الآشــوريــون
منشد مطلق المنشداوي
ماجستير آثار
( 1 )
أولاً : الاسم ، الأصل ، الموطن .
1 ) الاسم :-
اسم الآشوريين ، نسبة إلى مدينة آشور ، أي العاصمة ( آشور ) ، وسمي بها أيضاً إلههم القومي ( الإله آشور ) ، وهذه التسمية على غرار الأكديين نسبة إلى مدينة ( أكد ) والبابليين نسبة إلى مدينة بابل .
وتكتب آشور بصيغة قديمة على هيئة ( آ – أوسار ) " A – usar " ، والتي كانت كتابة سومرية رمزية ، وهناك صيغة أخرى مألوفة بهيئة آشور " A – usar " يتبعها العلامة الدالة على المدن ( كي ) " KI " . وأقدم ما جاء في هذه الصيغة من النصوص الأكدية المكتشفة في مدينة نوزي ، وكان اسمها في العصر الأكدي ( كاسر ) " Ga – sur " . وشاع في الاستعمال في الأدوار الآشورية الحديثة أن يُضعف حرف الشين فيقال ( آشور ) " Ash – ushar " . وللتعبير عن بلاد آشور أي القطر الآشوري كانت الكلمة تصدر بالعلامة المسمارية الدالة ( مات ) " Mat " ، أي بلاد ، فيقال ( مات آشور كي ) ، وكثيراً ما تضاف ياء النسب العربية للتعبير عن الشخص الآشوري والآشوريين فيقال : ( آشوريو ) . وجاء الاسم في المصادر الآرامية والعربية على هيئة ( آثور ) و ( آفور )(1) . ويوجد اسم آخر لموطن الآشوريين يرجع أن يكون الاسم الأصلي الأقدم منه هو ( سوبارتو ) أو ( شوبارتو ) أو ( سوبر ) " Subir " ، نسبة إلى القوم الذين استوطنوا هذا الجزء من شمالي العراق منذ أبعد العصور التاريخية قبل مجيء الآشوريين الجزريين إليه ، والمرجح أن الآشوريين قضوا على جماعات من أولئك السوباريين وأزاحوا جماعات أخرى منهم إلى سفوح الجبال والمناطق الجبلية المجاورة ، وأندمج من بقي منهم مع يشمل كذلك الأجزاء الشرقية والشمالية من دجلة ، ومما لاشك فيه أن الآشوريين تأثروا في العبادة الآشورية . ولكن الآشوريين تحاشوا إطلاق تسمية ( سوبارتو ) على بلادهم وعلى أنفسهم باستثناء استعمالها في نصوص قليلة وبوجه نصوص الفأل والتنجيم ، ذلك لأن التسمية كانت تنطوي على مدلول شائن ، إذ أنها ترادف مصطلح العبد في اللغة الأكدية " Subrum " ، كما تشير إلى ذلك النصوص التي جاءت منت العهد البابلي القديم . على أن البابليين ظلوا يطلقون كلمة ( سوبارتو ) على الآشوريين وعلى موطنهم ، ولا يستبعد أن يكون ذلك من باب الانتقاص . وخير مثال على ذلك الحادثة المؤرخ بها من حكم ( دادوشا ) ملك أشنونا ، التي تذكر جيش الملك الأشوري ( يسمح – أدد الأول ) على أنه ( صد جموع السوبارتو ) . ونجد ( مردوخ – بلادن ) الملك البابلي لا يسمي خصمه الملك الأشوري ( سرجون الثاني ) ملك الأشوريين بل ملك السوباريين ، وجيشه جموع السوبارتو( 2 ) .
أما نصوص الفأل التي اقتصرت فيها تسمية الأشوريين لبلادهم وأنفسهم على أنهم ( سوبارتو ) التقرير الذي قدمه أحد المنجمين الأشوريين إلى الملك الأشوري : " إذا شوهد القمر في يوم الثلاثين من شهر نيسان فإن بلاد سوبارتو سوف تتغلب على الأخلامو ( أحدى القبائل الآرامية الكبرى ) ويضيف ذلك المنجم موضحاً : ( نحن السوباريين )( 3 ) . كما تكرر ورود اسم آشور بهيئة ( آ – شور ) " A – shur " في النصوص المكتشفة في مدينة نوزي . ويبدو أن مدينة آشور كانت مركزاً إدارياً مهماً من مراكز الإمبراطورية الأكدية في بلاد أشور( 4 ) . وذكرت آشور لأول مرة في المصادر المصرية وذلك في القرن الخامس عشر قبل الميلاد باسم ( اسور ) وذلك في عهد تحوتمس الثالث . كما ورد اسم آشور في التوراة على أنه من أبناء سام بن نوح ( 5 ) .
2 ) الأصل : -
الآشوريون من الأقوام الجزرية ، أي المتكلمين بإحدى لغات عائلة اللغات الجزرية ، وهي الجزرية الشرقية ، التي هي اللغة الأكدية . ومع أن نظرية كون الجزيرة العربية مهد الجزريين لا تزال النظرية المعول عليها ، بيد أن الكثير ممن سموا بالجزريين ، ومنهم الآشوريون والآموريون وغيرهم لم يأتوا رأساً من الجزيرة إلى شمال العراق ، وإنما المرجح أنهم استوطنوا من بعد هجرتهم البعيدة في موطن آخر(6) ، في بوادي الشام وبادية العراق وما بين النهرين ، كما كان الحال مع الآموريين ، ثم حلوا في زمن ما من الألف الرابع أو مطلع الألف الثالث قبل الميلاد في موطنهم الآ وهو بلاد آشور . فقد ذهب بعض الباحثين ، لاسيما القدامى منهم ، إلى أن الآشوريين نزحوا إلى موطنهم من الجنوب ، أي من بلاد بابل في زمن ما ، لعله إبان الهجرة الأولى للجزريين إلى وادي الرافدين ، فكان الأكديون في الجنوب ، ثم هاجر قسم من هؤلاء الجزريين وهم الآشوريون إلى الشمال . وقد سبق أن ذكرنا عن اسم الآشوريين أن هذا الفرع من الأقوام الجزرية وجد في الموطن الذي حل فيه أقوماً أخرى لا يعلم أصلها على وجه التأكيد وفي مقدمتهم السوباريون . وذكرنا أن بلاد آشور كانت تسمى أيضاً بلاد ( سوبارتو ) وهو المصطلح الذي ظل مستعملاً في المصادر البابلية رغم تحاشي الآشوريين إطلاقه على موطنهم(7) .
تُشير لغة الآشوريين إلى أصولها الجزرية ، فلقد تحدثوا بلهجة من لهجات اللغة الأكدية ، واستخدموا الخط المسماري ذاته الذي ابتدعه السومريون ، وطوره الأكديون والبابليون(8) .
3) الموطن : -
سبق أن ذكرنا بأن الموطن الذي حل فيه الآشوريون ، وهو الجزء الشمالي الشرقي من العراق ، حيث يخترقه دجلة من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي والأراضي الكائنة على جانبيه من خط العرض ( 37 درجة ) شمالاً(9) . أما في الجنوب فلا توجد حدود طبيعية واضحة ، ولعله يمكن اعتبار نهر العظيم الحد الجنوبي لذلك الموطن . ويحده من الشرق والشمال سفوح الجبال ، بالإضافة إلى دجلة يمر في بلاد آشور الزابان ، الزاب الأعلى والأسفل . باستثناء السفوح الجبلية المحايدة لبلاد آشور شرقاً وشمالاً لا توجد حدود طبيعية من الغرب إلى الخابور والفرات ، أي القسم الذي عُرف في جغرافية وادي الرافدين باسم ما بين النهرين ، وكانت الحدود ما بين بلاد آشور وبين بلاد بابل إلى الجنوب تتغير تبعاً لقوة أو ضعف البلدين(10) .
وتتميز أراضي موطن الآشوريين بالخصب ووفرة مصادر المياه ، لاسيما مياه الأمطار الكافية لزراعة الغلال الشتوية ، وفيها سهول ووديان زراعية كبرى مثل سهلي أربيل وكركوك ، بالإضافة إلى السفوح الجبلية الصالحة للزراعة . وبالنظر إلى أسلوب الري المطري ( الديمي ) وكون الأراضي متموجة فإن بلاد آشور لم تعان من مشاكل الملوحة في تربة أراضيها الزراعية كما عانت بلاد بابل ، أي القسم الرسوبي من بلاد ما بين النهرين المعتمد في زراعته على الري(11) .
ثانياً : العواصم الآشورية .
1) آشور :-
كانت مدينة آشور هي أولى المدن الأشورية ، وقد أقيمت فوق ربوة صخرية تحف بها مياه نهر دجلة التي أصبحت حماية طبيعية لها ، وتعرف اليوم باسم ( قلعة شرقاط ) . وتقع على بعد ( 80 كم ) جنوبي مدينة الموصل الحالية ، وقد استمرت مدينة آشور مركزاً سياسياً للبلاد على مدى فترة طويلة من التاريخ العراقي القديم(12).
هذا وقد عثر في خرائبها على أسس لمعابد بعض الآلهة مثل آشور وآنو وأدد ، ولعل من أشهر هذه المعابد الإله آشور والذي يُعتبر من النماذج الأساسية في تفسير عمارة المعابد الآشورية ، كما عُثر كذلك على تماثيل لبعض الملوك ، فضلاً عن عدة مسلات . وكان الملك الآشوري ( آشور – أُبلط ) قد جعل آشور عاصمة لإمبراطورية واسعة ، ثم وسعها واهتم بشؤونها الملوك الذين خلفوه(13) . ولقدسية مدينة آشور الخاصة دفن فيها الملوك الآشوريين . ويحيط بمدينة آشور سوران محصنان بأبراج ، أحدهما داخلي يحاذي دجلة من الشمال والشرق ، ويسير حول المدينة ، وثانيهما خارجي يمتد من الزاوية الشمالية الغربية للمدينة بموازاة السور الداخلي ، وليس للسور الخارجي امتداد بمحاذاة دجلة بل هناك مسناة(14) .
2) كالح ( نمرود ) : -
كانت مدينة كالح والمعروفة حالياً باسم ( نمرود ) ، هي العاصمة الآشورية الثانية ، وتقع على الضفة اليسرى لنهر دجلة عند ملتقاه بنهر الزاب الأعلى ، وعلى بعد ( 30 كم ) جنوبي نينوى وعلى بعد ( 35 كم ) جنوبي شرقي الموصل ، وقد أسسها الملك ( شلمنصر الأول ) ، لتكون عاصمته(15).
وكانت المدينة محصنة بحصن منيع مستطيل الشكل تقريباً ، وكان نهر دجلة يمر في الجهة الغربية منها وعليه مسناة مبنية بالحجارة الكبيرة بارتفاع عشرة أمتار . وفي زمن الملك ( آشور – ناصر بال الثاني ) أصبحت كالح عاصمة ثانية وقاعدة عسكرية . وخربت كالح بعد ذلك ولكن الملك ( سرجون الثاني ) أعاد بناء ما تهدم ، وأنشأ قصراً جديداً له فيها ، كما شيد الملك ( أسرحدون ) قصراً في الزاوية الجنوبية من المدينة . إضافة إلى المباني الدينية والسكنية ، ودمرت هذه المدينة على أيدي الميديين(16) .
3) كار – توكلتي – ننورتا ( حصن توكلتي – ننورتا ) : -
أسس هذه المدينة الملك ( توكلتي – ننورتا الأول ) واتخذها عاصمة لدولته وأضفى عليها أسمه ( كار – توكلتي – ننورتا ) أي ( حصن توكلتي – ننورتا ) وتقع على بعد ( 3 كم ) من مدينة آشور ، وقد شيد بها قصر بقيت منه أطلال طفيفة ، إضافة إلى زخارف الجدران بقطع من الفسيفساء المزخرف ، ولوحات مرسومة اقتبسوا عناصرها من عالم الحيوان والنبات وخطوط هندسية ، وصوروا فيها الملك يقاتل بعربته الحربية منفرداً حيناً ، ومشتركاً في الحرب إلى جوار جنوده حيناً آخر(17) .
4) دور – شوركين ( خورسباد ) : -
بنى هذه العاصمة ( سرجون الثاني ) وجعلها محصنة ، يحيط بها سور ضخم له سبعة أبواب ، وقد استمر في بنائها لمدة سبع سنوات ، وتقع جنوب الزاب الأسفل ، وعلى بعد ( 16 كم ) شمال شرق الموصل ، و ( 12 كم ) شمال نينوى ، وقد بنيت هذه المدينة على هيئة مربع ، وكان يؤدي للمدينة طريق مبلط عرضه ( 12 م ) ، والمدينة كانت ذات شوارع مستقيمة ومتعامدة ، ولم يبق من المدينة الآن غير أطلال قصر سرجون ، وبعض الأقسام المجاورة له . وقد اتخذ الملك ( سرجون الثاني ) من مدينته هذه ، عاصمة لدولته ، إلا أنها سرعان ما هُــجرت بعد موته(18) .
5- نينوى : -
وتقع الآن تحت تلي قوينجق والنبي يونس ، على الضفة الشرقية لنهر دجلة ، يقع تل النبي يونس إلى الشمال من نهر الخوصر ويحدّه سور نينوى من الغرب ، وهذا التل بيضوي الشكل يبلغ طوله حوالي ( 1 كم ) وعرضه نحو ( 1/2 كم ) . ويبلغ ارتفاعه من أعلى نقطة فيه ( 31 م ) تقريباً عن مستوى سطح البحر . وأن امتداده بالنسبة لخارطة نينوى يكون من الشمال إلى الجنوب(19) . أما تل قوينجق فيضم القصور الملكية والمعابد والمرافق الإدارية ، وهو بهذا يُـعد المركز الرئيس للعاصمة الآشورية نينوى(20) . ولقد اتخذ الملك الآشوري ( سنحاريب ) مدينة نينوى عاصمة له . وأن لم تعمر طويلاً ، حيث سقطت في أيدي الميديين عام ( 612 ق . م )(21 ) .
منشد مطلق المنشداوي
ماجستير آثار
( 1 )
أولاً : الاسم ، الأصل ، الموطن .
1 ) الاسم :-
اسم الآشوريين ، نسبة إلى مدينة آشور ، أي العاصمة ( آشور ) ، وسمي بها أيضاً إلههم القومي ( الإله آشور ) ، وهذه التسمية على غرار الأكديين نسبة إلى مدينة ( أكد ) والبابليين نسبة إلى مدينة بابل .
وتكتب آشور بصيغة قديمة على هيئة ( آ – أوسار ) " A – usar " ، والتي كانت كتابة سومرية رمزية ، وهناك صيغة أخرى مألوفة بهيئة آشور " A – usar " يتبعها العلامة الدالة على المدن ( كي ) " KI " . وأقدم ما جاء في هذه الصيغة من النصوص الأكدية المكتشفة في مدينة نوزي ، وكان اسمها في العصر الأكدي ( كاسر ) " Ga – sur " . وشاع في الاستعمال في الأدوار الآشورية الحديثة أن يُضعف حرف الشين فيقال ( آشور ) " Ash – ushar " . وللتعبير عن بلاد آشور أي القطر الآشوري كانت الكلمة تصدر بالعلامة المسمارية الدالة ( مات ) " Mat " ، أي بلاد ، فيقال ( مات آشور كي ) ، وكثيراً ما تضاف ياء النسب العربية للتعبير عن الشخص الآشوري والآشوريين فيقال : ( آشوريو ) . وجاء الاسم في المصادر الآرامية والعربية على هيئة ( آثور ) و ( آفور )(1) . ويوجد اسم آخر لموطن الآشوريين يرجع أن يكون الاسم الأصلي الأقدم منه هو ( سوبارتو ) أو ( شوبارتو ) أو ( سوبر ) " Subir " ، نسبة إلى القوم الذين استوطنوا هذا الجزء من شمالي العراق منذ أبعد العصور التاريخية قبل مجيء الآشوريين الجزريين إليه ، والمرجح أن الآشوريين قضوا على جماعات من أولئك السوباريين وأزاحوا جماعات أخرى منهم إلى سفوح الجبال والمناطق الجبلية المجاورة ، وأندمج من بقي منهم مع يشمل كذلك الأجزاء الشرقية والشمالية من دجلة ، ومما لاشك فيه أن الآشوريين تأثروا في العبادة الآشورية . ولكن الآشوريين تحاشوا إطلاق تسمية ( سوبارتو ) على بلادهم وعلى أنفسهم باستثناء استعمالها في نصوص قليلة وبوجه نصوص الفأل والتنجيم ، ذلك لأن التسمية كانت تنطوي على مدلول شائن ، إذ أنها ترادف مصطلح العبد في اللغة الأكدية " Subrum " ، كما تشير إلى ذلك النصوص التي جاءت منت العهد البابلي القديم . على أن البابليين ظلوا يطلقون كلمة ( سوبارتو ) على الآشوريين وعلى موطنهم ، ولا يستبعد أن يكون ذلك من باب الانتقاص . وخير مثال على ذلك الحادثة المؤرخ بها من حكم ( دادوشا ) ملك أشنونا ، التي تذكر جيش الملك الأشوري ( يسمح – أدد الأول ) على أنه ( صد جموع السوبارتو ) . ونجد ( مردوخ – بلادن ) الملك البابلي لا يسمي خصمه الملك الأشوري ( سرجون الثاني ) ملك الأشوريين بل ملك السوباريين ، وجيشه جموع السوبارتو( 2 ) .
أما نصوص الفأل التي اقتصرت فيها تسمية الأشوريين لبلادهم وأنفسهم على أنهم ( سوبارتو ) التقرير الذي قدمه أحد المنجمين الأشوريين إلى الملك الأشوري : " إذا شوهد القمر في يوم الثلاثين من شهر نيسان فإن بلاد سوبارتو سوف تتغلب على الأخلامو ( أحدى القبائل الآرامية الكبرى ) ويضيف ذلك المنجم موضحاً : ( نحن السوباريين )( 3 ) . كما تكرر ورود اسم آشور بهيئة ( آ – شور ) " A – shur " في النصوص المكتشفة في مدينة نوزي . ويبدو أن مدينة آشور كانت مركزاً إدارياً مهماً من مراكز الإمبراطورية الأكدية في بلاد أشور( 4 ) . وذكرت آشور لأول مرة في المصادر المصرية وذلك في القرن الخامس عشر قبل الميلاد باسم ( اسور ) وذلك في عهد تحوتمس الثالث . كما ورد اسم آشور في التوراة على أنه من أبناء سام بن نوح ( 5 ) .
2 ) الأصل : -
الآشوريون من الأقوام الجزرية ، أي المتكلمين بإحدى لغات عائلة اللغات الجزرية ، وهي الجزرية الشرقية ، التي هي اللغة الأكدية . ومع أن نظرية كون الجزيرة العربية مهد الجزريين لا تزال النظرية المعول عليها ، بيد أن الكثير ممن سموا بالجزريين ، ومنهم الآشوريون والآموريون وغيرهم لم يأتوا رأساً من الجزيرة إلى شمال العراق ، وإنما المرجح أنهم استوطنوا من بعد هجرتهم البعيدة في موطن آخر(6) ، في بوادي الشام وبادية العراق وما بين النهرين ، كما كان الحال مع الآموريين ، ثم حلوا في زمن ما من الألف الرابع أو مطلع الألف الثالث قبل الميلاد في موطنهم الآ وهو بلاد آشور . فقد ذهب بعض الباحثين ، لاسيما القدامى منهم ، إلى أن الآشوريين نزحوا إلى موطنهم من الجنوب ، أي من بلاد بابل في زمن ما ، لعله إبان الهجرة الأولى للجزريين إلى وادي الرافدين ، فكان الأكديون في الجنوب ، ثم هاجر قسم من هؤلاء الجزريين وهم الآشوريون إلى الشمال . وقد سبق أن ذكرنا عن اسم الآشوريين أن هذا الفرع من الأقوام الجزرية وجد في الموطن الذي حل فيه أقوماً أخرى لا يعلم أصلها على وجه التأكيد وفي مقدمتهم السوباريون . وذكرنا أن بلاد آشور كانت تسمى أيضاً بلاد ( سوبارتو ) وهو المصطلح الذي ظل مستعملاً في المصادر البابلية رغم تحاشي الآشوريين إطلاقه على موطنهم(7) .
تُشير لغة الآشوريين إلى أصولها الجزرية ، فلقد تحدثوا بلهجة من لهجات اللغة الأكدية ، واستخدموا الخط المسماري ذاته الذي ابتدعه السومريون ، وطوره الأكديون والبابليون(8) .
3) الموطن : -
سبق أن ذكرنا بأن الموطن الذي حل فيه الآشوريون ، وهو الجزء الشمالي الشرقي من العراق ، حيث يخترقه دجلة من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي والأراضي الكائنة على جانبيه من خط العرض ( 37 درجة ) شمالاً(9) . أما في الجنوب فلا توجد حدود طبيعية واضحة ، ولعله يمكن اعتبار نهر العظيم الحد الجنوبي لذلك الموطن . ويحده من الشرق والشمال سفوح الجبال ، بالإضافة إلى دجلة يمر في بلاد آشور الزابان ، الزاب الأعلى والأسفل . باستثناء السفوح الجبلية المحايدة لبلاد آشور شرقاً وشمالاً لا توجد حدود طبيعية من الغرب إلى الخابور والفرات ، أي القسم الذي عُرف في جغرافية وادي الرافدين باسم ما بين النهرين ، وكانت الحدود ما بين بلاد آشور وبين بلاد بابل إلى الجنوب تتغير تبعاً لقوة أو ضعف البلدين(10) .
وتتميز أراضي موطن الآشوريين بالخصب ووفرة مصادر المياه ، لاسيما مياه الأمطار الكافية لزراعة الغلال الشتوية ، وفيها سهول ووديان زراعية كبرى مثل سهلي أربيل وكركوك ، بالإضافة إلى السفوح الجبلية الصالحة للزراعة . وبالنظر إلى أسلوب الري المطري ( الديمي ) وكون الأراضي متموجة فإن بلاد آشور لم تعان من مشاكل الملوحة في تربة أراضيها الزراعية كما عانت بلاد بابل ، أي القسم الرسوبي من بلاد ما بين النهرين المعتمد في زراعته على الري(11) .
ثانياً : العواصم الآشورية .
1) آشور :-
كانت مدينة آشور هي أولى المدن الأشورية ، وقد أقيمت فوق ربوة صخرية تحف بها مياه نهر دجلة التي أصبحت حماية طبيعية لها ، وتعرف اليوم باسم ( قلعة شرقاط ) . وتقع على بعد ( 80 كم ) جنوبي مدينة الموصل الحالية ، وقد استمرت مدينة آشور مركزاً سياسياً للبلاد على مدى فترة طويلة من التاريخ العراقي القديم(12).
هذا وقد عثر في خرائبها على أسس لمعابد بعض الآلهة مثل آشور وآنو وأدد ، ولعل من أشهر هذه المعابد الإله آشور والذي يُعتبر من النماذج الأساسية في تفسير عمارة المعابد الآشورية ، كما عُثر كذلك على تماثيل لبعض الملوك ، فضلاً عن عدة مسلات . وكان الملك الآشوري ( آشور – أُبلط ) قد جعل آشور عاصمة لإمبراطورية واسعة ، ثم وسعها واهتم بشؤونها الملوك الذين خلفوه(13) . ولقدسية مدينة آشور الخاصة دفن فيها الملوك الآشوريين . ويحيط بمدينة آشور سوران محصنان بأبراج ، أحدهما داخلي يحاذي دجلة من الشمال والشرق ، ويسير حول المدينة ، وثانيهما خارجي يمتد من الزاوية الشمالية الغربية للمدينة بموازاة السور الداخلي ، وليس للسور الخارجي امتداد بمحاذاة دجلة بل هناك مسناة(14) .
2) كالح ( نمرود ) : -
كانت مدينة كالح والمعروفة حالياً باسم ( نمرود ) ، هي العاصمة الآشورية الثانية ، وتقع على الضفة اليسرى لنهر دجلة عند ملتقاه بنهر الزاب الأعلى ، وعلى بعد ( 30 كم ) جنوبي نينوى وعلى بعد ( 35 كم ) جنوبي شرقي الموصل ، وقد أسسها الملك ( شلمنصر الأول ) ، لتكون عاصمته(15).
وكانت المدينة محصنة بحصن منيع مستطيل الشكل تقريباً ، وكان نهر دجلة يمر في الجهة الغربية منها وعليه مسناة مبنية بالحجارة الكبيرة بارتفاع عشرة أمتار . وفي زمن الملك ( آشور – ناصر بال الثاني ) أصبحت كالح عاصمة ثانية وقاعدة عسكرية . وخربت كالح بعد ذلك ولكن الملك ( سرجون الثاني ) أعاد بناء ما تهدم ، وأنشأ قصراً جديداً له فيها ، كما شيد الملك ( أسرحدون ) قصراً في الزاوية الجنوبية من المدينة . إضافة إلى المباني الدينية والسكنية ، ودمرت هذه المدينة على أيدي الميديين(16) .
3) كار – توكلتي – ننورتا ( حصن توكلتي – ننورتا ) : -
أسس هذه المدينة الملك ( توكلتي – ننورتا الأول ) واتخذها عاصمة لدولته وأضفى عليها أسمه ( كار – توكلتي – ننورتا ) أي ( حصن توكلتي – ننورتا ) وتقع على بعد ( 3 كم ) من مدينة آشور ، وقد شيد بها قصر بقيت منه أطلال طفيفة ، إضافة إلى زخارف الجدران بقطع من الفسيفساء المزخرف ، ولوحات مرسومة اقتبسوا عناصرها من عالم الحيوان والنبات وخطوط هندسية ، وصوروا فيها الملك يقاتل بعربته الحربية منفرداً حيناً ، ومشتركاً في الحرب إلى جوار جنوده حيناً آخر(17) .
4) دور – شوركين ( خورسباد ) : -
بنى هذه العاصمة ( سرجون الثاني ) وجعلها محصنة ، يحيط بها سور ضخم له سبعة أبواب ، وقد استمر في بنائها لمدة سبع سنوات ، وتقع جنوب الزاب الأسفل ، وعلى بعد ( 16 كم ) شمال شرق الموصل ، و ( 12 كم ) شمال نينوى ، وقد بنيت هذه المدينة على هيئة مربع ، وكان يؤدي للمدينة طريق مبلط عرضه ( 12 م ) ، والمدينة كانت ذات شوارع مستقيمة ومتعامدة ، ولم يبق من المدينة الآن غير أطلال قصر سرجون ، وبعض الأقسام المجاورة له . وقد اتخذ الملك ( سرجون الثاني ) من مدينته هذه ، عاصمة لدولته ، إلا أنها سرعان ما هُــجرت بعد موته(18) .
5- نينوى : -
وتقع الآن تحت تلي قوينجق والنبي يونس ، على الضفة الشرقية لنهر دجلة ، يقع تل النبي يونس إلى الشمال من نهر الخوصر ويحدّه سور نينوى من الغرب ، وهذا التل بيضوي الشكل يبلغ طوله حوالي ( 1 كم ) وعرضه نحو ( 1/2 كم ) . ويبلغ ارتفاعه من أعلى نقطة فيه ( 31 م ) تقريباً عن مستوى سطح البحر . وأن امتداده بالنسبة لخارطة نينوى يكون من الشمال إلى الجنوب(19) . أما تل قوينجق فيضم القصور الملكية والمعابد والمرافق الإدارية ، وهو بهذا يُـعد المركز الرئيس للعاصمة الآشورية نينوى(20) . ولقد اتخذ الملك الآشوري ( سنحاريب ) مدينة نينوى عاصمة له . وأن لم تعمر طويلاً ، حيث سقطت في أيدي الميديين عام ( 612 ق . م )(21 ) .