كتاب اخبار الزمان
عالم لا نعرفهلم تشهد حضارة كبرى حجم التدمير الهائل لمكتباتها ما شهدته الحضارة الاسلامية، آلاف المكتبات احترقت او نثرت كتبها في الانهار لتختلط اسرارها بالماء والدماء احيانا، الثروة المعرفية التي تراكمت عبر عصور ذهبية تم انهاؤها على مراحل من التدمير الذي يتحمل مسؤوليته اطراف عدة، من الصين الى الاندلس كان المسلمون يدونون تاريخهم وتاريخ من سبقهم ويمررون عبر لغتهم معارف وعلوما كانت ممنوعة لدى حضارات اخرى، من شواهد التخريب المتعمد هذا ضياع كتاب مهم جدا بحسب تعليقات الباحثين المعاصرين مسلمين وغير مسلمين وهذا الكتاب هو كتاب أخبار الزمان ومن أباده الحدثان وعجائب البلدان والغامر بالماء والعمران لأبي الحسن علي بن الحسين المسعودي صاحب كتاب مروج الذهب الشهير والمتوفي في عام ٣٤٦هـ، بالتأكيد لست في صدد القاء محاضرة تاريخية فقد قيل الكثير في هذا الموضوع وهذا الكتاب تحديدا، لكنني مهتم بتوضيح مدى غرابة ما تضمنه هذا الكتاب ومدى غموض الظروف التي احاطت نسخه القليلة.
المسعودي رحالة دار في اقطار الأرض بحثا عن الاخبار وتقصي الحقائق
يلقب المسعودي بهيرودوت العرب تشبيها له بالرحالة والمؤرخ الاغريقي وهذا ببساطة لكون المسعودي الذي ولد في بغداد قد زار كل البلاد التي تقع بين ايران والهند وما يجاورها شمالا ويعرف بآسيا الوسطى، وكذلك زار شرق آسيا ومحيط الصين من أرخبيلات وجزر نائية، كما انه زار تركيا وغرب آسيا صعودا الى شرق أوروبا بالاضافة الى تجواله في شبه الجزيرة العربية وشرق افريقيا الى توفي في ارض الكنانة مصر، كان للمسعودي اضافات كبيرة في الفلك والجغرافيا وما عُرف لاحقا بالانثروبولوجيا، وقد كان المسعودي يتقن عدة لغات.
"اخبار الزمان" كتاب قاتل. هناك حكاية عن مستشرق بحث عن نسخة من هذا الكتاب في بدايات القرن الماضي، ووجدها في مدينة "شنقيط" الموريتانية، ولكن اهل المدينة رفضوا بيعها او حتى تصويرها، وحين حاول الرجل الاحتيال لتصويرها سرا اكتشفوا امره فقتلوه.
يتحدث المؤرخون عن ان كتاب أخبار الزمان الموجود اليوم هو مختارات من كتاب كبير يصل عدد صفحاته حتى ثلاثة آلاف صفحة، وقد ضاعت بضياع بقية الكتاب فرصة بالتعرف على طبيعة ثلاثة أرباع العالم في ذروة القرون الوسطى للاسف.
الغرائب والعجائب في الجزء البسيط الذي وصلنا من كتاب اخبار الزمان مما يجب على كل محب للغموض التوقف عنده طويلا، يتحدث المسعودي عن مجتمعات غريبة فيقول : وقيل إن في شرقي القلزم (البحر الأحمر) أمة متولدة من صنف من السباع وبني آدم، وجوهها عراض كثيرة الشعر مثل وجوه السباع، وعيونها مدورة بصاصة، وأنيابها بارزة طوال، وآذانها طوال، وأبدانها كأبدان الناس إلا أن لهم أظفاراً كباراً، معقفة محدودة، وليس وراءهم غيرهم وطعامهم دواب البحر.
"اخبار الزمان" كتاب قاتل. هناك حكاية عن مستشرق بحث عن نسخة من هذا الكتاب في بدايات القرن الماضي، ووجدها في مدينة "شنقيط" الموريتانية، ولكن اهل المدينة رفضوا بيعها او حتى تصويرها، وحين حاول الرجل الاحتيال لتصويرها سرا اكتشفوا امره فقتلوه.
يتحدث المؤرخون عن ان كتاب أخبار الزمان الموجود اليوم هو مختارات من كتاب كبير يصل عدد صفحاته حتى ثلاثة آلاف صفحة، وقد ضاعت بضياع بقية الكتاب فرصة بالتعرف على طبيعة ثلاثة أرباع العالم في ذروة القرون الوسطى للاسف.
الغرائب والعجائب في الجزء البسيط الذي وصلنا من كتاب اخبار الزمان مما يجب على كل محب للغموض التوقف عنده طويلا، يتحدث المسعودي عن مجتمعات غريبة فيقول : وقيل إن في شرقي القلزم (البحر الأحمر) أمة متولدة من صنف من السباع وبني آدم، وجوهها عراض كثيرة الشعر مثل وجوه السباع، وعيونها مدورة بصاصة، وأنيابها بارزة طوال، وآذانها طوال، وأبدانها كأبدان الناس إلا أن لهم أظفاراً كباراً، معقفة محدودة، وليس وراءهم غيرهم وطعامهم دواب البحر.
جزيرة فيها جبال مسكونة يسمعون منها عزف الطبول
ويكمل ذاكرا الغرائب المحيرة : ومنه جزيرة بها مساكن وقباب بيض تلوح وتتزايا للناس فيطمعون فيها وكلما قربوا منها تباعدت منهم فلا يزالون كذلك حتى ييأسوا منها فينصرفوا عنها ويتصل هذا البحر بالواق، ويقول البحريون انهم لا يعرفون منتهاه غير أن أقصاه جبال تتوقد ناراً ليلا ونهاراً يسمع لها قواصف مثل قواصف الرعود من شدة التهابه، وربما سمعوا من تلك النار صوتاً عرفوه يدل على موت ملك من ملوكهم أو كبير من كبرائهم، وهذا الموضع لا يدرك قعره.
وبعد بحر الصنف الذي ذكرناه بحر الصين، وهو بحر خبيث بارد ليس في غيره من البحار مثل برده، ويقال: إن ريحه من قعره، ويقال إنه مسكون له أهل في بطن الماء.واخبر الثقة من أصحاب البحر انهم يرونهم إذا هاج البحر في جوف الليل كهيئة الريح، ويطلعون إلى المراكب.
ومشاهدات المسعودي في الكتاب تؤكد انه كان متأنيا ودقيقا في نقل التجارب التي يشاهدها. مثلا "وفي بحر الصين سمكة يرمي بها الماء إلى الساحل، فاذا جذر الماء بقيت على الطين، فلا تزال تضطرب مقدار نصف نهار ثم تنسلخ في اضطرابها ذلك، فيخرج لها جناح فتستقل به وتطير". ومن المؤكد انه يتحدث هنا عن سمك "إكسوسيتيدي" الذي يطير بارتفاع منخفض باستخدام زعانفه.
وفي حديثه عن التجارة يتطرق الى الهند قائلا : وبالهند وادي القرنفل ولم يدخل إليه من التجار ولا ممن سلك البحار ولاذكروا أنهم رأوا شجرة، وإنما تبيعه الجن فيما يقولون الناس يرسون بالمراكب في جزيرتهم، ويجعلون بضاعتهم على الساحل ويعودون إلى مراكبهم فيكونون بها، فإذا أصبحوا جاؤا فوجدوا إلى جانب كل بضاعة القرنقل وذكر عن بعض الناس أنه طلع إلى الجزيرة وأمعن فيها فرأى قوماً صفراً بغير لحى، في زي النساء، ولهم الشعور فغابوا عنه، وأن التجار أقاموا بعد ذلك مدة يترددون إلى ساحل تلك الجزيرة، فلا يخرج إليهم بشئ من القرنفل، فعلموا إن ذلك من اجل من كان نظر اليهم، ثم عادوا بعد سنين إلى ما كانوا عليه.
فيهم امم برؤوس الكلاب وامم افواههم في صدورهم
فيهم امم برؤوس الكلاب وامم افواههم في صدورهم
وفي حديثه عن اشكال الجن تأتي اوصاف المسعودي في غاية الغرابة فيقول :
ومنها صفة الجن، وهي أمة في صور الكلاب لها أذناب وكلامها همهمة لا يفهم.
ومنها أمة تشبه بني آدم أفواههم في صدورهم يصفرون تصفيرا.
ومنها أمة في خلق الحيات الطوال لها أجنحة وأرجل وأذناب.
ومنها أمة يشبهون نصف شق الانسان لهم عين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة يقفزون تقفيزاً، وكلامهم مثل كلام الغرانيق.
ومنها أمة لها وجوه كوجوه الناس وأصلاب كأصلاب السلاحف، وفي أيديهم مخالب وفي رؤسهم قرون طوال، كلامهم كعوي الذئاب.
ومنها أمة لكل واحد منهم رأسان ووجهان كوجوه الاسد طوال لا يفهم كلامهم، ومنها أمة مدورة الوجوه لها شعور بيض وأذناب كأذناب البقر يزرقون الناس من أفواههم.
ضرب جمله وطار به بين السماء والأرض كالبرق
ضرب جمله وطار به بين السماء والأرض كالبرق
ويستمر المسعودي في جمع اكبر عدد ممكن من المرويات المخيفة فيقول في احداها : والعرب تذكر راكباً على جمل في قدر الشاة وفد عليهم بسوق عكاظ نادى ألا من يهبني ثمانين بكرة هجاناً وأدماً (ثمانين ناقة على نوعين مقابل جمله القزم) فلم يجبه أحد. فلما رأى ذلك ضرب جمله وطار به بين السماء والأرض كالبرق، فعجبوا منه.
وفي الكتاب رغم كونه لا يتجاوز الثلاثمئة صفحة مختصرة من آلاف الصفحات في الكتاب الاصلي الا انه يحتوي على قصص عديدة جمعها المسعودي من الامم التي التقاها والحضارات التي مر بها، وقد تنقل بين الحديث عن ماضي البشرية عبر العصور الى طبيعة البحار السبعة وسكانها في ذلك الوقت، على ضوء ما تقدم هل ستقرؤون الكتاب ؟ اتمنى ذلك .
وفي الكتاب رغم كونه لا يتجاوز الثلاثمئة صفحة مختصرة من آلاف الصفحات في الكتاب الاصلي الا انه يحتوي على قصص عديدة جمعها المسعودي من الامم التي التقاها والحضارات التي مر بها، وقد تنقل بين الحديث عن ماضي البشرية عبر العصور الى طبيعة البحار السبعة وسكانها في ذلك الوقت، على ضوء ما تقدم هل ستقرؤون الكتاب ؟ اتمنى ذلك .
تعليق