ما كان من الأمور أول سنة من الهجرة
فمن ذلك تجميعه - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه الجمعة في اليوم الذي نزل فيه من قباء في بني سالم في بطن واد لهم ، وهي أول جمعة جمعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الإسلام وخطبهم ، وهي أول خطبة .
وكان رجل من قباء يريد المدينة ، فركب ناقته وأرخى زمامها ، فكان لا يمر بدار من دور الأنصار إلا قالوا : هلم يا رسول الله إلى العدد والعدة والمنعة .
فيقول : خلوا سبيلها فإنها مأمورة ، حتى انتهى إلى موضع مسجده اليوم ، فبركت على باب مسجده ، وهو يومئذ مربد لغلامين يتيمين في حجر معاذ بن عفراء ، وهما سهل وسهيل ابنا عمرو من بني النجار ، فلما بركت لم ينزل عنها ، ثم وثبت فسارت غير بعيد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واضع لها زمامها لا يثنيها به ، فالتفتت خلفها ثم رجعت إلى مبركها أول مرة ، فبركت فيه ووضعت جرانها ، فنزل عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحتمل أبو أيوب الأنصاري رحله ، وسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المربد ، فقال معاذ بن عفراء : هو ليتيمين لي ، وسأرضيهما من ثمنه ، فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي يبنى مسجدا ، وأقام عند أبي أيوب حتى بني مسجده ومساكنه .
وقيل : إن موضع المسجد كان لبني النجار فيه نخل وحرث وقبور المشركين ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ثامنوني به . فقالوا : لا يبغى به إلا ما عند الله . فأمر به فبني مسجده ، وكان قبله يصلي حيث أدركته الصلاة ، وبناه هو والمهاجرون والأنصار ، وهو الصحيح .
[ ص: 6 ] وفيها بني مسجد قباء .
وفيها أيضا توفي كلثوم بن الهدم . وتوفي بعده أسعد بن زرارة ، وكان نقيب بني النجار ، فاجتمع بنو النجار وطلبوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقيم لهم نقيبا ، فقال لهم : أنتم إخواني وأنا نقيبكم ، فكان فضيلة لهم .
وفيها مات أبو أحيحة بالطائف ، والوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل السهمي بمكة ، مشركين .
وفيها بنى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعائشة بعد مقدمه المدينة بثمانية أشهر ، وقيل بسبعة أشهر في ذي القعدة ، وقيل : في شوال ، وكان تزوجها بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين بعد وفاة خديجة ، وهي ابنة ست سنين ، وقيل : ابنة سبع سنين .
وفيها هاجرت سودة بنت زمعة زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبناته ما عدا زينب ، وهاجر أيضا عيال أبي بكر ومعهم ابنه عبد الله ، وطلحة بن عبيد الله .
وفيها زيد في صلاة الحضر ركعتان بعد مقدمه المدينة بشهر .
وفيها ولد عبد الله بن الزبير ، وقيل : في السنة الثانية في شوال ، وكان أول مولود للمهاجرين بالمدينة .
وكان النعمان بن بشير أول مولود للأنصار بعد الهجرة ، وقيل : إن المختار بن أبي عبيد وزياد بن أبيه ولدا فيها .
[ ص: 7 ] وفيها على رأس سبعة أشهر عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمه حمزة لواء أبيض في ثلاثين رجلا من المهاجرين ، ليعرضوا عير قريش ، فلقي أبا جهل في ثلاثمائة رجل ، فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني ، وكان يحمل اللواء أبو مرثد ، وهو أول لواء عقده .
وفيها أيضا عقد لواء لعبيدة بن الحارث بن المطلب ، وكان أبيض يحمله مسطح بن أثاثة ، فالتقى هو والمشركون ، فكان بينهم الرمي دون المسايفة ، وكان سعد بن أبي وقاص أول من رمى بسهم في سبيل الله ، وكان المقداد بن عمرو وعتبة بن غزوان مسلمين وهما بمكة ، فخرجا مع المشركين يتوصلان بذلك ، فلما لقيهم المسلمون انحازا إليهم . وقال بعضهم : كان لواء أبي عبيدة أول لواء عقده ، وإنما اشتبه ذلك لقرب بعضها ببعض ، وكان على المشركين أبو سفيان بن حرب ، وقيل : مكرز بن حفص بن الأخيف ، وقيل : عكرمة بن أبي جهل .
( والأخيف بالخاء المعجمة والياء المثناة من تحتها ) .
وفيها عقد لواء لسعد بن أبي وقاص وسيره إلى الأبواء ، وكان يحمل اللواء المقداد بن الأسود ، وكان مسيره في ذي القعدة ، وجميع من معه من المهاجرين ، فلم يلق حربا .
جعل الواقدي هذه السرايا جميعها في السنة الأولى من الهجرة ، وجعلها ابن إسحاق في السنة الثانية ، فقال : على رأس اثني عشر شهرا من مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة خرج غازيا ، واستخلف على المدينة سعد بن عبادة ، فبلغ ودان يريد قريشا وبني ضمرة من كنانة ، وهي غزاة الأبواء ، بينهما ستة أميال ، فوادعته فيها بنو ضمرة ، ورئيسهم مخشي بن عمرو ، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا ، وذكر ابن إسحاق بعد [ ص: 8 ] هذه الغزوة غزوة عبيدة بن الحارث ، ثم غزوة حمزة بن عبد المطلب .
وفيها كان غزاة بواط ، خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مائتين من أصحابه في شهر ربيع الآخر ، يعني سنة اثنتين ، يريد قريشا ، حتى بلغ بواط من ناحية رضوى ، وكان في عير قريش أمية بن خلف الجمحي في مائة رجل ، ومعهم ألفان وخمسمائة بعير ، فرجع ولم يلق كيدا ، وكان يحمل لواء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعد بن أبي وقاص ، واستخلف على المدينة سعد بن معاذ .
( بواط بفتح الباء الموحدة وبالطاء المهملة ) .
وفيها غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة العشيرة من ينبع في جمادى الأولى ، يريد قريشا حين ساروا إلى الشام ، فلما وصل العشيرة وادع بني مدلج وحلفاءهم من ضمرة ، ورجع ولم يلق كيدا ، واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد ، وكان يحمل لواءه حمزة ، وفي هذه الغزوة كنى النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا أبا تراب في قول بعضهم .
وفيها أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ واديا يقال له : سفوان ، من ناحية بدر ، وفاته كرز ، وكان لواؤه مع علي ، واستخلف على المدينة زيد بن حارثة .
وفيها بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعد بن أبي وقاص في سرية ثمانية رهط ، فرجع [ ص: 9 ] ولم يلق كيدا .
وفيها جاء أبو قيس بن الأسلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعرض عليه الإسلام ، فقال : ما أحسن ما تدعو إليه ! سأنظر في أمري ثم أعود . فلقيه عبد الله بن أبي المنافق فقال : كرهت قتال الخزرج . فقال أبو قيس : لا أسلم إلى سنة ، فمات في ذي القعدة .