بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
"أنا جربتها ونفعت"..
"كل مرة أعمل (كذا) = يحصل (كذا)"..
"أول ما فكرت في (كذا)... اتحقق"..
هذه الجمل وما شابهها يتداولها كثير من الناس في خضم ممارساتهم الحياتية، خلاصتها: ربط نتائج أو أحداث معينة بأسبابٍ "متوهمة" لمجرد التلازم أو التوالي في ترتيب حدوثها! وهو ما يجعل كثيرًا من الناس يتوهم أن (وسيلة ما) تعد سببًا (لنتيجة ما) دون تحقق.
لكن ما هي الوسيلة أو السبب ؟
خلق الله سبحانه وتعالى هذا الكون وجعل له أسبابًا وسننًا ووسائل توصل للمراد، وجعلها على نوعين:
(1) سبب شرعي
(2) سبب كوني.
(1) فأما السبب الشرعي:
فهو كل سبب أمر به الله تعالى في وحيه يوصل إلى المقصود منه، فعلى سبيل المثال؛ التوحيد سبب لدخول الجنة، وصلة الرحم سبب لسعة الرزق. فهذه الأمور وأمثالها إنما عرفنا أنها وسائل تحقق تلك الغايات والمقاصد عن طريق الشرع وحده، لا عن طريق العلم أو التجربة أو الحواس، فنحن لم نعلم أن صلة الرحم تطيل العمر وتوسع الرزق إلا من قوله صلوات الله وسلامه عليه[1].
(2) وأما السبب الكوني:
فهو كل سبب طبيعي خلقه الله بهيئته وخواصه ليؤدي وظيفته التي فطره الله عليها، فعلى سبيل المثال؛ النار تحرق، والماء يروي، والسكين يقطع، وهي أسباب يتساوى فيها المؤمن والكافر. إلا أنه لا يتم إثباتها كأسباب إلا بعد ثبوت صحتها علميًا وفق منهجية معرفية أو استقرائية إحصائية سليمة بعيدة عن التأثر الأيديولوجي للباحث، مع توفر معايير للأمانة والمهنية العلمية، إضافة لعوامل أخرى كثيرة ليس هنا مجال بسطها.
و يبقى معرفة أمر آخر في هذا الصدد :
وهو أن السبيل الوحيد لمعرفة جواز السبب - كوني أو شرعي - هو ثبوت صحته شرعًا، فليس كل سبب كوني ثبت نفعه وتحقيقه للمراد جائز شرعًا، فالخمر فيه منافع، والربا سبب لزيادة المال، والسحر سبب للتأثير؛ وكل هذه الأسباب الكونية محرمة بنصوص الوحي، كما أنه ليس كل ممارسة تعبدية تعتبر سبب شرعي ما لم تثبتها نصوص الوحي.
والطريق الصحيح لمعرفة مشروعية الوسائل الكونية والشرعية هو الرجوع إلى الكتاب والسنة، والتثبت مما ورد فيهما عنها، والنظر في دلالات نصوصهما، وليس هناك طريق آخر لذلك ألبتة.
فهناك شرطان لجواز استعمال سبب كوني ما :
الأول : أن يكون مباحًا في الشرع .
والثاني : أن يكون قد ثبت تحقيقه للمطلوب، أو غلب ذلك على الظن.
وأما الوسيلة الشرعية فلا يشترط فيها إلا ثبوتها في الشرع ليس غير[2].
تعليق