حرف الزاي
زاج: قال ابن سينا: الفرق بين الزاجات البيض والحمر والصفر والخضر وبين القلقديس والقلقند والسوري والقلقطار أن هذه الزاجات هي جواهر تقبل الحل مخالطة لأحجار لا تقبل الخل، وهذه نفس جواهرها تقبل الحل قد كانت سيالة فانعقدت فالقلقطار هو الأصفر، والقلقديس هو الأبيض، والقلقنت هو الأخضر، والسوري هو الأحمر، وهذه كلها تنحل في الماء والطبخ إلا السوري فإنه شديد التجسد والإنعقاد والأخضر أشد انعقاداً من الأصفر وأشد انطباخاً. الغافقي: لم يذكر ديسقوريدوس ولا جالينوس القلقنت في أنواع الزاج، وإنما ذكر القلقديس فقط واسمه باليونانية حلقيس، وقد يبدو لمن تأمل قولهما أن القلقنت عندهما هو القلقديس بعينه. والزاج الذي يخص بهذا الاسم هو الزاج الأخضر الذي سماه ابن سينا القلقنت واسمه باليونانية مشيق، وأكثر الناس يزعمون أن القلقديس غير القلقنت وهو خطأ كما قال ابن جلجل: من زعم أن القلقنت هو القلقديس فقد أخطأ وذلك على جهل منه بهما، ويقول ديسقوريدوس وجالينوس فيهما: وأما الشحيرة فزعم قوم أنه الزاج الأخضر المسمى باليونانية مشيق، وكذا قال ابن سينا. وقال بعضهم: الشحيرة هو الزاج العراقي وهو الزاج المعروف بزاج الأساكفة. وقال ابن جلجل: زاج الأساكفة هو المسمى باليونانية ماليطريا. جالينوس في 9: رأيت في جزيرة قبرس في المعدن الذي في جبل المدينة المسمى قوليا بيتاً كبيراً وكان في حائط هذا البيت الأيمن وهو الحائط الذي إذا دخلنا البيت صار على شمالنا مدخل يدخل منه إلى المعدن، فدخلته ورأيت فيه ثلاثة عروق ممتدة واحداً فوق الآخر يذهب إلى مسافه بعيدة، وكان العرق الأسفل منها زاجاً أحمر، والعرق الذي فوقه قلقطاراً، والعرق الثالث الأعلى زاجاً أخضر، فأخذت من هذه الثلاثة مقداراً كبيراً جداً، واتفق وقد مضى لهذا الحديث نحو من ثلاثين سنة أن أخذت من ذلك الزاج قطعة تملأ الكف، وكانت قطعة قوامها ليس بكثير المشابهة لقوام الزاج، بل كانت تنحل وتتفرق إلى أجزاء متصلة فلما تعجبت من اكتنازه على غير ما اعتدته منه وكسرت تلك القطعة وجدت أن الزاج إنما هو مستدير حول القطعة كما يدور طبق رقيق متلبس عليه كأنه زهرة له، وكان تحت هذا شيء فيها من القلقطار والزاج كأنه قلقطار ويستحيل ويصير زاجاً، وذلك لأن القطعة في أول أمرها إنما كانت قطعة من قلقطار وكان ما هو منه باطناً قلقطاراً خالصاً، ثم يتغير بعد إلى ذلك الوقت. ولما رأيت ذلك فهمت أن في ذلك المعدن الذي في جزيرة قبرس يتولد الزاج فوق القلقطار كما يتولد الزنجار فوق النحاس، فخطر ببالي ووقع في وهمي أنه يمكن أن يستحيل الزاج الأحمر أيضاً في مئة طويلة ويصير قلقطاراً، وذلك أني قدمت من قبرس ومعي من هذا الدواء شيء كثير فصارت الصفيحة الخارجة كلها عندما أتى عليها نحو من 25 سنة قلقطاراً، وكان جوفه بعد قلقديساً وأنا أتفقده منذ ذلك الوقت هل تصل الإحالة إلى باطنه حتى يصير كله قلقطاراً كما يصير القلقطار زاجاً، وقد رأيت في قبرس عندما صرت إليها أن القلقديس يجتمع على هذه الصفة فإن هناك بيتاً ليس بكبير السمك مبنياً قدام المدخل إلى ذلك المعدن وفي الحائط الأيسر من هذا البيت وهو الحائط الذي إذا دخل البيت إنسان كان على يمينه كان هناك سرب يمر تحت التل الذي كان بقرب البيت، وكان عرض هذا البيت مقدار ما يسع ثلاثة أنفس الواحد منهم إلى جنب الآخر وسمكه مقدار ما يمشي فيه أطول من يكون من الرجال، وهو منتصب القامة، وكان ذلك السرب متصاوب الأرض يمر إلى أسفل، ولكن تصاوبه لم يكن كثيراً فيكون متسنماً جدًا كالعقبة، وكان طوله مقدار ربع ميل، وكان في آخره بئر مملوءة ماءاً فاتراً أصفر غليظاً وكان في جميع ذلك المنحدر حرارة شبيهة بحرارة البيت الأوّل من بيوت الحمام، وكان مقدار ما يجتمع في ذلك البئر ثلاث جرار رومية كل يوم، وكان ذلك الماء يرشح ويقطر منه قطرات فيجتمع في كل أربعة وعشرين ساعة وهو يوم وليلة هذا المقدار، وكان مخرجه من ثقب في ذلك البيت الذي في السرب تحته، وكان أولئك القوم يخرجون ذلك الماء في الجرار فيصبونه في حياض لهم مربعة معمولة بقراميد في ذلك البيت الذي قدام السرب، وكان ذلك الماء في أيام يسيرة يجمد فيصير قلقندا، ولما نزلت أنا في ذلك السرب حتى بلغت آخره إلى الموضع الذي يجتمع فيه ذلك الماء الفاتر الأصفر رأيت أن رائحة الهواء التي هناك كأنها تخنق من يشمها ويعسر على الإنسان احتمالها والصبر عليها، وكانت ترتفع منه رائحة القلقطار ورائحة الزاج، وكان طعم ذلك الماء فيه ضرب من هذا الذي رائحته في ذلك الموضع، وكان أولئك العبيد بهذا السبب يبادرون في النزول والصعود عراة حفاة فيخطفون ويسكبون ذلك الماء فيريقون بالعجلة ولا يطيقون صبراً على اللبث هناك بلِ كانوا يسارعون معي على الصعود عدواً، وأخبروني أن هذا الماء من شأنه أن يقل أولاً فأولاً حتى إذا قارب الفناء حفروا في ذلك التل وسرّبوا حتى يجدوا موضع الماء.
ديسقوريدوس في الخامسة: خلفتيس وهو قلقديس وهو جنس واحد لأنه إنما هو رطوبة مائية بعينها تنعقد وتجمد إلا أنه ينقسم إلى ثلاثة أصناف، وذلك أن منه ما تكون من هذه الرطوبة وهي تقطر في مجار في جوف الأرض بأن يجمد القطر حتى يكون له قوام، ولذلك يسميه حفار المعادن القبرسية المقطر، ومنه ما يتكوّن منها وهي كثيرة سائلة في مغارة من المغاير إلى آبار بأن يجمد في تلك الآبار ويسمى الجامد، ومنه ما يطبخ بالبلاد التي يقال لها أسبانيا وهي بلاد الأندلس، ويقال له المطبوخ وهذه صفته: يؤخذ الصنف من القلقنت وهو ما كان منه سمح اللون ضعيف القوة فيخلط بالماء ويطبخ ثم يصب في برك ويترك أياماً معلومة ليجمد فإذا تمت الأيام جمد ويقطع قطعاً شبيهة بفصوص النرد إلا أنها متصلة بعضها ببعض كاتصال حب العنقود وأجود القلقنت ما كان لونه لون اللازورد وكان رزيناً كثيفاً نقياً صافياً والذي منه على هذه الصفة الذي يقال له المقطر، ومن الناس من يسميه ليخوطون واشتقاق هذا الاسم من الزاج أي الزاجي وبعده في الجودة الذي يقال له الجامد ومن بعده المطبوخ فإنه للصبغ والتسويد أصلح من الصنفين الآخرين، وأما في العلاج فإنه أضعف منهما، وأما القلقطار فإنه ينبغي أن يختار منه ما كان لونه شبيهاً بلون النحاس هين التفتت ولم تكن فيه حجارة ولم يكن عتيقاً وكانت شظاياه مستطيلة لها بريق، وأما مشيق وهو الزاج فينبغي أن نختار منه ما كان قبرسياً وكان لونه شبيهاً بلون الذهب وكان صلباً، فإذا كسر كان مكسره شبيهاً بلون الذهب، وكان له لمع شبيه بلمع الكواكب، وأما الميطرانا وهو صنف من الزاج فمنه ما يجمد على رؤوس معادن النحاس بمنزلة ما يجمد الثلج، ومنه ما يجمد فوق المعادن وهو الميطرانا صنف مزاجه أرضي ومنه ما يجمد ويوجد بالمعادن بالبلاد التي يقال لها قيلقيا ومواضع أخر كثيرة، وأجود هذه الأصناف ما كان لونه شبيهاً بالكبريت وكان ليناً متساوي الأجزاء نقياً إذا مسته ماء اسود سريعاً وأما السوري وهو الزاج الأحمر فقد ظن قوم أنه صنف من الميطرانا لونه لغلط منهم، وذلك أنه جنس آخر غير الميطرانا إلا أنه شبيه به، وله زهومة ريح ويغثي وهو مهيج للقيء ويوجد بمصر وبالبلاد التي يقال لها أسبانيا وقبرس، فينبغي أن يختار منه ما كان من مصر، وإذا فت كان داخله أسود وكان فيه تجاويف وثقب كثيرة، وكانت فيه دهنية وكان قابضاً زهماً في المذاق والشم ممغثياً للمعدة، وأما ما كان منه صقيل الفتات فرفيرياً مثل الزاج فإنه جنس آخر من السوري وهو أضعف من الجنس الأول. جالينوس: وأما القلقديس ففيه قبض شديد يخالطه حرارة ليست باليسيرة، وهذا مما يدل على أنه يجفف اللحم الزائد الرطب أكثر من سائر الأدوية الأخر كلها فيفني رطوبة هذا اللحم لحرارته ويجمع جوهره ويقبضه، وبفعله هذا أيضاً يعصر ويخرج شيئاً من ذلك اللحم ويشده ويصلب جميع الجوهر اللحمي ويجمعه إلى نفسه، وأما القلقطار ففيه قبض وحدة مخلوط أحدهما مع الآخر والأكثر فيه الحدة ويبلغ من شدة حرارته أنه يحرق اللحم ويحدث فيه قشرة محرقة، وإذا أحرق هذا الدواء فتلذيعه يكون أقل، وأما تجفيفه فليس يفعل لأن تجفيفه ينقص عندما يحرق نقصاناً ?بيناً ليس باليسير، ولذلك صار القلقطار المحرق أفضل وأجود من الذي لم يحرق في جميع خصاله وذلك أنه يصير ألطف مما كان كسائر جميع الأدوية التي تحرق وليس تزداد حدته كما تزداد حدة كثير من الأدوية التي تحرق جميع الأدوية التي تحرق متى غسلت بعد الحرق كانت ألين وأبعد عن اللذع، وهذه الثلاثة أدوية أعني الزاج الأحمر والقلقطار والزاج الأخضر هي من جنس واحد في قوّتها، وإنما تختلف في لطافتها وفي غلظها وذلك أن أغلظها الزاج الأحمر وألطفها الأخضر، وأما القلقطار فقوته قوة وسطى بين هذين، وهذه الثلاثة تحرق كلها وتحدث في اللحم قشرة صلبة بعد الإحراق وفيه مع أنها تحرق قبض أيضاً، والزاج الأخضر إذا أدمي من اللحم المعرى كان تلذيعه إياه أقل من تلذيع القلقطار على أنه حار حرارة ليست باليسيرة وليست بدون حرارة القلقطار، ولكن إنما صار هذا موجوداً فيه للطافة جوهره، والزاج الأخضر والقلقطار يذيبان اللحم وينحلان كلاهما إذا طبخا بالنار، وأما الزاج الأحمر فلا ينوب ولا ينحل لأن جموده جمود قوي حجري، كما أن الزاج الأخضر أيضاً لما قد نضج بحرارته الطبيعية فضل نضج على القلقطار صار حقيقياً بأن يكون أعسر انحلالاً وذوباناً من القلقطار، وأما الميطرانا فهو من الأدوية التي تقبض قبضاً شديداً مع أنه يلطف أكثر من جميع الأدوية القابضة ويجلو جلاء يسيراً. ديسقوريدوس: القلقنت له قوة قابضة مسخنة محرقة تقلع الآثار، وإذا ابلتع منه مقدار درخميين أو لعق بعسل قتل الدود المتولد في البطن، والذي يقال له حب القرع، وإذا شرب بالماء حرك القيء وينفع من مضرة الفطر القتال، وإذا ديف بالماء وشربت به صوفة وعصر وقطر في الأنف نقى الرأس وقد يحرق كما يحرق القلقطار، وأما القلقطار فله قوة قابضة مسخنة محرقة تنقي العيون والمآقي وهو من الأدوية التي تقبض اللسان قبضاً معتدلاً وقد يصلح للحمية والنملة، وإذا خلط بماء الكراث قطع نزف الدم من الرحم وقطع الرعاف، وإذا استعمل يابساً نفع من أورام اللثة والقروح الخبيثة العارضة فيها، ومن أورام النغانغ، وإذا أحرق وسحق واكتحل به مع العسل نفع من غلظ الجفون وخشونتها، وإذا عملت منه فتيلة وأدخلت في البواسير قلعتها، وقد يعمل منه الدواء الذي يقال له لسقوريون على هذه الصفة يخلط بجزأين منه وجزء من القليميا ويسحق بالخل ويصير في إناء من خزف ويطمر في سرجين في أشد ما يكون من الصيف ويترك 45 يوماً، وهذا الدواء حار وله قوّة يفعل بها ما يفعل القلقطار، ومن الناس من يأخذ من القلقطار جزءاً ويخلط به من القليمياء مثله ويسحقهما بالخمر ثم يفعل به كما وصفنا. جالينوس في 9: هذا الدواء يذهب بالجرب وهو يجفف أكثر من تجفيف القلقطار، وهذا بعيد من اللذع عنه، وإذا كان كذلك فالأمر فيه معلوم أنه ألطف. ديسقوريدوس: وقد يحرق القلقطار على هذه الصفة يؤخذ ويوضع على خزف جديد ويغطى ويوضع الخزف على جمر، ويكون مقدار الخزف إذا كان القلقطار كثير الرطوبة إلى أن لا يظهر فيه نفاخات، وقد يكون قد جف جفافاً بالغاً، وإذا لم تكن فيه الرطوبة الكثيرة فإلى أن يتغير لونه ويحمر، فإذا تغير لون باطنه كان شبيهاً بلون المغرة، فينبغي أن يرفع عن النار وينظف ويرفع وقد يشوى أيضاً بأن يوضع على الجمر وينفخ عليه حتى يميل لونه إلى الصفرة أو يوضع على خزف ويوضع الخزف على جمر ويحركه دائماً حتى يحمى ويتغير لونه، وأما الزاج فقوته شبيهة بقوة القلقطار في الشدة والضعف، وأما الزاج المصري فإنه في كل ما استعمل أقوى من الزاج القبرسي ما خلا أمراض العين فإنه في غاية علاجها أضعف من القبرسي بكثير، وأما الجوهر المسمى ماليطريا فقوته محرقة مثل قوة الزاج وحرقه مثل حرقه، وقوّة السوري شبيهة بقوّة الزاج، وقوة المليطرانا وحرقه مثل حرقهما، وقد يبرىء وجع الأضراس والأسنان المتحركة، وإذا احتقن به مع الخمر نفع من عرق النسا، وإذا خلط بالماء ولطخت به البثور اللبنية ذهب بها، وقد يستعمل في أخلاط الأدوية المسودة للشعر، وأقول قولاً مجملاً: إن ما كان من هذه الجواهر غير محرق فإنه أقوى من المحرق في أكثر الأشياء خلا الملح وسجير العنب والنطرون والكلس وما أشبهها إذا أحرقت كانت أقوى منها غير محرقة، وما كانت له قوة مثل هذه القوة ازدادت أفعاله وقوته ظهوراً. ابن سينا: وخاصة القلقطار إن لوثت به فتيلة بعسل وجعلت في الأذن نفعت من قروح الأذن والمدة فيها، وكذا إذا نفخ فيها بمنفاخ. والزاج الأخضر المحرق إذا جمع مع السورنجان ووضع تحت اللسان نفع من الضفدع وينفع القيروطي المتخذ منه وخصوصاً من الأحمر من الآكلة في الفم والأنف وقروحهما، وشربه مجفف للرئة حتى ربما قتل. التجربتين: يقطع الدم المنبعث من ظاهر البدن كما هو محرقاً، وهو أقوى فيه ويجب أن لا يكثر منه متى كانت الجراحات كبار أو أن لا يوضع على جراحات العصب بوجه فإنه يحدث التشنج، ولا سيما الجراحات التي في العصب القليل اللحم في مثل التي في عضل الصدغين والحاجب، ويقع في سائر الأدوية النافعة من الحكة والجرب فينتفع به. قال أرسطو: أصناف الزاجات كلها تقطع الدم السائل من البدن من الجراحات والرعاف غير أنها تسوّد أماكن الجراحات وتفسد الأعصاب وتشد الأماكن المسترخية، وإذا أدمن الاغتسال في ماء الزاج أورث الحميات الطويلة.
.
زاج: قال ابن سينا: الفرق بين الزاجات البيض والحمر والصفر والخضر وبين القلقديس والقلقند والسوري والقلقطار أن هذه الزاجات هي جواهر تقبل الحل مخالطة لأحجار لا تقبل الخل، وهذه نفس جواهرها تقبل الحل قد كانت سيالة فانعقدت فالقلقطار هو الأصفر، والقلقديس هو الأبيض، والقلقنت هو الأخضر، والسوري هو الأحمر، وهذه كلها تنحل في الماء والطبخ إلا السوري فإنه شديد التجسد والإنعقاد والأخضر أشد انعقاداً من الأصفر وأشد انطباخاً. الغافقي: لم يذكر ديسقوريدوس ولا جالينوس القلقنت في أنواع الزاج، وإنما ذكر القلقديس فقط واسمه باليونانية حلقيس، وقد يبدو لمن تأمل قولهما أن القلقنت عندهما هو القلقديس بعينه. والزاج الذي يخص بهذا الاسم هو الزاج الأخضر الذي سماه ابن سينا القلقنت واسمه باليونانية مشيق، وأكثر الناس يزعمون أن القلقديس غير القلقنت وهو خطأ كما قال ابن جلجل: من زعم أن القلقنت هو القلقديس فقد أخطأ وذلك على جهل منه بهما، ويقول ديسقوريدوس وجالينوس فيهما: وأما الشحيرة فزعم قوم أنه الزاج الأخضر المسمى باليونانية مشيق، وكذا قال ابن سينا. وقال بعضهم: الشحيرة هو الزاج العراقي وهو الزاج المعروف بزاج الأساكفة. وقال ابن جلجل: زاج الأساكفة هو المسمى باليونانية ماليطريا. جالينوس في 9: رأيت في جزيرة قبرس في المعدن الذي في جبل المدينة المسمى قوليا بيتاً كبيراً وكان في حائط هذا البيت الأيمن وهو الحائط الذي إذا دخلنا البيت صار على شمالنا مدخل يدخل منه إلى المعدن، فدخلته ورأيت فيه ثلاثة عروق ممتدة واحداً فوق الآخر يذهب إلى مسافه بعيدة، وكان العرق الأسفل منها زاجاً أحمر، والعرق الذي فوقه قلقطاراً، والعرق الثالث الأعلى زاجاً أخضر، فأخذت من هذه الثلاثة مقداراً كبيراً جداً، واتفق وقد مضى لهذا الحديث نحو من ثلاثين سنة أن أخذت من ذلك الزاج قطعة تملأ الكف، وكانت قطعة قوامها ليس بكثير المشابهة لقوام الزاج، بل كانت تنحل وتتفرق إلى أجزاء متصلة فلما تعجبت من اكتنازه على غير ما اعتدته منه وكسرت تلك القطعة وجدت أن الزاج إنما هو مستدير حول القطعة كما يدور طبق رقيق متلبس عليه كأنه زهرة له، وكان تحت هذا شيء فيها من القلقطار والزاج كأنه قلقطار ويستحيل ويصير زاجاً، وذلك لأن القطعة في أول أمرها إنما كانت قطعة من قلقطار وكان ما هو منه باطناً قلقطاراً خالصاً، ثم يتغير بعد إلى ذلك الوقت. ولما رأيت ذلك فهمت أن في ذلك المعدن الذي في جزيرة قبرس يتولد الزاج فوق القلقطار كما يتولد الزنجار فوق النحاس، فخطر ببالي ووقع في وهمي أنه يمكن أن يستحيل الزاج الأحمر أيضاً في مئة طويلة ويصير قلقطاراً، وذلك أني قدمت من قبرس ومعي من هذا الدواء شيء كثير فصارت الصفيحة الخارجة كلها عندما أتى عليها نحو من 25 سنة قلقطاراً، وكان جوفه بعد قلقديساً وأنا أتفقده منذ ذلك الوقت هل تصل الإحالة إلى باطنه حتى يصير كله قلقطاراً كما يصير القلقطار زاجاً، وقد رأيت في قبرس عندما صرت إليها أن القلقديس يجتمع على هذه الصفة فإن هناك بيتاً ليس بكبير السمك مبنياً قدام المدخل إلى ذلك المعدن وفي الحائط الأيسر من هذا البيت وهو الحائط الذي إذا دخل البيت إنسان كان على يمينه كان هناك سرب يمر تحت التل الذي كان بقرب البيت، وكان عرض هذا البيت مقدار ما يسع ثلاثة أنفس الواحد منهم إلى جنب الآخر وسمكه مقدار ما يمشي فيه أطول من يكون من الرجال، وهو منتصب القامة، وكان ذلك السرب متصاوب الأرض يمر إلى أسفل، ولكن تصاوبه لم يكن كثيراً فيكون متسنماً جدًا كالعقبة، وكان طوله مقدار ربع ميل، وكان في آخره بئر مملوءة ماءاً فاتراً أصفر غليظاً وكان في جميع ذلك المنحدر حرارة شبيهة بحرارة البيت الأوّل من بيوت الحمام، وكان مقدار ما يجتمع في ذلك البئر ثلاث جرار رومية كل يوم، وكان ذلك الماء يرشح ويقطر منه قطرات فيجتمع في كل أربعة وعشرين ساعة وهو يوم وليلة هذا المقدار، وكان مخرجه من ثقب في ذلك البيت الذي في السرب تحته، وكان أولئك القوم يخرجون ذلك الماء في الجرار فيصبونه في حياض لهم مربعة معمولة بقراميد في ذلك البيت الذي قدام السرب، وكان ذلك الماء في أيام يسيرة يجمد فيصير قلقندا، ولما نزلت أنا في ذلك السرب حتى بلغت آخره إلى الموضع الذي يجتمع فيه ذلك الماء الفاتر الأصفر رأيت أن رائحة الهواء التي هناك كأنها تخنق من يشمها ويعسر على الإنسان احتمالها والصبر عليها، وكانت ترتفع منه رائحة القلقطار ورائحة الزاج، وكان طعم ذلك الماء فيه ضرب من هذا الذي رائحته في ذلك الموضع، وكان أولئك العبيد بهذا السبب يبادرون في النزول والصعود عراة حفاة فيخطفون ويسكبون ذلك الماء فيريقون بالعجلة ولا يطيقون صبراً على اللبث هناك بلِ كانوا يسارعون معي على الصعود عدواً، وأخبروني أن هذا الماء من شأنه أن يقل أولاً فأولاً حتى إذا قارب الفناء حفروا في ذلك التل وسرّبوا حتى يجدوا موضع الماء.
ديسقوريدوس في الخامسة: خلفتيس وهو قلقديس وهو جنس واحد لأنه إنما هو رطوبة مائية بعينها تنعقد وتجمد إلا أنه ينقسم إلى ثلاثة أصناف، وذلك أن منه ما تكون من هذه الرطوبة وهي تقطر في مجار في جوف الأرض بأن يجمد القطر حتى يكون له قوام، ولذلك يسميه حفار المعادن القبرسية المقطر، ومنه ما يتكوّن منها وهي كثيرة سائلة في مغارة من المغاير إلى آبار بأن يجمد في تلك الآبار ويسمى الجامد، ومنه ما يطبخ بالبلاد التي يقال لها أسبانيا وهي بلاد الأندلس، ويقال له المطبوخ وهذه صفته: يؤخذ الصنف من القلقنت وهو ما كان منه سمح اللون ضعيف القوة فيخلط بالماء ويطبخ ثم يصب في برك ويترك أياماً معلومة ليجمد فإذا تمت الأيام جمد ويقطع قطعاً شبيهة بفصوص النرد إلا أنها متصلة بعضها ببعض كاتصال حب العنقود وأجود القلقنت ما كان لونه لون اللازورد وكان رزيناً كثيفاً نقياً صافياً والذي منه على هذه الصفة الذي يقال له المقطر، ومن الناس من يسميه ليخوطون واشتقاق هذا الاسم من الزاج أي الزاجي وبعده في الجودة الذي يقال له الجامد ومن بعده المطبوخ فإنه للصبغ والتسويد أصلح من الصنفين الآخرين، وأما في العلاج فإنه أضعف منهما، وأما القلقطار فإنه ينبغي أن يختار منه ما كان لونه شبيهاً بلون النحاس هين التفتت ولم تكن فيه حجارة ولم يكن عتيقاً وكانت شظاياه مستطيلة لها بريق، وأما مشيق وهو الزاج فينبغي أن نختار منه ما كان قبرسياً وكان لونه شبيهاً بلون الذهب وكان صلباً، فإذا كسر كان مكسره شبيهاً بلون الذهب، وكان له لمع شبيه بلمع الكواكب، وأما الميطرانا وهو صنف من الزاج فمنه ما يجمد على رؤوس معادن النحاس بمنزلة ما يجمد الثلج، ومنه ما يجمد فوق المعادن وهو الميطرانا صنف مزاجه أرضي ومنه ما يجمد ويوجد بالمعادن بالبلاد التي يقال لها قيلقيا ومواضع أخر كثيرة، وأجود هذه الأصناف ما كان لونه شبيهاً بالكبريت وكان ليناً متساوي الأجزاء نقياً إذا مسته ماء اسود سريعاً وأما السوري وهو الزاج الأحمر فقد ظن قوم أنه صنف من الميطرانا لونه لغلط منهم، وذلك أنه جنس آخر غير الميطرانا إلا أنه شبيه به، وله زهومة ريح ويغثي وهو مهيج للقيء ويوجد بمصر وبالبلاد التي يقال لها أسبانيا وقبرس، فينبغي أن يختار منه ما كان من مصر، وإذا فت كان داخله أسود وكان فيه تجاويف وثقب كثيرة، وكانت فيه دهنية وكان قابضاً زهماً في المذاق والشم ممغثياً للمعدة، وأما ما كان منه صقيل الفتات فرفيرياً مثل الزاج فإنه جنس آخر من السوري وهو أضعف من الجنس الأول. جالينوس: وأما القلقديس ففيه قبض شديد يخالطه حرارة ليست باليسيرة، وهذا مما يدل على أنه يجفف اللحم الزائد الرطب أكثر من سائر الأدوية الأخر كلها فيفني رطوبة هذا اللحم لحرارته ويجمع جوهره ويقبضه، وبفعله هذا أيضاً يعصر ويخرج شيئاً من ذلك اللحم ويشده ويصلب جميع الجوهر اللحمي ويجمعه إلى نفسه، وأما القلقطار ففيه قبض وحدة مخلوط أحدهما مع الآخر والأكثر فيه الحدة ويبلغ من شدة حرارته أنه يحرق اللحم ويحدث فيه قشرة محرقة، وإذا أحرق هذا الدواء فتلذيعه يكون أقل، وأما تجفيفه فليس يفعل لأن تجفيفه ينقص عندما يحرق نقصاناً ?بيناً ليس باليسير، ولذلك صار القلقطار المحرق أفضل وأجود من الذي لم يحرق في جميع خصاله وذلك أنه يصير ألطف مما كان كسائر جميع الأدوية التي تحرق وليس تزداد حدته كما تزداد حدة كثير من الأدوية التي تحرق جميع الأدوية التي تحرق متى غسلت بعد الحرق كانت ألين وأبعد عن اللذع، وهذه الثلاثة أدوية أعني الزاج الأحمر والقلقطار والزاج الأخضر هي من جنس واحد في قوّتها، وإنما تختلف في لطافتها وفي غلظها وذلك أن أغلظها الزاج الأحمر وألطفها الأخضر، وأما القلقطار فقوته قوة وسطى بين هذين، وهذه الثلاثة تحرق كلها وتحدث في اللحم قشرة صلبة بعد الإحراق وفيه مع أنها تحرق قبض أيضاً، والزاج الأخضر إذا أدمي من اللحم المعرى كان تلذيعه إياه أقل من تلذيع القلقطار على أنه حار حرارة ليست باليسيرة وليست بدون حرارة القلقطار، ولكن إنما صار هذا موجوداً فيه للطافة جوهره، والزاج الأخضر والقلقطار يذيبان اللحم وينحلان كلاهما إذا طبخا بالنار، وأما الزاج الأحمر فلا ينوب ولا ينحل لأن جموده جمود قوي حجري، كما أن الزاج الأخضر أيضاً لما قد نضج بحرارته الطبيعية فضل نضج على القلقطار صار حقيقياً بأن يكون أعسر انحلالاً وذوباناً من القلقطار، وأما الميطرانا فهو من الأدوية التي تقبض قبضاً شديداً مع أنه يلطف أكثر من جميع الأدوية القابضة ويجلو جلاء يسيراً. ديسقوريدوس: القلقنت له قوة قابضة مسخنة محرقة تقلع الآثار، وإذا ابلتع منه مقدار درخميين أو لعق بعسل قتل الدود المتولد في البطن، والذي يقال له حب القرع، وإذا شرب بالماء حرك القيء وينفع من مضرة الفطر القتال، وإذا ديف بالماء وشربت به صوفة وعصر وقطر في الأنف نقى الرأس وقد يحرق كما يحرق القلقطار، وأما القلقطار فله قوة قابضة مسخنة محرقة تنقي العيون والمآقي وهو من الأدوية التي تقبض اللسان قبضاً معتدلاً وقد يصلح للحمية والنملة، وإذا خلط بماء الكراث قطع نزف الدم من الرحم وقطع الرعاف، وإذا استعمل يابساً نفع من أورام اللثة والقروح الخبيثة العارضة فيها، ومن أورام النغانغ، وإذا أحرق وسحق واكتحل به مع العسل نفع من غلظ الجفون وخشونتها، وإذا عملت منه فتيلة وأدخلت في البواسير قلعتها، وقد يعمل منه الدواء الذي يقال له لسقوريون على هذه الصفة يخلط بجزأين منه وجزء من القليميا ويسحق بالخل ويصير في إناء من خزف ويطمر في سرجين في أشد ما يكون من الصيف ويترك 45 يوماً، وهذا الدواء حار وله قوّة يفعل بها ما يفعل القلقطار، ومن الناس من يأخذ من القلقطار جزءاً ويخلط به من القليمياء مثله ويسحقهما بالخمر ثم يفعل به كما وصفنا. جالينوس في 9: هذا الدواء يذهب بالجرب وهو يجفف أكثر من تجفيف القلقطار، وهذا بعيد من اللذع عنه، وإذا كان كذلك فالأمر فيه معلوم أنه ألطف. ديسقوريدوس: وقد يحرق القلقطار على هذه الصفة يؤخذ ويوضع على خزف جديد ويغطى ويوضع الخزف على جمر، ويكون مقدار الخزف إذا كان القلقطار كثير الرطوبة إلى أن لا يظهر فيه نفاخات، وقد يكون قد جف جفافاً بالغاً، وإذا لم تكن فيه الرطوبة الكثيرة فإلى أن يتغير لونه ويحمر، فإذا تغير لون باطنه كان شبيهاً بلون المغرة، فينبغي أن يرفع عن النار وينظف ويرفع وقد يشوى أيضاً بأن يوضع على الجمر وينفخ عليه حتى يميل لونه إلى الصفرة أو يوضع على خزف ويوضع الخزف على جمر ويحركه دائماً حتى يحمى ويتغير لونه، وأما الزاج فقوته شبيهة بقوة القلقطار في الشدة والضعف، وأما الزاج المصري فإنه في كل ما استعمل أقوى من الزاج القبرسي ما خلا أمراض العين فإنه في غاية علاجها أضعف من القبرسي بكثير، وأما الجوهر المسمى ماليطريا فقوته محرقة مثل قوة الزاج وحرقه مثل حرقه، وقوّة السوري شبيهة بقوّة الزاج، وقوة المليطرانا وحرقه مثل حرقهما، وقد يبرىء وجع الأضراس والأسنان المتحركة، وإذا احتقن به مع الخمر نفع من عرق النسا، وإذا خلط بالماء ولطخت به البثور اللبنية ذهب بها، وقد يستعمل في أخلاط الأدوية المسودة للشعر، وأقول قولاً مجملاً: إن ما كان من هذه الجواهر غير محرق فإنه أقوى من المحرق في أكثر الأشياء خلا الملح وسجير العنب والنطرون والكلس وما أشبهها إذا أحرقت كانت أقوى منها غير محرقة، وما كانت له قوة مثل هذه القوة ازدادت أفعاله وقوته ظهوراً. ابن سينا: وخاصة القلقطار إن لوثت به فتيلة بعسل وجعلت في الأذن نفعت من قروح الأذن والمدة فيها، وكذا إذا نفخ فيها بمنفاخ. والزاج الأخضر المحرق إذا جمع مع السورنجان ووضع تحت اللسان نفع من الضفدع وينفع القيروطي المتخذ منه وخصوصاً من الأحمر من الآكلة في الفم والأنف وقروحهما، وشربه مجفف للرئة حتى ربما قتل. التجربتين: يقطع الدم المنبعث من ظاهر البدن كما هو محرقاً، وهو أقوى فيه ويجب أن لا يكثر منه متى كانت الجراحات كبار أو أن لا يوضع على جراحات العصب بوجه فإنه يحدث التشنج، ولا سيما الجراحات التي في العصب القليل اللحم في مثل التي في عضل الصدغين والحاجب، ويقع في سائر الأدوية النافعة من الحكة والجرب فينتفع به. قال أرسطو: أصناف الزاجات كلها تقطع الدم السائل من البدن من الجراحات والرعاف غير أنها تسوّد أماكن الجراحات وتفسد الأعصاب وتشد الأماكن المسترخية، وإذا أدمن الاغتسال في ماء الزاج أورث الحميات الطويلة.
.
تعليق