بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
السؤال :
هل لقواعد علم الحديث أساس في الكتاب والسنة ، أي: هل هناك مثلاً دليل يشير إلى طبيعة استخدام الإسناد ، أو كيفية التفريق بين الصحيح والضعيف ؟ أو هل هناك ما يشير إلى مسألة الجرح والتعديل ؟ أم أن المحدثين هم من وضع هذا العلم في اجتهاد منهم لحفظ السنة، حتى ولو لم يكن لهم دليل من القرآن أو السنة ؟
الجواب :
الحمد لله
علم أصول الحديث هو في الأصل والأساس مبني على قواعد عقلية ، ومبادئ منهجية ، وأصول تجريبية ؛ توصَّل إليها المحدثون بحكم الخبرة المنهجية المتراكمة في نقل الأخبار وتحري صدقها وثبوتها ، واهتدوا إلى أسس هذا العلم بالممارسة الطويلة، ومعاناة السماع والأداء والنقد والتعليل ، والبناء شيئا فشيئا لقواعد العلم وضوابطه ، كما يقول الخطيب البغدادي: "تمييز الحديث علم يخلقه الله تعالى في القلوب بعد طول الممارسة له ، والاعتناء به" كما في "الجامع" (2/ 255) .
ولكن هذه القواعد في الوقت نفسه – في فلسفتها العامة وليس في ضوابطها الجزئية - أصول شرعية مقررة في نصوص الكتاب والسنة، فقد وردت الأدلة الشرعية الإجمالية التي تخط لعلماء الحديث المبادئ الأساسية لعلوم التاريخ، وأما التفاصيل فهي محالة إلى المنهج التجريبي ، السابق ذكره .
فمن تلك المبادئ الأساسية الشرعية العامة:
1. تغليظ تحريم الكذب في الحديث .
كما قال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِنَ النَّارِ) رواه البخاري (1295) ، ومسلم (4) في المقدمة.
2. عدم قبول خبر الفاسق.
قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) الحجرات/6 .
3. اشتراط عدالة الراوي قياسا على عدالة الشاهد .
قال تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّه) الطلاق/ 2.
4. التثبت والتحري الدائمان.
قال تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء/ 36.
5. الحذر من مناكير الأخبار.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ ، يَأْتُونَكُمْ مِنَ الْأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ، وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لَا يُضِلُّونَكُمْ، وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ) رواه مسلم في مقدمة صحيحه (7) .
6. التوقي عن رواية المكذوب .
كما قال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ) رواه مسلم في مقدمة صحيحه.
7. الضبط والحفظ معيار الثقة :
قال عليه الصلاة والسلام: ( نَضَّرَ الله امرَأً سَمِعَ منَّا حديثاً فحفِظَه حتىِ يُبَلَّغَهُ ، فَرُبَّ حامِلِ فقهٍ إلى مَن هو أفقَهُ منه، ورُبَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيهٍ) رواه أبوداود في "السنن" (3660) ، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (230) .
8. الحذر من التهمة بكثرة الغرائب وعدم انتقاء الحديث.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) رواه مسلم في "مقدمة صحيحه".
9. طلب الدليل والبرهان.
قال تعالى: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) البقرة/ 111.
10. التفتيش عن العلم واليقين، بعيدا عن الظن والوهم.
قال تعالى: (وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) النجم/ 28.
تعليق