بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
قال الله تعالى ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) سورة المؤمنون - آية14
قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله :
" وكل من فهم عن الله خطابه يعلم أن هذه الأسامي ، التي هي لله تعالى أسامي ... قد أوقع تلك الأسامي على بعض المخلوقين ، ليس على معنى تشبيه المخلوق بالخالق ، لأن الأسامي قد تتفق , وتختلف المعاني ؛ فالنور وإن كان اسمًا لله ، فقد يقع اسم النور على بعض المخلوقين ، فليس معنى النور الذي هو اسم لله في المعنى مثل النور الذي هو خلق الله ...
وربنا جل وعلا الهادي ، وقد سمى بعض خلقه هاديًا ، فقال عَزَّ وجَلَّ لنبيه : ( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) فسمى نبيه هاديًا وإن كان الهادي اسمًا لله عَزَّ وجَلَّ.
والله الوارث ، قال الله تعالى : ( وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ) ، وقد سمى الله من يرث من الميت ماله وارثًا ، فقال عَزَّ وجَلَّ : ( وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ) .
فتفهّموا يا ذوي الحجا ما بينت في هذا الفصل ، تعلموا وتستيقنوا أن لخالقنا عَزَّ وجَلَّ أسامي ، قد تقع تلك الأسامي على بعض خلقه في اللفظ ، لا على المعنى ، على ما قد بينت في هذا الفصل من الكتاب و السنة ولغة العرب " . "التوحيد"، لابن خزيمة (1/56).
قال الشيخ ابن تيميه رحمه الله :
فلا يقول عاقل ، إذا قيل ان العرش شيء موجود وأن البعوض شيء موجود : أن هذا مثل هذا لا تفاهما فى مسمى (الشيء) و(الوجود) ... ، بل الذهن يأخذ معنى مشتركاً كلياً هو مسمى الاسم المطلق ، وإذا قيل هذا موجود وهذا موجود ، فوجود كل منهما يخصه لا يشركه فيه غيره ، مع أن الاسم حقيقة في كل منهما . ولهذا سمى الله نفسه بأسماء ، وسمى صفاته بأسماء ، وكانت تلك الاسماء مختصة به إذا أضيفت إليه ، لا يشركه فيها غيره .
وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم ، مضافة إليهم ، توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص ، ولم يلزم من اتفاق الاسمين ، وتماثل مسماهما واتحاده عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص : اتفاقهما , ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص ، فضلا عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص .
فقد سمى الله نفسه حياً فقال : ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) ، وسمى بعض عباده حياً ، فقال : ( يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ) ، وليس هذا الحي مثل هذا الحي ؛ لأن قوله (الْحَيُّ) اسم لله مختص به ، وقوله : ( يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ) اسم للحي المخلوق مختص به ، وإنما يتفقان إذا أطلقا وجردا عن التخصيص ، ولكن ليس للمطلق مسمى موجود فى الخارج ، ولكن العقل يفهم من المطلق قدراً مشتركاً بين المسميين ، وعند الاختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق ، والمخلوق عن الخالق .
ولا بد من هذا في جميع أسماء الله وصفاته : يفهم منها ما دل عليه الاسم بالمواطأة والاتفاق ، وما دل عليه بالإضافة والاختصاص المانعة من مشاركة المخلوق للخالق في شيء من خصائصه سبحانه وتعالى . "التدمرية" (20-22).
تعليق