بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
تنزيل نصوص الفتن وأشراط الساعة على الواقع المعاصر
- رؤية شرعية -
تنزيل نصوص الفتن وأشراط الساعة على الواقع المعاصر
- رؤية شرعية -
الحمد لله الذي هدانا طريق الرشاد والهدى، وبيَّن لنا الصراط المستقيم الهادي إلى سواء السبيل، والصلاة والسلام على خير الورى، الذي جعل أمته على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد...
فإنه بين فينة وأخرى - لاسيما في زمن تلاطمت فيه الفتن واستعرت - نرى اختلالا في موازين البعض في تناولهم أحاديث الفتن وأشراط الساعة وتسرعًا وجزمًا في تنزيلها لحدث ما أو فتنة من الفتن، ولهذا أسباب عدة سيأتي بيانها في معرض الحديث عن هذا الموضوع، وأحببت في هذه الأسطر المشاركة في إبراز الرؤية الشرعية حيال أحاديث الفتن وأشراط الساعة تجاه أحداث العصر التي ربما ظن البعض جزمًا أنها هي المقصودة في الأحاديث، واستللت ذلك من بحثي (المنهج الشرعي للداعية عند الفتن) والله أرجو أن يهديني للصواب والسداد، وأسأله لي ولك العلم النافع والعمل الصالح.
ولتقرير هذه المسألة وفق الأدلة يقال في ضابط هذه الأحاديث:
(أن الأصل في تنزيل أحاديث الفتن على الأزمان والأشخاص الردّ)
وهذا الضابط من الأهمية بمكان، والتساهل به فيه خطورة وجناية على النصوص،
والمقصود بهذا الضابط:
أن الأصل في تنزيل أحاديث الفتن على ما يقع في حياة الناس من فتنٍ حاضرة أو أشخاص بعينهم الردّ ، سدًَّا لذريعة التقوُّل والتخرُّص على نصوص الفتن بغير علم، والتساهل في هذا الباب، لاسيما مع كثرة الشائعات وتعلُّق كثير من النفوس بتتبع الغرائب، وكثرة الفتن الحاضرة، ومحبَّة البعض في وعظ الناس بربطهم بأحاديث الفتن،
هذا وغيره يستدعي تساهل البعض الحاصل في إنزال نصوص الفتن على الأحداث أو الأشخاص في واقعه، ولقد كثرت المؤلفات في هذا الإنزال والمجازفة في الزجِّ بأحاديث الفتن على ما يقع من أحداث[1]،
ولذا كان الأصل في هذا الباب الردّ.
ولا يعني القول بأن الأصل الردّ هو أنه لا يُشرع التنزيل ، فليس هذا مراد، وإنما التنزيل جاء في كلام أهل العلم بضوابطه،
والناس في هذا الباب طرفان ووسط ، فمنهم من تساهل في إنزال أحاديث الفتن على الواقع كما تقدَّم بيانه، ومنهم من تشدّد ومنع هذا الباب جملة وتفصيلًا،
والحقُّ أن التنزيل يصحُّ بضوابطه كما سيأتي، فكان الأصل الردّ صيانة لأحاديث الشريعة، وحفظًا لمعانيها.
وتنزيل أحاديث الفتن على الوقائع حاصل في عصر التنزيل ومن ذلك حين أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بخبر الدجَّال ظنَّ الصحابة -رضي الله عنهم- أنه في طائفة النخل فذهبوا يبحثون عنه، وشكَّوا في ابن صياد أن يكون هو المسيح الدجال، بل بعض الصحابة أقسم على ذلك منهم عمر وجابر رضي الله عنهما[2]
وفي حديث أسماء رضي الله عنهما في قصة مقتل ابن الزبير، قالت وهي تخاطب الحجاج: «أَمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثَنَا أَنَّ فِى ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا، فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلاَ إِخَالُكَ إِلاَّ إِيَّاهُ، فَقَامَ عَنْهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا».
قال النووي رحمه الله: («المبير» المُهْلِك، وقولها في الكذاب «فرأيناه» تعني به المختار بن أبي عبيد الثقفي، كان شديد الكذب ومن أقبحه ادّعى أن جبريل - صلى الله عليه وسلم - يأتيه، واتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا المختار بن أبي عبيد، وبالمبير الحجاج بن يوسف والله أعلم»[3].
وتنزيل أحداث الفتن على الواقع موجود في كلام أهل العلم السابقين والمعاصرين كما هو حاصل في أخبار السلف، ومما في تنزيل المعاصرين قول الشيخ ابن باز رحمه الله، عن حديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْكَذِبُ، وَتَتَقَارَبَ الأَسْوَاقُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ قِيلَ: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: الْقَتْلُ»[4].
قال ابن باز رحمه الله في قوله: (الأقرب تفسير التقارب المذكور في الحديث بما وقع في هذا العصر من تقارب ما بين المدن والأقاليم وقصر زمن المسافة بينهما بسبب اختراع الطائرات والسيارات والإذاعة وما إلى ذلك والله أعلم)[5]،
والأمثلة على التنزيل متوافرة، وهذا مما يبيِّن أن التنزيل ليس ممنوعًا على إطلاقه، إلا أن الخلل والمجازفة في الإفراط بالتنزيل، لاسيما في واقعنا ومع توالي الأحداث فلا يكاد يمرُّ حدثٌ إلا ويتسامع الناس شيئًا من ذلك،
وللتساهل بتنزيل أحاديث الفتن على الواقع خطورة عظيمة من عدة وجوه أبرزها:
أنه قول على الله بغير علم
واستهانة بالنصوص
وفتح مجال لدعاة الضلالة أن يُلْبِسوا على الناس ويَدَّعوا ما لم يصح ثم يطعنوا بنصوص الشريعة
وما يترتب على تصديق الناس لهذه التنزيل الخاطئ من عمل شيء أو تركه لأجل الفتنة التي صدَّقوا تنزيلها
إلى غير ذلك من المفاسد الواضحة عند التأمل.
تعليق