جان دارك... عذراءُ أورليانز
نادت بالعدالة، وناضلت من أجل استقلال بلادها وحريتها وكرامتها
أثبتت المرأة، وخلال تعاقب العصور التاريخية، جدارتها ومكانتها من خلال مشاركتها في بناء المجتمعات الإنسانية، ومساهمتها في مجالات عديدة من الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. كما برهنت على ما عندها من طاقات وقدرات هائلة؛ لذا فهي جديرة بالاهتمام، ولها الحق في أن تتمتع بحقوقها دون تمييز.
هناك عدد كبير من النساء المتميزات والشهيرات، من اللواتي أصبحن مضرب مثل على إمكانية تميّز المرأة، في مجالات تبدو حكراً على الرجال، ولا سيما التضحية في سبيل الوطن، وقيادة النضال الوطني. ومن بينهن الشخصية الأسطورية الفرنسية (جان دارك)، التي احتلت مساحة شاسعة من صفحات التاريخ الأوروبي والإنساني، وشغلت العالم بقدراتها العسكرية والقيادية المتميزة، حتى أصبحت مضرب المثل في الشجاعة وروح التضحية، ورمز النقاوة الفرنسية.
جان دارك... تلك الفتاة الصغيرة البسيطة، شغلت الكتاب والمؤرخين الأوروبيين. لفتت انتباه الأديب الألماني الشهير (فريدريش شيللر)، خلال مطالعته لتاريخ العصور الوسطى؛ فكتب عنها مسرحيته التي سماها (عذراءُ أورليانز)، وهي دراما رومانسية إنسانية، لم يقصد بها أمة معينة؛ بل عممها لكل الأمم المفككة، التي تسعى لمواجهة الأطماع الخارجية، عن طريق الوحدة.
غدت شخصيتها من أبرز الشخصيات التاريخية، التي تتجلى فيها البطولة والجرأة؛ إذ قادت الشعب الفرنسي، لتقاتل الاحتلال الأجنبي (الإنكليزي) لبلادها.
نادت بالعدالة، وناضلت من أجل استقلال بلادها وحريتها وكرامتها. تمردت على العادات والتقاليد، وعلى والديها؛ إلا أنها وقعت ضحية نظام الحكم وأصحاب السلطة والنفوذ، والمتسلقين في الحكم.
كان هدفها من النضال أن تكشف عن زيف الحكام وشعاراتهم الرنانة، هؤلاء الذين تجردوا من الرحمة والإنسانية. كانت غايتها تعريتهم وإزالة أقنعتهم؛ لتظهرهم على حقيقتهم. وكان هؤلاء، أصحاب النفوذ، من ألد أعدائها، وأصبحوا يخشونها، ولا سيما عندما نالت شهرة وشعبية كبيرة بين أبناء وطنها؛ فتحركت أحقادهم وضغائنهم ضدها، ومن بينهم الكاردينال (وينشستر)، وهو من أبرز الناقمين عليها. ولهذا دبروا لها المكائد، لينالوا من سمعتها اجتماعياً؛ فاتهموها بالسحر والهرطقة.
تجمع شخصيتها بين الرمز والحقيقة؛ فهي شخصية مميزة ومتوهجة، حساسة، جذابة، ومحبوبة في فرنسا إلى حد القداسة. وبسبب تميّزها هذا؛ فقد جلبت لنفسها متاعبَ كثيرة، وكثر أعداؤها، وخاصة أنها كانت من عامة الشعب.
جان دارك... تلك الفتاة الصغيرة البسيطة، شغلت الكتاب والمؤرخين الأوروبيين. لفتت انتباه الأديب الألماني الشهير (فريدريش شيللر)، خلال مطالعته لتاريخ العصور الوسطى؛ فكتب عنها مسرحيته التي سماها (عذراءُ أورليانز)، وهي دراما رومانسية إنسانية، لم يقصد بها أمة معينة؛ بل عممها لكل الأمم المفككة، التي تسعى لمواجهة الأطماع الخارجية، عن طريق الوحدة.
إن سيرة حياة هذه (القديسة) تدور حول أحداث حرب المئة عام، بين بريطانيا وفرنسا (1337-1453)، وانتهت بخسارة الإنكليز لكل اقطاعاتهم في فرنسا.
ولدت جان دارك في عام 1412 في قرية (دومرمي)، التي كانت جزءاً من (بريغاندي)- الولاية المستقلة عن السلطة الفرنسية في ذلك الوقت، لأبٍ مزارع متوسط الحال، اسمه (جون دارك)، وأمها (إيزابيل) التي لقنتها التعاليم الدينية. تأخذ حياة (جان دارك) شكل الأسطورة، عند بعض الفرنسيين؛ فعندما بلغت الثالثة عشرة من عمرها، كانت تسمع أصواتاً تناديها، وتدعوها إلى تحرير بلدها من الاحتلال الإنكليزي (هذا ما أشارت إليه في مذكراتها)؛ فلبت النداء الداخلي، وعملت على تجميع قوات عسكرية، قادتها بنفسها لدحر القوات الإنكليزية، بعد أن تنكرت بزي الرجال!. واستطاعت بهذه الطريقة أن تحصل على نوع من السلطة، التي كان يصعب لامرأةٍ الوصول إليها في تلك الفترة.
كان اسمها الحقيقي (جانيت)، وعندما جاءت إلى فرنسا نادوها (جان). بينما كانت مشغولة بأمر الحرب، أبلغتها أمها أن والدها قد حلم بها أكثر من مرة، وهي تهرب مع مجموعة من الجند، وأنه تحدث من إخوتها منذراً: "لو آمنتُ بأن هذه الأحلام ستتحقق، لطلبت منكم إغراقها، وإذا رفضتم فسأغرقها بنفسي"!. وفعلاً تحقق قوله الأخير؛ لأنها أحرقت ورُميت في نهر السين.
وبسبب حلم أبيها، تعرضت لمراقبة والديها واضطهادهما. كانت مطيعة لأوامرهما، إلا أنها لم تستطع أن تعصي مشيئة ربها؛ الذي كانت تقول إنه أوحى لها بضرورة النضال من أجل حرية واستقلال شعبها ووطنها. ولقوة إيمانها بما كانت تعتقده؛ فقد عصت والديها، واستسلمت لمشيئة ما كانت تسمعه في داخلها، وذهبت إلى عمها لتقيم عنده فترة، ثم توجهت إلى (فرسولورز)، وقابلت قائد المدينة (روبرت ديودريكورت)، وطلبت منه أن يساعدها في السفر إلى فرنسا، إلا أنه رفض طلبها؛ فلجأت إلى مساعده (جون ديميتر)، الذي لبى طلبها، واضطر (ديودريكورت) أن يساعدها،وأعطاها سيفاً، ورافقها فارس وأربعة جنود.
عند وصولها قابلت ابن الملك، وأخبرته أنها جاءت لتحارب الإنكليز. اختبرها العلماء مدة ثلاثة أسابيع، وعندما تيقنوا من أنها جاءت لتنقذ (أورليانز) من الاحتلال البريطاني، ولتتويج الابن البكر للملك على العرش، وهبها الملك اثنا عشر ألف جندي، قادتهم إلى أورليانز، وكتبت رسالة إلى ملك بريطانيا (الدوق بدفورد)، قائلة: " أرسلني المتعالي ملك السماوات والأرض لطردك من أراضي فرنسا، التي انتهكتَ سيادتها وعثتَ فيها فساداً... لو أطعتني؛ فسأرحم رجالك وأسمح لهم بالذهاب إلى ديارهم، وستذهب المملكة إلى الملك تشارلز، الأحق بالإرث... وإلا سنشعلها حرباً ضروساً لم ترَ فرنسا مثلها منذ ألف عام".
توجهت جان دارك إلى أورليانز، وزحفت إليها بجنودها الذين حاصروها، واحتلوا أبراج حامية المدينة. وأثناء تسلقها السلم، أصيبت بسهم في حنجرتها، لكنها لم تستسلم؛ بل ازدادت قوة وإيماناً، وامتطت فرسها دون أن تأبه بجرحها وألمها، وعادت إلى المعركة وهي تشجع الجنود بقولها: "كونوا شجعاناً ولا تتراجعوا، وبعد قليل سيكون النصر لكم. هيا...المدينة لنا".
كانت جان دارك رحيمة عطوفة؛ فحينما انسحب الإنكليز من المدينة، في الخامس من أيار، قالت لرجالها والرقة تعلو وجهها: "لا تلحقوا بهم أي ضرر...". وبقيادتها أحرز الفرنسيون انتصارات باهرة، ونجحت جان دارك في تحقيق رسالتها، وقادت (تشارلز) إلى (ريمز) وشاهدت تتويجه كملك لفرنسا.
تم القبض عليها حين كانت تقوم بمهمة سرية إلى مدينة (كامبين)، وأسرها البرغانديون، عملاء الاحتلال البريطاني. اقتادوها إلى (ريون) وباعوها للإنكليز، بعد أن فكت الحصار البريطاني عن مدينة اورليانز. أخبروها أنها ستحرق، بعد أن تتعرض إلى صنوف العذاب؛ فلم تركع، وتذكرت صلب المسيح لتخفف وتسهّل مصابها، وفضلت الموت السريع على الآلام ومعاناة السجن الطويلة.
حوكمت في محكمة الكنيسة بتهمة الإلحاد والهرطقة والسحر. وصدر قرار الحكم عليها بالحرق؛ فواجهت الحكم صامدة شامخة الرأس، في 30/5/1431.
قامت السلطات الإنكليزية، وبمشاركة علماء جامعة باريس، التي تحكموا بها، بتقييدها إلى خشبةٍ وأحرقوها، بعد أن أقتيدت إلى قاعة المحكمة وهي مكبلة بالأصفاد والحديد، وكان الحكم بحقها جائراً وبالغ الوحشية.
قبل حرقها، قيدوها إلى شجرة ومزقوا جسدها وهي في عمر الورود؛ فقالت لهم: "لو كنتُ في مكان إعدامي، وشاهدتُ الزبانية يشعلون النيران التي تلتهب، حين يلقون لها بالأخشاب الجافة، ولو كنتُ وسط اللهيب حتى آنذاك؛ فليس لديّ ما يمكن أن أضيفه من أقوال".
وهكذا نذرت جان دارك نفسها للمهمة العسكرية، لرفع الحصار الإنكليزي عن مدينة (أورليانز) الفرنسية في عام 1429. وعُرفت منذ ذلك الوقت باسم (لابوسيل أورليانز)، أي عذراء أورليانز.
وهبت جان دارك نفسها، وهي لا تزال طفلة صغيرة السن، للكفاح والمقاومة ضد الإنكليز. أذهلت العالم بقوة شخصيتها وقدراتها التي فاقت التصور، في وقت كانت القوانين جائرة بحق المرأة؛ لهذا كان الحكم عليها قاسياً.
ارتبط اسم القديسة جان دارك ليس فقط بمقاومة الاحتلال البريطاني لمملكة فرنسا؛ وإنما بالمقاومة النسائية في العالم. ففي عام 1450، أي بعد 19 عاماً على حرقها، أقيمت محكمة خاصة لتكريمها. ولم يتوقف التكريم عند هذا الحد؛ بل إنه في عام 1909، أي بعد 450 عاماً، تم تطويبها كمسيحية، ولقبت جان دارك بالقديسة في عام 1920، وأصبحت مصدر إلهام للعديد من المبدعين الفرنسيين والكتاب في العالم.
كتبت حولها المسرحيات، مثل مسرحية (عذراء أورليانز) لـ(شيللر)، وأنتجت الأفلام مثل فيلم (آلام جان دارك) لـ(كارل ديير)، وأصبحت رمزاً للمقاومة النسائية في فرنسا وفي العالم.
أصبحت جان دارك مثلاً يُحتذى به، كبطلة فرنسية ساهمت في تحرير بلادها من الإنكليز.
نادت بالعدالة، وناضلت من أجل استقلال بلادها وحريتها وكرامتها
أثبتت المرأة، وخلال تعاقب العصور التاريخية، جدارتها ومكانتها من خلال مشاركتها في بناء المجتمعات الإنسانية، ومساهمتها في مجالات عديدة من الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. كما برهنت على ما عندها من طاقات وقدرات هائلة؛ لذا فهي جديرة بالاهتمام، ولها الحق في أن تتمتع بحقوقها دون تمييز.
هناك عدد كبير من النساء المتميزات والشهيرات، من اللواتي أصبحن مضرب مثل على إمكانية تميّز المرأة، في مجالات تبدو حكراً على الرجال، ولا سيما التضحية في سبيل الوطن، وقيادة النضال الوطني. ومن بينهن الشخصية الأسطورية الفرنسية (جان دارك)، التي احتلت مساحة شاسعة من صفحات التاريخ الأوروبي والإنساني، وشغلت العالم بقدراتها العسكرية والقيادية المتميزة، حتى أصبحت مضرب المثل في الشجاعة وروح التضحية، ورمز النقاوة الفرنسية.
جان دارك... تلك الفتاة الصغيرة البسيطة، شغلت الكتاب والمؤرخين الأوروبيين. لفتت انتباه الأديب الألماني الشهير (فريدريش شيللر)، خلال مطالعته لتاريخ العصور الوسطى؛ فكتب عنها مسرحيته التي سماها (عذراءُ أورليانز)، وهي دراما رومانسية إنسانية، لم يقصد بها أمة معينة؛ بل عممها لكل الأمم المفككة، التي تسعى لمواجهة الأطماع الخارجية، عن طريق الوحدة.
غدت شخصيتها من أبرز الشخصيات التاريخية، التي تتجلى فيها البطولة والجرأة؛ إذ قادت الشعب الفرنسي، لتقاتل الاحتلال الأجنبي (الإنكليزي) لبلادها.
نادت بالعدالة، وناضلت من أجل استقلال بلادها وحريتها وكرامتها. تمردت على العادات والتقاليد، وعلى والديها؛ إلا أنها وقعت ضحية نظام الحكم وأصحاب السلطة والنفوذ، والمتسلقين في الحكم.
كان هدفها من النضال أن تكشف عن زيف الحكام وشعاراتهم الرنانة، هؤلاء الذين تجردوا من الرحمة والإنسانية. كانت غايتها تعريتهم وإزالة أقنعتهم؛ لتظهرهم على حقيقتهم. وكان هؤلاء، أصحاب النفوذ، من ألد أعدائها، وأصبحوا يخشونها، ولا سيما عندما نالت شهرة وشعبية كبيرة بين أبناء وطنها؛ فتحركت أحقادهم وضغائنهم ضدها، ومن بينهم الكاردينال (وينشستر)، وهو من أبرز الناقمين عليها. ولهذا دبروا لها المكائد، لينالوا من سمعتها اجتماعياً؛ فاتهموها بالسحر والهرطقة.
تجمع شخصيتها بين الرمز والحقيقة؛ فهي شخصية مميزة ومتوهجة، حساسة، جذابة، ومحبوبة في فرنسا إلى حد القداسة. وبسبب تميّزها هذا؛ فقد جلبت لنفسها متاعبَ كثيرة، وكثر أعداؤها، وخاصة أنها كانت من عامة الشعب.
جان دارك... تلك الفتاة الصغيرة البسيطة، شغلت الكتاب والمؤرخين الأوروبيين. لفتت انتباه الأديب الألماني الشهير (فريدريش شيللر)، خلال مطالعته لتاريخ العصور الوسطى؛ فكتب عنها مسرحيته التي سماها (عذراءُ أورليانز)، وهي دراما رومانسية إنسانية، لم يقصد بها أمة معينة؛ بل عممها لكل الأمم المفككة، التي تسعى لمواجهة الأطماع الخارجية، عن طريق الوحدة.
إن سيرة حياة هذه (القديسة) تدور حول أحداث حرب المئة عام، بين بريطانيا وفرنسا (1337-1453)، وانتهت بخسارة الإنكليز لكل اقطاعاتهم في فرنسا.
ولدت جان دارك في عام 1412 في قرية (دومرمي)، التي كانت جزءاً من (بريغاندي)- الولاية المستقلة عن السلطة الفرنسية في ذلك الوقت، لأبٍ مزارع متوسط الحال، اسمه (جون دارك)، وأمها (إيزابيل) التي لقنتها التعاليم الدينية. تأخذ حياة (جان دارك) شكل الأسطورة، عند بعض الفرنسيين؛ فعندما بلغت الثالثة عشرة من عمرها، كانت تسمع أصواتاً تناديها، وتدعوها إلى تحرير بلدها من الاحتلال الإنكليزي (هذا ما أشارت إليه في مذكراتها)؛ فلبت النداء الداخلي، وعملت على تجميع قوات عسكرية، قادتها بنفسها لدحر القوات الإنكليزية، بعد أن تنكرت بزي الرجال!. واستطاعت بهذه الطريقة أن تحصل على نوع من السلطة، التي كان يصعب لامرأةٍ الوصول إليها في تلك الفترة.
كان اسمها الحقيقي (جانيت)، وعندما جاءت إلى فرنسا نادوها (جان). بينما كانت مشغولة بأمر الحرب، أبلغتها أمها أن والدها قد حلم بها أكثر من مرة، وهي تهرب مع مجموعة من الجند، وأنه تحدث من إخوتها منذراً: "لو آمنتُ بأن هذه الأحلام ستتحقق، لطلبت منكم إغراقها، وإذا رفضتم فسأغرقها بنفسي"!. وفعلاً تحقق قوله الأخير؛ لأنها أحرقت ورُميت في نهر السين.
وبسبب حلم أبيها، تعرضت لمراقبة والديها واضطهادهما. كانت مطيعة لأوامرهما، إلا أنها لم تستطع أن تعصي مشيئة ربها؛ الذي كانت تقول إنه أوحى لها بضرورة النضال من أجل حرية واستقلال شعبها ووطنها. ولقوة إيمانها بما كانت تعتقده؛ فقد عصت والديها، واستسلمت لمشيئة ما كانت تسمعه في داخلها، وذهبت إلى عمها لتقيم عنده فترة، ثم توجهت إلى (فرسولورز)، وقابلت قائد المدينة (روبرت ديودريكورت)، وطلبت منه أن يساعدها في السفر إلى فرنسا، إلا أنه رفض طلبها؛ فلجأت إلى مساعده (جون ديميتر)، الذي لبى طلبها، واضطر (ديودريكورت) أن يساعدها،وأعطاها سيفاً، ورافقها فارس وأربعة جنود.
عند وصولها قابلت ابن الملك، وأخبرته أنها جاءت لتحارب الإنكليز. اختبرها العلماء مدة ثلاثة أسابيع، وعندما تيقنوا من أنها جاءت لتنقذ (أورليانز) من الاحتلال البريطاني، ولتتويج الابن البكر للملك على العرش، وهبها الملك اثنا عشر ألف جندي، قادتهم إلى أورليانز، وكتبت رسالة إلى ملك بريطانيا (الدوق بدفورد)، قائلة: " أرسلني المتعالي ملك السماوات والأرض لطردك من أراضي فرنسا، التي انتهكتَ سيادتها وعثتَ فيها فساداً... لو أطعتني؛ فسأرحم رجالك وأسمح لهم بالذهاب إلى ديارهم، وستذهب المملكة إلى الملك تشارلز، الأحق بالإرث... وإلا سنشعلها حرباً ضروساً لم ترَ فرنسا مثلها منذ ألف عام".
توجهت جان دارك إلى أورليانز، وزحفت إليها بجنودها الذين حاصروها، واحتلوا أبراج حامية المدينة. وأثناء تسلقها السلم، أصيبت بسهم في حنجرتها، لكنها لم تستسلم؛ بل ازدادت قوة وإيماناً، وامتطت فرسها دون أن تأبه بجرحها وألمها، وعادت إلى المعركة وهي تشجع الجنود بقولها: "كونوا شجعاناً ولا تتراجعوا، وبعد قليل سيكون النصر لكم. هيا...المدينة لنا".
كانت جان دارك رحيمة عطوفة؛ فحينما انسحب الإنكليز من المدينة، في الخامس من أيار، قالت لرجالها والرقة تعلو وجهها: "لا تلحقوا بهم أي ضرر...". وبقيادتها أحرز الفرنسيون انتصارات باهرة، ونجحت جان دارك في تحقيق رسالتها، وقادت (تشارلز) إلى (ريمز) وشاهدت تتويجه كملك لفرنسا.
تم القبض عليها حين كانت تقوم بمهمة سرية إلى مدينة (كامبين)، وأسرها البرغانديون، عملاء الاحتلال البريطاني. اقتادوها إلى (ريون) وباعوها للإنكليز، بعد أن فكت الحصار البريطاني عن مدينة اورليانز. أخبروها أنها ستحرق، بعد أن تتعرض إلى صنوف العذاب؛ فلم تركع، وتذكرت صلب المسيح لتخفف وتسهّل مصابها، وفضلت الموت السريع على الآلام ومعاناة السجن الطويلة.
حوكمت في محكمة الكنيسة بتهمة الإلحاد والهرطقة والسحر. وصدر قرار الحكم عليها بالحرق؛ فواجهت الحكم صامدة شامخة الرأس، في 30/5/1431.
قامت السلطات الإنكليزية، وبمشاركة علماء جامعة باريس، التي تحكموا بها، بتقييدها إلى خشبةٍ وأحرقوها، بعد أن أقتيدت إلى قاعة المحكمة وهي مكبلة بالأصفاد والحديد، وكان الحكم بحقها جائراً وبالغ الوحشية.
قبل حرقها، قيدوها إلى شجرة ومزقوا جسدها وهي في عمر الورود؛ فقالت لهم: "لو كنتُ في مكان إعدامي، وشاهدتُ الزبانية يشعلون النيران التي تلتهب، حين يلقون لها بالأخشاب الجافة، ولو كنتُ وسط اللهيب حتى آنذاك؛ فليس لديّ ما يمكن أن أضيفه من أقوال".
وهكذا نذرت جان دارك نفسها للمهمة العسكرية، لرفع الحصار الإنكليزي عن مدينة (أورليانز) الفرنسية في عام 1429. وعُرفت منذ ذلك الوقت باسم (لابوسيل أورليانز)، أي عذراء أورليانز.
وهبت جان دارك نفسها، وهي لا تزال طفلة صغيرة السن، للكفاح والمقاومة ضد الإنكليز. أذهلت العالم بقوة شخصيتها وقدراتها التي فاقت التصور، في وقت كانت القوانين جائرة بحق المرأة؛ لهذا كان الحكم عليها قاسياً.
ارتبط اسم القديسة جان دارك ليس فقط بمقاومة الاحتلال البريطاني لمملكة فرنسا؛ وإنما بالمقاومة النسائية في العالم. ففي عام 1450، أي بعد 19 عاماً على حرقها، أقيمت محكمة خاصة لتكريمها. ولم يتوقف التكريم عند هذا الحد؛ بل إنه في عام 1909، أي بعد 450 عاماً، تم تطويبها كمسيحية، ولقبت جان دارك بالقديسة في عام 1920، وأصبحت مصدر إلهام للعديد من المبدعين الفرنسيين والكتاب في العالم.
كتبت حولها المسرحيات، مثل مسرحية (عذراء أورليانز) لـ(شيللر)، وأنتجت الأفلام مثل فيلم (آلام جان دارك) لـ(كارل ديير)، وأصبحت رمزاً للمقاومة النسائية في فرنسا وفي العالم.
أصبحت جان دارك مثلاً يُحتذى به، كبطلة فرنسية ساهمت في تحرير بلادها من الإنكليز.
تعليق