بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
عن أُسَيْرِ بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن[1] سألهم: أفيكم أويسُ بنُ عامر؟
حتى أتى على أويس فقال: أنتَ أُوَيس بنُ عامر؟ قال: نعم، قال: مِن مُراد ثم من قرَن؟ قال: نعم، قال: فكان بك برص فبرأتَ منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال: نعم، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(( يأتي عليكم أويس بن عامر، مع أمداد أهل اليمن، مِن مُراد ثمَّ مِن قرن، كان به برص فبَرَأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها برٌّ، لو أقسم على الله لأبرَّه،
فإن استطعت أن يستغفر لك، فافعل ))
فاستغفِرْ لي، فاستغفَرَ له،
فقال له عمر: أين تريد؟
قال: الكوفة،
قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟
قال: أكونُ في غبراء الناس أحب إليَّ،
قال: فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم، فوافق عمر فسأله عن أويس؟
قال: تركتُه رثَّ البيت، قليل المَتاع،
قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، مِن مراد ثم من قرن، كان به برص فبَرَأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها برٌّ، لو أقسم على الله لأبره،
فإن استطعت أن يستغفر لك، فافعل))،
فأتى أويسًا فقال: استغفِرْ لي،
قال: أنتَ أحدثُ عهدًا بسفر صالح، فاستغفِرْ لي،
قال: استغفِرْ لي، قال: أنت أحدث عهدًا بسفر صالح، فاستغفرْ لي،
قال: لقيتَ عمر؟ قال: نعم، فاستغَفَرَ له، ففَطِن له الناس، فانطلق على وجهه،
قال أسير: وكسَوْتُه بُرْدةً، فكان كلما رآه إنسان قال: من أين لأويس هذه البُرْدة؟[2]
من فوائد الحديث:
1 - قصة أويس القرني هي من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم وإخباره عنه بما وجد حقيقة.
2 - قول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: ((فإن استطعت أن يستغفر لك، فافعل)):
يحتج به من أهل الحديث والنظر إلى أنَّ في التابعين والقرن الثاني مَن يَفضُل بعض من في القرن الأول.
3 - وقوله: "أكون في غَبْراء الناس" ومعناه: ضعفاؤهم وأخلاطهم، ومن لا يؤبه به منهم، وعامتُهم وجهلتهم.
4 - و"قَرَن": حيٌّ من مراد، وهو قرن بن رومان بن ناجية بن مراد، قال الكلبي:
ومراد اسم لجابر بن مالك بن أدَد بن محب بن يَشجب بن يعرب بن زيد بن كَهلان بن سبأ[3].
5 - أن أويسًا القرني من الأخيار الصالحين، ويُعتبر أفضل التابعين، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إني سمعت رسول الله يقول: ((إن خير التابعين رجل يقال له: أويس..))[4].
6 - أن أويسًا القرنيَّ على كرم حاله أصابه البرص، وأن ذلك مما أصابه الله به، ووفقه أن يسأل الله تعالى إبراءه منه، وأنه أبرأه منه إلا موضع درهم منه، يَذكُر به نعمته عليه؛ إذ مِن عادة الآدمي نسيان النعم إلا مَن وفَّقه الله.
7 - أنَّ مِن جملة وسائل أويس برُّه بوالدتِه، وأنها كانت من العلامات التي عرَفه بها عمر.
8 - أن أويسًا لما استغفر لعمر، خلى سبيله وتركه وشأنه، ولعله قد آنَسَ منه علمًا يكفيه في مُعاملته ربه.
9 - أن عمر رضي الله عنه كان يَسأل عن أويس بعد ذلك مَن يأتي من العراق؛ تعرُّفًا لخبرِه، وتعهُّدًا لأحواله.
10 - جواز حب الخمول : وهو أن يَختفي فلا يُعرف، ولا يُذكر لمن يَقْدِر عليه، بشرط ألا يؤثِّر على عقله، وعلى عبادته، وحياته، فأويس لما انتشر خبره بالكوفة خرج عنها إلى حيث لا يُعرف.
11 - أنه بلغ بأويس من الزهد إلى الحال التي استنكر عليه فيها وجود بردة لبسها،
ومع ذلك كله فلا خلاف أن عمر أفضل منه ومن أمثاله [5].
12 - قوله: "تركتُه رثَّ الهيئة، قليل المتاع" دليل على احتقار أويس نفسه وسترِه أمرَه.
13 - قوله: "له والدة، هو بها برٌّ، لو أقسم على الله لأبره":
إشارة إلى إجابة دعوته وعظيم مكانته عند ربه، وأنه لا يخيِّب أمله فيه، ولا يكذب ظنه به، ولا يردُّ دعوته.
14 - فضل بر الوالدين، وعظيم أجر البرِّ بهما.
15 - قوله في آخر خبره: "ففطن له الناس، فانطلق على وجهه"؛ أي: أخفى أمر نفسه لئلا يشتهر مخافةَ الفِتنة.
16 - قوله: "أنت أحدث عهدًا بسفر صالح، فاستغفر لي": فيه رجاء قبول دعاء من جاء من جهاد أو حج أو سفر طاعة.
تعليق