الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الموضوع :
حكم قراءة وتخصيص سور وآيات بكيفيات وأعداد محددة ؟؟؟
المَحاور :
أولاً - تخصيص قراءة سور أو آيات أو أدعية معينة بعدد محدد
ثانياً- تخصيص قراءة سور أو آيات أو أدعية معينة في أوقات محددة
ثالثاً - تخصيص قراءة سور أو آيات معينة للشفاء من أمراض محددة
وردني عبر ( الرسائل الخاصة ) سؤال مهم على النحو التالي :
لماذا لا يقوم بقراءة آية الكرسي 11 مرة ، وبسم الله الرحمن الرحيم 21 مرة ، وسورة الصافات فهي تحرق الجن ؟؟؟
ولأهمية السؤال المطروح ولمشاركة الإخوة والأخوات أفراد مندى الكلمة الطيبة أحببت أن أطرح الإجابة للفائدة العامة ، فأقول وبالله التوفيق :
يعمد بعض المعالجين بتخصيص قراءة آيات معينة في طريقة علاجه ، أو إيراد ذلك في بعض كتبه دون دليل أو مستند شرعي من الكتاب والسنة يؤكد ذلك ويدعمه ، ومعلوم شرعا أن تخصيص ما لم يرد به مخصص من المشرع بدعة منكرة ، وفعل يخالف الشرع والمنهج ، ولا بد من التحذير للوقوع في ذلك أو اعتقاده ، ومعلوم أن الرقية الشرعية أمر توقيفي تعبدي تتعلق بمسائل اعتقادية كما ذهب لذلك بعض أهل العلم ، وهذا ما أراه وأنتهجه ، وقد تم الإشارة إلى ذلك الأمر سابقا ، فيجب المحافظة على ما ورد به النص للرقية الشرعية من الكتاب والسنة ، دون التعويل على ما سواهما ، ومن أنواع التخصيص الواردة :
أولاً - تخصيص قراءة سور أو آيات أو أدعية معينة بعدد محدد :
ومن ذلك تحديد قراءة آية الكرسي بعدد محدد لشفاء مرض بعينه ( كالسرطان ) ونحوه ، أو تحديد فائدة معينة نتيجة لقراءة تلك الآية كشفاء صرع أو إبطال سحر أو تعطيل عين ونحو ذلك من أمور أخرى ، ولا يجوز فعل ذلك ونشره بين الناس لما يترتب عليه من خطر عظيم بسبب عدم قيام الدليل على هذه الكيفية وتلك الوسيلة ، علما بأن الأدلة القاطعة الصريحة تؤكد فضل هذه الآية العظيمة ، كما ثبت من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – وقصة الشيطان الذي جاء يحثو من ثمار الصدقة وقوله لأبي هريرة :
( إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي " اللَّهُ لا إِلَهَ إلا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّوم " [ سورة البقرة – الآية 255 ] حتى تختم الآية ، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح - الحديث )
( أخرجه الإمام البخاري في صحيحه - كتاب الوكالة ( 10 ) - برقم 2311 - وكتاب بدء الخلق (11) - برقم (3275) وكتاب فضائل القرآن (10) - برقم 5010 )
أما قراءتها بهذه الكيفية وهذه الصورة فلا أصل له ، وهذا لا يعني مطلقا عدم الاستشفاء بها من كافة الأمراض والأسقام ، إنما لا يجوز الاعتقاد بهذه السورة في الكيفية السابقة للعلاج ، مع كونها أعظم آية في كتاب الله عز وجل
وقد ثبت الدليل في مواضع أخرى بتخصيص أذكار أو أوراد محددة العدد للنفع والفائدة المرجوة في الدنيا والآخرة ، كما ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله :
( من قال لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، في يوم مائة مرة ، كانت له عدل عشر رقاب ، وكتبت له مائة حسنة ، ومحيت عنه مائة سيئة ، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه )( متفق عليه )
فالتخصيص الحاصل في الحديث آنف الذكر تخصيص من مبلغ عن مشرع ، وفعله يؤدي لبلوغ غايته ، لأنه إخبار من الصادق المصدوق ، الذي ينطق بوحي السماء ، ومخالفة ذلك يعتبر ابتداع في الشريعة والدين وقول بغير علم
وقس على ذلك كثير ممن يخصص قراءة آيات معينة بعدد محدد لشفاء كثير من الأمراض ، وهم بذلك واهنون مبتدعون منقادون لأهوائهم وشهواتهم وإغواء الشيطان ودسائسه ، دون الانقياد للشريعة السمحة
سئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
( بعض الناس يجعلون الورد" بسم الله الرحمن الرحيم ) 786 مرة ويقرأون الواقعة 42 مرة وسورة الذاريات 60 مرة وسورة يس 41 مرة عند الميت وغيره ، ويقرأون في الورد ( يا لطيف ) 16641 مرة فهل هذا جائز أم لا ؟؟؟
فأجاب - رحمه الله - :
( لا أعلم لهذا العمل أصلا بهذا العدد المعين ، بل التعبد بذلك واعتقاد أنه سنة ؛ بدعة وهكذا فعل ذلك على هذا الوجه عند الميت وقت الموت أو بعد الموت كل ذلك لا أصل له على هذا الوجه ، ولكن يشرع للمؤمن من الاستكثار من قراءة القرآن ليلا ونهارا ، وأن يسمى الله سبحانه عند ابتداء القراءة وعند الأكل والشرب ، وعند دخول المنزل وعند جماع أهله ، وغير ذلك من الشؤون التي وردت بها السنة ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر ) ( قال الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل " ضعيف جدا " الحديث الأول - 1 / 29 ، وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله اسناده صحيح ، وضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع برقم 4217 - قلت : والحديث فيه خلاف بين أهل العلم الأجلاء ومع ذلك فمعناه صحيح لما ثبت في مواضع عدة من السنة المطهرة والشواهد الكثيرة تؤكد هذا المعنى وتؤيده ) وهكذا استعمال ( يا لطيف أو يا الله أو نحو ذلك ) بعدد معلوم يعتقد أنه سنة لا أصل لذلك بل هو بدعة ولكن يشرع الإكثار من الدعاء بلا عدد معين كقوله : يا لطيف الطف بنا أو اغفر لنا أو ارحمنا أو اهدنا ونحو ذلك
وهكذا يا الله يا رحمن يا رحيم يا غفور يا حكيم يا عزيز أعف عنا وانصرنا وأصلح قلوبنا وأعمالنا وما أشبه ذلك لقول الله سبحانه : ( وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ( سورة غافر – الآية 60 ) وقوله عز وجل : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِى إِذَا دَعَانِ ) ( سورة البقرة – الآية 186 )
ولكن بدون تحديد عدد لا يزيد عليه ولا ينقص إلا ما ورد فيه تحديد عن النبي صلى الله عليه وسلم
مثل قول : (لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في كل يوم مائة مرة ) ( متفق عليه ) ، فهذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا قول : (سبحان الله وبحمده مائة مرة في الصباح والمساء ) ( متفق عليه )
وهكذا : ( سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثا وثلاثين مرة بعد كل صلاة من الفرائض الخمس الجميع تسع وتسعون بعد كل صلاة ويختم المائة بقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) ( صحيح الجامع – 6286 )
( مجلة البحوث الإسلامية - السؤال الثالث لمجموعة من الفتاوى لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - 24/ 98 ، 99 ، 100 )
يقول الدكتور عبدالحميد هنداوي المدرس بكلية دار العلوم في جامعة القاهرة :
( وهم حينما أدخلوا في طريقتهم كتاب الله تراهم يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرا ، فيوصون بآيات بعينها غير الآيات المنصوص عليها في الرقية الشرعية الصحيحة كالفاتحة وسورة الاخلاص والمعوذتين وآية الكرسي ونحو ذلك مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ينصون على لزوم قراءتها مرات معينة ، فيعينون آيات ويحددون أرقاما ويخترعون أذكارا وعزائم ويكتبون تمائم ، كل ذلك بالتشهي بلا دليل من كتاب ولا سنة يتقيدون بها ؛ إذ أنهم لم يرقهم ما ورد في الكتاب والسنة في علاج تلك الأمراض ؛ فأخذوه – لئلا ينسبوا الى رفض الكتاب والسنة – وزادوا عليه أضعاف أضعافه من باطلهم ، فاغتر بذلك الباطل كثير من الناس ، بل كثير من أهل العلم )
( الدليل والبرهان على دخول الجان بدن الإنسان – ص 7 ، 8 )
قلت : إن المقصود من كلام الدكتور الفاضل هو عدم لي اعناق النصوص لتتمشى مع الباطل والزيغ والضلال ، والرقية الشرعية أمر جائز بالدليل النقلي الصحيح بل قد تصبح أحيانا واجبا شرعيا ، أما التخصيص بقراءة آيات أو سور أو أذكار بعدد محدد ونحوه ، وزرع ذلك في نفوس المرضى والاعتقاد بتلك الكيفيات فهذا مخالف للصواب ويحتاج لوقفة صادقة وإعادة نظر من بعض المعالجين الذين ينتهجون هذا المنهج في طرق علاجهم ، وعليهم العودة الصادقة الى المنهل الحقيقي الصافي والمتمثل بالكتاب والسنة ، وكذلك العودة الى العلماء وطلبة العلم الصادقين المخلصين لتبيان الحق من الباطل والسمين من الغث
يقول الأستاذ سعيد عبد العظيم :
( وكثير من كتب العلاج بالقرآن قيدت الأذكار التي أطلقها الشرع بعدد محدد ، أو أطلقت المقيد من هذه الأذكار ؛ فنجد في بعض هذه الكتب أن الذكر أو الآية مثلاً تقال 20 مرة أو 100 مرة
ولم يثبت ذلك في نصوص الشريعة ، وقد يُحد المؤلف حداً من عنده كما في كتاب " إثبات علاج جميع الأمراض بالقرآن الكريم " فبعد ما ذكر المؤلف آيات الشفاء في القرآن قال : تكتب في طبق صيني أبيض بدون نقوش بالزعفران وماء ورد ثم تمحى بماء ويسقى للمريض فإنه يشفى في وقته بإذن الله تعالى " !!!
ولا ندري من أين أتى بهذه التقيدات ؛ فكتابة الآيات على مثل هذا النحو مختلف فيه بين العلماء ، ومن قال بجواز ذلك ، فما هو دليله على أن الطبق لا بد وأن يكون من الصيني الأبيض غير المنقوش ؟!! وماذا لو تأخر الشفاء ، ولم يشف المريض في وقته ؟! وهذا مثل من أمثلة عديدة لو نقلناها من مصادرها لطال بنا الحديث )
( الرقية النافعة للأمراض الشائعة – ص 23 ، 24 )
وقال أيضاً :
( كثير من المعالجين والكتب المؤلفة في علاج الصرع وغيره ، تحدد أذكاراً معينة وتطالب بترتيبها أو تكريرها ، مما يوهم أنها تستند لدليل شرعي ، والأمر ليس كذلك ، فمثلاً نجد الحث على تكرير آية الكرسي أثناء العلاج !! وقراءة سورة الجن تحديداً لإخراج الجني !!
وقد ذكر صاحب كتاب " إثبات علاج جميع الأمراض بالقرآن الكريم " أن علاج السرطان يتضمن الاستماع إلى القرآن الكريم والاستحمام والشرب من الماء المقروء عليه القرآن ودهان مكان الورم السرطاني بزيت مقروء عليه – وذكر الآيات التي تقرأ – إلى أن قال : وتقرأ الآيات السابقة على كمية من زيت الزيتون تكفي لدهان العضو المصاب لمدة 21 يوماً !!! أ.هـ
وهذا مثال واحد من أمثلة تحديد الأذكار وترتيبها ، وغيره كثير موجود في هذا الكتاب وغيره من الكتب المشابهة ، ولولا خشية الإطالة لذكرنا بعضها
ولا ندري من أين أتى الكاتب بهذا الترتيب وهذا التحديد للآيات في علاج السرطان ؟!
وماذا لو خالفنا الترتيب أو قرأنا آيات أخر ؟!
ولماذا لم يطلق في مقام الإطلاق ويقتصر على ما صح وثبت من أدعية وأذكار ؟!
إن الشرع قد أتى بكل ما فيه صلاح القلوب والأبدان إما إجمالاً وإما تفصيلاً ، وقد أكمل سبحانه لنا الدين وأتم علينا النعمة : " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا " " سورة المائدة – الآية 3 " )
( الرقية النافعة للأمراض الشائعة – ص 101 ، 102 )
وقد وقفت على بعض الفتاوى المتعلقة بهذا الموضوع لفضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين - رحمه الله - يجيز فيها تكرار الرقية بعدد محدد ، حيث أفاد بالآتي :
( أرى أنه لا مانع من التكرار سواء بعدد أو بدون إحصاء ، وذلك لأن القرآن شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا فعليه استعمال القراءة بكتاب الله أو الدعاء بالأدعية النبوية ويكون ذلك علاجا نافعا بإذن الله مع إخلاص القارئ ومع استقامة المريض ومع استحضار معاني الآيات والأدعية التي يقرؤها ومع صلاح كل من الراقي والمرقي ، والله الشافي ،وصل الله على محمد وآله وصحبه وسلم)
( الفتاوى الذهبية – ص 37 )
وسئل فضيلته أن هناك بعض القراء من يخصص بعض الآيات لأمراض معينة مع تكرارها بأعداد معينة مع عدم اعتقادهم بأن العدد هو السبب في الشفاء ، فما حكم هذا التخصيص ؟ وما حكم التكرار ؟؟؟
فأجاب – رحمه الله - :
( لا شك أن القرآن شفاء كما أخبر الله تعالى بقوله : ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءامَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ) ( سورة فصلت - الآية 44 ) وقوله : ( قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِى الصُّدُورِ ) ( سورة يونس – الآية 57 ) ، فأما قوله تعالى : ( وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) ( سورة الإسراء – الآية 82 ) ، فقال كثير من العلماء أن ( من ) ليست للتبعيض وإنما هي لبيان الجنس ، أي جنس القرآن ، ومع ذلك فإن في القرآن آيات لها خاصية في العلاج بها ، ولها تأثير في المرقي بها ومن ذلك فاتحة الكتاب ، ففي حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي رقى بها : " وما أدراك أنها رقية " ( متفق عليه ) ،
وقد ورد فضل آيات خاصة كآية الكرسي ونحوها وسورتي المعوذتين ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما تعوذ متعوذ بمثلهما " ( صحيح الجامع – 7949 ) ، وكذا سورتا الإخلاص والآيتان من آخر سورة البقرة ، فأما تكرارها ثلاثاً أو نحو ذلك فلا بأس ، فإن القراءة مفيدة سواء تكررت أو أفردت ، لكن التكرار والإكثار أقوى تأثيراً )
( المنهج اليقين في بيام أخطاء معالجي الصرع والسحر والعين )
وسئل فضيلة الشيخ عن منشور للرقية من الحسد والعين ومرضى السرطان ، ويذكر صاحب المنشور أن الرقية تقرأ على زيت أو ماء وتستعمل لمدة واحد وعشرون يوماً ، ويشرب الماء ثلاث مرات يومياً ، وتقرأ الرقية مرة واحدة في الأسبوع لمدة ثلاثة أسابيع ، ويقول السائل : أرجو الإفادة عن مدى صحة ما ذكر ، وهل حدد النبي صلى الله عليه وسلم واحد وعشرون يوماً ، وقرأها على زيت وماء ، وهل ورد ذلك الفعل عن أي صحابي في صحيح البخاري ؟؟؟
فأجاب – رحمه الله - :
( وبعد ، فهذه الآيات من كلام الله ، وهو شفاء كما ذكره في قوله تعالى : ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءامَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ) ( سورة فصلت – الآية 44 ) ، فلا مانع من قراءتها على المريض وتكرارها إلى سبع أو إلى عشرين مرة ونحو ذلك للتأكيد ، ولم يرد التحديد ، لكن حدد جنس الرقية في السنة بالقرآن والأدعية ونحوها ، فكلها صريحة في الجواز ، وتكون الرقية في ماء يشرب أو زيت يقرأ به ، أو على المريض مباشرة أو نحو ذلك ، فالقرآن شفاء ورحمة للمؤمنين ، والله أعلم ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم )
( المنهج اليقين في بيان أخطاء معالجي الصرع والسحر والعين )
قلت : وحيث أنه يرى خلاف بين أهل العلم في هذه المسألة ، والذي أراه المنع سدا للذريعة المفضية للمخالفة الشريعة أو التوسع في ذلك ،
ويكون ذلك بسبب الاعتبارات التالية :
1) - إن التخصيص بقراءة السور أو الآيات بعدد محدد لم يستند لأصل شرعي في الكتاب والسنة :
وهو تخصيص بلا مخصص ، وقد ورد التخصيص بقراءة آيات أو سور من كتاب الله عز وجل كالفاتحة وآية الكرسي وآخر سورة البقرة والمعوذتين والإخلاص كما أشار لذلك فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين – حفظه الله – وكما بينت ذلك آنفا ، وما دون ذلك فالأولى تركه خوفاً من الاعتقاد بهذه الآيات أو السور عما سواها ، ولو كان في مثل ذلك التخصيص العام خير وفائدة معينة لأرشدنا إليه الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه ، أو بينه لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة
2)- سوف يؤدي فتح هذا الباب لذريعة الوقوع فيما هو شر منه :
كما يحصل مع بعض الجهلة ممن يطلبون قراءة سورة الفاتحة أو آية الكرسي بعدد محدد لاستحضار الجني الموكل بها للعون والمساعدة ، وكذبا قالوا وباطل ما كانوا يدعون
3)- لا بد من سد الذرائع التي سوف تفضي للكفر أو الشرك أو البدعة أو المعصية بحسب حالها
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
( لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات ، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع ، لا على الهوى والابتداع ؛ فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء ، وسالكها على سبيل أمان وسلامة ، والفوائد التي تحصل بها لا يُعبِّر عنها لسان ، ولا يحيط بها إنسان
وليس لأحد أن يسن للناس نوعاً من الأذكار والأدعية غير المسنون ، ويجعلها عبادة راتبة ، يواظب الناس عليها ، كما يواظبون على الصلوات الخمس ؛ بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به
وأما اتخاذ وردٍ غير شرعي ، واستنان ذكر غير شرعي : فهذا مما يُنهى عنه ، ومع هذا ، ففي الأدعية الشرعية ، والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة ، ونهاية المقاصد العلية ، ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المجدثة المبتدعة إلا جاهل ومفرط أو متعد )
( مجموع الفتاوى - 22 / 510 ، 511 )
قال القاضي عياض – رحمه الله - :
( أذن الله في دعائه ، وعلَّم الدعاء في كتابه لخليفته ، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء لأمته ، واجتمعت فيه ثلاثة أشياء : العلم بالتوحيد ، والعلم باللغة ، والنصيحة للأمة ؛ فلا ينبغي لأحد أن يعدل عن دعائه صلى الله عليه وسلم ، وقد احتال الشيطان للناس من هذا المقام ، فقيَّض لهم قوم سوء يخترعون لهم أدعية يشتغلون بها عن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأشد ما في الحال أنهم ينسبونها إلى الأنبياء والصالحين فيقولون : " دعاء نوح ، دعاء يونس ، دعاء أبي بكر الصديق " فاتقوا الله في أنفسكم ، لا تشتغلوا من الحديث إلا بالصحيح )
( نقلاً عن الرقية النافعة للأمراض الشائعة – ص 24 )
وقال الإمام أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوش :
( ومن العجب العجاب أن تُعرِض عن الدعوات التي ذكرها الله في كتابه عن الأنبياء ، والأولياء ، والأصفياء مقرونة بالإجابة وأن تنتقي ألفاظ الشعراء والكتاب كأنك قد دعوت في زعمك بجميع دعواتهم ، ثم استعنت بدعوات من سواهم ) ( نقلاً عن الرقية النافعة للأمراض الشائعة – ص 24 )
تعليق