أسطورة جمران ..
جمران هو مخلوق أسطوري ضمن الفلكلور الشعبي القصصي العماني تخيلناة وحش ضخم الجثة يجمع في خلقته تناقضات عدة مخلوقات أو أشياء هي من نفس النوع تقريبا , وتلك المخلوقات لم تخرج عن حيز البيئة العمانية , حيث له أذنان اليمنى أذن ذئب بينما اليسرى أذن ثعلب ، وساقان اليمنى ساق حصان واليسرى هي لحمار وكلتا اليدين والساقين تحوي في أطرافهما مخالب حادة وطويلة لتقطيع الضحايا إربا إربا فتغدو لحومهم كالعهن المنفوش ينثره الهواء هنا وهناك , أما الذيل فهو ذيل كلب ولكنه ليس معوجا للأعلى بل للأسفل كدليل على سفلية أعماله الشريرة والمرعبة , وأما العينان فاليمنى بيضاء بينما اليسرى سوداء ، ولكنهما تصبحان حمراوان عند امساكه بفريسته وتشتعلان نارا فتصبحان جمرتان ملتهبتان ومن هنا جاءت تسميته بـــ ( جمران ) حيث يقوم جمران أولا بغرس عينيه في عيني الضحية حتى يتلفهما نهائيا ويصبح أعمى لا يرى شيئا ولإبطال أي مقاومة غير متوقعة أو دفاع مستميت من الضحية وزيادة في التنكيل به قبل إفتراسه بتقطيع لحم الضحية العاثرة الحظ بمخالبه الحادة كالسكاكين ثم إلتهام أجزاء اللحم المتناثرة.
القصد من هذه الأسطورة الشعبية تخويف كل من يقوم بعمل يغضب الله سبحانه وتعالى أن يتوب لله من فعلته سريعاً قبل أن يسلط الله عليه أنواع عذابه ومنها هذا الوحش الكاسر ( جمران ) , ويرجع الحقوق لأصحابها ويندم على ما فعل ويظهر التوبة النصوح الصادقة ، فمن يدري فقد تكون عقوبته بلقاء المرعب جمران .
وقد كانت طريقة لقاءه بهم أن ينام المذنب على تربة أو مكان يكون فيه جمران قد دفن نفسه مسبقا فيوافق القدر أن ينام المذنب أو يستلقي في مكان دفن جمران لنفسه فيقوم بتطويقه بيديه وخنقه قليلا ثم يغرس عينيه الملتهبتين في عيني الضحية فيدمرهما ثم يقوم بجز لحمه بمخالب يديه وقدميه ..
وإليكم أعزائي بعض القصص المرعبة التي كانت تحكى عن جمران بشفاه مرتجفة وقلوب وجلة أن لا يلقى أحد مصير أصحابها .
القصة 1
تتحدث عن مركب كبير للغوص ذهب فيه عدد من الرجال في رحلة غوص بحثا عن اللؤلؤ وكان فيه بعض أبناءهم معهم ليعلموهم سر المهنة وليرثوها من بعدهم أو تكون لهم سندا مستقبلا , ومن هؤلاء كان الشاب قاسم وأبوه علي .
وفي ظهيرة يوم من الأيام طلب الوالد من ولده تنظيف جانب من السفينة فتأفف الولد من والده وتشاجر معه بأنه مل من أوامره رغم قلتها !
ثم قام بدفعه فسقط الوالد على ظهره متأوهاً ومتألما وهو ما زال يصرخ عليه , فتسابق عدد منهم ليبعدوه عن ابيه وعنفوه وطلبوا منه الإعتذار من والده ومداواة آلامه من أثر السقطة ولكنه رفض وأنف أن يقوم بذلك وذهب مغاضبا إلى قبو السفينة .
وكانوا عندما يحل الليل عليهم يقومون بإرساء المركب الخشبي على ضفة أقرب شاطئ ثم يواصلوا العمل في نهار اليوم الآخر وهكذا حتى يرجعوا لديارهم .
المهم عندما حل المساء ورسى المركب أعتزل قاسم لوحده بعيدا عنهم إستعدادا للنوم ولم يلتقى بوالده بعد الحادثة المشينة , فطلب الآخرون ومنهم قائد السفينة ( النوخذة ) من قاسم أن يعتذر من والده مرة أخرى ويطيب خاطره وإلا فإنهم سيرموه في هذا المكان وسيغادرون بدونه , فرفض قاسم وأصر مستكبرا فتركوه لوحده في مكانه , وما هي إلا ساعة حتى نهض الجميع على صراخ قاسم وإستغاثته , فهال الجميع المنظر وهم يرون قاسم بين يدي ذلك الوحش الغريب القاتل .
فبدأ الوحش بإمساك قاسم من رقبته وبدأت عيناه بالاشتعال نارا كجمرتان تحرقان كل ما تلمسانه، فغرسهما في عيني قاسم وهو يصيح ويصرخ من الألم ويقول : آآآآآآآآآآآآآه ، عيني لم أعد أرى ، لقد أصبت بالعمى.
ثم قام بتمرير لسانه الطويل اللزج على جسده وبخاصة رقبته ثم أخرج أنيابه الحادة وغرس عضة شديدة الألم صرخ معها قاسم صراخاً رهيبا قبل أن يسلط عليه مخالب اليدين والرجلين فتقطع لحم قاسم وتناثر في الهواء أما أنظار الجميع وتحت ضوء القمر الموحي بمشهد رومانسي , ولكنه كان في هذه الليلة المشئومة مشهدا مروعاً ومأساويا .
وتعالت أصوات الجميع بالبكاء والنحيب والعويل على مصير قاسم وكان أشدهم والده علي الذي جثا على ركبتيه في بداية المشهد المروع ثم أغشي عليه بعدها وحينها لم يزل إبنه قاسم بين براثن الوحش اللعين جمران , وبعد الإنتهاء من جريمته المهيبة المروعة أحال جمران عينيه الملتهبتان جمرا نحو الجميع فتملكهم الخوف أيما تملك وتجمد الدم في عروقهم كأشد ما يكون الجليد في تجمده ، ففزعوا وركضوا بإتجاه المركب الخشبي وبحركة سريعة خاطفة امسك إثنان من البحارة في طريقهم بالوالد علي الذي كان مغشياً عليه ورفعوا المرساة وهم يراقبون بخوف شديد نظرات جمران الواقف في مكانه يناظرهم وقربه جثة قاسم والتي بدأ بإلتهام لحمها المتناثر قطعة قطعة .
صدم الجميع مما رأوا وقفلوا راجعين بسرعة نحوه ديارهم والاسى والحزن يعتصر قلوبهم ليقطر دما لن ينبت أبدا روح قاسم من جديد ، وكان الوالد المثكول علي أشدهم حزنا فهو فقد زهرة من زهوره التي غرسها في عش الزوجية ليقطفها الخبيث جمران بهذا الشكل البشع والمريع .
صعق الآخرون بخبر موت قاسم بهذه الطريقة البشعة ومات والديه كمدا وحسرة عليه ثم تلاهم بقية الأبناء واحدا تلو الآخر فحتى هم لم يسلموا من فعلة جمران المعنوية وهكذا قضى جمران على أسرة بأكملها كانوا يعيشون على هامش الحياة ولكنهم ماتوا في وسط الحظ اللعين ! .
القصة 2 :
كان وليد شابا ثلاثينيا ماجنا وفاسقا ، كما كان سارقا ومعاقرا للخمر . لم يسلم أحد من شره ومشاكساته وسرقاته ، كما لم تسلم بيوت كثيرة من هدمه لأعراضها حين غرر بفتياتها فأفقدهن أعز ما تملك الفتاة شرفها ، فأصبحن بلا شرف ، والسمعة إلى التلف .
وقد ضاق أهل البلدة ذرعا بأفعاله وبيتوا النية للفتك به أو معاقبته ، ولكن أحد أصدقائه سمع بالخطة فأسرع نحوه واخبره ، فخرج وليد من الجدار الخلفي للبيت وأتجه إلى الجبال في ليلة بالكاد الهلال فيه يسمح برؤية ما سبح في ظلمة الليل البهيم .
وبدأت المطاردة ووليد يتعبهم فيها من جبل إلى آخر وهم لا يجارونه في الركض فهو معروف بسرعة عدوه فقد أعتاد الهروب والركض في تلك السنوات الخالية كما لم يعتد عليهما غيره.
وبعد مطاردة مضنية وقف الرجال على سفح أحد الجبال وهم مرهقين للآخر ، وإذا بهم يسمعون صوت وليد من بعيد وهو يناديهم ساخرا منهم ومستلقى بظهره على تراب أحد الأودية الصغيرة ويتحداهم أن يكملوا مطاردته ، وهم يستشيطون غضباً ، لكن ما هي إلا لحظات حتى رأوا يدان تظهران من الأرض خلف وليد وتعصرانه بقوة شديدة وهو يصيح ويستنجد بهم .
ثم بدأ جسم مخلوق ضخم مرعب وغريب تشتعل عيناه نارا كجمرتين يظهر بعد اليدين فأمسك بوليد بقوة أكبر وبدا بلف لسان طويل حول عنقه ليخنقه ووليد يحاول الفكاك منه ولكنه هيهات فقد حان الممات !
وغرس عينيه بعيني وليد أتبعتها صرخة من فم وليد المسكين الذي قبلها كان سكينا في نحر أهالي البلدة . ثم رفع ذلك الوحش يده عاليا وبدا بتمزيق جسد وليد قطعة قطعة ، فأصبح إسمه مقتولا بعدما كان إسمه وليد .. واحسرتاه عندما تكون النهاية هكذا ..
دب الرعب بالآخرين وكالعادة أحال جمران ناظريه باتجاههم كأنه يقول :
من يريد أن يكون الضحية التالية ؟
وبسرعة أطلقوا سيقانهم للريح والألسن والحناجر بالخوف تصيح ، وهكذا ذهبت روح وليد الخبيثة بين يدي مخلوقٍ هو أخبث منها.
وقد سماه الناس بـ ( جمران ) ، لأن عينيه تقدح نارا كجمرتين تستعدان لوسم أي ضحية بقتلة لا تخطر على البال ولا حتى في أحلام الأطفال !.