صفاته صلى الله عليه وسلم في الكتب المقدسة
سنتحدث في هذه المقالة عن بعض صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكورة في كتب السابقين. فقد ذكرنا في مقالات سابقة العديد من هذه الصفات. مثل كونه من نسل إبراهيم لكنه يخرج من وسط الوثنيين الذين يكذبونه ويضطهدونه في أول الأمر ثم يتبعونه بعد ذلك مخطوطات البحر الميت. رؤيا إبراهيم وكونه وإتباعه محطمون للإمبراطورية الرابعة المذكورة في سفر دانيال في التوراة ألا وهي الإمبراطورية الرومانية راجع مقالة – "مملكة الله الدولة الإلهية" .
إلا أننا في هذا المقال نعنى بصفاته المباشرة في خلقه وخلقه وسيرته لا صفة الأشياء التي تتعلق به..
فنجد جل هذه الصفات في التوراة في سفر أشعيا وسفر المزامير ... بشكل عام ومكرر تتكلم هذه الأسفار عن أربع صفات لنبي آخر الزمان:
أولاً: كونه صاحب شريعة.
ثانياً: كونه محارب منتصر.
ثالثاً: له علاقة وثيقة بالصحراء.
رابعاً: له علاقة حميمة بالحمد.
آخر صفتين ذكرناهما – خاصة – لا تكاد تخلو منهما نبوءة مسيحانية (لها علاقة بالمسيح المنتظر، نبي آخر الزمان).
= أما عن الصحراء: فنقرأ عنها على سبيل المثال في شعيا 40 : 3 "صوت صارخ: أعدوا في الصحراء طريقاً للرب". ومثل ذلك في شعيا 42 1-15 و 21: 14 و 32: 2، 32: 16 و 35 : 1 و 43: 19. وفي المزمور 68 : 4 وغير ذلك كثير.
وقد فهمت طائفة اليهود الأسينيين التي انعزلت عن بقية اليهود 100 عام قبل.الميلاد إلى صحراء البحر الميت في قمران والتي كشفت مخطوطاتها حديثاً هذا الفهم عن علاقة نبي آخر الزمان بالصحراء فخرجوا لانتظاره فيها.
= وأما عن "الحمد" فقد أفردنا له مقالاً كاملاً سوف ننشره قريباً " اسمه صلى الله عليه وسلم" [البريكليت – الحمد].
= نبدأ هذا الباب بذكر نبوءة طويلة في سفر أشعيا....
أشعيا 42
"هو ذا عبدي الذي أعضده، مختاري الذي ابتهجت به نفسي. وضعت روحي ليسوس الأمم بالعدل. لا يصيح ولا يصرخ ولا يرفع صوته في الطريق. لا يكسر قصبة مرضوضة، وفتيلة مدخنة لا يطفئ. إنما بأمانة يجري عدلاً. لا يكل ولا تثبط له همة حتى يرسخ العدل في الأرض وتنتظر الجزائر شريعته. أنا الرب دعوتك لأجل البر وأخذت بيدك وحفظتك، وجعلتك عهداً للشعب ونوراً للأمم لتفتح عيون المكفوفين وتطلق سراح المأسورين في السجن... لتهتف الصحراء ومدنها وديار قيدار المأهولة. ليتغن بفرح أهل سالع وليهتفوا من قمم الجبال وليمجدوا الرب ويذيعوا حمده في الجزائر. يبرز الرب كجبار، يستثير حميته كما يستثيرها المحارب ويطلق صرخة حرب... وأقود العمى في سبيل لم يعرفوها من قبل، وأهيدهم في مسالك يجهلونها وأحيل الظلام أمامهم إلى نور والأماكن الوعرة إلى أرض ممهدة. هذه الأمور أضعها ولن أتخلى عنهم. أما المتوكلون على الأصنام، القائلون للأوثان أنت آلهتنا فإنهم يدبرون مجللين بالخزي" العهد القديم ـ سفر أشعيا 42 : 1-17.
الواقع أنى ترددت في ذكر هذه الفقرة لأنها ذكرت كثيراً من قبل في كتب علماء مقارنة الأديان. وقد تكلموا عن التشابه الواضح بين صفات الشخصية صاحبة هذه النبوءة وبين صفات النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن وسيرته. لكني وجدت ورأيت أنها من القوة بحيث لا يمكن الملل من تكرارها. كما أنها بها عدة مواضع لم يتكلم عنها من ذكرها من قبل.
= فقوله "لا يكسر قصبة مرضوضة "يذكرنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : "مثل المؤمن مثل النحلة، إن أكلت طيباً، وإن وضعت وضعت طيباً، وإن وقفت على عود نخر لم تكسره..." رواه البيهقي عن ابن عمرو.
= ولقب عبدي ذكر في أول سورة الفرقان، وأول الإسراء، والجن 19، والبقرة 23، وكثير من المواضع الأخرى.
كذلك لقب "المختار" أو المصطفى وهو لقب شهير عند المسلمين للنبي عليه الصلاة والسلام.
= " لا يكل ولا تثبط له همة "ولا ينكسر" في نصوص أخرى حتى يرسخ العدل في الأرض" يذكرنا بقوله تعالى عند الدعوى الإسلامية في القرآن (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَىَ اللّهُ إِلاّ أَن يُتِمّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) { التوبة 32}.
وذكر هذه الجزئية قبلنا الأستاذ نظمي لوقا في كتابه "محمد الرسالة والرسول" ص25.
= "الشريعة" المذكورة جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم ... (فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمّا جَآءَكَ مِنَ الْحَقّ لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً وَلَـَكِن لّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىَ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ){ المائدة 48}.
والمعروف أن عيسى لم يأت بشريعة "لا تظنوا أني جئت لأنقص الناموس" متى 5 : 17 كما أن مؤلفي رسائل الرسل في العهد الجديد كانوا يتكلمون دائماً عن الشريعة على أنها أوامر موسى، وأنهم قد تحرروا منها أو تبرروا مجاناً "فهم يبررون مجاناً بنعمته بالفداء بالمسيح يسوع" روما 3 : 24.
= ".... وأخذت بيدك وحفظتك" يذكرنا بقوله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم (يَـَأَيّهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رّبّكَ وَإِن لّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ إِنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) {المائدة 67}.
- هذا أيضاً مما ذكره الأستاذ نظمي لوقا في كتابه سالف الذكر.
= التعبير عن النبي المنتظر "بالنور"، يتفق مع التعبير القرآني عن محمد صلى الله عليه وسلم الأحزاب 46، المائدة 15، 16 ، الأعراف 157 وغير ذلك كثير.
= كذلك ذكر ديار قيدار وسالع وهي مواضع في الحجاز.
= "وليهتفوا من قمم الجبال ويمجدوا الرب" .... لا يفعل ذلك إلا حجاج المسلمين أتباع محمد صلى الله عليه وسلم.... فوق جبال عرفات ويسبحون ويكبرون.
= كون النبي المنتظر يأتي بصرخة حرب لا يتفق وحياة المسيح عيسى وإن قيل إن هذا سيحدث في مجيئه الثاني. فإنه على قولهم – يتضح ذلك كثيراً في رؤيا يوحنا – سيأتي بحرب ليحطم أعداءه لا ليقود العمى في مسالك يجهلونها – كما تقول الفقرة اللاحقة.
= أما انتصار صاحب النبوءة على عبادة الأصنام كما ذكر في آخرها فلا يحتاج لتعليق. فعيسى لم يلتق في حياته بعباد أصنام. أما محمد صلى الله عليه وسلم فقد ظهر في شعب يعبد الأوثان وانتصر عليه – وهذا ما أكدته مخطوطات البحر الميت – كتاب ريا إبراهيم – وقد ذكرنا ذلك في فصل الساعة 12.
= مسألة الأمم أيضاً فيها تعليق – نوراً للأمم، "يسوس الأمم" فإن المسيح عيسى قال:
= "ما أرسلت إلا إلى الخراف الضالة، إلي بيت إسرائيل" متى 15: 25 بل إن بطرس هو أول من خرج بالمسيحية عن نطاق اليهود بسبب رؤيته المذكورة في أعمال الرسل 11. أو لعله بطرس وبرنابا" ولما وصلا استدعيا الكنيسة إلى الاجتماع، وأخيراً بولس وبرنابا بكل ما فعل الله بواسطتهما، وبأنه فتح باب الإيمان لغير الهيود".أعمال الرسل 14: 27[2].
* أغلب ما ذكر آنفاً ورد في كتب سابقة، لكني أود أن ألفت النظر إلى أربع مسائل:
1- يتكرر في هذه النبوءة مثل غيرها من النبوءات المسيحانية في العهد القديم، يتكرر فيها ذكر "الصحراء" "والحمد" بشكل ملفت للنظر. والعلاقة بينهما وبين محمد صلى الله عليه وسلم واضحة. ولا علاقة لهما على الإطلاق بعيسى.
2- التماثل بين قوله: "وسنطلق سراح المأسورين في السجن" وبين قوله عز وجل: (الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الاُمّيّ الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلّ لَهُمُ الطّيّبَاتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتّبَعُواْ النّورَ الّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) { الاعراف 157}.
3- التماثل الخطير بين قوله " وأقود العمى في سبل لم يعرفوها من قبل، وأهديهم في مسالك يجهلونها وأحيل الظلام إلى نور والأماكن الوعرة إلى أرض ممهدة"أشعيا42: 16 وبين قوله عزل وجل عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مّنِ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ { المائدة 16} .
4- ذكر الأصنام في آخر النبوة لابد أن يكون له علاقة بالنبي المنتظر الذي لابد أن سيكون محطماً لها يعضد أن يكون المقصود محمد صلى الله عليه وسلم الذي نشأ وسط عبادها ثم حطمها لا عيسى الذي لم يخالط وثنيين قط. نرجع في ذلك لآخر الفصل الأول من الباب الأول الساعة 12 حيث ذكرت مخطوطات البحر الميت المكتشفة حديثاً نفس ما ذهبنا إليه يجعل تفسيرنا قاطعاً.
خاتم النبوة
كما وجدنا من قبل ذكر في كتب أهل الكتاب لصفات للنبي صلى الله عليه وسلم معنوية، وجدنا كذلك الجسدية، مثل خاتم النبوة...
ذكر أشعيا في سفره نبوءة عن إحدى صفات النبي المنتظر فقال:
"لأنه يولد لنا ولد ويعطي لنا ابن [3] يحمل الرياسة على كتفه" أشعيا 9: 6.
كما ذكر يوحنا ذلك أيضاً: لا تسعوا وراء الطعام الفاني بل وراء الطعام الباقي إلى الحياة الأبدية، والذي يعطيكم إياه ابن الإنسان[4]، لأن هذا[5] قد وضع الله ختمه عليه" يوحنا 6: 27.
يفسر أهل الكتاب هذا الخاتم تفسيراً معنوياً لا مادياً. أي انه دليل عظمة ورياسة فقط والحق أن المعنى في الموضعين السابقين يحتمل هذا وذاك.
*** يفصل في هذا الأمر، الخاتم جسدي أم معنوي. المخطوطات الكتابية المكتشفة حديثاً ألا وهي مخطوطات البحر الميت المكتشفة عام 1947م التي كتبت في خلال القرن الأول قبل وبعد ميلاد المسيح عيسى.
ذكرت هذه المخطوطات ( 40Messq 1:2 ) أن هناك علامات على جسد النبي المنتظر تشبه حبات العدس.
كذلك ذكر في كتاب من كتب اليهود القديمة كتب المركبة Seper Assap ذكر في هذا الكتاب أن هذه العلامات الجسدية بعضها مثل حبات العدس وبعضها مثل بذور الخيار [6].
هذا يتفق تماماً مع نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام. فمن المعروف عنه وجود خاتم النبوة بين كتفيه.
ذكر ذلك الصحابي سلمان الفارسي في نهاية سرده لقصة إسلامه بعد بحثه الطويل عن الحقيقة الذي دفعه إلى ترك ثراء أبيه ودفعه للرق ثم اتبع النصارى الموحدين وعلم منهم صفات نبي آخر الزمان ثم اختبر محمد عليه الصلاة والسلام في هذه الصفحات وكان آخرها خاتم النبوة ".... ثم أتيته فوجدته في البقيع قد تبع جنازة وحوله أصحابه وعليه شملتان مؤتزراً بواحدة، مرتدياً الأخرى، فسلمت عليه، ثم عدلت لأنظر أعلى ظهره، فعرف أني أريد ذلك، فألقى بردته عن كاهله، فإذا العلامة بين كتفيه... خاتم النبوة، كما وصف لي صاحبي..." رواه أحمد والطبراني وابن سعد عن ابن عباس.
ذكر ذلك أيضاً الصحابي عبد الله بن سرجس: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ناس من أصحابه، فدرت خلفه هكذا، فعرف الذي أريد، فألقى الرداء عن ظهره، فرأيت موضع الخاتم على نغض كتفه مثل الجمع حوله خيلان، كأنها الثآليل[6]" رواه مسلم والترمذي والنسائي".
= قليل من التأمل يظهر لنا التطابق بين ما ذكر في هذين الحديثين وما ذكر في كتب اليهود المذكورة قبلها خاصة كتاب Seper Assaq الذي يذكر أن خاتم النبوة مكون من جزئين كما روى عبد الله بن سرجس.
تعليق