الاستنباء – التغطيس – الدوسرة – التنقيب الخارق عن الماء تسميات متعددة للقدرة المزعومة الخارقة لشخص ما على اجابة الشخص حول سؤال يتعلق بوجود شئ ما في محيطه بنعم أو لا فيكون الجواب حاسماً بناءاً على قدرة باراسايكولوجية خارقة يمتلكها. أما التنقيب عن الماء، المعادن، او الآثار فهو من تطبيقات هذه القدرة المزعومة، كما يستخدمونها لاتخاذ قرارات مالية ولايجاد الاشياء والاشخاص المفقودين. وترجع لحقبة قديمة حيث وجدت في رسومات احد الكهوف في الجزائر رسوم لأشخاص يحملون عصي تؤشر نحو السماء. كما تُظهر رسومات المصريين أموراً مشابهة، كما أن هناك تمثالاً يعود لـ 2200 سنة قبل الميلاد للامبراطور الصيني هوانغ يو وهو يحمل أداة استنباء. حتى كونفوشيوس تحدث عن هذه الممارسات. في 1556 نشر كتاب لجرجيس اجريكولا (Georgius Agricola) الألماني حول استخدام الاستنباء في التنقيب عن المعادن الثمنية.
تسمى تلك الأداة التي يستخدمونها في التنقيب عصا الاستنباء (dowsing rod) ويمكن أن تستخدم أي مادة كعصا استنباء مثل غصن الشجرة اليافع، أو عظام الحيوانات أو سكين صغيرة. حيث يُترك توجيه الأداة حراً بين اليدين ومتعامداً مع الأرض بينما يمشي المنقب حتى تبدأ العصا بالإشارة الى الأرض. وتستخدم أحياناً عصاتين. مكان النقطة المقصودة عندئذ يكون بتقاطع العصاتين، وفي هذه الحالة يحتاج المنقب الى خارطة للتأشير. كما يستخدم البندول للاستبناء ايضاً حيث يترك ليتأرجح فوق خارطة حتى يتوقف عند مكان معين ليتم قصده.
المؤمنون بالتنقيب الخارق او الاستنباء او الدوسرة غالباً ما يقدمون أحد ثلاثة تفاسير للآلية وراء الاستنباء. الأولى هي الفيزيائية، التي تتعلق بالقوة التي تنطلق من الجسم الذي يحاول الشخص إيجاده. المتنبئ ببساطة يكون بتناغم مع هذه القوة وبالتالي فهو يجدها. المتنبؤون يقولون انهم ينجذبون لقوى مختلفة بحسب الشخص؛ فمثلاً أحدهم ينجذب الى الذهب وقد لا ينجذب الى معدن آخر. أما التفسير الآخر فهو يتعلق بقوة الإدراك ذاتها. القوة التي تصل الى الجسم وتتصل بالعنصر المراد كشفه. وهكذا يعمل متنبئوا الخرائط فيقومون بتعيين مكان شخص مفقود مثلاً على خارطة بلد معين، كشخص مفقود في صحراء الربع الخالي فيقوم المتنبأ بكشفه على الخارطة. اما التفسير الثالث فهو يتضمن مزيجاً من الطريقتين السابقتين المزعومتين. وهو يفترض مسبقاً ان هناك انبثاقات معينة من الأجسام فيقوم المتنبأ برصدها بواسطة قوة إدراكه.
العديد من المتنبئون يؤمنون ان العقل الباطن يعلم أجوبة جميع الأسئلة وأننا يجب أن يكون لدينا علاقة حميمة مع العقل اللاوعي للحصول على الأجوبة منه. ورغم سعة إنتشار الأعتقاد بالاستنباء او الدوسرة او التنقيب الخارق عن المعادن والاشياء والاشخاص فإن التحقيق الدقيق أظهر أنها ببساطة لا تعمل. لا يوجد باحث إستطاع ان يثبت وجود أي قوة خاصة لدى أي نوع من الاستنباء تحت ظروف القياس.
فيما يعرف بتجارب ميونخ، أكثر تحقيق شامل ومعروف حول هذا الموضوع وكان مقاماً من قبل الدكتور بيتز (H.-D. Betz) وزملاءه في ألمانيا. بيتز استنتج من خلال بياناته أن “الجوهر الحقيقي لظاهرة الاستنباء يمكن أعتبار أنه تم إثباته مختبرياً” (1997). غير أن مراجعة بيانات الدكتور بيتز كشفت أن الرجل وصل الى استنتاجاته بواسطة احتساب أفضل الحالات فقط، فهو قام بإحتساب ما هو إيجابي ونبذ ما هو سلبي من القيم، وهو خرق واضح للبروتوكول العلمي. بتحليل جميع البيانات مرة ثانية صار واضحاً انه لا يوجد اي ظاهرة إحصائية – ولا تأثير للاستنباء.
نفس الشئ كان صحيحاً عندما كان المتنبؤون يؤدون نتائجاً صحيحة لكن عندما يُعاد فحص تنبؤهم يظهر بوضوح أنه لا يوجد تأثير. ورغم ادعاءات بعض الباحثين، فما زالت أكبر وأشهر دراسة أقيمت عن الاستنباء تُظهر أنه لا يوجد أي تأثير له. ولا دراسات أُجريت تحت الظروف المناسبة وكانت قادرة على توضيح أي تأثير نفسي أو فيزيائي للاستنباء.
في فرنسا حاول أحد المتنبئين (Jacque Benveniste) أن ينشر بحثاً له زعم فيه إثبات عمل الاستنباء في مجلة نيتشر، المجلة أرسلت فريقاً من المحققين لمختبره كإجراء طبيعي للتحقق قبل نشر الأبحاث، وقد أظهرت نتائج فحصهم مشكلات جدية في التدليس والتنصل عن البيانات بالإضافة الى عدم قدرة الفاحص على تكرار نتائجه.
الاستنباء والفكرية الحركية (Ideomotor)
التفسير الأرجح لحركة مركز تأشير المتنبئ هو ما يعرف بتأثير الاديوموتور أو تأثير الفكرية الحركية، والذي يقتضي السلوك الحركي الطوعي واللاواعي. في عام 1852، أعطى ويليام كاربينتير (William Carpenter) محاضرة اعيد طبعها ضمن محاضر المعهد الملكي، وضح فيها النشاط الفكري الحركي كفئة ثالثة من اللاوعي، والسلوك الغريزي. والنوعين الآخرين هما مثيرة الحركة (excitomotor) كالتنفس والبلع والحسية الحركية كردود الفعل المباغتة. الفكرية الحركية (Ideomotor) هي أمر ثانوي بالنسبة لأفكارنا، هي تبدأ في الدماغ. ويمكن أن ترتبط أي حركة جسدية دون إرادة بالفكرية الحركية. بحسب هذا التفسير فإن توقعات المتنبئين يمكن أن تسبب حركة غير واعية لعصى الاستنباء التي يحملونها بايديهم. كما أن هذا التفسير هو الأفضل للوحة تحضير الأرواح (Ouija board)
جرائم العلم الزائف عبر الاستنباء
قد لا يُلام العلم الزائف بقدر ما تُلام الضمائر الميتة، لكن ما حدث في العراق بإستيراد أحد أجهزة كشف المتفجرات من قبل وزارة الداخلية العراقية وإحدى الشركات الأهلية مع وساطة لبنانية ومصنع بريطاني. كان جل ذلك أحد أكبر عمليات النصب والأحتيال وأكثرها تأثيراً في قتل عشرات الآلاف من البشر الذين طحنتهم الإنفجارات في طوابير الأنتظار أمام عصى استنباء غير مرتبطة بأي دارة الكترونية وتعمل وفق مبدأ الفكرية – الحركية (Ideomotor) كما أنها أعطت أماناً زائفاً للشوارع العراقية المحفوفة بالموت عبر إيهام الناس لسنوات بأن عصا الاستنباء هذه تعمل. التحقيقات في بريطانيا أودت بالمُصنع الى السجن بتهمة الأحتيال، لكنها لم تفعل الأمر ذاته في العراق، حيث ما زال مستوردي الجهاز يتمتعون بنفوذهم كاملاً وما زال الجهاز يمارس عمله في الشوارع العراقية.
المصادر
تسمى تلك الأداة التي يستخدمونها في التنقيب عصا الاستنباء (dowsing rod) ويمكن أن تستخدم أي مادة كعصا استنباء مثل غصن الشجرة اليافع، أو عظام الحيوانات أو سكين صغيرة. حيث يُترك توجيه الأداة حراً بين اليدين ومتعامداً مع الأرض بينما يمشي المنقب حتى تبدأ العصا بالإشارة الى الأرض. وتستخدم أحياناً عصاتين. مكان النقطة المقصودة عندئذ يكون بتقاطع العصاتين، وفي هذه الحالة يحتاج المنقب الى خارطة للتأشير. كما يستخدم البندول للاستبناء ايضاً حيث يترك ليتأرجح فوق خارطة حتى يتوقف عند مكان معين ليتم قصده.
المؤمنون بالتنقيب الخارق او الاستنباء او الدوسرة غالباً ما يقدمون أحد ثلاثة تفاسير للآلية وراء الاستنباء. الأولى هي الفيزيائية، التي تتعلق بالقوة التي تنطلق من الجسم الذي يحاول الشخص إيجاده. المتنبئ ببساطة يكون بتناغم مع هذه القوة وبالتالي فهو يجدها. المتنبؤون يقولون انهم ينجذبون لقوى مختلفة بحسب الشخص؛ فمثلاً أحدهم ينجذب الى الذهب وقد لا ينجذب الى معدن آخر. أما التفسير الآخر فهو يتعلق بقوة الإدراك ذاتها. القوة التي تصل الى الجسم وتتصل بالعنصر المراد كشفه. وهكذا يعمل متنبئوا الخرائط فيقومون بتعيين مكان شخص مفقود مثلاً على خارطة بلد معين، كشخص مفقود في صحراء الربع الخالي فيقوم المتنبأ بكشفه على الخارطة. اما التفسير الثالث فهو يتضمن مزيجاً من الطريقتين السابقتين المزعومتين. وهو يفترض مسبقاً ان هناك انبثاقات معينة من الأجسام فيقوم المتنبأ برصدها بواسطة قوة إدراكه.
العديد من المتنبئون يؤمنون ان العقل الباطن يعلم أجوبة جميع الأسئلة وأننا يجب أن يكون لدينا علاقة حميمة مع العقل اللاوعي للحصول على الأجوبة منه. ورغم سعة إنتشار الأعتقاد بالاستنباء او الدوسرة او التنقيب الخارق عن المعادن والاشياء والاشخاص فإن التحقيق الدقيق أظهر أنها ببساطة لا تعمل. لا يوجد باحث إستطاع ان يثبت وجود أي قوة خاصة لدى أي نوع من الاستنباء تحت ظروف القياس.
فيما يعرف بتجارب ميونخ، أكثر تحقيق شامل ومعروف حول هذا الموضوع وكان مقاماً من قبل الدكتور بيتز (H.-D. Betz) وزملاءه في ألمانيا. بيتز استنتج من خلال بياناته أن “الجوهر الحقيقي لظاهرة الاستنباء يمكن أعتبار أنه تم إثباته مختبرياً” (1997). غير أن مراجعة بيانات الدكتور بيتز كشفت أن الرجل وصل الى استنتاجاته بواسطة احتساب أفضل الحالات فقط، فهو قام بإحتساب ما هو إيجابي ونبذ ما هو سلبي من القيم، وهو خرق واضح للبروتوكول العلمي. بتحليل جميع البيانات مرة ثانية صار واضحاً انه لا يوجد اي ظاهرة إحصائية – ولا تأثير للاستنباء.
نفس الشئ كان صحيحاً عندما كان المتنبؤون يؤدون نتائجاً صحيحة لكن عندما يُعاد فحص تنبؤهم يظهر بوضوح أنه لا يوجد تأثير. ورغم ادعاءات بعض الباحثين، فما زالت أكبر وأشهر دراسة أقيمت عن الاستنباء تُظهر أنه لا يوجد أي تأثير له. ولا دراسات أُجريت تحت الظروف المناسبة وكانت قادرة على توضيح أي تأثير نفسي أو فيزيائي للاستنباء.
في فرنسا حاول أحد المتنبئين (Jacque Benveniste) أن ينشر بحثاً له زعم فيه إثبات عمل الاستنباء في مجلة نيتشر، المجلة أرسلت فريقاً من المحققين لمختبره كإجراء طبيعي للتحقق قبل نشر الأبحاث، وقد أظهرت نتائج فحصهم مشكلات جدية في التدليس والتنصل عن البيانات بالإضافة الى عدم قدرة الفاحص على تكرار نتائجه.
الاستنباء والفكرية الحركية (Ideomotor)
التفسير الأرجح لحركة مركز تأشير المتنبئ هو ما يعرف بتأثير الاديوموتور أو تأثير الفكرية الحركية، والذي يقتضي السلوك الحركي الطوعي واللاواعي. في عام 1852، أعطى ويليام كاربينتير (William Carpenter) محاضرة اعيد طبعها ضمن محاضر المعهد الملكي، وضح فيها النشاط الفكري الحركي كفئة ثالثة من اللاوعي، والسلوك الغريزي. والنوعين الآخرين هما مثيرة الحركة (excitomotor) كالتنفس والبلع والحسية الحركية كردود الفعل المباغتة. الفكرية الحركية (Ideomotor) هي أمر ثانوي بالنسبة لأفكارنا، هي تبدأ في الدماغ. ويمكن أن ترتبط أي حركة جسدية دون إرادة بالفكرية الحركية. بحسب هذا التفسير فإن توقعات المتنبئين يمكن أن تسبب حركة غير واعية لعصى الاستنباء التي يحملونها بايديهم. كما أن هذا التفسير هو الأفضل للوحة تحضير الأرواح (Ouija board)
جرائم العلم الزائف عبر الاستنباء
قد لا يُلام العلم الزائف بقدر ما تُلام الضمائر الميتة، لكن ما حدث في العراق بإستيراد أحد أجهزة كشف المتفجرات من قبل وزارة الداخلية العراقية وإحدى الشركات الأهلية مع وساطة لبنانية ومصنع بريطاني. كان جل ذلك أحد أكبر عمليات النصب والأحتيال وأكثرها تأثيراً في قتل عشرات الآلاف من البشر الذين طحنتهم الإنفجارات في طوابير الأنتظار أمام عصى استنباء غير مرتبطة بأي دارة الكترونية وتعمل وفق مبدأ الفكرية – الحركية (Ideomotor) كما أنها أعطت أماناً زائفاً للشوارع العراقية المحفوفة بالموت عبر إيهام الناس لسنوات بأن عصا الاستنباء هذه تعمل. التحقيقات في بريطانيا أودت بالمُصنع الى السجن بتهمة الأحتيال، لكنها لم تفعل الأمر ذاته في العراق، حيث ما زال مستوردي الجهاز يتمتعون بنفوذهم كاملاً وما زال الجهاز يمارس عمله في الشوارع العراقية.
المصادر
- موسوعة العلوم الزائفة – مايكل شيرمر
- Skeptical Inquirer Volume 23.1 January / February 1999
- نيويورك تايمز نوفمبر 3 2009 عن جهاز كشف المتفجرات العراقي
تعليق