محمد عمر المختار
بدأت قصة هذا الحوار حين علمت بوجود ابن للبطل التاريخي عمر المختار على قيد الحياة اسمه الحاج محمد ويبلغ من العمر 86 سنة يعتقد أغلب الناس أنه الحفيد المتبقي لعائلة المختار وليس واحدا من أبنائه المباشرين.
فبدأت أخطط للقاء ابن المختار …
لا أخفي سرّا إن قلت أنني أصبت بأقصى حالات الإحباط والطائرة تترنح لتحط فوق صحراء قاحلة لا شجر ولا حجر فيها، أهذه هي بنغازي التي ترن في أذن العالم منذ زمن!! قلت في نفسي، يكفيها أن تكون موطن عمر المختار لتكون نجمة بين المدن ويتوق لزيارتها الجميع، مباركة أنت بين المدن بنغازي.
ولكن شيئا فشيئا بدأ قلقي ينحل كما الضباب وقلبي يتسع لاحتواء المدينة وتنفس رائحة البحر، بنغازي مدينة تأتي إليك ولا تذهب أنت إليها، مفتوحة كما تفتح بعد النوم أجفان الحواري، وكلما ران عليها المساء زادت بهاء وغرقت في الأنوار...
خلال حديثي معه قال : "نعم نحن الإخوة الستة عبد الله وعمر ويونس وصفية وفاطمة جميعنا من "أم" واحدة وقال أيضا كنت مع "الوالدة" في الأراضي المصرية ، ولكنه أبدا لم يقل كلمة "أبي" أو "والدي" قال نعم أنا ابنه ولكنه "عمر المختار" .
قلت: وماذا يعني لك أنت عمر المختار، في النهاية هو والدك ؟ قال لا يا ابنتي انه عمر المختار... إنه الأسد.
وأنت الفهد قلت ؟ ضحك بسعادة وردّ : لم أكن يوما فهدا أنا مجرد مزارع بسيط ، حفظت القرآن في صغري واكتفيت بنصيبي من هذه الدنيا.
عمر المختار هو الأسد الحقيقي الذي قتل الأسد الذي كان يحكم غابة الجبل الأخضر بعد أن احتار في أمره جميع الثوار والمارين عبر شعاب الغابة، ذهبوا لعمر المختار وقالوا له أنهم عجزوا عن اقتناص هذا الأسد الذي التهم عددا منهم ، تنحنح عمر المختار ولم يتكلم نظر إليهم ، عدّل وضع بندقيته ودخل الغابة ، شقيق عمر المختار أي عمي محمد المختار الذي قدم أربعة شهداء من أبنائه من اجل ليبيا كان أحدهم وهو من روى لنا هذه القصة منذ كنا صغارا ، في اليوم الموالي كان الأسد جثة باردة في الغابة، لقد انتظر عمر المختار خروجه لأكثر من عشرين ساعة في مسلكه اليومي وواجهه وقتله، أسد قتل أسدا ألم اقل لك إن عمر المختار أسدا ...
@الزوجات الست
الحاج محمد عمر المختار طفل في ثمالة العمر يضحك أكثر مما يتكلم ، هكذا بدا لي تذكرت مقولة "أولهم صغار وأخرهم صغار" مرح جدا ولديه ابتسامة عذبة وجذابة، تلقائي وبسيط بشكل ملفت، تهف حكايا التاريخ المكبوت على وجهه، عيناه الغائرتان في وجهه على ضيقهما كانتا تفصحان عن طبقات من الهم المكتوم، استقبلني في غرفة فسيحة جدا أعدت خصيصا لاستقبال الزوار يحتل فيها الأسد ركنا صغيرا، طاولة لا تتجاوز المتر الواحد وضعت عليها صوره . البيت الكبير الذي يسكنه الحاج محمد وعائلته تحصل عليه كتكريم من القيادة الليبية .
سألت الحاج محمد المختار كم مرة رأيت فيها الأسد وهل تتذكر ملامحه ؟ صراحة لا اذكره جيدا ردّ ، أنا أصغر إخوتي الستة وآخر فرد على قيد الحياة كلهم توفوا، عمري اليوم 86 سنة، لم نكن نفقه ما يقوم به عمر المختار ولم يكن لدينا إدراك بالأشياء ، كان عمر المختار يتواجد قليلا بيننا أيام الهدنة مع الطليان لكنه في العموم كان يغيب كثيرا، أحيانا يتجاوز غيابه السنة أو أكثر، بدأنا ندرك الأحداث عندما اشتّد القتال بين عمر المختار و الطليان وكبرنا في السن.
لمّا أحس بالخطر الذي يمكن أن يلحق بعائلته بعث بنا جميعا إلى الأراضي المصرية فلم نتمكن من رؤيته جيدا.
* من أنتم ؟
إخوتي الستة وأمنا وزوجات عمر المختار .
* وكم زوجة كانت لعمر المختار؟
- يضحك طويلا .. تزوج ست نساء ألم أقل لك انه أسد، سألته والفهد كم امرأة تزوج؟ ردّ : الفهد تزوج فقط واحدة هذه التي تجلس معنا. وأشار إلى زوجته الجدة الأنيقة التي كانت ترتدي "الحرام" الليبي باللون البنفسجي المقصب وقد شبكته "ببروش" من الذهب على صدرها وكان لباسها سيمفونية من الألوان المتناسقة عادة ما تعزف عند استقبال الضيوف المرحب بهم أو في الأفراح.
* كيف كان يلتقي نسوانه وهو المطارد باستمرار ؟
- أيام المفاوضات والهدنة مع الطليان كان يقيم بينهن بالأشهر لكن ما إن يكتشف المماطلة وشراء الوقت من قبلهم ، وكبطل شريف ومجاهد عظيم يحمل بندقيته ويدخل الجبال ويتركهن ويتركنا ، ثلاث من زوجاته غيبهن الطاعون وثلاث بقين على قيد الحياة بما فيهن أمنا التي سبق وقلت لك هاجرت بنا إلى الأراضي المصرية بطلب من عمر المختار قبل رسم الحدود بين ليبيا ومصر وقد ماتت هناك هي الأخرى.
* وأيهن كانت المقربة أكثر إليه ؟
- لا ادري والله (وهو يضحك) يحبهن جميعهن.
* أكيد والدتك لأنها أنجبت له البنات والأولاد؟
- لا ادري ربما، وأنا صغير كنت أراها دائما تبكي، أكيد تبكي خوفها عليه.
@آخر زيارة أبوية
* عندما يغادر المختار إلى الجبل هل كان يحمل معه زادا مثلا أو أي شيء ؟
- مغادرته الفجائية لا تمكنه من حمل إلا بعض قطرات من دموعنا ومن دموع زوجاته ...
* هل تذكر آخر مرة شاهدت فيها عمر المختار؟
- المشهد الذي نقش في ذاكرتي ولن يمحى من ذهني لأنه الأخير الذي رأيته فيه وأنا ابن العشر سنوات هو زيارته لنا ليلا، وقبل مغادرته في تلك الليلة أيقظ أهالي النجع كلهم، وأمّ بهم صلاة الفجر ثم ودعهم و ركب حصانه واختفى في الظلام.
* هل كان فعلا مدرسا مثل ما رأيناه في الفيلم ؟
أبدا، عمر المختار لم يكن مدرسا بالمعنى المتعارف عليه بل كان مبشرا بالإسلام، المخرج أراد إضافة بعض الأحداث على الفيلم لعله كان يريد أن يومئ إلى دور عمر المختار في تحريك المشاعر النضالية لدى أتباعه والمحيطين به من خلال الوعظ والنصيحة و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مصداقا لقول الرسول عليه الصلاة والسلام "الدين هو النصيحة" كما أن المختار كان فعلا شيخاً لزاوية (عين كلك) حيث قضّى فترة مبشراً بالإسلام في تلك الأصقاع النائية. و بعد وفاة محمد المهدي السنوسي سنة 1902م عين أيضا شيخاً لزاوية القصور. المختار كان عالما كبيرا ...
* و ما هو نصيب والدك من التعليم ؟
- عمر المختار تلقى تعليمه الأول في زاوية جنزور، ثم سافر إلى الجغبوب أين مكث ثمانية أعوام للدراسة والتحصيل على يد كبار العلماء والمشايخ ، درس اللغة العربية والعلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، ولكنه لم يكمل تعليمه كما كان يتمنى .
عرف عن الأسد ظهور مبكر لعلامات النجابة ورصانة العقل، فاستحوذ على اهتمام ورعاية أساتذته مما زاده رفعة وسموا، وكان محل حديث العلماء ومشايخ القبائل وأعيان المدن .
*كيف تلقيت نبأ مصرع العقاد مخرج عمر المختار؟
- حين سمعت الخبر، حرصت على تعزية أسرة الفقيد المبدع والإنسان المناضل خاصة وان الأخ القائد معمر القذافي قد عينني على رأس وفد ليبي سافر إلى الأردن وأوصلنا حزن وأسف ليبيا كلها لوفاة هذا العلم الذي أحب أمته وجعل السينما سلاحه للدفاع عن تاريخها .
* أراك تشبه انطونيو كوين يا حاج محمد؟
- لأنني أشبه عمر المختار ...
* صورة انطونيو كوين نقشت في الذاكرة السينمائية على أنها فعلا صورة عمر المختار ؟
- وهو كذلك، أنا عندما أشاهد الفيلم أحسن أنني أمام عمر المختار وليس الممثل الأمريكاني، كنا في الجبل الأخضر حين حضر انطونيو كوين مع المرحوم مصطفى العقاد فكل من رآه من أهالي النجع وتحدث إليه استغرب الشبه الكبير بينه وبين عمر المختار، لقد ظل فترة يسأل عن كل كبيرة وصغيرة تخص المختار، مثل كيف كان يمشي وكيف يتكلم وكيف يحرك يديه وكيف يجلس... كما تدرب على لباسنا التقليدي الليبي . ووضع النظارة بالطريقة التي كان يبدو بها عمر المختار. لكن الفيلم الطويل كان مختصرا جدا وقصيرا مقارنة بسيرة المختار، معمر القذافي هو الذي أنتجه هل تعرفين هذا ؟
* على ذكر النظارة هل فعلا تحفظ عليها الايطاليون ؟
للأسف نعم، أخذوا أيضا الحرام الأبيض (الرداء) ، والكندرة (الحذاء) والطاقية البيضاء والمسدس والبندقية والحزام وكل ما كان عليه من لبس ، لقد جردوه من كل شيء بعد ما أعدموه صباح يوم الأربعاء 16 أيلول 1931.
@ليلة القبض على الاسد
في معركة "السانية" في شهر أكتوبر سنة 1930م سقطت من الأسد نظارته، وعندما وجدها أحد الجنود الطليان أوصلها لغراتسياني الذي قال : "الآن أصبحت لدينا النظارة، وسيتبعها الرأس يوماً ما" وفعلا كان له ما تمنى فمساء الخميس 10 أيلول 1931 أسر البطل عمر المختار عندما كان يستطلع منطقة سلنطة وسط كوكبة من فرسانه الثوار.
كان غراتسياني سفاح ليبيا متواجدا في روما تأكله الكآبة والحزن من فشله في القضاء على المجاهدين في برقة، فقرر السفر إلي باريس للاستجمام والراحة تهرباً من الصحافة التي بدأت أقلامها اللاذعة في إيطاليا تنال منه مشككة في مقدرته على إدارة حلقة الصراع حين تلقى برقية مستعجلة من بنغازي مفادها إن عدوه اللدود عمر المختار وراء القضبان، فأصيب بحالة هستيرية لأنه لم يصدق الخبر، محدثاً نفسه بصوت عال، ويشير بيديه ويقول: "صحيح قبضوا على عمر المختار؟ ويرد على نفسه لا...لا...لا أعتقد ذلك".
ولم يهدأ بال غراتسياني، فألغى أجازته واستقل طائرة خاصة وهبط ببنغازي في نفس اليوم وطلب إحضار عمر المختار إلي مكتبه لكي يراه بأم عينيه.
واتفق مع "المارشال بادوليو" الحاكم العام لليبيا على إجراء محاكمة سريعة وخاطفة يوم الثلاثاء 15 سبتمبر 1931م الساعة الخامسة والربع وبعد ساعة تحديداً صدر الحكم بإعدام الأسد شنقاً حتى الموت.
غراتسياني هذا، هو أكثر جنرالات الجيش الايطالي وحشية ودموية عينته ايطاليا بعد هزيمتها الشنيعة أمام مواقف المختار وانجازاته ، ليقوم بتنفيذ خطة إفناء وإبادة لم يسبق لها مثيل في التاريخ في وحشيتها وفظاعتها وعنفها وقد ذكرها غراتسياني في كتابه "برقة المهدأة".
* لكن غراتسياني كان معجبا جدا بشخصية عمر المختار ؟
طبعا ، طبعا ، ما في ذلك شك ، ألم تقرئي كتابه "برقة المهدأة" الذي ألفه عن عمر المختار و ترجمه سالم بن عامر إلى العربية، عمر المختار وهبه الله تعالى ملكات كثيرة منها جشاشة صوته البدوي وعذوبة لسانه واختياره للألفاظ المؤثرة في فن الخطابة وجاذبية ساحرة لدرجة السيطرة على مستمعيه وشدّ انتباههم ، كل هذا أدركه غراتسياني، صحيح هو مستبد ولكنه ذكي لقد قال عنه : "عندما حضر أمام مكتبي تهيأ لي أنني أرى فيه شخصية آلاف المرابطين الذين التقيت بهم أثناء قيامي بالحروب الصحراوية. يداه مكبلتان بالسلاسل، رغم الكسور والجروح التي أصيب بها أثناء المعركة، وكان وجهه مضغوطا لأنه كان يغطي رأسه ( بالَجَرِدْ) ويجر نفسه بصعوبة نظراً لتعبه أثناء السفر بالبحر، وإجمالا يخيّل إلي أن الذي يقف أمامي هو رجل ليس ككل الرجال، له هيبته رغم مرارة الأسر، ها هو واقف أمام مكتبي أسأله ويجيب بصوت هادئ وواضح :
غراتسياني : لماذا حاربت بشدة متواصلة الحكومة الفاشستية ؟
المختار : من أجل ديني ووطني.
غراتسياني : ما الذي كان في اعتقادك الوصول إليه ؟
المختار : لا شيء إلا طردكم … لأنكم مغتصبون، أما الحرب فهي فرض علينا وما النصر إلا من عند الله.
غراتسياني : لما لك من نفوذ وجاه، في كم يوما يمكنك أن تأمر الثوار بأن يخضعوا لحكمنا ويسلموا أسلحتهم ؟.
المختار : لا يمكنني أن أعمل أي شئ … وبدون جدوى نحن الثوار سبق أن أقسمنا أن نموت كلنا الواحد تلو الأخر، ولا نسلم أو نلقي السلاح…
ويستطرد غراتسياني حديثه "وعندما وقف ليتهيأ للانصراف كان جبينه وضاء كأن هالة من نور تحيط به فارتعش قلبي من جلالة الموقف أنا الذي خاض معارك الحروب العالمية والصحراوية . ورغم هذا فقد كانت شفتاي ترتعشان ولم أستطع أن أنطق بحرف واحد، فأنهيت المقابلة وأمرت بإرجاعه إلى السجن لتقديمه إلى المحاكمة في المساء، وعند وقوفه حاول أن يمد يده لمصافحتي ولكنه لم يتمكن لأن يديه كانتا مكبلتين بالحديد".
@نقل الضريح
* من أوصل لكم انتم عائلته نبأ شنقه؟
- كنا في الإسكندرية، وعلمنا عن طريق الحكومة المصرية وكانت الصحف في مصر لا حديث لها إلا عن شنق عمر المختار. شنق ووجهه يتهلل استبشاراً بالشهادة وعلى وجهه ابتسامة الرضا وذلك كان عزاؤنا .
لقد تردد عن بعض الناس الذين كانوا على مقربة منه انه كان يؤذن بصوت خافت ، والبعض الآخر قال انه تمتم بالآية الكريمة "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية" قبل أن تصعد روحه الطاهرة إلي ربها.
* كيف كان ردّ فعل أمك وزوجاته الأخريات هل تذكر ؟
لا شيء، الله غالب، كل ما حدث له كان متوقعا وهو من لقنهم ذلك.
* أنت اليوم ماذا تقول ؟
- عمر المختار ترك لنا التاريخ المجيد، من كان يصدق أنه قاوم الاستعمار وسكن العراء قرابة الربع قرن من الزمن، هذا لم يحدث أبدا إلا مع الأسد ذلك الشيخ الحكيم وعودة غراتسياني بأدباشه إلى ايطاليا ووضعها في متحف يعد شاهدا و انتصارا وكنزا يذكره التاريخ للطليان.
* وهل طالبتم إيطاليا باسترجاع هذه الادباش ؟
- كثيرا جدا، من أيام المملكة ، الطليان سلمونا صور عمر المختار فقط هذه التي أمامك وهي صور التقطت يوم القبض عليه ويوم الإعدام . بيني وبينك كنت أتمنى أن احتفظ بالنظارة فقط وأضع باقي الحاجيات في المتحف لكنهم رفضوا بل لم يردوا علينا. اليوم جاء دور الشباب الليبي ليطالب بحاجيات عمر المختار فهي ملكه هو وحده أما أنا فقد انتهى دوري.
لديهم 4 من كبار الجنرلات مدفونين هنا في الجبل يطالبون بهم وهي ورقة في يد الشباب الليبي اليوم.
منذ أسبوع زارني هنا في هذا البيت 42 طالبا وطالبة من ايطاليا جاؤوا لرؤية ابن عمر المختار ولتقديم اعتذاراتهم.
* اعتذاراتهم عن ماذا ؟
- عما فعلته حكومتهم التي لا تريد أن تعتذر، قالوا لي نحن نحس بالخزي أمام ما فعلته ايطاليا بالشعب الليبي . هذه ليست المرة الأولى فزيارات الأجانب لي شبه يومية هم يقرؤون كثيرا في التاريخ واطلعوا على سيرة المختار فيحلوا ببنغازي للوقوف على ارض الواقع...
* صور عمر المختار تنام في جيوب كل الليبيين اليوم؟
- بارك الله في الأخ القائد القذافي الذي فرض صورته على وجه العملة الليبية المعاصرة. وعمر المختار في قلوب الليبيين قبل أن يكون في جيوبهم.
* هل تذكر ما قاله عمر المختار قبيل شنقه؟
- طبعا ، كلماته يرددها الشعب الليبي دوما قال لهم :"نحن لن نستسلم ، ننتصر أو نموت سوف تأتي أجيال من بعدي تقاتلكم ، أما أنا فحياتي سوف تكون أطول من حياة شانقي".
* ماذا عن هدم ضريح عمر المختار الذي كان حلية تزين جيد بنغازي ؟
- أخذوه إلى مكانه الطبيعي .
* وأين أخذوه ؟
- لقد تم نقله إلى منطقة السلوق 50 كيلومترا عن بنغازي وهو المكان الذي صعدت فيه روحه. اثر شنقه سلمته السلطات الايطالية إلى ليبيا فتم دفنه في مقبرة "سيدي عبيد" وفي عهد المملكة سنة 1959 تم بناء ضريح كبير في بنغازي ونقلت رفات عمر المختار في حفل كبير ليكون قبلة السياح والزوار من جميع أنحاء العالم بمن فيهم الرؤساء العرب والأجانب الذين زاروا ليبيا إذ كانت زيارة ضريح عمر المختار جزء مهما من برنامجهم.
وجاء القرار الأخير من القيادة بنقله إلى السلوق فرافقناه إلى هناك وأمر القائد القذافي في وقت لاحق ببناء نصب تذكاري وتعبيد الطريق المؤدية إليه وتجهيزها بالإنارة ليسهل على الزوار الوصول إلى تلك المنطقة الوعرة.
* ولكن نقل رفات الأسد من وسط بنغازي إلى السلوق أثار غضب الأهالي ومنهم من عبر عن سخطه بالتظاهر لماذا لم تطالب أنت بإبقائه ؟
- في البداية لم يتقبلوا الأمر، لأن تعودهم عليه ولّد لديهم حالة من الألفة مع المكان لكن بعد استيعابهم لحقيقة نقل الرفات إلى السلوق وتحديدا المكان الذي صعدت فيه روحه إلى باريها أدركوا أن القائد نفى المختار بردّ الاعتبار.
ودعت الحاج محمد لأن البيت اكتظ بالزوار وعلت الأصوات وأصبح التسجيل مستحيلا
بدأت قصة هذا الحوار حين علمت بوجود ابن للبطل التاريخي عمر المختار على قيد الحياة اسمه الحاج محمد ويبلغ من العمر 86 سنة يعتقد أغلب الناس أنه الحفيد المتبقي لعائلة المختار وليس واحدا من أبنائه المباشرين.
فبدأت أخطط للقاء ابن المختار …
لا أخفي سرّا إن قلت أنني أصبت بأقصى حالات الإحباط والطائرة تترنح لتحط فوق صحراء قاحلة لا شجر ولا حجر فيها، أهذه هي بنغازي التي ترن في أذن العالم منذ زمن!! قلت في نفسي، يكفيها أن تكون موطن عمر المختار لتكون نجمة بين المدن ويتوق لزيارتها الجميع، مباركة أنت بين المدن بنغازي.
ولكن شيئا فشيئا بدأ قلقي ينحل كما الضباب وقلبي يتسع لاحتواء المدينة وتنفس رائحة البحر، بنغازي مدينة تأتي إليك ولا تذهب أنت إليها، مفتوحة كما تفتح بعد النوم أجفان الحواري، وكلما ران عليها المساء زادت بهاء وغرقت في الأنوار...
خلال حديثي معه قال : "نعم نحن الإخوة الستة عبد الله وعمر ويونس وصفية وفاطمة جميعنا من "أم" واحدة وقال أيضا كنت مع "الوالدة" في الأراضي المصرية ، ولكنه أبدا لم يقل كلمة "أبي" أو "والدي" قال نعم أنا ابنه ولكنه "عمر المختار" .
قلت: وماذا يعني لك أنت عمر المختار، في النهاية هو والدك ؟ قال لا يا ابنتي انه عمر المختار... إنه الأسد.
وأنت الفهد قلت ؟ ضحك بسعادة وردّ : لم أكن يوما فهدا أنا مجرد مزارع بسيط ، حفظت القرآن في صغري واكتفيت بنصيبي من هذه الدنيا.
عمر المختار هو الأسد الحقيقي الذي قتل الأسد الذي كان يحكم غابة الجبل الأخضر بعد أن احتار في أمره جميع الثوار والمارين عبر شعاب الغابة، ذهبوا لعمر المختار وقالوا له أنهم عجزوا عن اقتناص هذا الأسد الذي التهم عددا منهم ، تنحنح عمر المختار ولم يتكلم نظر إليهم ، عدّل وضع بندقيته ودخل الغابة ، شقيق عمر المختار أي عمي محمد المختار الذي قدم أربعة شهداء من أبنائه من اجل ليبيا كان أحدهم وهو من روى لنا هذه القصة منذ كنا صغارا ، في اليوم الموالي كان الأسد جثة باردة في الغابة، لقد انتظر عمر المختار خروجه لأكثر من عشرين ساعة في مسلكه اليومي وواجهه وقتله، أسد قتل أسدا ألم اقل لك إن عمر المختار أسدا ...
@الزوجات الست
الحاج محمد عمر المختار طفل في ثمالة العمر يضحك أكثر مما يتكلم ، هكذا بدا لي تذكرت مقولة "أولهم صغار وأخرهم صغار" مرح جدا ولديه ابتسامة عذبة وجذابة، تلقائي وبسيط بشكل ملفت، تهف حكايا التاريخ المكبوت على وجهه، عيناه الغائرتان في وجهه على ضيقهما كانتا تفصحان عن طبقات من الهم المكتوم، استقبلني في غرفة فسيحة جدا أعدت خصيصا لاستقبال الزوار يحتل فيها الأسد ركنا صغيرا، طاولة لا تتجاوز المتر الواحد وضعت عليها صوره . البيت الكبير الذي يسكنه الحاج محمد وعائلته تحصل عليه كتكريم من القيادة الليبية .
سألت الحاج محمد المختار كم مرة رأيت فيها الأسد وهل تتذكر ملامحه ؟ صراحة لا اذكره جيدا ردّ ، أنا أصغر إخوتي الستة وآخر فرد على قيد الحياة كلهم توفوا، عمري اليوم 86 سنة، لم نكن نفقه ما يقوم به عمر المختار ولم يكن لدينا إدراك بالأشياء ، كان عمر المختار يتواجد قليلا بيننا أيام الهدنة مع الطليان لكنه في العموم كان يغيب كثيرا، أحيانا يتجاوز غيابه السنة أو أكثر، بدأنا ندرك الأحداث عندما اشتّد القتال بين عمر المختار و الطليان وكبرنا في السن.
لمّا أحس بالخطر الذي يمكن أن يلحق بعائلته بعث بنا جميعا إلى الأراضي المصرية فلم نتمكن من رؤيته جيدا.
* من أنتم ؟
إخوتي الستة وأمنا وزوجات عمر المختار .
* وكم زوجة كانت لعمر المختار؟
- يضحك طويلا .. تزوج ست نساء ألم أقل لك انه أسد، سألته والفهد كم امرأة تزوج؟ ردّ : الفهد تزوج فقط واحدة هذه التي تجلس معنا. وأشار إلى زوجته الجدة الأنيقة التي كانت ترتدي "الحرام" الليبي باللون البنفسجي المقصب وقد شبكته "ببروش" من الذهب على صدرها وكان لباسها سيمفونية من الألوان المتناسقة عادة ما تعزف عند استقبال الضيوف المرحب بهم أو في الأفراح.
* كيف كان يلتقي نسوانه وهو المطارد باستمرار ؟
- أيام المفاوضات والهدنة مع الطليان كان يقيم بينهن بالأشهر لكن ما إن يكتشف المماطلة وشراء الوقت من قبلهم ، وكبطل شريف ومجاهد عظيم يحمل بندقيته ويدخل الجبال ويتركهن ويتركنا ، ثلاث من زوجاته غيبهن الطاعون وثلاث بقين على قيد الحياة بما فيهن أمنا التي سبق وقلت لك هاجرت بنا إلى الأراضي المصرية بطلب من عمر المختار قبل رسم الحدود بين ليبيا ومصر وقد ماتت هناك هي الأخرى.
* وأيهن كانت المقربة أكثر إليه ؟
- لا ادري والله (وهو يضحك) يحبهن جميعهن.
* أكيد والدتك لأنها أنجبت له البنات والأولاد؟
- لا ادري ربما، وأنا صغير كنت أراها دائما تبكي، أكيد تبكي خوفها عليه.
@آخر زيارة أبوية
* عندما يغادر المختار إلى الجبل هل كان يحمل معه زادا مثلا أو أي شيء ؟
- مغادرته الفجائية لا تمكنه من حمل إلا بعض قطرات من دموعنا ومن دموع زوجاته ...
* هل تذكر آخر مرة شاهدت فيها عمر المختار؟
- المشهد الذي نقش في ذاكرتي ولن يمحى من ذهني لأنه الأخير الذي رأيته فيه وأنا ابن العشر سنوات هو زيارته لنا ليلا، وقبل مغادرته في تلك الليلة أيقظ أهالي النجع كلهم، وأمّ بهم صلاة الفجر ثم ودعهم و ركب حصانه واختفى في الظلام.
* هل كان فعلا مدرسا مثل ما رأيناه في الفيلم ؟
أبدا، عمر المختار لم يكن مدرسا بالمعنى المتعارف عليه بل كان مبشرا بالإسلام، المخرج أراد إضافة بعض الأحداث على الفيلم لعله كان يريد أن يومئ إلى دور عمر المختار في تحريك المشاعر النضالية لدى أتباعه والمحيطين به من خلال الوعظ والنصيحة و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مصداقا لقول الرسول عليه الصلاة والسلام "الدين هو النصيحة" كما أن المختار كان فعلا شيخاً لزاوية (عين كلك) حيث قضّى فترة مبشراً بالإسلام في تلك الأصقاع النائية. و بعد وفاة محمد المهدي السنوسي سنة 1902م عين أيضا شيخاً لزاوية القصور. المختار كان عالما كبيرا ...
* و ما هو نصيب والدك من التعليم ؟
- عمر المختار تلقى تعليمه الأول في زاوية جنزور، ثم سافر إلى الجغبوب أين مكث ثمانية أعوام للدراسة والتحصيل على يد كبار العلماء والمشايخ ، درس اللغة العربية والعلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، ولكنه لم يكمل تعليمه كما كان يتمنى .
عرف عن الأسد ظهور مبكر لعلامات النجابة ورصانة العقل، فاستحوذ على اهتمام ورعاية أساتذته مما زاده رفعة وسموا، وكان محل حديث العلماء ومشايخ القبائل وأعيان المدن .
*كيف تلقيت نبأ مصرع العقاد مخرج عمر المختار؟
- حين سمعت الخبر، حرصت على تعزية أسرة الفقيد المبدع والإنسان المناضل خاصة وان الأخ القائد معمر القذافي قد عينني على رأس وفد ليبي سافر إلى الأردن وأوصلنا حزن وأسف ليبيا كلها لوفاة هذا العلم الذي أحب أمته وجعل السينما سلاحه للدفاع عن تاريخها .
* أراك تشبه انطونيو كوين يا حاج محمد؟
- لأنني أشبه عمر المختار ...
* صورة انطونيو كوين نقشت في الذاكرة السينمائية على أنها فعلا صورة عمر المختار ؟
- وهو كذلك، أنا عندما أشاهد الفيلم أحسن أنني أمام عمر المختار وليس الممثل الأمريكاني، كنا في الجبل الأخضر حين حضر انطونيو كوين مع المرحوم مصطفى العقاد فكل من رآه من أهالي النجع وتحدث إليه استغرب الشبه الكبير بينه وبين عمر المختار، لقد ظل فترة يسأل عن كل كبيرة وصغيرة تخص المختار، مثل كيف كان يمشي وكيف يتكلم وكيف يحرك يديه وكيف يجلس... كما تدرب على لباسنا التقليدي الليبي . ووضع النظارة بالطريقة التي كان يبدو بها عمر المختار. لكن الفيلم الطويل كان مختصرا جدا وقصيرا مقارنة بسيرة المختار، معمر القذافي هو الذي أنتجه هل تعرفين هذا ؟
* على ذكر النظارة هل فعلا تحفظ عليها الايطاليون ؟
للأسف نعم، أخذوا أيضا الحرام الأبيض (الرداء) ، والكندرة (الحذاء) والطاقية البيضاء والمسدس والبندقية والحزام وكل ما كان عليه من لبس ، لقد جردوه من كل شيء بعد ما أعدموه صباح يوم الأربعاء 16 أيلول 1931.
@ليلة القبض على الاسد
في معركة "السانية" في شهر أكتوبر سنة 1930م سقطت من الأسد نظارته، وعندما وجدها أحد الجنود الطليان أوصلها لغراتسياني الذي قال : "الآن أصبحت لدينا النظارة، وسيتبعها الرأس يوماً ما" وفعلا كان له ما تمنى فمساء الخميس 10 أيلول 1931 أسر البطل عمر المختار عندما كان يستطلع منطقة سلنطة وسط كوكبة من فرسانه الثوار.
كان غراتسياني سفاح ليبيا متواجدا في روما تأكله الكآبة والحزن من فشله في القضاء على المجاهدين في برقة، فقرر السفر إلي باريس للاستجمام والراحة تهرباً من الصحافة التي بدأت أقلامها اللاذعة في إيطاليا تنال منه مشككة في مقدرته على إدارة حلقة الصراع حين تلقى برقية مستعجلة من بنغازي مفادها إن عدوه اللدود عمر المختار وراء القضبان، فأصيب بحالة هستيرية لأنه لم يصدق الخبر، محدثاً نفسه بصوت عال، ويشير بيديه ويقول: "صحيح قبضوا على عمر المختار؟ ويرد على نفسه لا...لا...لا أعتقد ذلك".
ولم يهدأ بال غراتسياني، فألغى أجازته واستقل طائرة خاصة وهبط ببنغازي في نفس اليوم وطلب إحضار عمر المختار إلي مكتبه لكي يراه بأم عينيه.
واتفق مع "المارشال بادوليو" الحاكم العام لليبيا على إجراء محاكمة سريعة وخاطفة يوم الثلاثاء 15 سبتمبر 1931م الساعة الخامسة والربع وبعد ساعة تحديداً صدر الحكم بإعدام الأسد شنقاً حتى الموت.
غراتسياني هذا، هو أكثر جنرالات الجيش الايطالي وحشية ودموية عينته ايطاليا بعد هزيمتها الشنيعة أمام مواقف المختار وانجازاته ، ليقوم بتنفيذ خطة إفناء وإبادة لم يسبق لها مثيل في التاريخ في وحشيتها وفظاعتها وعنفها وقد ذكرها غراتسياني في كتابه "برقة المهدأة".
* لكن غراتسياني كان معجبا جدا بشخصية عمر المختار ؟
طبعا ، طبعا ، ما في ذلك شك ، ألم تقرئي كتابه "برقة المهدأة" الذي ألفه عن عمر المختار و ترجمه سالم بن عامر إلى العربية، عمر المختار وهبه الله تعالى ملكات كثيرة منها جشاشة صوته البدوي وعذوبة لسانه واختياره للألفاظ المؤثرة في فن الخطابة وجاذبية ساحرة لدرجة السيطرة على مستمعيه وشدّ انتباههم ، كل هذا أدركه غراتسياني، صحيح هو مستبد ولكنه ذكي لقد قال عنه : "عندما حضر أمام مكتبي تهيأ لي أنني أرى فيه شخصية آلاف المرابطين الذين التقيت بهم أثناء قيامي بالحروب الصحراوية. يداه مكبلتان بالسلاسل، رغم الكسور والجروح التي أصيب بها أثناء المعركة، وكان وجهه مضغوطا لأنه كان يغطي رأسه ( بالَجَرِدْ) ويجر نفسه بصعوبة نظراً لتعبه أثناء السفر بالبحر، وإجمالا يخيّل إلي أن الذي يقف أمامي هو رجل ليس ككل الرجال، له هيبته رغم مرارة الأسر، ها هو واقف أمام مكتبي أسأله ويجيب بصوت هادئ وواضح :
غراتسياني : لماذا حاربت بشدة متواصلة الحكومة الفاشستية ؟
المختار : من أجل ديني ووطني.
غراتسياني : ما الذي كان في اعتقادك الوصول إليه ؟
المختار : لا شيء إلا طردكم … لأنكم مغتصبون، أما الحرب فهي فرض علينا وما النصر إلا من عند الله.
غراتسياني : لما لك من نفوذ وجاه، في كم يوما يمكنك أن تأمر الثوار بأن يخضعوا لحكمنا ويسلموا أسلحتهم ؟.
المختار : لا يمكنني أن أعمل أي شئ … وبدون جدوى نحن الثوار سبق أن أقسمنا أن نموت كلنا الواحد تلو الأخر، ولا نسلم أو نلقي السلاح…
ويستطرد غراتسياني حديثه "وعندما وقف ليتهيأ للانصراف كان جبينه وضاء كأن هالة من نور تحيط به فارتعش قلبي من جلالة الموقف أنا الذي خاض معارك الحروب العالمية والصحراوية . ورغم هذا فقد كانت شفتاي ترتعشان ولم أستطع أن أنطق بحرف واحد، فأنهيت المقابلة وأمرت بإرجاعه إلى السجن لتقديمه إلى المحاكمة في المساء، وعند وقوفه حاول أن يمد يده لمصافحتي ولكنه لم يتمكن لأن يديه كانتا مكبلتين بالحديد".
@نقل الضريح
* من أوصل لكم انتم عائلته نبأ شنقه؟
- كنا في الإسكندرية، وعلمنا عن طريق الحكومة المصرية وكانت الصحف في مصر لا حديث لها إلا عن شنق عمر المختار. شنق ووجهه يتهلل استبشاراً بالشهادة وعلى وجهه ابتسامة الرضا وذلك كان عزاؤنا .
لقد تردد عن بعض الناس الذين كانوا على مقربة منه انه كان يؤذن بصوت خافت ، والبعض الآخر قال انه تمتم بالآية الكريمة "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية" قبل أن تصعد روحه الطاهرة إلي ربها.
* كيف كان ردّ فعل أمك وزوجاته الأخريات هل تذكر ؟
لا شيء، الله غالب، كل ما حدث له كان متوقعا وهو من لقنهم ذلك.
* أنت اليوم ماذا تقول ؟
- عمر المختار ترك لنا التاريخ المجيد، من كان يصدق أنه قاوم الاستعمار وسكن العراء قرابة الربع قرن من الزمن، هذا لم يحدث أبدا إلا مع الأسد ذلك الشيخ الحكيم وعودة غراتسياني بأدباشه إلى ايطاليا ووضعها في متحف يعد شاهدا و انتصارا وكنزا يذكره التاريخ للطليان.
* وهل طالبتم إيطاليا باسترجاع هذه الادباش ؟
- كثيرا جدا، من أيام المملكة ، الطليان سلمونا صور عمر المختار فقط هذه التي أمامك وهي صور التقطت يوم القبض عليه ويوم الإعدام . بيني وبينك كنت أتمنى أن احتفظ بالنظارة فقط وأضع باقي الحاجيات في المتحف لكنهم رفضوا بل لم يردوا علينا. اليوم جاء دور الشباب الليبي ليطالب بحاجيات عمر المختار فهي ملكه هو وحده أما أنا فقد انتهى دوري.
لديهم 4 من كبار الجنرلات مدفونين هنا في الجبل يطالبون بهم وهي ورقة في يد الشباب الليبي اليوم.
منذ أسبوع زارني هنا في هذا البيت 42 طالبا وطالبة من ايطاليا جاؤوا لرؤية ابن عمر المختار ولتقديم اعتذاراتهم.
* اعتذاراتهم عن ماذا ؟
- عما فعلته حكومتهم التي لا تريد أن تعتذر، قالوا لي نحن نحس بالخزي أمام ما فعلته ايطاليا بالشعب الليبي . هذه ليست المرة الأولى فزيارات الأجانب لي شبه يومية هم يقرؤون كثيرا في التاريخ واطلعوا على سيرة المختار فيحلوا ببنغازي للوقوف على ارض الواقع...
* صور عمر المختار تنام في جيوب كل الليبيين اليوم؟
- بارك الله في الأخ القائد القذافي الذي فرض صورته على وجه العملة الليبية المعاصرة. وعمر المختار في قلوب الليبيين قبل أن يكون في جيوبهم.
* هل تذكر ما قاله عمر المختار قبيل شنقه؟
- طبعا ، كلماته يرددها الشعب الليبي دوما قال لهم :"نحن لن نستسلم ، ننتصر أو نموت سوف تأتي أجيال من بعدي تقاتلكم ، أما أنا فحياتي سوف تكون أطول من حياة شانقي".
* ماذا عن هدم ضريح عمر المختار الذي كان حلية تزين جيد بنغازي ؟
- أخذوه إلى مكانه الطبيعي .
* وأين أخذوه ؟
- لقد تم نقله إلى منطقة السلوق 50 كيلومترا عن بنغازي وهو المكان الذي صعدت فيه روحه. اثر شنقه سلمته السلطات الايطالية إلى ليبيا فتم دفنه في مقبرة "سيدي عبيد" وفي عهد المملكة سنة 1959 تم بناء ضريح كبير في بنغازي ونقلت رفات عمر المختار في حفل كبير ليكون قبلة السياح والزوار من جميع أنحاء العالم بمن فيهم الرؤساء العرب والأجانب الذين زاروا ليبيا إذ كانت زيارة ضريح عمر المختار جزء مهما من برنامجهم.
وجاء القرار الأخير من القيادة بنقله إلى السلوق فرافقناه إلى هناك وأمر القائد القذافي في وقت لاحق ببناء نصب تذكاري وتعبيد الطريق المؤدية إليه وتجهيزها بالإنارة ليسهل على الزوار الوصول إلى تلك المنطقة الوعرة.
* ولكن نقل رفات الأسد من وسط بنغازي إلى السلوق أثار غضب الأهالي ومنهم من عبر عن سخطه بالتظاهر لماذا لم تطالب أنت بإبقائه ؟
- في البداية لم يتقبلوا الأمر، لأن تعودهم عليه ولّد لديهم حالة من الألفة مع المكان لكن بعد استيعابهم لحقيقة نقل الرفات إلى السلوق وتحديدا المكان الذي صعدت فيه روحه إلى باريها أدركوا أن القائد نفى المختار بردّ الاعتبار.
ودعت الحاج محمد لأن البيت اكتظ بالزوار وعلت الأصوات وأصبح التسجيل مستحيلا
تعليق