الكتــابة الأمـــازيغية
حينما نتحدث عن اللغة الأمازيغية ونجعلها محورا للبحث والدرس فلابد من التطرق إلى الكتابة الأمازيغية باعتبارها ناقلة للإرث الحضاري الأمازيغي منذ القديم. وهذه الكتابة هي أس الكينونة الأنطولوجية للإنسان الأمازيغي والمعبر الأيقوني والصوري الحقيقي عن أفكاره ومشاعره ووجدانه ومخياله الذهني والعقلي والوجداني والحركي. ولابد من تتبع الكتابة الأمازيغية وخطوطها الأساسية لمعرفة تجلياتها الحضارية والثقافية واستقراء تطورها على مستوى التدوين والتوثيق لمعرفة تاريخ الإنسان الأمازيغي ومنجزاته الفكرية والعملية والإبداعية. وكل ذلك لأن الكتابة الأمازيغية تسعف الباحثين والدارسين بواسطة نقوشها الراسخة على الكهوف والصخور والأحجار والمغارات الموجودة في الجبال والبوادي والمدن والصحاري وعبر شواهدها المأتمية وزخارف الزرابي ومن خلال ظاهرة الوشم التزيينية من التعرف على حضارة الأمازيغيين وثقافتهم وطرائق حياتهم المعيشية وسبل تأقلمهم مع الطبيعة التي تحيط بهم.
إذا، ماهي الكتابة الأمازيغية؟ وماهي خصوصياتها اللسنية والأيقونية؟ وما هي أهم التطورات التي عرفتها هذه الكتابة عبر تاريخ الكينونة الأمازيغية؟ هذه هي الأسئلة التي سنرصدها في موضوعنا هذا.
تنقسم اللغة الأمازيغية إلى لهجات عدة وهي: تامازيغت، وتاريفت، وتاشلحيت بالمغرب، واللهجة القبائلية، واللهجة الشاوية، ولهجة بني مزاب، ولهجة بني صالح بالجزائر ، واللهجة الزوارية ، واللهجة النفوسية، و اللهجة الغدامسية، ولهجة أوجلة، ولهجة سكنة بليبيا، واللهجة الطوارقية ببلاد الطوارق المحاذية للجزائر ومالي والنيجر، واللهجة السيوية في مصر. أما في تونس فيمكن الحديث عن مجموعات ساقية ومجورة وسند وتامزرات وشنين ودويرات وجربة. وتوجد مجموعة ئزناگن أو زناكة في الحدود الموريطانية-السينيغالية.
تسمى كتابة الأمازيغيين بتيفيناغ أو تفنغ Tifinag أي خطنا أو كتابتنا أو اختراعنا، وقد وصلتنا هذه الكتابة مخطوطة عبر مجموعة من النقوش والصخور وشواهد القبور منذ آلاف من السنين، ولدينا من ذلك أكثر من ألف نقش على الصفائح الحجرية ، بل يفوق 1300 نصا .
ومن ناحية أخرى، يذهب بعض الدارسين إلى أن تيفيناغ مشتقة من فنيق وفينيقيا. ويعني هذا أن اللغة الأمازيغية فرع من الأبجدية الفينيقية الكنعانية.
خصائص الكتابة الأمازيغية القديمة:
أ- الكتابة الأمازيغية بخط تيفيناغ:
يعود تاريخ الكتابة الأمازيغية (تيفيناغ) إلى فترات تاريخية بعيدة من الصعب تحديدها بدقة ، وهناك من الباحثين من يرجعه إلى 3000قبل الميلاد، بل إلى 5000 قبل الميلاد، " وقد كان يعتقد إلى وقت قريب أن تيفيناغ بمثابة كتابة فينيقية ظهرت في القرن الثاني قبل الميلاد بفضل ماسينيسا, غير أن الباحثة الجزائرية تمكنت من العثور على لوحات كتب عليها بالتيفناغ. والباحثة المعنية هنا هي مليكة حشيد وهي مؤرخة وعالمة آثار أجرت فحوصات على تيفيناغ المعثور عليه، وتبين أنه يعود إلى ألف وخمسمائة سنة قبل الميلاد, وهو ما جعل البعض يرجح أن يكون تيفيناغ هو أقدم الكتابات الصوتية التي عرفها الإنسان.
واللوحة الحاملة لحروف تيفيناغ هي أحد اللوحات المرافقة لعربات الحصان وهذا النوع من العربات ظهر في العصر ما بين ألف سنة قبل الميلاد وألف وخمسمائة سنة قبل الميلاد الشيء الذي جعل غابرييل كامپس يرى بأن تيفيناغ لا يمكن أن يكون قد ظهر في وقت أقل قدما من ألف سنة قبل الميلاد.
وإذا كانت هناك عدة فرضيات حول أصل تيفيناغ ابتداء من الأصل الفينيقي إلى الأصل الأمازيغي المحلي فإن الأبحاث لم تستقر بعد على حال، وهو مايلخصه كل من غابرييل كامپس وكارل پرسه في أنه بالرغم من كل محاولات التصنيف يبقى الإلمام بأصل تيفيناغ بعيد المنال.
ومن ثم، فإن تيفيناغ بمثابة كتابة قليلة الشهرة ولكنها قديمة لدرجة تستحق الاهتمام باعتبار أن تيفيناغ البدائي يكاد يعود إلى ثلاثة ألاف سنة قبل الميلاد. ويبدو أن هذه الكتابة الأمازيغية التي تسمى أيضا بالتيفيناغ البدائي أو الكتابة الليبية البدائية قد ظهرت مع الإنسان القفصي نسبة إلى مدينة قفصة التونسية. بحيث ظهر تيفيناغ باعتباره رسوما بدائية قابلة للقراءة، بل إن البعض يجعلها حروفا مقروءة."
وقد استعمل خط تيفيناغ في الكتابة على شواهد القبور والمغارات والكهوف والصخور والنقوش والزرابي والحلي وسك النقود ووشم الجسد والتزيين والزخرفة ووسم التذكارات التاريخية المنصوبة. وإذا كان الخط الأمازيغي استعمل كثيرا في البوادي والجبال (جبال الأطلس) والمناطق الصحراوية (بلاد الطوارق)، فإنه لم يستعمل كثيرا في المدن لهيمنة الغزاة من الرومان والوندال والبيزنطيين والفاتحين العرب على دواليبها ومرافقها وتجنيسها بلغة الفاتح المستعمر.
هذا، وتكتب الأمازيغية القديمة كما هو معلوم من الأعلى إلى الأسفل في البداية كما يتجلى ذلك في النقوش والصخور والكهوف، ليتم تطويعها من جميع الجهات، من الأعلى إلى الأسفل، ومن الأسفل إلى الأعلى ،ومن اليمين إلى اليسار، ومن اليسار إلى اليمين. واستمر وضع الكتابة على هذا الشكل إلى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي إلى أن غير الطوارق صيغة الكتابة من اليمين إلى اليسار على غرار اللغة العربية. بيد أن الباحث الجزائري بوزياني الدراجي يرى أن هذا التغيير بدأ مع الفينيقيين:" وفي العهد الفينيقي أضحت كتابة " تفنغ" تكتب من اليمين إلى الشمال؛مثلها مثل الخط الفينيقي."
ومن المعروف أن الكتابة الأمازيغية عبارة عن حروف صامتة وغير صائتة، كانت في البداية تتكون من 16 حرفا صامتا Consonnes ، وصار بعد ذلك 23 حرفا في عهد المملكة المازيلية النوميدية. وستضاف إليها بعض الحروف الصائتة voyelles مع الفتح العربي لشمال أفريقيا وتسمى :" تيدباكين"، وهذه الصوائت هي: الفتحة والضمة والكسرة. وتسمى الأبجدية الأمازيغية "أگامك"، لتصبح تيفيناغ اليوم عبارة عن 33 حرفا ، منها 29 حرفا صامتا و4 صائتا.
ب- الكتابة الأمازيغية بالخط العربي:
كتبت الأمازيغية بالحرف العربي ابتداء من القرن الثاني عشر والثالث عشر مع ابن تومرت الذي ترجم كتاب "العقيدة" إلى اللغة الأمازيغية بواسطة الخط العربي. بيد أنه في القرن الثامن عشر الميلادي، ستنتشر الكتابات الأمازيغية المكتوبة بالخط العربي وبالضبط في منطقة سوس كالشعر الأمازيغي المنسوب إلى سيدي حمو الطالب وغيرها من كتب الشعر والدين والتصوف والتاريخ والسير. وقد واكب هذا التأليف المرحلة الإسلامية والفتوحات العربية لشمال أفريقيا، وكذلك مع تأثر المثقفين الأمازيغيين بالعلماء المسلمين في شتى المعارف والفنون والعلوم. وفي هذا الصدد يقول أحمد بوكوس:" أما عن المرحلة الإسلامية فإن المؤرخين، وخصوصا منهم مؤلفي الحوليات والسير، يتحدثون عن عدد غير يسير من المراجع المكتوبة باللسان الأمازيغي، منها الأدبيات الدينية للخوارج والبورغواطيين والموحدين ولكن جلها اندثر. لم نعد نحتفظ منها سوى ببعض أسماء الأعلام البشرية وأعلام الأمكنة وبعض الجمل المتناثرة. وحتى أشعار سيدي حمو الطالب التي قد تساعد على استقراء السمات العامة لأمازيغية القرن الثامن عشر لم يصل إلينا بعضها إلا عبر الرواية الشفوية. وهكذا، فإن من أقدم المؤلفات الموضوعة بالأمازيغية هي من إنجاز الفقهاء من أمثال أزناگ وأوزال. ولعل من أشهر هذه المؤلفات كتابي الفقيه محمد ؤعلي أوزال (الهوزالي) أي كتاب الحوض وكتاب بحر الدموع، أولهما يتناول قواعد الفقه وفق المذهب المالكي، وثانيهما في قضايا التصوف. لقد ألفا في القرن الثامن عشر بلسان تاشلحيت ودونا بالحرف العربي. والجدير بالذكر أن لغة هذه النصوص لاتختلف في شيء عن الأمازيغية الحديثة من حيث صرفها ومعجمها وتركيبها."
ومن الصعوبات التي تطرحها كتابة الأمازيغية عبر الخط العربي نلفي مشكل كتابة الهمزة وكتابة الحروف المشكولة، ونرى أن طريقة "أراتن" أفضل في كتابة الأمازيغية باللغة العربية.
فإليكم – إذا- بعض الأمثلة الأمازيغية المكتوبة بطريقة" أراتن":
إزران ــــــــــــــــ ءيزران (الأشعار)
يموث ـــــــــــ ياموث (مات)
أمزكون ــــــــــــ ءامزگون(المسرح)
أرنو ـــــــــــــــــ ءورينو( قلبي)
ج- الكتابة الأمازيغية بالخط اللاتيني:
اعتمد الكثير من الدارسين والباحثين المتمكنين من اللغة الفرنسية على الخط اللاتيني في كتابة المنتوج الأمازيغي كما نجد ذلك واضحا لدى الكثير من الجمعيات الأمازيغية في الجزائر والمغرب. بيد أن الخط اللاتيني الذي استعمل في إصدار مجموعة من الصحف والمجلات كجريدة "أگراو" و"تاسافوت" و" تويزا" ومجلة "تيفيناغ "لأوزي أحرضان… أدخلت عليه تغييرات كبيرة على مستوى الكتابة لتلائم النطق الأمازيغي، فأصبح هذا الخط اللاتيني مشوها بكثرة النقط والرموز الأيقونية فوق رأس الحرف وأسفله؛ مما جعله خطا صعبا للقراءة إذا لم يرافقه جدول لساني صوتي يذلل قراءة الأحرف ، كما لاحظنا ذلك أثناء تعاملنا مع مجموعة من الدواوين الشعرية الأمازيغية الريفية سواء التي أصدرتها جمعية "إيزوران /الجذور" كديوان ميمون الوليد، وديوان محمد والشيخ،وديوان محمد شاشا أم الصادرة بالمغرب كديوان فاظمة الورياشي، وديوان أحمد الزياني، ودواوين رشيدة مايسة المراقي، وديوان سعيد الفراد.
ومن الصعوبات التي يطرحها الخط اللاتيني إلى جانب حمولاته الإيديولوجية والكولونيالية أن الكثير من القراء الأمازيغيين لايفهمون الفرنسية، وهنا يطرح هذا السؤال الملح : لمن يكتب هؤلاء؟ هل للجمهور الفرنسي أم للمغاربة المفرنسين ؟ وهؤلاء المتفرنسون في الحقيقة نخبة ضئيلة جدا أم أنهم يكتبون للأمازيغيين المغاربة الذين لايتقنون إلا اللغة العربية ويجدون صعوبة كبيرة في فهم اللغة الفرنسية ؟! فكيف سيفهمون خطا أجنبيا مليئا بالنقط وأحرف لاتعبر أبدا عن الحروف الأمازيغية بشكل علمي ومضبوط. لذا، من الأفضل كتابة الأمازيغية بخط تيفيناغ ؛لأنه رمز الهوية المحلية ، وأس الحضارة الأمازيغية الموروثة، فقط يجب علينا أن نطوره ونطوعه ليساير جميع المستجدات التقنية والعلمية والأدبية والفنية والمعرفية.
منقول من كتاب مدخل إلى الكتابة الأمازيغية
بقلم /الدكتور جميل حمداوي
تعليق