كشف المستور عن حكم فك السحر بسحر عن المسحور
المقدمة: إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا. صَلِّ اللهم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
( يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) [آل عمران: 102]. (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَآءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسآءَلُونَ بِهِ والأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) [النساء: 1]. ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 71 - 72].
أما بعد: اعلم رحمك الله أن العبد في دنياه تعترضه الابتلاءاتُ؛ اختبارًا من الله وامتحانًا، فتواجهه فتنٌ من شهوات وشبهات، أو تلم به الآلام من أمراض وأحزان، ليمحص أهل التقوى والإيمان، فيغتنم ذلك الشيطانُ، ويتسلط على العبد إن وافق ووجد ضعف أثر الدين في نفسه، فيوسوس له بتتبع الرخص، ويصورها له وكأنها بر الأمان، ويزين له الفتاوى الشاذة التي ليس عليها من الله برهان، لكن من كان قلبه مشربًا الإيمان، منقادًا لرب الأنام بجميل العرفان، مذعنًا لحكم الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، وَقّافًا عند حدودهما، عارفًا بالحلال والحرام، منقادًا للإسلام غير مضطرب الجنان، فإنه يظل جبلا شامخًا ولا تهتز له أركان، وتجده صابرًا على ابتلاء الله معالجًا نفسه بجميل التوكل وعظيم الرجاء، ومحتسبًا ما ألم به عند الله الكريم المنان، لا يرجو من الخلق نفعًا، ولا يخشى منهم ضرًّا، فتعلقه بالله ورجاؤه له هو سلوة القلب له وبهجة الخاطر والأمل الذي لا ينقطع ما دام الزمان، أَيْسًا بما عند الناس؛ لا يسأل فلانًا ولا فلانًا، ولسان حاله يقول:
يا من ألوذُ به فيما أؤملُه ** ومن أعوذُ به مما أحاذرُه
لا يجبرُ الناسُ عظمًا أنت كاسرُه ** ولا يَهِيضون عظمًا أنت جابرُه
وبعد: قال تعالى( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا ) [النساء: 31]، فتبين أن السلامة من الكبائر من مهمات الدين. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)، قال أبو بكر السيوطي على الحديث: ومن ثم سومح في ترك بعض الواجبات بأدنى مشقة، ولم يسامح في الإقدام على المنهيات وخصوصًا الكبائر.
ويقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني" [رواه البخاري ومسلم وغيرهما].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله والسحر...)، رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
والسحر من كبائر الذنوب، وقد قرنه الله عز وجل بالشرك؛ قال تعالى ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ) [النساء: 50-51]، ومعنى الجبت أي السحر، وإن مسألة التداوي بالسحر أو ما يسـمـى بالنشرة الممنوعة مسألة قابلها صفوةُ علماء السلف والخلف بالإنكار بناء على الدليل. في حين تتردد الآن في الأوساط الاجتماعية فتوى شاذة، يفرح بها متصيدو الفتاوى ومتتبعو الرخص، رجح فيها صاحبها جواز التداوي بالسحر للمسحور، وذلك بناء على توهمات واستنباطات عقلية معارضة للدين، واعتمادًا على عبارات من أقوال السلف بعضها ثابت وبعضها يحتمل أكثر من معنى.
وحجج المجيزين قديمًا وحديثًا قد استوقفتني، وحرت في الجواب عنها في بادئ الأمر، لكن اتضح بالبرهان بعد البحث أن الاحتجاج بها باطل، وردها متيسر لأدنى من يطلب العلم، بل إنه لا يستساغ طرحها من بعضهم لمكانته العلمية، فلا يخفى على ذوي العلم والعقل الرشيد بطلانُ استدلالاتهم وعدم نهوضها لإثبات الإذن، مع وفرة الأدلة التي تدحض هذه الفكرة نقلا وعقلا وتقتلعها من جذورها؛ لأن الضابط -والحمد لله- واضح، وخطوط الحرام وعلاماته بارزة لكل متبصر في أحكام الدين... إن السحر حرام بالإجماع، بل هو من الكبائر والمهلكات التي تردي صاحبها في النار إن لم يتب.
فالنشرة السحرية باطلة لعلة ملازمة لها، وهي السحر الذي هو وسيلة كفرية ممنوعة في الشرع؛ قال الحنابلة: إن عاد النهي لوصف ملازم فإنه باطل. والحكم العام في السحر وإتيان السحرة الذي ثبت بالنصوص العامة الشرعية باقٍ على عمومه لانتفاء القرينة الصحيحة الثابتة التي تنقله عن العموم...
فهذا بحث دونت فيه جُملة مآخذي على مجيزي النشرة السحرية، بعد حصر حججهم واستدلالاتهم والبحث في صحتها، وإن كنت لستُ أهلا لذلك، ولا ممن ينتصب لهذه المهام... ولله الحمد ربي الذي شرح صدري لذلك، لا سيما وأني قد شغلت بهذه الفتوى التي أراها تمس العقيدة وأدت لتساهل الناس في الذهاب للسحرة واللجوء إليهم.. فإن أصبت الحق فمن الله وحده له الحمد والفضل أولا وآخرًا، والخطأ أعزوه لنفسي والشيطان.
المقدمة: إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا. صَلِّ اللهم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
( يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) [آل عمران: 102]. (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَآءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسآءَلُونَ بِهِ والأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) [النساء: 1]. ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 71 - 72].
أما بعد: اعلم رحمك الله أن العبد في دنياه تعترضه الابتلاءاتُ؛ اختبارًا من الله وامتحانًا، فتواجهه فتنٌ من شهوات وشبهات، أو تلم به الآلام من أمراض وأحزان، ليمحص أهل التقوى والإيمان، فيغتنم ذلك الشيطانُ، ويتسلط على العبد إن وافق ووجد ضعف أثر الدين في نفسه، فيوسوس له بتتبع الرخص، ويصورها له وكأنها بر الأمان، ويزين له الفتاوى الشاذة التي ليس عليها من الله برهان، لكن من كان قلبه مشربًا الإيمان، منقادًا لرب الأنام بجميل العرفان، مذعنًا لحكم الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، وَقّافًا عند حدودهما، عارفًا بالحلال والحرام، منقادًا للإسلام غير مضطرب الجنان، فإنه يظل جبلا شامخًا ولا تهتز له أركان، وتجده صابرًا على ابتلاء الله معالجًا نفسه بجميل التوكل وعظيم الرجاء، ومحتسبًا ما ألم به عند الله الكريم المنان، لا يرجو من الخلق نفعًا، ولا يخشى منهم ضرًّا، فتعلقه بالله ورجاؤه له هو سلوة القلب له وبهجة الخاطر والأمل الذي لا ينقطع ما دام الزمان، أَيْسًا بما عند الناس؛ لا يسأل فلانًا ولا فلانًا، ولسان حاله يقول:
يا من ألوذُ به فيما أؤملُه ** ومن أعوذُ به مما أحاذرُه
لا يجبرُ الناسُ عظمًا أنت كاسرُه ** ولا يَهِيضون عظمًا أنت جابرُه
وبعد: قال تعالى( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا ) [النساء: 31]، فتبين أن السلامة من الكبائر من مهمات الدين. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)، قال أبو بكر السيوطي على الحديث: ومن ثم سومح في ترك بعض الواجبات بأدنى مشقة، ولم يسامح في الإقدام على المنهيات وخصوصًا الكبائر.
ويقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني" [رواه البخاري ومسلم وغيرهما].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله والسحر...)، رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
والسحر من كبائر الذنوب، وقد قرنه الله عز وجل بالشرك؛ قال تعالى ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ) [النساء: 50-51]، ومعنى الجبت أي السحر، وإن مسألة التداوي بالسحر أو ما يسـمـى بالنشرة الممنوعة مسألة قابلها صفوةُ علماء السلف والخلف بالإنكار بناء على الدليل. في حين تتردد الآن في الأوساط الاجتماعية فتوى شاذة، يفرح بها متصيدو الفتاوى ومتتبعو الرخص، رجح فيها صاحبها جواز التداوي بالسحر للمسحور، وذلك بناء على توهمات واستنباطات عقلية معارضة للدين، واعتمادًا على عبارات من أقوال السلف بعضها ثابت وبعضها يحتمل أكثر من معنى.
وحجج المجيزين قديمًا وحديثًا قد استوقفتني، وحرت في الجواب عنها في بادئ الأمر، لكن اتضح بالبرهان بعد البحث أن الاحتجاج بها باطل، وردها متيسر لأدنى من يطلب العلم، بل إنه لا يستساغ طرحها من بعضهم لمكانته العلمية، فلا يخفى على ذوي العلم والعقل الرشيد بطلانُ استدلالاتهم وعدم نهوضها لإثبات الإذن، مع وفرة الأدلة التي تدحض هذه الفكرة نقلا وعقلا وتقتلعها من جذورها؛ لأن الضابط -والحمد لله- واضح، وخطوط الحرام وعلاماته بارزة لكل متبصر في أحكام الدين... إن السحر حرام بالإجماع، بل هو من الكبائر والمهلكات التي تردي صاحبها في النار إن لم يتب.
فالنشرة السحرية باطلة لعلة ملازمة لها، وهي السحر الذي هو وسيلة كفرية ممنوعة في الشرع؛ قال الحنابلة: إن عاد النهي لوصف ملازم فإنه باطل. والحكم العام في السحر وإتيان السحرة الذي ثبت بالنصوص العامة الشرعية باقٍ على عمومه لانتفاء القرينة الصحيحة الثابتة التي تنقله عن العموم...
فهذا بحث دونت فيه جُملة مآخذي على مجيزي النشرة السحرية، بعد حصر حججهم واستدلالاتهم والبحث في صحتها، وإن كنت لستُ أهلا لذلك، ولا ممن ينتصب لهذه المهام... ولله الحمد ربي الذي شرح صدري لذلك، لا سيما وأني قد شغلت بهذه الفتوى التي أراها تمس العقيدة وأدت لتساهل الناس في الذهاب للسحرة واللجوء إليهم.. فإن أصبت الحق فمن الله وحده له الحمد والفضل أولا وآخرًا، والخطأ أعزوه لنفسي والشيطان.
تعليق