بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
السؤال:
على الرغم من عدم علمي بحديث يناقض الواقع ، ولكن هل يمكن أن ينسخ الواقع الحديث ، على سبيل المثال:
لو وجد هناك حديث يخالف حقيقة علمية ، فهل يجوز لنا رد هذا الحديث والحكم بعدم صحته ؟
فحسب علمي فإنه في حال عدم التمكن من الجمع بين حديثين ظاهرهما التعارض، وكان درجة صحة أحدهما أقوى، فإنه يمكن أن ينسخ الحديث الأقل منه صحة.
وهل يُحكَم على من يرد الحديث لمخالفته الواقع أو حقيقة علمية بالكفر، ولم يتمكن من الجمع بين الحديث والعلم ؟
أرجو منكم شرح المسألة بالتفصيل ، وما قول أهل العلم في هذه المسألة؟
الجواب :
الحمد لله
الحقيقة العلمية من خلق الله عز وجل ، والكتاب والسنة مصدرهما الله سبحانه ، وما يصدر عن الله سبحانه – سواء وحيا أم خلقا وإيجادا – لا يمكن أن يتناقض ؛ لأنك تتحدث عن الله سبحانه الذي هو صاحب الكمال المطلق ، والعلم الشامل لجميع الكليات والجزئيات ، فهو منزه سبحانه وتعالى عن التناقض في خلقه ووحيه ، فهما من مشكاة واحدة ،
قال تعالى: ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) النساء/ 82 .
فإذا انطلقت من هذه الفكرة أدركت أن كل ما نظنه تعارضا – في الظاهر – بين الحقيقة العلمية والحديث النبوي فهو ظن خاطئ
لا بد على الباحث أن يسعى في دراسته والتأمل فيه من المنظور الكلي السابق ،
[bgcolors=#ffff33]منظور "اتحاد" العقل (ومنه التجربة والعلم) والشرع[/bgcolors]
ليكتشف أن ثمة مغالطة أدت إلى ظن هذا التعارض , وإلا فحقيقة الأمر هي التوافق والاتحاد
كما يقول الراغب الأصفهاني رحمه الله عن العقل والشرع : " هما متعاضدان ؛ بل متحدان" .
انتهى من "تفصيل النشأتين" (ص74).
وهذا يعني احتمال البحث لأوجه عديدة في فض هذه المعارضة الظاهرية ، نذكر بعضها ، أو أهمها:
الوجه الأول:
تحقيق أن الحديث المعين، المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم : لا يثبت إسناده أصلا، وأن صحته المظنونة بنيت على أساس خاطئ ، يتبين ضعفه مع إعادة الدراسة ، وتحقيقها ، لفك التعارض.
فتكون الحقيقة العلمية في هذه الحالة وسيلة مساعدة لاكتشاف العلة الإسنادية، ولولا الوقوف على هذه الوسيلة ، لكان الناقد قد أخذ بالصحة الظاهرية ، دون التعمق في العلل الخفية.
يقول ابن أبي حاتم الرازي رحمه الله:
"يقاس صحة الحديث بعدالة ناقليه ، وأن يكون كلاما يصلح أن يكون من كلام النبوة " .
انتهى من "الجرح والتعديل" (1/351) .
وكما قال ابن الجوزي أيضا:
"ألا ترى أنه لو اجتمع خلق من الثقات، فأخبروا أن الجمل دخل في سم الخياط، لما نفعتنا ثقتهم، ولا أثرت في خبرهم؛ لأنهم أخبروا بمستحيل، فكل حديث يخالف المعقول، أو يناقض الأصول، فاعلم أنه موضوع ، فلا تتكلف في اعتباره"
انتهى من "الموضوعات" (1/106) .
ونحوه قول الإمام العراقي رحمه الله :
"ومما يستدل به على وضع الحديث : مخالفةُ الواقع" .
انتهى. نقله ابن حجر في "القول المسدد" (ص9) .
ومن أمثلته حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: (مَنْ حَدَّثَ حَدِيثًا ، فَعَطَسَ عِنْدَهُ ، فَهُوَ حَقٌّ) رواه أبويعلى في "المسند" (11/234) بإسناد حسنه بعض العلماء ، كالنووي في "الأذكار" (ص275)، والسيوطي في "الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة" (ص183)
ولكن قال بعض المحدثين المتأخرين:
"هذا حديث باطل ؛ ولو كان إسناده كالشمس" انتهى.
نقله الزركشي في "اللآلئ المنثورة" (ص211) .
وقال ابن القيم:
"هذا – وإن صحح بعض الناس سنده – فالحس يشهد بوضعه ؛ لأنا نشاهد العطاس والكذب يعمل عمله، ولو عطس مائة ألف رجل عند حديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحكم بصحته بالعطاس، ولو عكسوا عند شهادة زور لم تصدق" انتهى.
فتأمل استدلال ابن القيم رحمه الله بمخالفة الحديث للحس والواقع؛ على بطلان الحديث .
على أن إسناد هذا الحديث ليس صحيحا ولا حسنا ؛ بل هو ضعيف جدا ،
ولذلك قال أبو حاتم الرازي: "هذا حديث كذب" ، كما في "العلل" (6/311).
وللوقوف على تفصيل علة الحديث يرجى مراجعة "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" للشوكاني، وتعليق العلامة المعلمي عليه (ص224) ، وأيضا : "سلسلة الأحاديث الضعيفة" للألباني (136).
ولكن هذا المنهج النقدي – كما ترى – [bgcolors=#ffff33]منضبط بعلوم الحديث وقواعد التعليل ، ومنضبط أيضا بمخالفة الحديث للواقع مخالفة صريحة واضحة،[/bgcolors]
وليس كما ينحو بعض الطاعنين في السنة ، إلى رد كل حديث لا يخالف الواقع والعلم،
وإنما يخالف أهواءهم ورغباتهم التي لا ضابط لها، ولا حاكم عليها، ودون الرجوع إلى قواعد تعليل الأحاديث التي يرجع إليها المحدثون.
وينبغي أن نشير هنا إلى مسألة ، هي من الأهمية بمكان في هذا الصدد ، سبق إلى تقريرها الإمام الشافعي رحمه الله ؛ وهي أن هذا النوع من الحديث ، الذي تكتشف ضعف نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، بهذه الوسيلة ، ونحوها ، لا يكاد يتفق إلا في القليل النادر من حديث النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الإمام الشافعي رحمه الله :
"ولا يُستدل على أكثرِ صدق الحديث وكذبه إلا بصدق اُلمخبِر وكذبه ، إلا في الخاصِّ القليل من الحديث، وذلك أن يُستدل على الصدق والكذب فيه بأن يُحَدِّث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله، أو ما يخالفه ما هو أَثبتُ وأكثرُ دلالاتٍ بالصدق منه " انتهى من "الرسالة" (ص399).
-يُتبع إن شاء الله -
السؤال:
على الرغم من عدم علمي بحديث يناقض الواقع ، ولكن هل يمكن أن ينسخ الواقع الحديث ، على سبيل المثال:
لو وجد هناك حديث يخالف حقيقة علمية ، فهل يجوز لنا رد هذا الحديث والحكم بعدم صحته ؟
فحسب علمي فإنه في حال عدم التمكن من الجمع بين حديثين ظاهرهما التعارض، وكان درجة صحة أحدهما أقوى، فإنه يمكن أن ينسخ الحديث الأقل منه صحة.
وهل يُحكَم على من يرد الحديث لمخالفته الواقع أو حقيقة علمية بالكفر، ولم يتمكن من الجمع بين الحديث والعلم ؟
أرجو منكم شرح المسألة بالتفصيل ، وما قول أهل العلم في هذه المسألة؟
الجواب :
الحمد لله
الحقيقة العلمية من خلق الله عز وجل ، والكتاب والسنة مصدرهما الله سبحانه ، وما يصدر عن الله سبحانه – سواء وحيا أم خلقا وإيجادا – لا يمكن أن يتناقض ؛ لأنك تتحدث عن الله سبحانه الذي هو صاحب الكمال المطلق ، والعلم الشامل لجميع الكليات والجزئيات ، فهو منزه سبحانه وتعالى عن التناقض في خلقه ووحيه ، فهما من مشكاة واحدة ،
قال تعالى: ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) النساء/ 82 .
فإذا انطلقت من هذه الفكرة أدركت أن كل ما نظنه تعارضا – في الظاهر – بين الحقيقة العلمية والحديث النبوي فهو ظن خاطئ
لا بد على الباحث أن يسعى في دراسته والتأمل فيه من المنظور الكلي السابق ،
[bgcolors=#ffff33]منظور "اتحاد" العقل (ومنه التجربة والعلم) والشرع[/bgcolors]
ليكتشف أن ثمة مغالطة أدت إلى ظن هذا التعارض , وإلا فحقيقة الأمر هي التوافق والاتحاد
كما يقول الراغب الأصفهاني رحمه الله عن العقل والشرع : " هما متعاضدان ؛ بل متحدان" .
انتهى من "تفصيل النشأتين" (ص74).
وهذا يعني احتمال البحث لأوجه عديدة في فض هذه المعارضة الظاهرية ، نذكر بعضها ، أو أهمها:
الوجه الأول:
تحقيق أن الحديث المعين، المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم : لا يثبت إسناده أصلا، وأن صحته المظنونة بنيت على أساس خاطئ ، يتبين ضعفه مع إعادة الدراسة ، وتحقيقها ، لفك التعارض.
فتكون الحقيقة العلمية في هذه الحالة وسيلة مساعدة لاكتشاف العلة الإسنادية، ولولا الوقوف على هذه الوسيلة ، لكان الناقد قد أخذ بالصحة الظاهرية ، دون التعمق في العلل الخفية.
يقول ابن أبي حاتم الرازي رحمه الله:
"يقاس صحة الحديث بعدالة ناقليه ، وأن يكون كلاما يصلح أن يكون من كلام النبوة " .
انتهى من "الجرح والتعديل" (1/351) .
وكما قال ابن الجوزي أيضا:
"ألا ترى أنه لو اجتمع خلق من الثقات، فأخبروا أن الجمل دخل في سم الخياط، لما نفعتنا ثقتهم، ولا أثرت في خبرهم؛ لأنهم أخبروا بمستحيل، فكل حديث يخالف المعقول، أو يناقض الأصول، فاعلم أنه موضوع ، فلا تتكلف في اعتباره"
انتهى من "الموضوعات" (1/106) .
ونحوه قول الإمام العراقي رحمه الله :
"ومما يستدل به على وضع الحديث : مخالفةُ الواقع" .
انتهى. نقله ابن حجر في "القول المسدد" (ص9) .
ومن أمثلته حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: (مَنْ حَدَّثَ حَدِيثًا ، فَعَطَسَ عِنْدَهُ ، فَهُوَ حَقٌّ) رواه أبويعلى في "المسند" (11/234) بإسناد حسنه بعض العلماء ، كالنووي في "الأذكار" (ص275)، والسيوطي في "الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة" (ص183)
ولكن قال بعض المحدثين المتأخرين:
"هذا حديث باطل ؛ ولو كان إسناده كالشمس" انتهى.
نقله الزركشي في "اللآلئ المنثورة" (ص211) .
وقال ابن القيم:
"هذا – وإن صحح بعض الناس سنده – فالحس يشهد بوضعه ؛ لأنا نشاهد العطاس والكذب يعمل عمله، ولو عطس مائة ألف رجل عند حديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحكم بصحته بالعطاس، ولو عكسوا عند شهادة زور لم تصدق" انتهى.
فتأمل استدلال ابن القيم رحمه الله بمخالفة الحديث للحس والواقع؛ على بطلان الحديث .
على أن إسناد هذا الحديث ليس صحيحا ولا حسنا ؛ بل هو ضعيف جدا ،
ولذلك قال أبو حاتم الرازي: "هذا حديث كذب" ، كما في "العلل" (6/311).
وللوقوف على تفصيل علة الحديث يرجى مراجعة "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" للشوكاني، وتعليق العلامة المعلمي عليه (ص224) ، وأيضا : "سلسلة الأحاديث الضعيفة" للألباني (136).
ولكن هذا المنهج النقدي – كما ترى – [bgcolors=#ffff33]منضبط بعلوم الحديث وقواعد التعليل ، ومنضبط أيضا بمخالفة الحديث للواقع مخالفة صريحة واضحة،[/bgcolors]
وليس كما ينحو بعض الطاعنين في السنة ، إلى رد كل حديث لا يخالف الواقع والعلم،
وإنما يخالف أهواءهم ورغباتهم التي لا ضابط لها، ولا حاكم عليها، ودون الرجوع إلى قواعد تعليل الأحاديث التي يرجع إليها المحدثون.
وينبغي أن نشير هنا إلى مسألة ، هي من الأهمية بمكان في هذا الصدد ، سبق إلى تقريرها الإمام الشافعي رحمه الله ؛ وهي أن هذا النوع من الحديث ، الذي تكتشف ضعف نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، بهذه الوسيلة ، ونحوها ، لا يكاد يتفق إلا في القليل النادر من حديث النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الإمام الشافعي رحمه الله :
"ولا يُستدل على أكثرِ صدق الحديث وكذبه إلا بصدق اُلمخبِر وكذبه ، إلا في الخاصِّ القليل من الحديث، وذلك أن يُستدل على الصدق والكذب فيه بأن يُحَدِّث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله، أو ما يخالفه ما هو أَثبتُ وأكثرُ دلالاتٍ بالصدق منه " انتهى من "الرسالة" (ص399).
-يُتبع إن شاء الله -
تعليق