وهذه استدلالاتهم وحججهم وما توصل إليه البحثُ في حقها
أولًا: يرد المجيزون قـول الرسول صلى الله عليه وسلم لما سأل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان) عن كونه يدل على نهي النبي عن النشرة، فيرون أن قولـه: (هي من عمل الشيطان) إشارة لأصلها ولا يـرون أن فيه أي أمر بالنهي عنها، وذكر الحافظ ابن حجر مثل ذلك في فتح الباري [58].
قال مصنف كتاب التوحيد شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى– في باب النشرة: عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن النشرة، فقال: (هي من عمل الشيطان)، رواه أحمد بسند جيد، وأبو داود وقال: سئل أحمد عنها فقال: ابن مسعود يكره هذا كله.
ويقول أهل العلم هو حديث صحيح، رجاله رجال الصحيحين، وقال أهل العلم: هذا محمول على ما إذا كانت خارجة عما في كتاب الله وسنة رسوله عليه السلام، وعن المداواة المعروفة. [59].
قال الشارح الشيخ حسن آل الشيخ رحمه الله تعالى: قوله: "سئل عن النشرة": الألف واللام في (النشرة) للعهد أي النشرة المعهودة التي كان أهل الجاهلية يصنعونها هي من عمل الشيطان".
ونرد عليهم من قواعد الأصول؛ فإن الألفاظ التي تتلقى منها الأحكام إما أن تأتي بصيغة الأمر أو بصيغة خبر يراد به الأمر فتستدعي الفعل، وإما أن تأتي بصيغة النهي أو بصيغة خبر يراد به النهي فتستدعي الترك[60]، فالرسول صلى الله عليه وسلم ليس في حديثه لفظ صريح بأمر أو نهي كقول: اجتنبوا أو دعوا.. وغيره من الألفاظ التصريحية. لكنه استعاض عنه بخبر جاء عوضًا عن التصريح ودل عليه.
قال: (هي من عمل الشيطان). وفي الشرع هذا وصف خاص للمحرمات دون المباحات، وهو علة تستدعي وتدل على النهي، وخبر ويراد به الترك في الأصل. ودليله أن أهل العلم يستنبطون من وصف أي أمر ما في النصوص بأنه من عمل الشيطان، أن الشارع يريد بذلك النهي عنه: مثاله قول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ﴾ [المائدة: 90]. استفاد أهل العلم التحريم في هذه الآية من وجوه؛ منها قوله تعالى: ﴿ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ﴾ [المائدة: 90]. يقول القرافي: "قال تعالى: ﴿ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ﴾ [المائدة: 90] فإضافته إلى الشيطان تفيد التحريم في عرف الشرع" ا.هـ [61]. وقال أبو بكر الرازي في أحكام القرآن: "قال تعالى: (من عمل الشيطان)؛ لأن مهما كان من عمل الشيطان حرم تناوله" [62]. يقول الطيبي: قوله تعالى﴿ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ﴾ [المائدة: 90]، وما هو من عمله حرام. [63].
فقال تعالى: ﴿ فَاجْتَنِبُوهُ ﴾ [المائدة: 90] والحكم المقرون بالفاء بعيد وصف يشعر بعليته كما في قواعد الأصول، فالأمور المذكورة في الآية قرنت بعلة واحدة مشتركة فيها اقتضت النهي عن الجميع، فالعلة المجتمعة هي في قوله تعالى: "رجس من عمل الشيطان".
وبدوران العلة يثبت حكم النهي في النشرة؛ لوجود العلة التي اقتضت تحريم كل ما ذكر في الآية السابقة. فالأمر الذي يوصف بعمل الشيطان أو بالرجس يكون حكمه النهي دائمًا؛ سواء نهي كراهة أو نهي تحريم بحسب الحال. وأيضًا من الأمثلة قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ﴾ [النور: 31]، يقول ابن جرير: "عن ابن عبـاس: وَلا يَضْرِبنَ بأرْجُلِهِنَّ، نهى الله سبحانه وتعالى عن ذلك لأنه من عمل الشيطان". فالسبب الذي كان من دواعي النهي ذكره لنا ابن عباس، وقول الصحابي حجه.. إذن "عمل الشيطان" كما يظهر هي علة استفاد منها العلماء النهي والترك... والرسول صلى الله عليه وسلم ينهانا في أحاديثه عن أمور ويصرح بالسبب: أنها من عمل الشيطان. وفي صحيح مسلم وعند الإمام أحمد رحمهما الله عن أَبي هريرة رضي الله عنه [64] قال: قال رسول الله: «المؤمن القوي خير وأحب إِلى الله من المؤمنِ الضعيف، وفِي كل خير، احرِص علَى ما ينفعك، واستعن بِالله، ولا تعجز، وإِن أصابك شيء فَلا تقل: لو أنِي فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قَدر الله وما شاء فَعل، فإِن لو تفتح عمل الشيطَانِ». وفي صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد عَنْ أنس رضي الله عنه [65] قَال: (لما فتح رسول اللّه خيبر، أصبنا حمرًا خارِجًا من القرية، فطَبخنا منها، فنادى منادي رسولِ الله: أَلا إِن الله ورسوله ينهيانكم عنها فإنها رِجس من عملِ الشيطَانِ، فأكفئت القدور بِما فيها، وإنها لتفور بِما فيها). السبب الذي دعا للنهي هو كونها من عمل الشيطان، وصرح بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحري بنا أن ننتهي بنهيه ونحرص على اجتناب كل ما كان كذلك، وورد في الأصل تحريمه وتواترت الأدلة على ذلك.
وكثير من المحرمات والكبائر في الشرع يطلق عليها هذه التسمية: "من عمل الشيطان"، ولم يسبق أن سميت بها المباحات إطلاقًا.
قال تعالى: ﴿ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ﴾ [القصص: 15، 16]، موسى عليه السلام قتل القبطي فندم وقال: هذا من عمل الشيطان - أي القتل العدوان المحرم - واستغفر الله وتاب إليه. ويقول أهل العلم إن التوبة تكون من كفر أو شرك أو معصية أو نفاق.
وبنو إسرائيل لما أراد السامري إغواءهم وصدهم عن توحيد الله أتاهم بالعجل ليعبدوه، يقول ابن كثير: "قالت فرقة من بني إسرائيل: هذا من عمل الشيطان - أي الشرك - وليس بربنا لا نؤمن به ولا نصدق".
وفي فتح الباري قال الحافظ: وثبت النهي عن الأكل بالشمال وأنه من عمل الشيطان، من حديث ابن عمر ومن حديث جابر عند مسلم.
فالأمثلة الشرعية السابقة هي برهان على بطلان حجتهم ودليل على دحض شبهتهم وردها عليهم. وهي إثبات لعكس ما يقولون. فمن الخطأ أن يقال: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم عن النشرة: "هي من عمل الشيطان" لا يحمل دلالة على النهي عن النشرة، مع أنها قرنت فيه بهذه الصفة المقتضية للنهي..!! فـ"منهج الشريعة" هو الذي أكد استدعاء النهي؛ لأن عمل الشيطان عمل حقير خبيث يحمل عليه هو؛ فيزين القبيح، ويغوي الخلق به، ويضلل به العباد عن الحق وعن الصراط السوي، وعمله من الأعمال التي تسخط الله ولا ترضيه، وليست هي من الأعمال التي يرتضيها الله لصفوة عباده المسلمين. قال عز وجل: ( وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) [البقرة: 168]، وقال تعالى ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ) [فاطر: 6]، يقول المفسرون: أي لا تتبعوا طرائقه ومسالكه التي أضل بها أتباعه.
ثم إن النهي يحمل على التحريم لا الكراهة، وليس في النص إشارة كافية للحمل سواء على التحريم أو الكراهة، ولكن أدلة السحر العامة في حكمه وحكم فاعله وحكم طالبه ترجح حمل هذا النهي على التحريم لورود الزجر والعقاب وترتب الإثم الكبير على ذلك، ومنها. قوله تعالى: ( وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ) [البقرة: 102]، أي من استبدل دينه بالسحر فإنه لا نصيب له، وعد الرسول صلى الله عليه وسلم السحر عامة من الموبقات المهلكات في الحديث الذي أخرجه البخاري، وقال: (ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له).
والأدلة في هذا المعنى كثيرة، ويستفاد منها التحريم لا الكراهة، والنصوص القرآنية تبين أن السحر كفر والساحر كافر، وتنهى عن طلب السحر واستبداله بالدين؛ فالنصوص عامة أو قد تكون مجملة، وإن كانت مجملة فهي تحتاج لما يبينها، وفي السنة ما يبينها؛ فالنشرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها: (هي من عمل الشيطان)، وبين الرسول أن إتيان الساحر كفر بما أنزل الله وهو القرآن، وهذا عام؛ سواء كان الإتيان لتعلم السحر، أو كان لسؤال الساحر عن المغيبات، أو لعمل السحر للآخرين، أو كان للنشرة، كما دلت النصوص، والتفريق بين ما جمع بينه النص بغير قرينة صحيحة لا يجوز.
ثم إن الرسول صلى اله عليه وسلم لم يصدر هنا حكمًا جديدًا أو وصفًا خاصًّا بالنشرة؛ لأن السحر أخبر الله عنه أنه من عمل الشيطان بدلالة قوله تعالى: ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ) [البقرة: 102]، قال ابن باز رحمه الله: "هنا في هذه الآية تحذير من تعلم السحر وتعليمه؛ لأنه من عمل الشيطان، َولأنه كفر ينافي الإيمان" ا.هـ.
فالذي يخلص إليه بعد النظر في الأدلة والقرائن، وبعد التتبع لهذه العبارة في أحكام القرآن والسنة، بيان أن وصف النشرة بأنها من عمل الشيطان كان كافيًا لنعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أراد فيها التحريم؛ لأنه ألصقها بوصفٍ مقتضٍ للنهي في الشرع دائمًا، ولا يدل على الإباحة... فما زعموه مغاير لمقتضى الكتاب والسنة.
يقول بعض المجيزين: [66] "أخذ البعض يستدلون بما لا دليل فيه، ويخلطون بين الساحر والكاهن، ويستدلون بقوله: (من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)، والكاهن والعراف هما اللذان يخبران بالغيب المستقبل الذي لا يعرفه إلا الله، ولهذا فإن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عقد بابًا فيما جاء في الكهان ونحوهم، ثم عقد بابًا آخر فقال: "باب ما جاء في النشرة"، مما يدل على التفريق".
قال الإمام أحمد: "العرافة طرف من السحر، والساحر أخبث؛ لأن السحر شعبة من الكفر. والساحر والكاهن حكمهما القتل أو الحبس حتى يتوبا؛ لأنهما يلبسان أمرهما" ا.هـ [67]، والكاهن هو من يخبر بواسطة النجم عن المغيبات في المستقبل [68]. وما يقوم به العراف والكاهن من ادعاء علم الغيب يُعدُ من السحر بدلالة أن التنجيم ادعاء لعلم الغيب ودجل وكذب، وعده الرسول أيضًا من السحر؛ فعن العباس رضي الله عنهما قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد"، رواه أبو داود وإسناده صحيح،. فكل من ادعى علم الغيب فهو داخل في مسمى الساحر كما ثبت بالنص،،،، وكل حكم يلحق بالكاهن والعراف فالساحر أولى به لأن الساحر كاهن وزيادة. فزيادة على ادعائه لعلم الغيب هو يعقد وينفث.
ثم إن العلامة الألباني -رحمه الله تعالى- صحح الحديث برواية أخرى: (من أتى عرافًا أو ساحرًا أو كاهنًا يؤمن بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)، وحديث آخر على هذا المعنى: (ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له)، فيبطل احتجاجهم من غير ريب ولا شك. وقال الشيخ حفظه الله أيضًا: "الذين يأمرون الناس بالاقتصار على الرقية يخالفون ما فعله من استخراج السحر وحله".
إن الرسول صلى الله عليه وسلم استخرجه بالوحي، ولم يستخرجه بالسحر والشعوذة، وحاشاه من ذلك، وإن من أنجح الأدوية الوصول إلى مكان السحر وإتلافه وإبطاله، لكن لا يباح إن كان ذلك بالسحر الذي حرمه الله في كتابه وعلى لسان نبيه، وعده من الموبقات المهلكة لما فيه من الأمور الموغلة في الكفر والشرك..
قال الشيخ أيضًا: "يُستدلُ بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التداوي بالحرام. فإن حل السحر ليس من تعاطي الأدوية المحرمة المأكولة والمشروبة، فالحديث هو في التداوي بأكل الطعام المحرم أو شرب ما هو محرم؛ كالخمر ولو على سبيل التداوي، أما السحر فهو بحل عقد وإتلاف ما وضع فيه السحر واستخراجه كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم".
إن لفظ التداوي الوارد في الحديث الشريف لفظ عام لا يسوغ تخصيصه بالدواء المأكول والمشروب؛ لأن المفهوم الظاهر للحديث هو عموم الدواء، والأدوية متنوعة الهيئة والأساليب ليست فقط مأكولة أو مشروبه؛ فمنها ما هو على هيئة البخور، ومنها ما يكون عن طريق الرقى أو الحجامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِه الْحِجَامَة)، رواه الترمذي، أو الكي أو التدليك أو الاستفراغ، أو حرق الحصير كما ثبت ذلك بفعل فاطمة رضي الله عنها، أو الحمية أو الاغتسال بالسدر وغيره من الأعشاب، وكذلك حل العقد وإتلافها فهي من الأساليب الناجحة في دواء المسحور.
ثم إنه لا أحد يستطيع أن ينكر أن حل عقد وإتلاف ما وضع فيه السحر واستخراجه كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم هو من أسباب الشفاء وإزالة البأس. والرسول صلى الله عليه وسلم قيد أسباب الشفاء فقال: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم)، أخرجه البخاري في صحيحه. فطلب الشفاء عن طريق السحر محرم؛ لأن السحر محرم في ذاته، ولأن الله سبحانه وتعالى لم يجعل في محرم شفاء، وقال الله تعالى: ﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [سورة الأعراف: 157]، وهذا عام في تحريم كل ما هو خبيث، ويشمل التداوي بالسحر.
ثانيا: يتذرعون بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم النشرة، وحجتهم في ذلك ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: «مَكثَ النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا يُخيَّلُ إليه أنه يأتي أهلَه ولا يأتي. قالت عائشة: فقال لي ذات يوم: يا عائشة، إن الله تعالى أفتاني في أمر استفتيته فيه؛ أتاني رجُلان فجلسَ أحدُهما عندَ رجلَيَّ والآخرُ عندَ رأسي، فقال الذي عندَ رِجليَّ للذي عندَ رأسي: ما بالُ الرجُل؟ قال: مَطبوب -يعني مسحورًا- قال: ومَن طبَّه؟ قال: لَبيدُ بنُ أعصَم قال: وفيمَ؟ قال: في جُفِّ طلعةٍ ذَكر في مشطٍ ومُشاطة تحتَ رَعوفةٍ في بئرِ ذَروانَ. فجاءَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: هذهِ البئرُ التي أُرِيتها، كأَنَّ رُؤوس نخلِها رؤوس الشياطين، وكأنَّ ماءَها نقاعةُ الحنّاء. فأمرَ به النبي صلى الله عليه وسلم فأُخرجَ. قالت عائشة: فقلتُ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهلا، تَعني تَنشرْتَ؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أمّا الله فقد شفاني، وأما أَنا فأكرَهُ أن أثيرَ على الناسِ شرًّا. قالت: ولَبِيدُ بن أعصَم رجل من بني زُرَيق، حَليفٌ ليهود».
يقول الشعبي: إن في ذلك دلالة على جواز النشرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الإنكار على عائشة، وهذا دليل على الجواز.
أولًا: يرد المجيزون قـول الرسول صلى الله عليه وسلم لما سأل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان) عن كونه يدل على نهي النبي عن النشرة، فيرون أن قولـه: (هي من عمل الشيطان) إشارة لأصلها ولا يـرون أن فيه أي أمر بالنهي عنها، وذكر الحافظ ابن حجر مثل ذلك في فتح الباري [58].
قال مصنف كتاب التوحيد شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى– في باب النشرة: عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن النشرة، فقال: (هي من عمل الشيطان)، رواه أحمد بسند جيد، وأبو داود وقال: سئل أحمد عنها فقال: ابن مسعود يكره هذا كله.
ويقول أهل العلم هو حديث صحيح، رجاله رجال الصحيحين، وقال أهل العلم: هذا محمول على ما إذا كانت خارجة عما في كتاب الله وسنة رسوله عليه السلام، وعن المداواة المعروفة. [59].
قال الشارح الشيخ حسن آل الشيخ رحمه الله تعالى: قوله: "سئل عن النشرة": الألف واللام في (النشرة) للعهد أي النشرة المعهودة التي كان أهل الجاهلية يصنعونها هي من عمل الشيطان".
ونرد عليهم من قواعد الأصول؛ فإن الألفاظ التي تتلقى منها الأحكام إما أن تأتي بصيغة الأمر أو بصيغة خبر يراد به الأمر فتستدعي الفعل، وإما أن تأتي بصيغة النهي أو بصيغة خبر يراد به النهي فتستدعي الترك[60]، فالرسول صلى الله عليه وسلم ليس في حديثه لفظ صريح بأمر أو نهي كقول: اجتنبوا أو دعوا.. وغيره من الألفاظ التصريحية. لكنه استعاض عنه بخبر جاء عوضًا عن التصريح ودل عليه.
قال: (هي من عمل الشيطان). وفي الشرع هذا وصف خاص للمحرمات دون المباحات، وهو علة تستدعي وتدل على النهي، وخبر ويراد به الترك في الأصل. ودليله أن أهل العلم يستنبطون من وصف أي أمر ما في النصوص بأنه من عمل الشيطان، أن الشارع يريد بذلك النهي عنه: مثاله قول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ﴾ [المائدة: 90]. استفاد أهل العلم التحريم في هذه الآية من وجوه؛ منها قوله تعالى: ﴿ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ﴾ [المائدة: 90]. يقول القرافي: "قال تعالى: ﴿ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ﴾ [المائدة: 90] فإضافته إلى الشيطان تفيد التحريم في عرف الشرع" ا.هـ [61]. وقال أبو بكر الرازي في أحكام القرآن: "قال تعالى: (من عمل الشيطان)؛ لأن مهما كان من عمل الشيطان حرم تناوله" [62]. يقول الطيبي: قوله تعالى﴿ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ﴾ [المائدة: 90]، وما هو من عمله حرام. [63].
فقال تعالى: ﴿ فَاجْتَنِبُوهُ ﴾ [المائدة: 90] والحكم المقرون بالفاء بعيد وصف يشعر بعليته كما في قواعد الأصول، فالأمور المذكورة في الآية قرنت بعلة واحدة مشتركة فيها اقتضت النهي عن الجميع، فالعلة المجتمعة هي في قوله تعالى: "رجس من عمل الشيطان".
وبدوران العلة يثبت حكم النهي في النشرة؛ لوجود العلة التي اقتضت تحريم كل ما ذكر في الآية السابقة. فالأمر الذي يوصف بعمل الشيطان أو بالرجس يكون حكمه النهي دائمًا؛ سواء نهي كراهة أو نهي تحريم بحسب الحال. وأيضًا من الأمثلة قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ﴾ [النور: 31]، يقول ابن جرير: "عن ابن عبـاس: وَلا يَضْرِبنَ بأرْجُلِهِنَّ، نهى الله سبحانه وتعالى عن ذلك لأنه من عمل الشيطان". فالسبب الذي كان من دواعي النهي ذكره لنا ابن عباس، وقول الصحابي حجه.. إذن "عمل الشيطان" كما يظهر هي علة استفاد منها العلماء النهي والترك... والرسول صلى الله عليه وسلم ينهانا في أحاديثه عن أمور ويصرح بالسبب: أنها من عمل الشيطان. وفي صحيح مسلم وعند الإمام أحمد رحمهما الله عن أَبي هريرة رضي الله عنه [64] قال: قال رسول الله: «المؤمن القوي خير وأحب إِلى الله من المؤمنِ الضعيف، وفِي كل خير، احرِص علَى ما ينفعك، واستعن بِالله، ولا تعجز، وإِن أصابك شيء فَلا تقل: لو أنِي فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قَدر الله وما شاء فَعل، فإِن لو تفتح عمل الشيطَانِ». وفي صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد عَنْ أنس رضي الله عنه [65] قَال: (لما فتح رسول اللّه خيبر، أصبنا حمرًا خارِجًا من القرية، فطَبخنا منها، فنادى منادي رسولِ الله: أَلا إِن الله ورسوله ينهيانكم عنها فإنها رِجس من عملِ الشيطَانِ، فأكفئت القدور بِما فيها، وإنها لتفور بِما فيها). السبب الذي دعا للنهي هو كونها من عمل الشيطان، وصرح بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحري بنا أن ننتهي بنهيه ونحرص على اجتناب كل ما كان كذلك، وورد في الأصل تحريمه وتواترت الأدلة على ذلك.
وكثير من المحرمات والكبائر في الشرع يطلق عليها هذه التسمية: "من عمل الشيطان"، ولم يسبق أن سميت بها المباحات إطلاقًا.
قال تعالى: ﴿ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ﴾ [القصص: 15، 16]، موسى عليه السلام قتل القبطي فندم وقال: هذا من عمل الشيطان - أي القتل العدوان المحرم - واستغفر الله وتاب إليه. ويقول أهل العلم إن التوبة تكون من كفر أو شرك أو معصية أو نفاق.
وبنو إسرائيل لما أراد السامري إغواءهم وصدهم عن توحيد الله أتاهم بالعجل ليعبدوه، يقول ابن كثير: "قالت فرقة من بني إسرائيل: هذا من عمل الشيطان - أي الشرك - وليس بربنا لا نؤمن به ولا نصدق".
وفي فتح الباري قال الحافظ: وثبت النهي عن الأكل بالشمال وأنه من عمل الشيطان، من حديث ابن عمر ومن حديث جابر عند مسلم.
فالأمثلة الشرعية السابقة هي برهان على بطلان حجتهم ودليل على دحض شبهتهم وردها عليهم. وهي إثبات لعكس ما يقولون. فمن الخطأ أن يقال: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم عن النشرة: "هي من عمل الشيطان" لا يحمل دلالة على النهي عن النشرة، مع أنها قرنت فيه بهذه الصفة المقتضية للنهي..!! فـ"منهج الشريعة" هو الذي أكد استدعاء النهي؛ لأن عمل الشيطان عمل حقير خبيث يحمل عليه هو؛ فيزين القبيح، ويغوي الخلق به، ويضلل به العباد عن الحق وعن الصراط السوي، وعمله من الأعمال التي تسخط الله ولا ترضيه، وليست هي من الأعمال التي يرتضيها الله لصفوة عباده المسلمين. قال عز وجل: ( وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) [البقرة: 168]، وقال تعالى ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ) [فاطر: 6]، يقول المفسرون: أي لا تتبعوا طرائقه ومسالكه التي أضل بها أتباعه.
ثم إن النهي يحمل على التحريم لا الكراهة، وليس في النص إشارة كافية للحمل سواء على التحريم أو الكراهة، ولكن أدلة السحر العامة في حكمه وحكم فاعله وحكم طالبه ترجح حمل هذا النهي على التحريم لورود الزجر والعقاب وترتب الإثم الكبير على ذلك، ومنها. قوله تعالى: ( وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ) [البقرة: 102]، أي من استبدل دينه بالسحر فإنه لا نصيب له، وعد الرسول صلى الله عليه وسلم السحر عامة من الموبقات المهلكات في الحديث الذي أخرجه البخاري، وقال: (ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له).
والأدلة في هذا المعنى كثيرة، ويستفاد منها التحريم لا الكراهة، والنصوص القرآنية تبين أن السحر كفر والساحر كافر، وتنهى عن طلب السحر واستبداله بالدين؛ فالنصوص عامة أو قد تكون مجملة، وإن كانت مجملة فهي تحتاج لما يبينها، وفي السنة ما يبينها؛ فالنشرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها: (هي من عمل الشيطان)، وبين الرسول أن إتيان الساحر كفر بما أنزل الله وهو القرآن، وهذا عام؛ سواء كان الإتيان لتعلم السحر، أو كان لسؤال الساحر عن المغيبات، أو لعمل السحر للآخرين، أو كان للنشرة، كما دلت النصوص، والتفريق بين ما جمع بينه النص بغير قرينة صحيحة لا يجوز.
ثم إن الرسول صلى اله عليه وسلم لم يصدر هنا حكمًا جديدًا أو وصفًا خاصًّا بالنشرة؛ لأن السحر أخبر الله عنه أنه من عمل الشيطان بدلالة قوله تعالى: ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ) [البقرة: 102]، قال ابن باز رحمه الله: "هنا في هذه الآية تحذير من تعلم السحر وتعليمه؛ لأنه من عمل الشيطان، َولأنه كفر ينافي الإيمان" ا.هـ.
فالذي يخلص إليه بعد النظر في الأدلة والقرائن، وبعد التتبع لهذه العبارة في أحكام القرآن والسنة، بيان أن وصف النشرة بأنها من عمل الشيطان كان كافيًا لنعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أراد فيها التحريم؛ لأنه ألصقها بوصفٍ مقتضٍ للنهي في الشرع دائمًا، ولا يدل على الإباحة... فما زعموه مغاير لمقتضى الكتاب والسنة.
يقول بعض المجيزين: [66] "أخذ البعض يستدلون بما لا دليل فيه، ويخلطون بين الساحر والكاهن، ويستدلون بقوله: (من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)، والكاهن والعراف هما اللذان يخبران بالغيب المستقبل الذي لا يعرفه إلا الله، ولهذا فإن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عقد بابًا فيما جاء في الكهان ونحوهم، ثم عقد بابًا آخر فقال: "باب ما جاء في النشرة"، مما يدل على التفريق".
قال الإمام أحمد: "العرافة طرف من السحر، والساحر أخبث؛ لأن السحر شعبة من الكفر. والساحر والكاهن حكمهما القتل أو الحبس حتى يتوبا؛ لأنهما يلبسان أمرهما" ا.هـ [67]، والكاهن هو من يخبر بواسطة النجم عن المغيبات في المستقبل [68]. وما يقوم به العراف والكاهن من ادعاء علم الغيب يُعدُ من السحر بدلالة أن التنجيم ادعاء لعلم الغيب ودجل وكذب، وعده الرسول أيضًا من السحر؛ فعن العباس رضي الله عنهما قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد"، رواه أبو داود وإسناده صحيح،. فكل من ادعى علم الغيب فهو داخل في مسمى الساحر كما ثبت بالنص،،،، وكل حكم يلحق بالكاهن والعراف فالساحر أولى به لأن الساحر كاهن وزيادة. فزيادة على ادعائه لعلم الغيب هو يعقد وينفث.
ثم إن العلامة الألباني -رحمه الله تعالى- صحح الحديث برواية أخرى: (من أتى عرافًا أو ساحرًا أو كاهنًا يؤمن بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)، وحديث آخر على هذا المعنى: (ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له)، فيبطل احتجاجهم من غير ريب ولا شك. وقال الشيخ حفظه الله أيضًا: "الذين يأمرون الناس بالاقتصار على الرقية يخالفون ما فعله من استخراج السحر وحله".
إن الرسول صلى الله عليه وسلم استخرجه بالوحي، ولم يستخرجه بالسحر والشعوذة، وحاشاه من ذلك، وإن من أنجح الأدوية الوصول إلى مكان السحر وإتلافه وإبطاله، لكن لا يباح إن كان ذلك بالسحر الذي حرمه الله في كتابه وعلى لسان نبيه، وعده من الموبقات المهلكة لما فيه من الأمور الموغلة في الكفر والشرك..
قال الشيخ أيضًا: "يُستدلُ بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التداوي بالحرام. فإن حل السحر ليس من تعاطي الأدوية المحرمة المأكولة والمشروبة، فالحديث هو في التداوي بأكل الطعام المحرم أو شرب ما هو محرم؛ كالخمر ولو على سبيل التداوي، أما السحر فهو بحل عقد وإتلاف ما وضع فيه السحر واستخراجه كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم".
إن لفظ التداوي الوارد في الحديث الشريف لفظ عام لا يسوغ تخصيصه بالدواء المأكول والمشروب؛ لأن المفهوم الظاهر للحديث هو عموم الدواء، والأدوية متنوعة الهيئة والأساليب ليست فقط مأكولة أو مشروبه؛ فمنها ما هو على هيئة البخور، ومنها ما يكون عن طريق الرقى أو الحجامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِه الْحِجَامَة)، رواه الترمذي، أو الكي أو التدليك أو الاستفراغ، أو حرق الحصير كما ثبت ذلك بفعل فاطمة رضي الله عنها، أو الحمية أو الاغتسال بالسدر وغيره من الأعشاب، وكذلك حل العقد وإتلافها فهي من الأساليب الناجحة في دواء المسحور.
ثم إنه لا أحد يستطيع أن ينكر أن حل عقد وإتلاف ما وضع فيه السحر واستخراجه كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم هو من أسباب الشفاء وإزالة البأس. والرسول صلى الله عليه وسلم قيد أسباب الشفاء فقال: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم)، أخرجه البخاري في صحيحه. فطلب الشفاء عن طريق السحر محرم؛ لأن السحر محرم في ذاته، ولأن الله سبحانه وتعالى لم يجعل في محرم شفاء، وقال الله تعالى: ﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [سورة الأعراف: 157]، وهذا عام في تحريم كل ما هو خبيث، ويشمل التداوي بالسحر.
ثانيا: يتذرعون بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم النشرة، وحجتهم في ذلك ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: «مَكثَ النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا يُخيَّلُ إليه أنه يأتي أهلَه ولا يأتي. قالت عائشة: فقال لي ذات يوم: يا عائشة، إن الله تعالى أفتاني في أمر استفتيته فيه؛ أتاني رجُلان فجلسَ أحدُهما عندَ رجلَيَّ والآخرُ عندَ رأسي، فقال الذي عندَ رِجليَّ للذي عندَ رأسي: ما بالُ الرجُل؟ قال: مَطبوب -يعني مسحورًا- قال: ومَن طبَّه؟ قال: لَبيدُ بنُ أعصَم قال: وفيمَ؟ قال: في جُفِّ طلعةٍ ذَكر في مشطٍ ومُشاطة تحتَ رَعوفةٍ في بئرِ ذَروانَ. فجاءَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: هذهِ البئرُ التي أُرِيتها، كأَنَّ رُؤوس نخلِها رؤوس الشياطين، وكأنَّ ماءَها نقاعةُ الحنّاء. فأمرَ به النبي صلى الله عليه وسلم فأُخرجَ. قالت عائشة: فقلتُ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهلا، تَعني تَنشرْتَ؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أمّا الله فقد شفاني، وأما أَنا فأكرَهُ أن أثيرَ على الناسِ شرًّا. قالت: ولَبِيدُ بن أعصَم رجل من بني زُرَيق، حَليفٌ ليهود».
يقول الشعبي: إن في ذلك دلالة على جواز النشرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الإنكار على عائشة، وهذا دليل على الجواز.
تعليق