بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
من نظر إلى الشرّ حينما ينتشر في الناس فإنه لا ينشر إلا بسببين لا ثالث لهما:
أحدهما: بفقد العلماء واندثارهم في هذه الأرض وهذا مصداق قول الله جل وعلا {نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (الرعد: 41).
والسبب الثاني: تقصير العلماء بالقيام بواجبهم وذلك حال وجودهم
ولذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في البخاري ومسلم من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا))[رواه البخاري100ومسلم 2673]
فإن أهل الجهالة لا يتصدرون إلا حينما يغيب أهل العلم الذين يقومون بأمر الله، فمهمتهم في هذه الأرض إن يدلوا الناس إلى الخير ويحذروهم من الشر، ويقودوا هذه الأمة إلى بر الأمان على مر الأزمان، وقد جعل الله لهم الثقة المفرطة بين العباد، وأمر الله بالرجوع إليهم عند المشكلات والمعضلات
يقول الله في كتابه العظيم: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النحل: 43). وأمر الله حال نزول الفتنة والفِرقة والشقاق والنفاق بين الناس أن يكون مرجعهم كلام الله وكلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بِفهمِ أهل العلم والمعرفة بكلام الله. ولذلك يقول: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (النساء: 83).
والذين يستنبطونه منهم هم العلماء العارفون بكلام الله، وقد أمر الله عز وجل بالرجوع إليهم والنهل من علمهم، فإنهم هم أهل البصيرة لأنهم أعلم الناس بالله،
ولذلك قد جعل الله لهم من الخيريه والمزية والفضل في هذه الدنيا ما لم يكن لغيرهم. وجعل لهم كذلك في المقابل العذاب الأليم يوم القيامة إن خالفوا أمر الله.
وحينما يكون الإنسان بين ثواب جزيل إن وافق والعقاب الأليم إن خالف فإنه يكون أقرب الناس إلى الصواب وأحراهم بالتماسه وأدقهم بسلوكه والقرب من الحق، ولذلك كان أهل العلم أقرب الناس إلى الحق والصواب وأقربهم إلى فهم الحق والبينة وقد سموا النجوم فقد جاء ذلك على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففي المسند في حديث رشدين بن سعد عن عبد الله بن الوليد عن أبي حفص عن أنس مرفوعاً: ((إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يُهْتَدَى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن يضل الهداة))[رواه أحمد12189] وجاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصح من هذا بمعناه، ما في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي موسى الأشعري حينما قال ((أنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذ ذهب أصحابي أتي أمتي ما يوعدون))[رواه مسلم2531].
والمُراد بذلك العلم وليس المراد بذلك ذواتهم.
بل أن الله قد جعل الخيرية في أهل العلم كما جاء في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)).[رواه البخاري71 ومسلم1037].
وقال - عليه الصلاة والسلام - ((من سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهل الله له به طريق إلى الجنة)).[رواه مسلم2699]
فالعلماء هم ورثة الأنبياء، والعلماء ورثوا العلم من أخذه أخذ بحظ وافر، فالأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، وإنما ورثوا العلم من أخذ به أخذ بالحظ الوافر. وقد كان العلماء في الأرض كالنجوم يهتدى بها ولذا يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما روى الإمام مسلم من حديث سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة المغرب، ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء قال فجلسنا فخرج علينا فقال: ((ما زلتم مكانكم هاهنا)).قال: قلنا نعم يا رسول الله، صلينا معك المغرب ثم قلنا نجلس حتى نصلي معك العشاء قال: ((أحسنتم، أو قال أصبتم)).[رواه مسلم2531]
قال: فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه إلى السماء، وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء فقال - عليه الصلاة والسلام - ((النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهبوا أتى أمتي ما يوعدون))[رواه مسلم2531].
وهذا تشبيه بليغ لحملة الوحي، وحملة العلم أنهم كالنجوم يهتدى بهم،
روى أبو نعيم في كتابه الحلية من حديث الحسن عن أبي مسلم الخولاني قال: "مثل العلماء مثل النجوم في الأرض إذا بدت لهم اهتدوا وإذا خفيت تحيروا"[(5/138)].
وقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مقامهم في أمته كالنجوم بالنسبة لمن يسلك البر والبحر ويعرف الجهات بعضها من بعض، وليس المراد بذلك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذواتهم ولكن بما نالوه من شرف الصحبة والقرب من الوحي والنهل من كلام الله سبحانه - وكلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمعرفة فيه.
ولذلك كان الاختلاف والفِرقة فيهم أقل من غيرهم، قال عليه الصلاة والسلام ((خير القرون قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم))[رواه البخاري2652 ومسلم2533]
والسبب في ذلك والحكمة البالغة هو قربهم من الوحي ومعرفتهم بمواضع التنزيل، فإنه كل ما كان الشخص إلى التنزيل أقرب كان به أعلم وهذا ظاهر كلام رسول الله: ((خير القرون قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم))[رواه البخاري2652 ومسلم2533].
تعليق