيرة، شملت احتلال أجزاء منه أحدها يقع فوق صحن قبة الصخرة (الواقعة في قلب المسجد الأقصى المبارك) حيث أقيم مركز لشرطة الاحتلال، فضلا عن مصادرة بعض حيطانه، مثل حائط البراق، وحائط الكرد، اللذين تم تهويدهما وتحويلهما إلى أماكن عبادة لليهود، فضلا عن إحراق الجامع القِبْلي- المصلى الرئيسي في المسجد الأقصى المبارك-، وارتكاب عدة مذابح بحق المصلين داخل المسجد المبارك راح ضحيتها عشرات الشهداء وآلاف الجرحى، وكذلك الحفريات التي تنفذها سلطات الاحتلال حوله وتحته، بما يؤثر على أساساته، ويهدد بهدمه.
وفي الوقت الذي يخضع فيه المسجد الأقصى المبارك منذ بدء الاحتلال إلى حصار خانق اشتد بعد انتفاضة الأقصى المباركة عام 2000م، حيث يمنع من دخوله كل أهل الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا يسمح إلا لآلاف قليلة من أهل القدس الشريف وأهل فلسطين 48 بدخوله، يعمل الصهاينة حاليا على تهويد المسجد الأقصى المبارك، بإدخال أعداد غفيرة من اليهود إليه سعيا لتقسيمه بين المسلمين واليهود، ومن ثم إقامة مواضع تعبد يهودية داخله، وذلك في إطار تحقيق هدف تقويض الأقصى، بزعم أنه في موضع ما يسمى "الهيكل"، (المعبد) والذي يرجعون بناءه الأول إلى سليمان (عليه الصلاة والسلام).
والحقيقة أن الحفريات المنتشرة حول وتحت المسجد الأقصى المبارك، ومعظمها صهيونية، لا تشير إلى وجود أي أثر للمعبد المزعوم، رغم أنها وصلت إلى طبقات جيولوجية تعود لفترات تاريخية سحيقة. كما أن الحديث النبوي الشريف الذي يؤكد أن المسجد الأقصى المبارك هو ثاني مسجد وضع في الأرض بعد المسجد الحرام يدل على أن موضع المسجد الأقصى المبارك خصص لعبادة الله تعالى منذ خُلِقت البشرية. وحتى لو ثبت أن أبنية مختلفة أقيمت في موضعه بعد بنائه الأول هذا، فلا شك أن بناء سليمان (عليه الصلاة والسلام)، على وجه الخصوص، والذي يثبته حديث نبوي شريف آخر، كان بناء تجديد لهذا المسجد الذي لا يعبد فيه إلا الله تعالى، لأنه (عليه الصلاة والسلام) نبي من أنبياء الله، وليس ملكا لليهود فحسب، كما يدعون.
تعليق