عندما تولى الأمارة بمكة ذلك الشاب الذي لم يتجاوز العقد الثاني من عمره الشريف سرور بن مساعد بن أبي نمي الثاني ، كانت الأوضاع الأمنية بالحجاز عامة غير مستتبة عام 1186هـ ، وبمكة خاصة ، فنظر ذلك الأمير بعين البصر والبصيرة أن يتظم جيشه ويبني قاعدته الأمنية بمهد إمارته ، وكانت قضية الأمن من أهم القضايا التي تشغل تفكيره وهو في بداية توليه أمر الحكم بمكة ، ولم يكن ذلك الأمير الشاب فتىً عادياً ، بل كان على قدر كبير من القوة والشجاعة ورصانة العقل وحسن التصرف ، وعلو الذوق الفني والأدبي .. وبهذه الصفات وغيرها تبلورت في أفكاره بناء قلعة عظيمة بالقرب من المسجد الحرام على أحد الجبال المجاورة له ، وتكون بمثابة الحصن الأمني لأهلها في حالة الغزو الجانح والثورات الصاربة ، ولكي تكون مقراً للجيش الذي يسعى في تجهيزه وتطويره .
وعندما اكتملت جوانب الفكرة في أعماق تفكيره اجتمع برجالات دولته وتشاور معهم في أمرها ، فما كان منهم إلا أن باركوا له حسن تفكيره وبراعة رأيه عندها أذن ببدء العمل .
فتوافد على مكة أمهر أرباب العمارة ، وتوافر عدد لا يستهان به من العمال والحرفيين من أجل بناء قلعة السرور ، القلعة الكبرى ، القلعة التي لم يكن في زمانها قلعة سواها ، قلعة الأمن ، قلعة التاريخ ..
وعين موقع البناء وكان على جبل أجياد المقابل للمسجد الحرام من الناحية الجنوبية ، ومضت الأيام وبعد عامين من بداية العمل انتهوا من بناء قلعة مكة الكبرى ، فبدت القلعة في أروع صور البناء والمتانة في ذلك العصر ، وكان من ضمن منظومة القلعة الكبرى قصور تقع في أسفل القلعة ممتدة على سفح الجبل وبعض الأحواش والأسوار العالية ، وعندما شاهدها الشريف رأى أنها لم تكن على قدر المتانة التي كان يأمل فيها فأمر بهدمها وإعادتها على أحسن من ذلك وأمتن ، وبالفعل بدأ العمل بها ..
وفي عام 1202هـ بعد أن شارف العمال على الانتهاء من أعمال البناء في الدور وأجزاء القلعة فوجئ أهل مكة بفاجعة كبرى حيث أصيب السرور بمرض ألم به وقد كانت مكة تعيش فرحتين فرحة بناء القلعة والاحتفالات التي دامت أكثر من 15 يوماً وكانت من أهمها الاستعراض العسكري الأول من نوعه في مكة والتي لم يمض على انتهائها سبعة أيام ، فاضطربت البلاد لعظم المشقة ، وأصاب أهل مكة حزن طويل دام ساعات من الليل وأطراف النهار ، حتى عُلم بأن الأمير قد فاق من غيبوبته واستبشروا خيراً ، واطمأنوا لذلك ودام على حاله هذا أربع أيام عندها خرج للناس وفرحوا لرؤياه ، ونظر إلى القلعة وفي وجهه بشائر السرور ، ثم انقلب إلى فراشه حيث نادته ملائكة الموت ، فنام نومته التي انتقل فيها من دار الفناء إلى دار البقاء .. وتوفي السرور بمكة ولم تكتمل منظومة الخير والسرور التي كانت تدور في ذهن ذلك الشاب الأمير الذي كانت طموحاته أعلى من قمم الجبال ومواهبه تفوق الخيال وشجاعته ترويها الأجيال .. وودعته القلعة ومكة بسروره لرؤيتها عام 1202هـ ودفن بالمعلاة وله من العمر 35 عاماً .. تلك كانت قلعة سرور .. قلعة مكة .. قلعة جياد .. لم تكن ملكاً لأحد حيث بناها الشريف لتكون أمناً لمكة ، وكذلك كانت على مدى 225عاماً ، وتعاقبت عليها الأيدي الحاكمة حتى أمر الملك فهد بن عبد العزيز بأن تكون تابعة لأوقاف الحرم الشريف .
تعليق