ودخلت سنة سبع
ذكر غزوة خيبر
لما عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحديبية أقام بالمدينة ذا الحجة وبعض المحرم ، وسار إلى خيبر في ألف وأربعمائة رجل ، معهم مائتا فارس ، وكان مسيره إلى خيبر في المحرم سنة سبع ، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري ، فمضى حتى نزل بجيشه بالرجيع ؛ ليحول بين أهل خيبر وغطفان ؛ لأنهم كانوا مظاهرين لهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقصدت غطفان خيبر ليظاهروا يهود عليه ، ثم خافوا المسلمين أن يخلفوهم في أهليهم وأموالهم ، فرجعوا ، ونزلوا بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويهود ، فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال في مسيره لعامر بن الأكوع ، عم سلمة بن عمرو بن الأكوع : احد لنا ، فنزل ، وحداهم يقول :
ونزل خيبر ليلا ولم يعلم أهلها ، فخرجوا عند الصباح إلى عملهم بمساحيهم ، فلما رأوه عادوا وقالوا : محمد والخميس ، يعنون الجيش ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : الله أكبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين .
ثم حصرهم وضيق عليهم ، وبدأ بالأموال يأخذها مالا مالا ، ويفتحها حصنا حصنا ، فكان أول حصن افتتحه حصن ناعم ، وعنده قتل محمود بن سلمة ، ألقي عليه منه رحى فقتلته ، ثم القموص حصن بني أبي الحقيق ، وأصاب منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبايا ، منهم صفية بنت حيي بن أخطب ، وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، فاصطفاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه ، وفشت السبايا في المسلمين ، وأكلوا لحوم الحمر الإنسية ، فنهاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها .
وكان الزبير بن باطا القرظي قد من على ثابت بن قيس بن شماس في الجاهلية يوم بعاث ، فأطلقه ، فلما كان الآن أتاه ثابت فقال له : أتعرفني ؟ قال : وهل يجهل مثلي مثلك ! قال : أريد أن أجزيك بيدك عندي . قال : إن الكريم يجيز الكريم . فأتى ثابت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : كان للزبير عندي يد أريد أن أجزيه بها فهبه لي . فوهبه له . فأتاه فقال له : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد وهب لي دمك فهو لك . قال : شيخ كبير لا أهل له ولا ولد ، فاستوهب ثابت أهله وولده من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوهبهم له . فقال الزبير : أهل بيت بالحجاز لا مال لهم ، فاستوهب ثابت ماله من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوهبه له ، فمن عليه بالجميع .
فقال الزبير : أي ثابت ، ما فعل الذي كان وجهه مرآة صقيلة ، يتراءى فيها عذارى الحي ؛ كعب بن أسد ؟ قال : قتل . قال : فما فعل سيد الحاضر والبادي ؛ حيي بن أخطب ؟ قال : قتل . قال : فما فعل مقدمتنا إذا شددنا ، وحاميتنا إذا كررنا ؛ عزال بن سموال ؟ قال . قتل . قال : فما فعل المجلسان ؟ يعني بني كعب بن قريظة ، وبني عمرو بن قريظة . قال : [ ص: 98 ] ذهبوا .
قال : فإني أسألك يا ثابت بيدي عندك إلا ما ألحقتني بهم ، فوالله ما في العيش بعدهم خير . فقتله .
ثم افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصن الصعب ، وهو أكثرها طعاما وودكا ، ثم قصد حصنهم الوطيح والسلالم ، وكانا آخر ما افتتح ، فخرج منه مرحب اليهودي وهو يقول :
قد علمت خيبر أني ياسر شاكي السلاح بطل مغاور
وطلب المبارزة ، فخرج إليه الزبير بن العوام ، فقتله الزبير .
وقيل : إن الذي قتل مرحبا وأخذ الحصن - علي بن أبي طالب . وهو الأشهر والأصح .
قال بريدة الأسلمي : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربما أخذته الشقيقة ، فيلبث اليوم واليومين لا يخرج ، فلما نزل خيبر أخذته فلم يخرج إلى الناس ، فأخذ أبو بكر الراية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نهض فقاتل قتالا شديدا ، ثم رجع فأخذها عمر ، فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الأول ، ثم رجع ، فأخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : أما والله لأعطينها غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، يأخذها عنوة . وليس ثم علي ، [ ص: 99 ] كان قد تخلف بالمدينة لرمد لحقه ، فلما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته هذه تطاولت لها قريش ، فأصبح فجاء علي على بعير له حتى أناخ قريبا من خباء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أرمد ، قد عصب عينيه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ما لك ؟ قال : رمدت بعدك . فقال له : ادن مني . فدنا منه ، فتفل في عينيه ، فما شكا وجعا حتى مضى لسبيله . ثم أعطاه الراية ، فنهض بها وعليه حلة حمراء ، فأتى خيبر ، فأشرف عليه رجل من يهود فقال : من أنت ؟ قال : أنا علي بن أبي طالب . فقال اليهودي : غلبتم يا معشر يهود ، وخرج مرحب صاحب الحصن ، وعليه مغفر يماني قد نقبه مثل البيضة على رأسه ، وهو يقول :
قال أبو رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم : خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برايته إلى خيبر ، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله ، فقاتلهم ، فضربه يهودي فطرح ترسه من يده ، فتناول علي بابا كان عند الحصن فترس به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ، ثم ألقاه من يده ، فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه .
وكان فتحها في صفر .
فلما فتحت خيبر جاء بلال بصفية وأخرى معها على قتلى يهود ، فلما رأتهم التي مع صفية صرخت وصكت وجهها ، وحثت التراب على رأسها ، فاصطفى رسول الله [ ص: 100 ] - صلى الله عليه وسلم - صفية ، وأبعد الأخرى وقال : إنها شيطانة - لأجل فعلها . وقال لبلال : أنزعت منك الرحمة ؟ جئت بهما على قتلاهما !
وكانت صفية قد رأت في منامها وهي عروس لكنانة بن أبي الحقيق أن قمرا وقع في حجرها ، فعرضت رؤياها على زوجها ، فقال : ما هذا إلا أنك تتمنين محمدا . ولطم وجهها لطمة اخضرت عينها منها ، فأتي بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبها أثر منها ، وسألها فأخبرته ، ودفع كنانة بن أبي الحقيق إلى محمد بن مسلمة ، فقتله بأخيه محمود .
وحاصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصني أهل خيبر الوطيح والسلالم ، فلما أيقنوا بالهلكة سألوه أن يسيرهم ويحقن دماءهم ، فأجابهم إلى ذلك ، وكان قد حاز الأموال كلها الشق ونطاة والكتيبة ، وجميع حصونهم .
فلما سمع بذلك أهل فدك بعثوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألونه أن يسيرهم ويخلوا له الأموال . ففعل ذلك ، ولما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعاملهم في الأموال على النصف ، وأن يخرجهم إذا شاء ، فساقاهم على الأموال على الشرط الذي طلبوا ، وفعل مثل ذلك أهل فدك ، وكانت خيبر فيئا للمسلمين ، وكانت فدك خالصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب .
ولما استقر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مصلية مسمومة ، فوضعتها بين يديه ، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها مضغة فلم يسغها ، ومعه بشر بن البراء بن معرور ، فأكل بشر منها ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إن هذه الشاة تخبرني أنها مسمومة ، ثم دعا المرأة فاعترفت ، فقال : ما حملك على ذلك ؟ قالت : بلغت من قومي ما لم يخف عليك ، فقلت : إن كان نبيا فسيخبر ، وإن كان ملكا استرحنا منه . فتجاوز عنها . ومات بشر من تلك الأكلة .
[ ص: 101 ] وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه : هذا الأوان وجدت انقطاع أبهري من أكلة خيبر . فكان المسلمون يرون أنه مات شهيدا مع كرامة النبوة .
ذكر غزوة خيبر
لما عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحديبية أقام بالمدينة ذا الحجة وبعض المحرم ، وسار إلى خيبر في ألف وأربعمائة رجل ، معهم مائتا فارس ، وكان مسيره إلى خيبر في المحرم سنة سبع ، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري ، فمضى حتى نزل بجيشه بالرجيع ؛ ليحول بين أهل خيبر وغطفان ؛ لأنهم كانوا مظاهرين لهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقصدت غطفان خيبر ليظاهروا يهود عليه ، ثم خافوا المسلمين أن يخلفوهم في أهليهم وأموالهم ، فرجعوا ، ونزلوا بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويهود ، فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال في مسيره لعامر بن الأكوع ، عم سلمة بن عمرو بن الأكوع : احد لنا ، فنزل ، وحداهم يقول :
والله لولا الله ما اهتدينا ** ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا ** وثبت الأقدام إن لاقينا
فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم : رحمك الله ! فقال له عمر : هلا أمتعتنا به يا رسول الله ! وكان إذا قالها لرجل قتل ، فلما نازلوا خيبر بارز عامر ، فعاد عليه سيفه فجرحه جرحا [ ص: 97 ] شديدا ، فمات منه ، فقال الناس : إنه قتل نفسه . فقال سلمة ابن أخيه للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما قالوا ، فقال : كذبوا ، بل له أجره مرتين . فلما أشرف عليها قال لأصحابه : قفوا . ثم قال : اللهم رب السماوات وما أظللن ، ورب الأرضين وما أقللن ، ورب الشياطين وما أضللن ، ورب الرياض وما أذرين ، نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها ، أقدموا بسم الله . وكان يقول ذلك لكل قرية يقدمها . فأنزلن سكينة علينا ** وثبت الأقدام إن لاقينا
ونزل خيبر ليلا ولم يعلم أهلها ، فخرجوا عند الصباح إلى عملهم بمساحيهم ، فلما رأوه عادوا وقالوا : محمد والخميس ، يعنون الجيش ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : الله أكبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين .
ثم حصرهم وضيق عليهم ، وبدأ بالأموال يأخذها مالا مالا ، ويفتحها حصنا حصنا ، فكان أول حصن افتتحه حصن ناعم ، وعنده قتل محمود بن سلمة ، ألقي عليه منه رحى فقتلته ، ثم القموص حصن بني أبي الحقيق ، وأصاب منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبايا ، منهم صفية بنت حيي بن أخطب ، وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، فاصطفاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه ، وفشت السبايا في المسلمين ، وأكلوا لحوم الحمر الإنسية ، فنهاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها .
وكان الزبير بن باطا القرظي قد من على ثابت بن قيس بن شماس في الجاهلية يوم بعاث ، فأطلقه ، فلما كان الآن أتاه ثابت فقال له : أتعرفني ؟ قال : وهل يجهل مثلي مثلك ! قال : أريد أن أجزيك بيدك عندي . قال : إن الكريم يجيز الكريم . فأتى ثابت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : كان للزبير عندي يد أريد أن أجزيه بها فهبه لي . فوهبه له . فأتاه فقال له : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد وهب لي دمك فهو لك . قال : شيخ كبير لا أهل له ولا ولد ، فاستوهب ثابت أهله وولده من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوهبهم له . فقال الزبير : أهل بيت بالحجاز لا مال لهم ، فاستوهب ثابت ماله من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوهبه له ، فمن عليه بالجميع .
فقال الزبير : أي ثابت ، ما فعل الذي كان وجهه مرآة صقيلة ، يتراءى فيها عذارى الحي ؛ كعب بن أسد ؟ قال : قتل . قال : فما فعل سيد الحاضر والبادي ؛ حيي بن أخطب ؟ قال : قتل . قال : فما فعل مقدمتنا إذا شددنا ، وحاميتنا إذا كررنا ؛ عزال بن سموال ؟ قال . قتل . قال : فما فعل المجلسان ؟ يعني بني كعب بن قريظة ، وبني عمرو بن قريظة . قال : [ ص: 98 ] ذهبوا .
قال : فإني أسألك يا ثابت بيدي عندك إلا ما ألحقتني بهم ، فوالله ما في العيش بعدهم خير . فقتله .
ثم افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصن الصعب ، وهو أكثرها طعاما وودكا ، ثم قصد حصنهم الوطيح والسلالم ، وكانا آخر ما افتتح ، فخرج منه مرحب اليهودي وهو يقول :
قد علمت خيبر أني مرحب
شاكي السلاح بطل مجرب
أطعن أحيانا وحينا أضرب
إذا الليوث أقبلت تلهب
كان حماي كالحمى لا يقرب
وسأل المبارزة ، فخرج إليه محمد بن سلمة وقال : أنا والله الموتور الثائر ، قتلوا أخي بالأمس . فأقره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمبارزته وقال : اللهم أعنه عليه ، فخرج إليه فتقاتلا طويلا ، ثم حمل مرحب على محمد بن سلمة فضربه ، فاتقاه بالدرقة ، فوقع سيفه فيها ، فعضت به فأمسكته ، وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله . ثم خرج أخوه ياسر وهو يقول : شاكي السلاح بطل مجرب
أطعن أحيانا وحينا أضرب
إذا الليوث أقبلت تلهب
كان حماي كالحمى لا يقرب
قد علمت خيبر أني ياسر شاكي السلاح بطل مغاور
وطلب المبارزة ، فخرج إليه الزبير بن العوام ، فقتله الزبير .
وقيل : إن الذي قتل مرحبا وأخذ الحصن - علي بن أبي طالب . وهو الأشهر والأصح .
قال بريدة الأسلمي : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربما أخذته الشقيقة ، فيلبث اليوم واليومين لا يخرج ، فلما نزل خيبر أخذته فلم يخرج إلى الناس ، فأخذ أبو بكر الراية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نهض فقاتل قتالا شديدا ، ثم رجع فأخذها عمر ، فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الأول ، ثم رجع ، فأخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : أما والله لأعطينها غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، يأخذها عنوة . وليس ثم علي ، [ ص: 99 ] كان قد تخلف بالمدينة لرمد لحقه ، فلما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته هذه تطاولت لها قريش ، فأصبح فجاء علي على بعير له حتى أناخ قريبا من خباء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أرمد ، قد عصب عينيه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ما لك ؟ قال : رمدت بعدك . فقال له : ادن مني . فدنا منه ، فتفل في عينيه ، فما شكا وجعا حتى مضى لسبيله . ثم أعطاه الراية ، فنهض بها وعليه حلة حمراء ، فأتى خيبر ، فأشرف عليه رجل من يهود فقال : من أنت ؟ قال : أنا علي بن أبي طالب . فقال اليهودي : غلبتم يا معشر يهود ، وخرج مرحب صاحب الحصن ، وعليه مغفر يماني قد نقبه مثل البيضة على رأسه ، وهو يقول :
قد علمت خيبر أني مرحب
شاكي السلاح بطل مجرب
فقال علي : شاكي السلاح بطل مجرب
أنا الذي سمتني أمي حيدره
أكيلكم بالسيف كيل السندره
ليث بغابات شديد قسوره
فاختلفا ضربتين ، فبدره علي فضربه ، فقد الحجفة والمغفر ورأسه حتى وقع في الأرض ، وأخذ المدينة . أكيلكم بالسيف كيل السندره
ليث بغابات شديد قسوره
قال أبو رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم : خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برايته إلى خيبر ، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله ، فقاتلهم ، فضربه يهودي فطرح ترسه من يده ، فتناول علي بابا كان عند الحصن فترس به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ، ثم ألقاه من يده ، فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه .
وكان فتحها في صفر .
فلما فتحت خيبر جاء بلال بصفية وأخرى معها على قتلى يهود ، فلما رأتهم التي مع صفية صرخت وصكت وجهها ، وحثت التراب على رأسها ، فاصطفى رسول الله [ ص: 100 ] - صلى الله عليه وسلم - صفية ، وأبعد الأخرى وقال : إنها شيطانة - لأجل فعلها . وقال لبلال : أنزعت منك الرحمة ؟ جئت بهما على قتلاهما !
وكانت صفية قد رأت في منامها وهي عروس لكنانة بن أبي الحقيق أن قمرا وقع في حجرها ، فعرضت رؤياها على زوجها ، فقال : ما هذا إلا أنك تتمنين محمدا . ولطم وجهها لطمة اخضرت عينها منها ، فأتي بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبها أثر منها ، وسألها فأخبرته ، ودفع كنانة بن أبي الحقيق إلى محمد بن مسلمة ، فقتله بأخيه محمود .
وحاصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصني أهل خيبر الوطيح والسلالم ، فلما أيقنوا بالهلكة سألوه أن يسيرهم ويحقن دماءهم ، فأجابهم إلى ذلك ، وكان قد حاز الأموال كلها الشق ونطاة والكتيبة ، وجميع حصونهم .
فلما سمع بذلك أهل فدك بعثوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألونه أن يسيرهم ويخلوا له الأموال . ففعل ذلك ، ولما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعاملهم في الأموال على النصف ، وأن يخرجهم إذا شاء ، فساقاهم على الأموال على الشرط الذي طلبوا ، وفعل مثل ذلك أهل فدك ، وكانت خيبر فيئا للمسلمين ، وكانت فدك خالصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب .
ولما استقر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مصلية مسمومة ، فوضعتها بين يديه ، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها مضغة فلم يسغها ، ومعه بشر بن البراء بن معرور ، فأكل بشر منها ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إن هذه الشاة تخبرني أنها مسمومة ، ثم دعا المرأة فاعترفت ، فقال : ما حملك على ذلك ؟ قالت : بلغت من قومي ما لم يخف عليك ، فقلت : إن كان نبيا فسيخبر ، وإن كان ملكا استرحنا منه . فتجاوز عنها . ومات بشر من تلك الأكلة .
[ ص: 101 ] وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه : هذا الأوان وجدت انقطاع أبهري من أكلة خيبر . فكان المسلمون يرون أنه مات شهيدا مع كرامة النبوة .