ملخص دراسة كشف المستور عن حكم فك السحربسحر عن المسحور
(الملخص الثاني )
أثار الباحثون فتوى شاذَّة ترددت في الأوساط الاجتماعية، أجاز فيها صاحب الفتوى التداوي بالسحر للمسحور، وذلك بناء على توهُّمات واستِنباطات عقلية معارضة للدين، واعتمادًا على عبارات من أقوال السَّلف، فدونت الباحثة جُملة المآخذ التي أخذتها على مجيزي النشرة السحرية، بعد حصْر حُجَجهم واستدلالاتهم والبحث في صحَّتها، وقد رأت الباحثة أنَّ الفتوى تمسُّ العقيدة وتؤدِّي لتساهل الناس في الذَّهاب للسحرة واللجوء إليهم، فرأت أن تقيد هذه الرسالة لعموم المنفعة.
وقد قسمت الباحثة بحثها إلى ثلاثة أبواب
اشتمل الباب الأوَّل (واقع السحر)، فتحدَّثت عن تاريخ ظهور السحر وقالت: إنَّ كلَّ الأمم السَّابقة عرفت السِّحْر واستعملتْه، فذاع السِّحرُ في أهل بابل، وكانوا ينسبونه لفعل الكواكب، وأوَّل ظهوره لديهم كان بطريق الملَكين (هاروت وماروت)؛ {يُعَلمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَآ أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} [البقرة: 102]، وفشا السحر عند أهل فارس بعد استِيلائهم على أرض بابل.
وكان المصريّون القدماء يخلطون الأدْوية الطبِّيَّة بالعزائم الشِّرْكيَّة للشفاء من الأمراض، ويتْلون العزائم الشركيَّة عند تَحضير الموتى للانتِقال للعالم الآخر، حيث ارتبطت إجراءات التَّحنيط والدَّفن بالسحر.
وفي الهند خصَّص الكتاب المقدَّس لدى الهندوس (الفيدا) أحد أسفاره الأربعة - سفر أترافا - لمعرفة الرُّقى والسحر، واعتقد الإغريق بتأْثير الرُّقَى والعزائم والطَّلاسم في حياة البشر، واتبع اليهود السحر وتركوا الشِّرعة المنزلة.
تعريف السحر
هو صَرْفُ الشيء عن حقيقته إلى غيره، ولقد اختلفت التَّعريفات الاصطلاحية للسحر وتباينت بناء على اختلاف العلماء فيه، من حيث: هل هو حقيقة لها تأثير؟ أو أنَّه مجرَّد خيالات لا حقيقة لها؟ والصَّواب أنَّ السِّحر يشمل الأمرين معًا؛ فمنْه ما هو حقيقة، وله تأثير حسِّي على الأبدان والمحسوسات، ومنه ما هو تخْييل. وعرفه الرَّازي بما هو تخْييل، وعرَّفه ابن قدامه بما هو حقيقة، وعرَّفه الدكتور عواد بن عبدالله المعتق تعريفًا جمع فيه القسمَين معًا.
ثمَّ قسم الباحثون أنواع السحر إلى
1- السحر الحقيقي:
وهو كلُّ سحر له أثر حقيقي وملموس في الخارج، ومنْه أنواع:
النوع الأول: ما يكون بغير معين خارجي: بل بهمَّة النَّفس وقوَّتها وقدراتها الروحيَّة، وهو سحر أصحاب النُّفوس الخبيثة الفاسدة، ويقوم السَّاحر بأقوال وأفعال مخصوصة تقوي النفس حتى تؤثر في الآخرين بقدرة الله تعالى، ولا بدَّ لهم لتحقيق ذلك من رياضات بليغة واجتهادات ومجاهدات عسيرة، كتقليل الغذاء، والانقطاع عن الناس وغيرها.
النوع الثاني: هو السحر الذي يستعان عليه بمعين خارجي: كالاستعانة بالشياطين من الجن، أو الاستعانة بروحانيات الكواكب والأفلاك والأجرام السماوية.
ويدخل من ضِمْنه عدَّة أنواع:
منها سحر الكلدانيين والكشدانيين، الذين كانوا يعبدون الكواكب السبعة السيَّارة، ويعتقدون أنَّها مدبّرة العالم وأنَّها تأتي بالخير والشر، ومنه الطلاسم، ومنه النَّظر في حركات الأفلاك والنجوم، مع اعتقاد أنَّ لكل نجم تأثيرًا من ضرر أو نفع عند انفرادها أو افتراقها، ومنه الاستقاء بالأنواء، ومنه النَّظر في منازل القمر الثَّمانية والعشرين، مع اعتقاد التَّأثيرات في اقتران القمر بكلٍّ منها أو مفارقته، من سعادة أو نحوس، ومنه من يستخدم حروف (أبجد هوز)، ويجعل لكل حرف منها قدرًا من العدد معلومًا، ويجري على ذلك أسماء الآدميين والأزمنة والأمكنة وغيرها، ويجمع جمعًا معروفًا عنده ويطرح طرحًا خاصًّا، ويثبت إثباتًا خاصًّا، وينسبه إلى الأبراج الاثني عشر، ثم يحكم على تلك القواعد بالسُّعود والنحوس وغيرها ممَّا يُوحيه إليه الشَّيطان.
2- السحر التخيلي: وهو أن يقوم السَّاحر بالسَّيطرة على القوى المتخيّلة للشَّخص المسحور، فيتصرَّف فيها، ويلقي فيها من الخيالات والصور، ثم ينزلها إلى الحِسِّ من الرَّائي، فينظر لها الرَّائي ببصره وكأنَّها حقيقة في الخارج، ومثاله أن يقوم السَّاحر بتفْريق أعضاء شخْصٍ آخر ثمَّ يُعيدُها، وما رآه مجرَّد خيالات أحدثها له السَّاحر في قواه المتخيّلة.
- ومنه السيمياء: وهو عبارة عمَّا يركب من خواصَّ أرضيَّة، توجب تخيُّلات خاصَّة، وإدراك الحواس الخمس أو بعضها لحقائق، وقد يكون لذلك وجود حقيقي، وقد لا يكون له حقيقة؛ بل تخيل صرف.
- ومنه الهيمياء: هو ما تركَّب من خواصَّ سماوية تضاف لأحوال الأفلاك يحصل لِمَن عُمل له شيء من ذلك أمور معلومة عند السحرة، وقد يبقى له إدراك، وقد يسلبه بالكليَّة.
وهذان النَّوعان لا يتمَّان إلاَّ بالكفر والعبودية للشيطان.
3- السحر المجازي:
وله عدَّة أنواع:
الأول: الأخذ بالعيون وخفَّة اليد: ويُبنى على أغلاط البصر؛ فيرى الشَّيء على غير حقيقته لبعض الأسباب العارضة، يظهر الساحر عمل شيء يذهل أذهان الناظرين به ويأخذ عيونهم إليه، حتى إِذا انشغلوا بذلك الشَّيء، عمل شيئًا آخر بسرعة، وحينئذ يظهر للنَّاظرين شيءٌ آخَر غير ما انتظروه.
الثَّاني: الاستعانة بخواصّ الأدْوية والأطعمة والملابس؛ كالاستِعانة بدهان الجلد بموادَّ لها خاصّية مقاومة النَّار، أو يلبس ثيابًا لا تُحرقها النار؛ حتَّى يخدع النَّاظرين بأنَّه يدخل النَّار ولا يحترق، أو الاستِعانة ببعض الأدوية أو الأطعِمة المبلدة المزيلة للعقل، لإمساك الحيَّات أو الأسود الضَّارية.
الثالث: السَّعي بالنَّميمة والإفساد بين الناس وإغْراء بعض الناس ببعض، وتفريق قلوب المؤمنين.
الرابع: تعلُّق قلب السَّامع بما يدعيه السَّاحر من أنَّه يعرف اسم الله الأعظم، وأنَّ الجنَّ يطيعونه وينقادون له في أكثر الأمور.
الخامس: البيان: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ من البيان لسحرًا)).
وقد قسم بعض أهل العلم السِّحر إلى أنواع أخرى؛ منها:
سحر الخمول
سحر الهواتف
سحر المرض،
سحر المحبَّة (التولة)
سحر التَّفريق
سحر الاستحاضة
سحر التخْييل
سحر الجنون
سحر تعطيل الزَّواج
العقد والنفث
وزجر الطير والتفاؤل بأصواتها وبأسمائها
والخط بالأرض
والطيرة.
وكلّها من الشرك المنافي لكمال التَّوحيد؛ لكونها من إلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته.
حكم الساحر:
السحر من كبائر الذنوب، وهو حرام بالإجْماع، والسَّاحر كافر؛ قال تعالى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69]، وقد قرنه الله بالشرك؛ فقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} [النساء: 51، 52]، ومعنى الجِبْت؛ أي: السِّحر.
وقَالَ النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن عقد عقدة ثمَّ نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلَّق شيئًا وكل إليه))، وقد عدَّه النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - من السَّبع الموبقات.
حكم إتيان السَّاحر:
قال النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن أتى عرَّافًا أو ساحرًا أو كاهنًا يؤمِن بما يقول، فقد كفر بما أُنزل على محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم))، وقال: ((ليس منَّا من تطيَّر أو تطيِّر له، أو تكهَّن أو تكهِّن له، أو سحر أو سحِر له)).
عقوبة الساحر:
حد السَّاحر القتل؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلَّم -: ((حدّ السَّاحر ضربُه بالسَّيف))، قال ابن المنذر: "وإذا أقرَّ الرَّجل أنه سحر بكلام يكون كفرًا وجب قتله إن لم يَتُب، وكذلك لو ثبتتْ به عليه بيِّنة ووصفت البيِّنة كلامًا يكون كفرًا، وإن كان الكلام الَّذي ذكر أنه سَحَرَ به ليس بكفر، لم يجز قتله، فإن كان أحدث في المسحور جناية تُوجب القصاص اقتُصّ منه إن كان عَمَد ذلك، وإن كان ممَّا لا قصاص فيه ففيه دِيَة ذلك".
وقال مالك: "السَّاحر الَّذي يعمل السحر ... أرى أن يقتل".
هل يستتاب الساحر؟
قال مالك: "السَّاحر كافر، يُقتل بالسِّحْر ولا يستتاب".
وللحنابلة روايتان؛
إحداهما: لا يُستتاب
والثَّانية: يُستتاب
فإن تاب قُبِلت توبتُه وخلِّي سبيله؛ ولذلك صحَّ إيمان سحرة فرعون وتوْبتهم، ويكفر الرَّجُل بتعلمه السحر، والعمل به؛ لقوله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102].
وفي الباب الثاني
تناولت المؤلِّفة (علاج المسحور) فبيَّنت مشروعيَّة التَّداوي في الإسلام.
وقالت: إنَّ التَّداوي لا ينافي التَّوكُّل، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما أنزل الله من داءٍ إلاَّ أنزل له دواء))، والرقى والدَّواء لا تردُّ من قدر الله شيئًا؛ لأنها من قدر الله تعالى.
وقد أجمع العلماء على جواز الرُّقى عند اجتماع ثلاثة شروط:
1- أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته.
2- وباللسان العربي أو بما يعرف معناه.
3- وأن يعتقد أنَّ الرقية لا تؤثِّر بذاتها بل بذات الله تعالى.
ثم بينت المؤلّفة العلاج المشروع للمسْحور:
أوَّلاً: يجب على المسلم أن يحصِّن نفسه، وأهلَه من شرّ شياطين الإنس والجنّ، وذلك بقراءة أذْكار المساء والصَّباح وأذكار النَّوم، والمحافظة عليها، والمحافظة على قراءة سورة البقرة، وآية الكرسي، وقل هو الله أحد، والمعوّذتين، والإكثار من قول: "بسم الله الذي لا يضرّ مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السَّميع العليم"، وقول: "أعوذ بكلمات الله التَّامَّة من شرّ ما خلق".
ثانياً: قراءة ما ورد في الكتاب والسنَّة وكلام السلف
أولاً- اللجوء للرقْية الشَّرعيَّة: وتكون الرقْية بالنفث مباشرة على المسحور، أو بقراءتها على ماء نظيف ثمَّ الاحتساء منه مع الاغتسال به في مكان طاهر.
أ- بالقرآن الكريم: إنَّ القرآن كلّه شفاء، وهناك سور وآيات مخصوصة في علاج السحر؛ منها: قراءة سورة الفاتحة، وسورة البقرة،: ((اقرؤوا سورة البقرة؛ فإنَّ أخْذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة))؛ أي: السحَرة، وقراءة آية الكرسي فإنَّها مطردة للشَّياطين، وسورة "الكافرون"، وقل هو الله أحد، والمعوّذتين، وهما أنفع ما يستعمل في إذْهاب السِّحر ممَّا أنزله الله على رسوله.
آيات أخرى في فكّ السحر وإبطاله: قال تعالى: {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 81]، {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ* رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ *رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الأعراف: 118 - 122]، {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69]، {قَالواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُل سَحَّارٍ عَلِيمٍ ** وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ * لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ الْغَالِبِينَ * فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * قَالَ لَهُمْ مُّوسَى أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ * فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ * فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُواْ آمَنَّا بِرَب الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 36 - 47].
ب- بالأدعية والتعوّذات النَّبويَّة العامَّة لكل داء: كانَ رَسُولُ الله يُعَوِّذُ الحسَنَ والحُسَيْن، يَقُولُ: ((أُعِيذُكُما بِكَلِماتِ الله التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ وهامَّةٍ، ومِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ)).
وكان يَدْعو عندَ الكرْب ويقول: ((لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ العظيمُ الحليم، لا إله إلاَّ اللَّهُ ربُّ السماواتِ والأرض وربُّ العَرشِ العظيم))، وكان يرقي ويقول: ((امسح البأس، ربَّ الناس، بيدكَ الشفاء، لا كاشفَ له إلا أنت))، وقَالَ النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لعُثْمَانَ بْنِ أبي العَاصِ الثَّقَفِيِّ لما شَكا له وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِه مُنْذُ أسْلَم: ((ضَعْ يَدَكَ على الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وقُلْ: بِاسْمِ اللَّهِ، ثَلاثًا، وقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِه مِنْ شَرِّ مَا أجِدُ وأُحاذِرُ)).
ثانيًا
الأدوية المباحة التي نصَّت عليها السنَّة
- أكْل سبع تَمرات من تمر المدينة؛ فهي "شفاء من كل سحر أَو سُم"، واستعمال الحجامة؛ باستفراغ الدَّم من العضو الَّذي يصل إليه أذى السِّحر، والوصول إلى مكان السحر، ولا سبيل إلى ذلك إلاَّ بسؤال الله تعالى مع الإلْحاح في الدُّعاء بأن يكشف له مكان السِّحر، أو يتكلَّم الجني الموكَّل بالسِّحر بقدرة الله، فيخبر عن مكان السحر، واستِخْراجه لإبْطاله بقراءة المعوّذات عليه وآيات السِّحر، ثمَّ كسره إن كان ودعًا أو صدفًا، أو إذابته إن كان (بودرة)، أو حرْقه بعد القراءة عليْه.
- يقول ابن حجر في علاج المربوط: "المبْتلى بذلك يأخذ حزمة قضبان وفأسًا ذا قطارين، ويضعه في وسط تلك الحزمة، ثمَّ يؤجِّج نارًا في تلك الحزمة حتَّى إذا حمي الفأس استخرجه من النار وبال على حرِّه، ويعرض الذكر للأبخرة المتصاعدة ليخرج الجنّي ويبطل السِّحر، ويبرأ بإذن الله ".
وتناولت المؤلّفة في الباب الثالث مسألة (فك السحر بالسحر)
ولذلك يعدّ هذا الباب الأهمَّ في البحث؛ لأنَّه الباب الذي من أجله حرّرت المؤلفة هذا الكتاب، حيث ردَّت المؤلفة على حجج واستدلالات مجيزي فكّ السِّحر عن المسحور بسحر مثله.
وقالت بعدم جواز فكِّ السحر عن المسحور بسحر مثله؛ لعموم أدلَّة التَّحريم:
أوَّلاً: نصوص الكتاب:
يقول تعالى: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 102]، {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] الخبائث: السحر، وهو أعْلى درجات الخبائث لما فيه من الكفر والشرك.
ثانيا: نصوص السنَّة
قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اجتنِبوا السَّبع الموبقات))، قالوا: يا رسول الله، ما هنَّ؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر...))، وقال: ((مَن أتى عرَّافًا أو ساحرًا أو كاهنًا يُؤمن بما يقول، فقد كفر بما أُنزل على محمَّد))، وقال النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ليس منَّا من تطيَّر أو تطيِّر له، أو تكهَّن أو تكهِّن له، أو سَحَر أو سُحِر له))، ولمَّا سُئِل النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن النشرة[1] قال: ((هي من عمل الشَّيطان))، وقال النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله لم يجعل شفاء أمَّتي فيما حرَّم عليها)).
وسئل ابن مسعود عن التَّداوي بشيء من المحرَّمات، فأجاب: "إنَّ الله لم يجعل شفاءَكم فيما حرَّم عليكم"، وقال ابن الجوزي: النشرة حلّ السحر عن المسحور، ولا يكاد يقدِر عليه إلاَّ مَن يعرف السحر.
وقال ابن القيم: "النُّشرة: حلّ السحر عن المسحور، وهي نوعان:
حلّ السحر بمثله والَّذي هو من عمل الشيطان
والثاني: بالرُّقية والتعوُّذات والأدوية المباحة؛ فهذا جائز".
ثالثا: بعض أقوال أهل العلم:
أجاز العُلماء حلَّ السحر عن المسحور بالقرآن؛ كالمعوّذتين، وآية الكرسي، الرُّقى الشرعيَّة والأدعية من الكتاب والسنَّة، أمَّا طلب الشِّفاء عن طريق حلّ السِّحر عن المسحور بسحر مثله فلا يجوز، ويحرم شرعًا؛ لأنَّه معاونة للسَّاحر، وإقرار له على عمله، وتقرُّب إلى الشيطان بأنواع القرب (ذبح شيء أو السجود له) ليبطل عمله عن المسحور، ولأنَّ السحر محرَّم في ذاته، وقال الله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157].
- ثمَّ فنَّدت المؤلفة حُجَج مجيزي فكّ السحر بالسحر، وردَّت عليها في ضوء الكتاب والسنَّة وقواعد الفقه وأصوله، وأظهرتْ عِلَل أدلتهم وضعفها.
ومن بعض استدلالاتهم وحججهم:
أولاً: يرى المجيزون أنَّ قول الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - لمَّا سئِل عن النشرة فقال: ((هي من عمل الشيطان))، وهذا القول لا يحمل دلالة على النَّهي عن النشْرة، بل فيه إشارة لأصلِها.
ويؤخذ عليهم في استِدْلالهم هذا أنَّ وصف "من عمل الشيطان" يُطلق في الشَّرع على المحرَّمات والكبائر، وهو علَّة تدلُّ على النَّهي، وإضافته إلى الشَّيطان تفيد التَّحريم، والسَّبب الَّذي دعا للنَّهي هو كونُها من عمل الشَّيطان، ولم يسبق أن سُمِّيت بها المباحات إطلاقًا.
ثانيًا: يتذرَّعون بسؤال عائشة للنَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن الذَّهاب للسحرة, فلم ينكر النَّبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - على عائشة، وهذا إقرار ودليل على الجواز.
ويؤخذ عليْهِم في استدلالهم هذا مأخذان:
الأوَّل: أنَّ المستقرَّ عند الأصوليين إذا اختلفت الرِّوايات أنَّ الجمع بينها أولى, وحملها جميعها على معنى واحد متوافق أوْلى، وحديث عائشة جاء بروايات متعدِّدة ظاهرها الاختلاف حول سؤال عائشة؛ فمن صعوبة حمل سؤال عائشة على معنى: لو أنَّك ذهبت للسحرة لفكّ سحرك؛ إذ كيف تطلب عائشة العوْن من السحرة واللجوء لهم, وهي تُدرك قول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة: 102]، وتدرك نَهي النَّبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((اجتنِبوا السبع الموبقات)).
الثَّاني: حتَّى وإن سلمنا أنَّ سؤال عائشة كان عن الذَّهاب للسَّحرة, وثبت إقرار النبي للنشرة، فهذا أيضًا لا يرجِّح الجواز؛ لوجود حديث آخَر للرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ينهى عن النشرة لما سُئِل عنها قال: ((هي من عمل الشيطان))، وكل منهما دليل خاصّ، وفي ذلك تعارض بين النصوص، ولا يمكن الجمع والتوفيق بيْنها، فعلينا التَّرجيح بينهما.
ومن قواعد الترجيح:
1- الفعل لا يقدَّم على القول؛ فمِن باب أولى أن لا يقدَّم الإقرار على القول.
2- أخْذ ما كان العمل به أحوط, وما لا يتعارض مع ما شهِد به القرآن والسنَّة والإجماع، والَّذي لا يتعارض مع ما عمل به الخلفاء، وثبت أنَّ عمر بن الخطَّاب قال: "اقتلوا كلَّ ساحر وساحرة".
3- إذا تعارض الدَّليلان قدّم دليل التَّحريم على الدَّليل الذي يقتضي الإباحة.
الثالث: الضَّرورات تبيح المحظورات
استنباطًا من قول الله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] وهذا احتِجاج فاسد لا اعتبار له؛ لأنَّ من شرط هذه القاعدة:
1- أن يكون المحْظور أقلَّ من الضَّرورة، فالسِّحْر كفر وشرك، فهو أعظم ضررًا، والسِّحر يُمكن علاجه بالأسباب المشْروعة، فلا اضطِرار لعلاجه بما هو كفر وشرك.
2- انتفاء البديل عدا الأخْذ بالمحظور, والمعلوم أنَّ البدائل موجودة وطرق علاج السِّحْر كثيرة.
فالتَّداوي بالسِّحْر هنا لا يعدُّ ضرورة، تستحلُّ بها المحرَّمات.
رابعًا: احتجاجهم بالقاعدة: (الأصل في المنافع الإذن، وفي المضارّ المنع)
والقاعدة مُقيَّدة وليست على الإطلاق، فالحكم على المضارّ والمنافع يكون بأدلَّة السَّمع لا بأدلَّة العقل؛ لأنَّ المنافع نسبيَّة يختلف اعتبارها من مجتهد لآخر، فاحتاجت لشرْعٍ إلهي يضبطها، والضَّابط هو قول الله تعالى: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} [البقرة: 102]، إنَّ الله نفى أن يكون في السِّحْر منفعة، بل هو ضرر محْض، ومفسدة عظمى للعقائد والنفوس، وقال تعالى: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69].
خامسًا:
يحتجّون بالقاعدة الفقهية (الأمور بمقاصدها):
رغم أنَّه لا يمكن الاعتِماد على القاعدة بذاتها في إصدار الأحكام دون أن يعضدها نصّ، لَم يوجد أحد من أهل العلم استدلَّ بهذه القاعدة لتسويغ المحرَّمات والكبائر، كما أنَّ من شروط صحَّة وسلامة النّيَّة: ألا يتنافى المنوي مع الشَّرع، فكيف يُنْوَى بالسِّحْر النَّفع ورفع الضَّرر، وقد نفى الشَّارع المنفعة مطلقًا من السحر؟!
سادسًا:
يستدلُّون بقول ابن المسيّب لمَّا سُئِل عن رجل به طبّ (سحر) أو يؤخذ عن امرأته، أيحلُّ عنه أو ينشر؟ قال: "لا بأْس؛ إنَّما يريدون به الإصلاح, فأمَّا ما ينفع فلم ينه عنه".
ويحملون كلام ابن المسيّب على جواز النَّشر عن المسحور بالسحر, والأولى أن يُحمل كلام ابن المسيّب على نوع من النشرة المباحة (الرقية الشرعية) الخالية من الشرك، لا يُعلم أنَّه سحر.
سابعًا:
أجاز بعْض العلماء الأجلاَّء من السَّلف مسألة فكّ السِّحْر بالسِّحْر، كالإمام أحمد، وابن الجوْزي، والإمام البخاري، وابن حجَر، والطَّبري، وابن بطَّال، والشَّعبي، وهذا مرود عليه؛ لأنَّ الأصل أن لا يقدَّم قول أحدٍ من البشَر على قول الله وقولِ الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم.
ثمَّ استدلَّت المؤلِّفة على عدم جواز فكِّ السحر بالسحر بأدلَّة، منها:
أ- المجيزون اجتهدوا فرأَوا أنَّ في النُّشرة السحريَّة علَّة التداوي فأباحوها لهذه العلَّة، والمانعون للنُّشرة السحريَّة يروْن أنَّ فيها علَّة اشتمالها على السِّحر من الأقوال والأفعال والاعتِقادات الكفرية، فالَّذي دعاهم إلى المنع هذه العلَّة، وإذا كانت إحدى العلَّتين تقتضي الحظر والأخرى تقتضي الإباحة، فالَّتي تقتضي الحظر أوْلى؛ لأنَّ الحظر أحوط، ولأنَّ في الإقدام على المحظور إثمًا، وليس في ترك المباح إثم.
ب- أنَّ القاعدة التي تحكم المتناولات كافَّة, كالأدوية والأطعمة.. إلخ تقول: "ما أبيح لصِفته حرم لسببه"، وقد نهى النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -عن الدَّواء الخبيث، رغم أنَّ الأصل في الأدوية الإباحة.
ج- القياس الصَّحيح: قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الرقى والتمائم والتولة شرك)).
التّوَلة: ضرب من السحر يُحَبِّب المرأَة إلى زوجها، فالزَّوجة استخدمت السحر هنا كوسيلة لجلب منفعة (القربة والألفة بين الزَّوجين)، ودفع مضرَّة (تفكُّك الأسرة)، إلاَّ أنَّ رسول الله حكم على التولة بالشِّرْك؛ لأنَّ الوسيلة المستخْدمة هي وسيلة كفريَّة بحدِّ ذاتِها.
والنشرة تُشبِهُ التولة، فكلاهما طلبٌ لأمر مشروع (النفع ورفْع الأذى) ولكن بطريقة غير مشروعة، محرَّمة هي السحر.
د- استنباط العلَّة الصحيحة التي من أجلها حُرِّمَ الذَّهاب للساحر وسؤاله؛ أي: العلَّة التي لا يزول المنع إلا بزوالها.
إنَّ علَّة النَّهي عن إتيان السَّاحر التي قصدها الشَّارع هي عدم الاستِعانة بأهل الكفر، وبأعمالهم الشركيَّة، التي يناسبها حكم الكفر؛ لأنَّ فكَّ السحر بالسحر يتطلَّب أمورًا توجب الكفر؛ كأن يقسم على الجنّ بحقّ أبالسة الشَّياطين وملوك الجن بأن يخرج، أو استِرضاء الجنّ بتقْديم القرابين من ذبح وزار, وإهانة المصحف وكتابة كلام الله بالنَّجاسات، أو قلب حروف كلام الله، وارتكاب الزِّنا واللواط، وشرب المسكرات، فإذا فعلوا ما ترْضاه الشَّياطين أعانتْهم على أغراضهم.
والَّذين يُجيزون الذَّهاب للسَّاحر في حال الضَّرورة للتَّداوي وحلّ السِّحر، معتقدين أنَّ علَّة المنع في الذَّهاب للسَّاحر هي قصد الإضرار, فبزوالها يزول المنع، ويجعل من النشرة أمرًا مباحًا، فهذا اعتقاد خاطئ؛ لأنَّ في النُّشرة السحْريَّة ما يستدعي بقاء الحكم، وهو فعل أو قول أو اعتقاد الكفْر.
الأضرار المترتِّبة على الاستِعانة بالسَّاحر لفكّ السِّحر:
التعلُّق بغير الله، وابتِعاد القلوب عن فطرها السوية وعقيدتها السَّليمة، ولقد قرن الله السِّحر بالشرك، ونفى أن يكون في السحر منفعة، بل هو ضرر محْض، ومفسدة عظمى للعقائد والنفوس، وفي الذهاب للسحرة مخالفة لأمر الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقتلهم، والاستِعانة بهم كفر وشرك، وتعاون على الإثم والعدوان.
ويترتَّب على الرضا بالاستعانة بالسَّاحر رضا بما يتولَّد منه بما يفعله السَّحرة من أفعال شركيَّة، وزيادة نفوذ السَّحرة في المجتمع، وزيادة الإيمان والتَّسليم بأقوالهم وقدراتهم، كما يترتَّب على كذِب السَّاحر تقطيع الأرْحام، كأن يقول: سحرَك أخوك، أو سحرتْك أختك، فيتبع ذلك نشر العداوة والبغضاء والانتِقام والحقد والنميمة، والظلم بين النَّاس.
كتبه / نجلاء بنت عبدالله الحربي
منقول عن شبكة الألوكة الاسلامية
كشف المستور عن حكم فك السحر بسحر عن المسحور
http://www.qudamaa.com/vb/showthread...675#post508675
ملخص دراسة كشف المستور عن حكم فك السحر بسحر عن المسحور ( ملخص الأول )
http://www.qudamaa.com/vb/showthread.php?t=56865
__________________(الملخص الثاني )
أثار الباحثون فتوى شاذَّة ترددت في الأوساط الاجتماعية، أجاز فيها صاحب الفتوى التداوي بالسحر للمسحور، وذلك بناء على توهُّمات واستِنباطات عقلية معارضة للدين، واعتمادًا على عبارات من أقوال السَّلف، فدونت الباحثة جُملة المآخذ التي أخذتها على مجيزي النشرة السحرية، بعد حصْر حُجَجهم واستدلالاتهم والبحث في صحَّتها، وقد رأت الباحثة أنَّ الفتوى تمسُّ العقيدة وتؤدِّي لتساهل الناس في الذَّهاب للسحرة واللجوء إليهم، فرأت أن تقيد هذه الرسالة لعموم المنفعة.
وقد قسمت الباحثة بحثها إلى ثلاثة أبواب
اشتمل الباب الأوَّل (واقع السحر)، فتحدَّثت عن تاريخ ظهور السحر وقالت: إنَّ كلَّ الأمم السَّابقة عرفت السِّحْر واستعملتْه، فذاع السِّحرُ في أهل بابل، وكانوا ينسبونه لفعل الكواكب، وأوَّل ظهوره لديهم كان بطريق الملَكين (هاروت وماروت)؛ {يُعَلمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَآ أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} [البقرة: 102]، وفشا السحر عند أهل فارس بعد استِيلائهم على أرض بابل.
وكان المصريّون القدماء يخلطون الأدْوية الطبِّيَّة بالعزائم الشِّرْكيَّة للشفاء من الأمراض، ويتْلون العزائم الشركيَّة عند تَحضير الموتى للانتِقال للعالم الآخر، حيث ارتبطت إجراءات التَّحنيط والدَّفن بالسحر.
وفي الهند خصَّص الكتاب المقدَّس لدى الهندوس (الفيدا) أحد أسفاره الأربعة - سفر أترافا - لمعرفة الرُّقى والسحر، واعتقد الإغريق بتأْثير الرُّقَى والعزائم والطَّلاسم في حياة البشر، واتبع اليهود السحر وتركوا الشِّرعة المنزلة.
تعريف السحر
هو صَرْفُ الشيء عن حقيقته إلى غيره، ولقد اختلفت التَّعريفات الاصطلاحية للسحر وتباينت بناء على اختلاف العلماء فيه، من حيث: هل هو حقيقة لها تأثير؟ أو أنَّه مجرَّد خيالات لا حقيقة لها؟ والصَّواب أنَّ السِّحر يشمل الأمرين معًا؛ فمنْه ما هو حقيقة، وله تأثير حسِّي على الأبدان والمحسوسات، ومنه ما هو تخْييل. وعرفه الرَّازي بما هو تخْييل، وعرَّفه ابن قدامه بما هو حقيقة، وعرَّفه الدكتور عواد بن عبدالله المعتق تعريفًا جمع فيه القسمَين معًا.
ثمَّ قسم الباحثون أنواع السحر إلى
1- السحر الحقيقي:
وهو كلُّ سحر له أثر حقيقي وملموس في الخارج، ومنْه أنواع:
النوع الأول: ما يكون بغير معين خارجي: بل بهمَّة النَّفس وقوَّتها وقدراتها الروحيَّة، وهو سحر أصحاب النُّفوس الخبيثة الفاسدة، ويقوم السَّاحر بأقوال وأفعال مخصوصة تقوي النفس حتى تؤثر في الآخرين بقدرة الله تعالى، ولا بدَّ لهم لتحقيق ذلك من رياضات بليغة واجتهادات ومجاهدات عسيرة، كتقليل الغذاء، والانقطاع عن الناس وغيرها.
النوع الثاني: هو السحر الذي يستعان عليه بمعين خارجي: كالاستعانة بالشياطين من الجن، أو الاستعانة بروحانيات الكواكب والأفلاك والأجرام السماوية.
ويدخل من ضِمْنه عدَّة أنواع:
منها سحر الكلدانيين والكشدانيين، الذين كانوا يعبدون الكواكب السبعة السيَّارة، ويعتقدون أنَّها مدبّرة العالم وأنَّها تأتي بالخير والشر، ومنه الطلاسم، ومنه النَّظر في حركات الأفلاك والنجوم، مع اعتقاد أنَّ لكل نجم تأثيرًا من ضرر أو نفع عند انفرادها أو افتراقها، ومنه الاستقاء بالأنواء، ومنه النَّظر في منازل القمر الثَّمانية والعشرين، مع اعتقاد التَّأثيرات في اقتران القمر بكلٍّ منها أو مفارقته، من سعادة أو نحوس، ومنه من يستخدم حروف (أبجد هوز)، ويجعل لكل حرف منها قدرًا من العدد معلومًا، ويجري على ذلك أسماء الآدميين والأزمنة والأمكنة وغيرها، ويجمع جمعًا معروفًا عنده ويطرح طرحًا خاصًّا، ويثبت إثباتًا خاصًّا، وينسبه إلى الأبراج الاثني عشر، ثم يحكم على تلك القواعد بالسُّعود والنحوس وغيرها ممَّا يُوحيه إليه الشَّيطان.
2- السحر التخيلي: وهو أن يقوم السَّاحر بالسَّيطرة على القوى المتخيّلة للشَّخص المسحور، فيتصرَّف فيها، ويلقي فيها من الخيالات والصور، ثم ينزلها إلى الحِسِّ من الرَّائي، فينظر لها الرَّائي ببصره وكأنَّها حقيقة في الخارج، ومثاله أن يقوم السَّاحر بتفْريق أعضاء شخْصٍ آخر ثمَّ يُعيدُها، وما رآه مجرَّد خيالات أحدثها له السَّاحر في قواه المتخيّلة.
- ومنه السيمياء: وهو عبارة عمَّا يركب من خواصَّ أرضيَّة، توجب تخيُّلات خاصَّة، وإدراك الحواس الخمس أو بعضها لحقائق، وقد يكون لذلك وجود حقيقي، وقد لا يكون له حقيقة؛ بل تخيل صرف.
- ومنه الهيمياء: هو ما تركَّب من خواصَّ سماوية تضاف لأحوال الأفلاك يحصل لِمَن عُمل له شيء من ذلك أمور معلومة عند السحرة، وقد يبقى له إدراك، وقد يسلبه بالكليَّة.
وهذان النَّوعان لا يتمَّان إلاَّ بالكفر والعبودية للشيطان.
3- السحر المجازي:
وله عدَّة أنواع:
الأول: الأخذ بالعيون وخفَّة اليد: ويُبنى على أغلاط البصر؛ فيرى الشَّيء على غير حقيقته لبعض الأسباب العارضة، يظهر الساحر عمل شيء يذهل أذهان الناظرين به ويأخذ عيونهم إليه، حتى إِذا انشغلوا بذلك الشَّيء، عمل شيئًا آخر بسرعة، وحينئذ يظهر للنَّاظرين شيءٌ آخَر غير ما انتظروه.
الثَّاني: الاستعانة بخواصّ الأدْوية والأطعمة والملابس؛ كالاستِعانة بدهان الجلد بموادَّ لها خاصّية مقاومة النَّار، أو يلبس ثيابًا لا تُحرقها النار؛ حتَّى يخدع النَّاظرين بأنَّه يدخل النَّار ولا يحترق، أو الاستِعانة ببعض الأدوية أو الأطعِمة المبلدة المزيلة للعقل، لإمساك الحيَّات أو الأسود الضَّارية.
الثالث: السَّعي بالنَّميمة والإفساد بين الناس وإغْراء بعض الناس ببعض، وتفريق قلوب المؤمنين.
الرابع: تعلُّق قلب السَّامع بما يدعيه السَّاحر من أنَّه يعرف اسم الله الأعظم، وأنَّ الجنَّ يطيعونه وينقادون له في أكثر الأمور.
الخامس: البيان: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ من البيان لسحرًا)).
وقد قسم بعض أهل العلم السِّحر إلى أنواع أخرى؛ منها:
سحر الخمول
سحر الهواتف
سحر المرض،
سحر المحبَّة (التولة)
سحر التَّفريق
سحر الاستحاضة
سحر التخْييل
سحر الجنون
سحر تعطيل الزَّواج
العقد والنفث
وزجر الطير والتفاؤل بأصواتها وبأسمائها
والخط بالأرض
والطيرة.
وكلّها من الشرك المنافي لكمال التَّوحيد؛ لكونها من إلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته.
حكم الساحر:
السحر من كبائر الذنوب، وهو حرام بالإجْماع، والسَّاحر كافر؛ قال تعالى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69]، وقد قرنه الله بالشرك؛ فقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} [النساء: 51، 52]، ومعنى الجِبْت؛ أي: السِّحر.
وقَالَ النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن عقد عقدة ثمَّ نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلَّق شيئًا وكل إليه))، وقد عدَّه النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - من السَّبع الموبقات.
حكم إتيان السَّاحر:
قال النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن أتى عرَّافًا أو ساحرًا أو كاهنًا يؤمِن بما يقول، فقد كفر بما أُنزل على محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم))، وقال: ((ليس منَّا من تطيَّر أو تطيِّر له، أو تكهَّن أو تكهِّن له، أو سحر أو سحِر له)).
عقوبة الساحر:
حد السَّاحر القتل؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلَّم -: ((حدّ السَّاحر ضربُه بالسَّيف))، قال ابن المنذر: "وإذا أقرَّ الرَّجل أنه سحر بكلام يكون كفرًا وجب قتله إن لم يَتُب، وكذلك لو ثبتتْ به عليه بيِّنة ووصفت البيِّنة كلامًا يكون كفرًا، وإن كان الكلام الَّذي ذكر أنه سَحَرَ به ليس بكفر، لم يجز قتله، فإن كان أحدث في المسحور جناية تُوجب القصاص اقتُصّ منه إن كان عَمَد ذلك، وإن كان ممَّا لا قصاص فيه ففيه دِيَة ذلك".
وقال مالك: "السَّاحر الَّذي يعمل السحر ... أرى أن يقتل".
هل يستتاب الساحر؟
قال مالك: "السَّاحر كافر، يُقتل بالسِّحْر ولا يستتاب".
وللحنابلة روايتان؛
إحداهما: لا يُستتاب
والثَّانية: يُستتاب
فإن تاب قُبِلت توبتُه وخلِّي سبيله؛ ولذلك صحَّ إيمان سحرة فرعون وتوْبتهم، ويكفر الرَّجُل بتعلمه السحر، والعمل به؛ لقوله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102].
وفي الباب الثاني
تناولت المؤلِّفة (علاج المسحور) فبيَّنت مشروعيَّة التَّداوي في الإسلام.
وقالت: إنَّ التَّداوي لا ينافي التَّوكُّل، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما أنزل الله من داءٍ إلاَّ أنزل له دواء))، والرقى والدَّواء لا تردُّ من قدر الله شيئًا؛ لأنها من قدر الله تعالى.
وقد أجمع العلماء على جواز الرُّقى عند اجتماع ثلاثة شروط:
1- أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته.
2- وباللسان العربي أو بما يعرف معناه.
3- وأن يعتقد أنَّ الرقية لا تؤثِّر بذاتها بل بذات الله تعالى.
ثم بينت المؤلّفة العلاج المشروع للمسْحور:
أوَّلاً: يجب على المسلم أن يحصِّن نفسه، وأهلَه من شرّ شياطين الإنس والجنّ، وذلك بقراءة أذْكار المساء والصَّباح وأذكار النَّوم، والمحافظة عليها، والمحافظة على قراءة سورة البقرة، وآية الكرسي، وقل هو الله أحد، والمعوّذتين، والإكثار من قول: "بسم الله الذي لا يضرّ مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السَّميع العليم"، وقول: "أعوذ بكلمات الله التَّامَّة من شرّ ما خلق".
ثانياً: قراءة ما ورد في الكتاب والسنَّة وكلام السلف
أولاً- اللجوء للرقْية الشَّرعيَّة: وتكون الرقْية بالنفث مباشرة على المسحور، أو بقراءتها على ماء نظيف ثمَّ الاحتساء منه مع الاغتسال به في مكان طاهر.
أ- بالقرآن الكريم: إنَّ القرآن كلّه شفاء، وهناك سور وآيات مخصوصة في علاج السحر؛ منها: قراءة سورة الفاتحة، وسورة البقرة،: ((اقرؤوا سورة البقرة؛ فإنَّ أخْذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة))؛ أي: السحَرة، وقراءة آية الكرسي فإنَّها مطردة للشَّياطين، وسورة "الكافرون"، وقل هو الله أحد، والمعوّذتين، وهما أنفع ما يستعمل في إذْهاب السِّحر ممَّا أنزله الله على رسوله.
آيات أخرى في فكّ السحر وإبطاله: قال تعالى: {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 81]، {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ* رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ *رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الأعراف: 118 - 122]، {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69]، {قَالواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُل سَحَّارٍ عَلِيمٍ ** وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ * لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ الْغَالِبِينَ * فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * قَالَ لَهُمْ مُّوسَى أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ * فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ * فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُواْ آمَنَّا بِرَب الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 36 - 47].
ب- بالأدعية والتعوّذات النَّبويَّة العامَّة لكل داء: كانَ رَسُولُ الله يُعَوِّذُ الحسَنَ والحُسَيْن، يَقُولُ: ((أُعِيذُكُما بِكَلِماتِ الله التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ وهامَّةٍ، ومِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ)).
وكان يَدْعو عندَ الكرْب ويقول: ((لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ العظيمُ الحليم، لا إله إلاَّ اللَّهُ ربُّ السماواتِ والأرض وربُّ العَرشِ العظيم))، وكان يرقي ويقول: ((امسح البأس، ربَّ الناس، بيدكَ الشفاء، لا كاشفَ له إلا أنت))، وقَالَ النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لعُثْمَانَ بْنِ أبي العَاصِ الثَّقَفِيِّ لما شَكا له وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِه مُنْذُ أسْلَم: ((ضَعْ يَدَكَ على الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وقُلْ: بِاسْمِ اللَّهِ، ثَلاثًا، وقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِه مِنْ شَرِّ مَا أجِدُ وأُحاذِرُ)).
ثانيًا
الأدوية المباحة التي نصَّت عليها السنَّة
- أكْل سبع تَمرات من تمر المدينة؛ فهي "شفاء من كل سحر أَو سُم"، واستعمال الحجامة؛ باستفراغ الدَّم من العضو الَّذي يصل إليه أذى السِّحر، والوصول إلى مكان السحر، ولا سبيل إلى ذلك إلاَّ بسؤال الله تعالى مع الإلْحاح في الدُّعاء بأن يكشف له مكان السِّحر، أو يتكلَّم الجني الموكَّل بالسِّحر بقدرة الله، فيخبر عن مكان السحر، واستِخْراجه لإبْطاله بقراءة المعوّذات عليه وآيات السِّحر، ثمَّ كسره إن كان ودعًا أو صدفًا، أو إذابته إن كان (بودرة)، أو حرْقه بعد القراءة عليْه.
- يقول ابن حجر في علاج المربوط: "المبْتلى بذلك يأخذ حزمة قضبان وفأسًا ذا قطارين، ويضعه في وسط تلك الحزمة، ثمَّ يؤجِّج نارًا في تلك الحزمة حتَّى إذا حمي الفأس استخرجه من النار وبال على حرِّه، ويعرض الذكر للأبخرة المتصاعدة ليخرج الجنّي ويبطل السِّحر، ويبرأ بإذن الله ".
وتناولت المؤلّفة في الباب الثالث مسألة (فك السحر بالسحر)
ولذلك يعدّ هذا الباب الأهمَّ في البحث؛ لأنَّه الباب الذي من أجله حرّرت المؤلفة هذا الكتاب، حيث ردَّت المؤلفة على حجج واستدلالات مجيزي فكّ السِّحر عن المسحور بسحر مثله.
وقالت بعدم جواز فكِّ السحر عن المسحور بسحر مثله؛ لعموم أدلَّة التَّحريم:
أوَّلاً: نصوص الكتاب:
يقول تعالى: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 102]، {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] الخبائث: السحر، وهو أعْلى درجات الخبائث لما فيه من الكفر والشرك.
ثانيا: نصوص السنَّة
قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اجتنِبوا السَّبع الموبقات))، قالوا: يا رسول الله، ما هنَّ؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر...))، وقال: ((مَن أتى عرَّافًا أو ساحرًا أو كاهنًا يُؤمن بما يقول، فقد كفر بما أُنزل على محمَّد))، وقال النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ليس منَّا من تطيَّر أو تطيِّر له، أو تكهَّن أو تكهِّن له، أو سَحَر أو سُحِر له))، ولمَّا سُئِل النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن النشرة[1] قال: ((هي من عمل الشَّيطان))، وقال النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله لم يجعل شفاء أمَّتي فيما حرَّم عليها)).
وسئل ابن مسعود عن التَّداوي بشيء من المحرَّمات، فأجاب: "إنَّ الله لم يجعل شفاءَكم فيما حرَّم عليكم"، وقال ابن الجوزي: النشرة حلّ السحر عن المسحور، ولا يكاد يقدِر عليه إلاَّ مَن يعرف السحر.
وقال ابن القيم: "النُّشرة: حلّ السحر عن المسحور، وهي نوعان:
حلّ السحر بمثله والَّذي هو من عمل الشيطان
والثاني: بالرُّقية والتعوُّذات والأدوية المباحة؛ فهذا جائز".
ثالثا: بعض أقوال أهل العلم:
أجاز العُلماء حلَّ السحر عن المسحور بالقرآن؛ كالمعوّذتين، وآية الكرسي، الرُّقى الشرعيَّة والأدعية من الكتاب والسنَّة، أمَّا طلب الشِّفاء عن طريق حلّ السِّحر عن المسحور بسحر مثله فلا يجوز، ويحرم شرعًا؛ لأنَّه معاونة للسَّاحر، وإقرار له على عمله، وتقرُّب إلى الشيطان بأنواع القرب (ذبح شيء أو السجود له) ليبطل عمله عن المسحور، ولأنَّ السحر محرَّم في ذاته، وقال الله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157].
- ثمَّ فنَّدت المؤلفة حُجَج مجيزي فكّ السحر بالسحر، وردَّت عليها في ضوء الكتاب والسنَّة وقواعد الفقه وأصوله، وأظهرتْ عِلَل أدلتهم وضعفها.
ومن بعض استدلالاتهم وحججهم:
أولاً: يرى المجيزون أنَّ قول الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - لمَّا سئِل عن النشرة فقال: ((هي من عمل الشيطان))، وهذا القول لا يحمل دلالة على النَّهي عن النشْرة، بل فيه إشارة لأصلِها.
ويؤخذ عليهم في استِدْلالهم هذا أنَّ وصف "من عمل الشيطان" يُطلق في الشَّرع على المحرَّمات والكبائر، وهو علَّة تدلُّ على النَّهي، وإضافته إلى الشَّيطان تفيد التَّحريم، والسَّبب الَّذي دعا للنَّهي هو كونُها من عمل الشَّيطان، ولم يسبق أن سُمِّيت بها المباحات إطلاقًا.
ثانيًا: يتذرَّعون بسؤال عائشة للنَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن الذَّهاب للسحرة, فلم ينكر النَّبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - على عائشة، وهذا إقرار ودليل على الجواز.
ويؤخذ عليْهِم في استدلالهم هذا مأخذان:
الأوَّل: أنَّ المستقرَّ عند الأصوليين إذا اختلفت الرِّوايات أنَّ الجمع بينها أولى, وحملها جميعها على معنى واحد متوافق أوْلى، وحديث عائشة جاء بروايات متعدِّدة ظاهرها الاختلاف حول سؤال عائشة؛ فمن صعوبة حمل سؤال عائشة على معنى: لو أنَّك ذهبت للسحرة لفكّ سحرك؛ إذ كيف تطلب عائشة العوْن من السحرة واللجوء لهم, وهي تُدرك قول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة: 102]، وتدرك نَهي النَّبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((اجتنِبوا السبع الموبقات)).
الثَّاني: حتَّى وإن سلمنا أنَّ سؤال عائشة كان عن الذَّهاب للسَّحرة, وثبت إقرار النبي للنشرة، فهذا أيضًا لا يرجِّح الجواز؛ لوجود حديث آخَر للرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ينهى عن النشرة لما سُئِل عنها قال: ((هي من عمل الشيطان))، وكل منهما دليل خاصّ، وفي ذلك تعارض بين النصوص، ولا يمكن الجمع والتوفيق بيْنها، فعلينا التَّرجيح بينهما.
ومن قواعد الترجيح:
1- الفعل لا يقدَّم على القول؛ فمِن باب أولى أن لا يقدَّم الإقرار على القول.
2- أخْذ ما كان العمل به أحوط, وما لا يتعارض مع ما شهِد به القرآن والسنَّة والإجماع، والَّذي لا يتعارض مع ما عمل به الخلفاء، وثبت أنَّ عمر بن الخطَّاب قال: "اقتلوا كلَّ ساحر وساحرة".
3- إذا تعارض الدَّليلان قدّم دليل التَّحريم على الدَّليل الذي يقتضي الإباحة.
الثالث: الضَّرورات تبيح المحظورات
استنباطًا من قول الله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] وهذا احتِجاج فاسد لا اعتبار له؛ لأنَّ من شرط هذه القاعدة:
1- أن يكون المحْظور أقلَّ من الضَّرورة، فالسِّحْر كفر وشرك، فهو أعظم ضررًا، والسِّحر يُمكن علاجه بالأسباب المشْروعة، فلا اضطِرار لعلاجه بما هو كفر وشرك.
2- انتفاء البديل عدا الأخْذ بالمحظور, والمعلوم أنَّ البدائل موجودة وطرق علاج السِّحْر كثيرة.
فالتَّداوي بالسِّحْر هنا لا يعدُّ ضرورة، تستحلُّ بها المحرَّمات.
رابعًا: احتجاجهم بالقاعدة: (الأصل في المنافع الإذن، وفي المضارّ المنع)
والقاعدة مُقيَّدة وليست على الإطلاق، فالحكم على المضارّ والمنافع يكون بأدلَّة السَّمع لا بأدلَّة العقل؛ لأنَّ المنافع نسبيَّة يختلف اعتبارها من مجتهد لآخر، فاحتاجت لشرْعٍ إلهي يضبطها، والضَّابط هو قول الله تعالى: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} [البقرة: 102]، إنَّ الله نفى أن يكون في السِّحْر منفعة، بل هو ضرر محْض، ومفسدة عظمى للعقائد والنفوس، وقال تعالى: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69].
خامسًا:
يحتجّون بالقاعدة الفقهية (الأمور بمقاصدها):
رغم أنَّه لا يمكن الاعتِماد على القاعدة بذاتها في إصدار الأحكام دون أن يعضدها نصّ، لَم يوجد أحد من أهل العلم استدلَّ بهذه القاعدة لتسويغ المحرَّمات والكبائر، كما أنَّ من شروط صحَّة وسلامة النّيَّة: ألا يتنافى المنوي مع الشَّرع، فكيف يُنْوَى بالسِّحْر النَّفع ورفع الضَّرر، وقد نفى الشَّارع المنفعة مطلقًا من السحر؟!
سادسًا:
يستدلُّون بقول ابن المسيّب لمَّا سُئِل عن رجل به طبّ (سحر) أو يؤخذ عن امرأته، أيحلُّ عنه أو ينشر؟ قال: "لا بأْس؛ إنَّما يريدون به الإصلاح, فأمَّا ما ينفع فلم ينه عنه".
ويحملون كلام ابن المسيّب على جواز النَّشر عن المسحور بالسحر, والأولى أن يُحمل كلام ابن المسيّب على نوع من النشرة المباحة (الرقية الشرعية) الخالية من الشرك، لا يُعلم أنَّه سحر.
سابعًا:
أجاز بعْض العلماء الأجلاَّء من السَّلف مسألة فكّ السِّحْر بالسِّحْر، كالإمام أحمد، وابن الجوْزي، والإمام البخاري، وابن حجَر، والطَّبري، وابن بطَّال، والشَّعبي، وهذا مرود عليه؛ لأنَّ الأصل أن لا يقدَّم قول أحدٍ من البشَر على قول الله وقولِ الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم.
ثمَّ استدلَّت المؤلِّفة على عدم جواز فكِّ السحر بالسحر بأدلَّة، منها:
أ- المجيزون اجتهدوا فرأَوا أنَّ في النُّشرة السحريَّة علَّة التداوي فأباحوها لهذه العلَّة، والمانعون للنُّشرة السحريَّة يروْن أنَّ فيها علَّة اشتمالها على السِّحر من الأقوال والأفعال والاعتِقادات الكفرية، فالَّذي دعاهم إلى المنع هذه العلَّة، وإذا كانت إحدى العلَّتين تقتضي الحظر والأخرى تقتضي الإباحة، فالَّتي تقتضي الحظر أوْلى؛ لأنَّ الحظر أحوط، ولأنَّ في الإقدام على المحظور إثمًا، وليس في ترك المباح إثم.
ب- أنَّ القاعدة التي تحكم المتناولات كافَّة, كالأدوية والأطعمة.. إلخ تقول: "ما أبيح لصِفته حرم لسببه"، وقد نهى النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -عن الدَّواء الخبيث، رغم أنَّ الأصل في الأدوية الإباحة.
ج- القياس الصَّحيح: قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الرقى والتمائم والتولة شرك)).
التّوَلة: ضرب من السحر يُحَبِّب المرأَة إلى زوجها، فالزَّوجة استخدمت السحر هنا كوسيلة لجلب منفعة (القربة والألفة بين الزَّوجين)، ودفع مضرَّة (تفكُّك الأسرة)، إلاَّ أنَّ رسول الله حكم على التولة بالشِّرْك؛ لأنَّ الوسيلة المستخْدمة هي وسيلة كفريَّة بحدِّ ذاتِها.
والنشرة تُشبِهُ التولة، فكلاهما طلبٌ لأمر مشروع (النفع ورفْع الأذى) ولكن بطريقة غير مشروعة، محرَّمة هي السحر.
د- استنباط العلَّة الصحيحة التي من أجلها حُرِّمَ الذَّهاب للساحر وسؤاله؛ أي: العلَّة التي لا يزول المنع إلا بزوالها.
إنَّ علَّة النَّهي عن إتيان السَّاحر التي قصدها الشَّارع هي عدم الاستِعانة بأهل الكفر، وبأعمالهم الشركيَّة، التي يناسبها حكم الكفر؛ لأنَّ فكَّ السحر بالسحر يتطلَّب أمورًا توجب الكفر؛ كأن يقسم على الجنّ بحقّ أبالسة الشَّياطين وملوك الجن بأن يخرج، أو استِرضاء الجنّ بتقْديم القرابين من ذبح وزار, وإهانة المصحف وكتابة كلام الله بالنَّجاسات، أو قلب حروف كلام الله، وارتكاب الزِّنا واللواط، وشرب المسكرات، فإذا فعلوا ما ترْضاه الشَّياطين أعانتْهم على أغراضهم.
والَّذين يُجيزون الذَّهاب للسَّاحر في حال الضَّرورة للتَّداوي وحلّ السِّحر، معتقدين أنَّ علَّة المنع في الذَّهاب للسَّاحر هي قصد الإضرار, فبزوالها يزول المنع، ويجعل من النشرة أمرًا مباحًا، فهذا اعتقاد خاطئ؛ لأنَّ في النُّشرة السحْريَّة ما يستدعي بقاء الحكم، وهو فعل أو قول أو اعتقاد الكفْر.
الأضرار المترتِّبة على الاستِعانة بالسَّاحر لفكّ السِّحر:
التعلُّق بغير الله، وابتِعاد القلوب عن فطرها السوية وعقيدتها السَّليمة، ولقد قرن الله السِّحر بالشرك، ونفى أن يكون في السحر منفعة، بل هو ضرر محْض، ومفسدة عظمى للعقائد والنفوس، وفي الذهاب للسحرة مخالفة لأمر الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقتلهم، والاستِعانة بهم كفر وشرك، وتعاون على الإثم والعدوان.
ويترتَّب على الرضا بالاستعانة بالسَّاحر رضا بما يتولَّد منه بما يفعله السَّحرة من أفعال شركيَّة، وزيادة نفوذ السَّحرة في المجتمع، وزيادة الإيمان والتَّسليم بأقوالهم وقدراتهم، كما يترتَّب على كذِب السَّاحر تقطيع الأرْحام، كأن يقول: سحرَك أخوك، أو سحرتْك أختك، فيتبع ذلك نشر العداوة والبغضاء والانتِقام والحقد والنميمة، والظلم بين النَّاس.
[1] النشرة: هي ضرب من العلاج والرقية، يُعالج به من يظن أن به مسًّا من الجن، سُميت نشرة؛ لأنَّه ينشر بها عنه ما خامره من الداء؛ أي: يُكشف ويُزال.
كتبه / نجلاء بنت عبدالله الحربي
منقول عن شبكة الألوكة الاسلامية
http://www.qudamaa.com/vb/showthread...675#post508675
ملخص دراسة كشف المستور عن حكم فك السحر بسحر عن المسحور ( ملخص الأول )
http://www.qudamaa.com/vb/showthread.php?t=56865