السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صيانة المخطوطات العربية وترميمها
مع إشارة خاصة
لتجربة الأمانة العامة لدار المخطوطات في صنعاء
د. مجبل لازم مسلم المالكي
تعرف الدراسة بالمخطوطات وصناعة الكتاب العربي الإسلامي، وتستعرض المخاطر التي تتعرض لها المخطوطات، والتدابير والطرق الخاصة بحفظها وصيانتها، ودور تقنيات المعلومات في هذا المجال، وتتطرق إلى الترميم وأنواعه، واختصاصيي الترميم، والخطوات والعمليات الأساسية المتبعة في عملية الترميم، وتركز على توضيح تجربة الأمانة العامة لدار المخطوطات في صنعاء، وأساليبها الفنية في صيانة وترميم هذه المقتنيات، والمعدات والأجهزة المستخدمة في هذه العملية، وتبيان المشكلات والمقترحات الخاصة بتطوير آفاق العمل.
المقدمة
اهتم الإنسان في الحضارات القديمة بحفظ سجلاته باستخدام الرُقم أو الألواح الطينية ولفائف البردي مما كان شائعاً ومستخدماً في حضارتي بلاد الرافدين ووادي النيل والحضارة الصينية• وقد حتمت العوامل الثقافية والدينية والاجتماعية لتلك الحضارات ظهور المكتبات الأولى التي كانت أشبه بالمراكز الأرشيفية التي تعنى بحفظ سجلات المعرفة وقوانين الحكومة والمراسيم الدينية وسواها•
وفي ظل ازدهار الحضارة العربية الإسلامية اعتنى العرب بمخطوطاتهم من حيث الخط واستخدام الأشكال الزخرفية والتزاويق الرائعة، كما اهتموا بتجليدها وترميمها، وكان حرص أمناء المكتبات جلياً في حفظ وصيانة المخطوطات النادرة والنفيسة التي تمتلىء بها خزائن المكتبات العربية الإسلامية على اختلاف أنواعها وخاصة المكتبات الشهيرة الكبرى مثل (بيت الحكمة) في زمن الخلافة العباسية و(دار العلم) في القاهرة في زمن الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، ومكتبة (قرطبة) في الأندلس وسواها من المكتبات الأكاديمية والعامة التي انتشرت في أرجاء العالم الإسلامي•
وقد تطورت بمرور الزمن طرق وأساليب ترميم وصيانة المخطوطات والوثائق التاريخية في العصر الحديث منذ منتصف القرن التاسع عشر، وتنامى الاهتمام بها في السنوات الأخيرة من القرن العشرين وتم إنشاء أقسام خاصة للترميم والصيانة في المكتبات ومعاهد خاصة بأمراض الكتب وعلاجها في الكثير من دول العالم للمحافظة على جودتها ورونقها وإعادة الحياة إليها، كما وضعت البرامج الخاصة بمعالجة المخطوطات وصيانتها وتطور المفهوم العالمي لحفظ هذا التراث الحضاري وصيانته، فأصبحت له قواعد توجب على العاملين في هذا الميدان أن يراعوا في علاج الآثار والمصادر المخطوطة قضايا عديدة منها(1):
1 • ضرورة احتفاظه بمعالم أثريته وقدمه مع تخليصه من كل عوامل التلف والتشوهات التي لحقت به•
2 •ضرورة عدم إضرار المواد المستخدمة في العلاج والترميم بالمخطوطات والمواد الأثرية على المدى الطويل ضماناً لسلامتها وبقائها في حالة سليمة بصفة دائمة للأجيال القادمة•
3 •تهيئة الأوضاع الملائمة لحفظ هذا التراث أثناء عرضه واختزانه في المكتبات ومراكز المعلومات والمتاحف•
ونظراً لأهمية عملية حفظ وترميم المخطوطات في مكتباتنا العربية والمؤسسات المهتمة بتجميع وتنظيم هذه الثروة القومية الحضارية فقد جاءت هذه الدراسة لتحقيق الأهداف التالية:
1 • التعريف بالمخطوطات وصناعة المخطوط العربي الإسلامي•
2 • تسليط الضوء على المخاطر التي تواجه حياة المخطوطات العربية كالمخاطر الطبيعية، والكيميائية، والبيولوجية والذاتية•
3 • تبيان التدابير والطرق الخاصة بحفظ المخطوطات وصيانتها ودور تقنيات المعلومات في هذا الميدان•
4 • التعريف بالترميم وأنواعه واختصاصيي الترميم، والعمليات الأساسية لترميم المخطوطات•
5 • توضيح تجربة الأمانة العامة لدار المخطوطات في صنعاء في مجال صيانة وترميم المخطوطات•
1 ـ التعريف بالمخطوطات
هناك العديد من التعريفات الخاصة بالمخطوطات مما ورد في بعض الموسوعات والمعاجم اللغوية، فضلاً عن التعريفات الأخرى لدى الباحثين وخبراء المخطوطات• فقد جاء في موسوعة علم المكتبات والمعلومات أن (كلمة مخطوط في الولايات المتحدة الأمريكية أطلقت على جميع المواد التي كتبت باليد على الألواح الطينية والأحجار، ويشمل ذلك مخطوطات العصور الوسطى، وعصر النهضة وكذلك المخطوطات الحديثة كالمخطوطات الأدبية والتاريخية والأوراق الخاصة، وسجلات المؤسسات)(2) وجاء في قاموس Collires Dictionary أن كلمة(Manu******) تعني الكتاب أو الوثيقة المكتوبة باليد، أو بالآلة الكاتبة، وخاصة قبل عصر الطباعة(3)•
ويرى عبد الله عبد الرحيم عسيلان(4) أن التراث العربي المخطوط هوما وصل إلينا من مؤلفات ومصنفات مكتوبة بخط مؤلفها، أو بخط أحد النساخ قبل عصر الطباعة، وفي مقابل ذلك الكتب المطبوعة التي أخرجتها آلات الطباعة في العصر الحديث)•
وقد يتسع مدلول هذه الكلمة ليشمل كل ما كتب بخط اليد حتى لو كان رسالة أو عهداً أو نقشاً على الحجر أو رسماً على القماش، وغير ذلك، ويضيق حتى يقتصر على الكتاب المخطوط بخط عربي سواء أكان في شكل لفائف أوفي شكل صحف ضم بعضها إلى بعض على هيئة دفاتر أو كراريس(5)وهذا ما هو شائع أو متعارف عليه لدى عامة الناس وخاصة في أقطار الوطن العربي•
2 ـ صناعة المخطوط العربي الإسلامي
اهتم العرب والمسلمون اهتماماً فائقاً بالمخطوطات العربية لكونها السبيل الوحيد للحفاظ على ما أنتجه العقل العربي والإسلامي فجعلوا منها تحفاً فنية ثمينة، وتركوا فيها نتاجاً علمياً ضخماً، وقد سلكوا مسالك شتى في هذه الصناعة فاهتموا بالتأليف والإملاء وجمع مادة الكتاب وتدوينها ومراجعتها وتهذيبها وإضافة ما ينبغي إضافته، وحذف ما لا ينفع، وقد ازداد التأليف وتطور منذ القرن الثاني الهجري وخاصة بعد ظهور حلقات الدرس ومجالس الإملاء التي حققت انتشارها في بغداد وأرجاء الدولة الإسلامية، كما ازدهرت حركة الترجمة في العصر العباسي وأسهمت في ازدهار مهنة الوراقة وتوسع نسخ الكتب المترجمة•
وتطورت صناعة المخطوط العربي الإسلامي من حيث إخراجها وخطوطها ودقة زخارفها المذهبة وجاذبية صورها، واستخدمت الألوان البديعة في تحليتها، وصنع العرب الألوان من مواد مختلفة منها ما هو مصنوع من مصادر نباتية ومنها ما هو مصنوع من الأحجار الكريمة• ويعد المصحف الشريف من أوائل المخطوطات التي وجهت إليها العناية الفائقة من أجل تجميله وزخرفته وتطوير أساليب رسمه وحفظه• ولم تقتصر المخطوطات الدينية على المصاحف وحدها بل شملت كتب الحديث والسيرة والفقه وغيرها• إلا أن مخطوطات المصاحف تظل أكثر تلك المخطوطات روعة وجمالاً(6)•
كما أبدع العرب في تجليد المخطوطات، ودخل الجلد في صناعة التجليد مع استخدام الزخارف الهندسية والنباتية• وبحلول القرن الرابع الهجري استحدث المجلدون نظام اللسان في الجلدة، كما اهتموا بتبطين الكتب من الداخل بالبردي والرق والورق والقماش والحرير، وتقدم المجلدون في بعض الأقطار الإسلامية في فن صناعة وتجليد الكتاب، وعرفوا طريقة الدق أو الضغط، كما استخدموا التخريم والدهان والتلبيس بالقماش وكانوا أحياناً يقطعون الجلد بالرسم الذي يريدونه، ثم يلصقونه على الأرضية الملونة، وهي عملية تحتاج إلى غاية الدقة والمهارة, وعد عمل المجلد من فنون الكتاب الإسلامي ومتمماً لعمل الخطاط والرسام فوقعت على عاتق المجلد مسؤولية حفظ أوراق الكتاب من التلف، والعناية بمظهره الخارجي بحيث يتلاءم مع القيمة العلمية للكتاب ومحتوياته•(7)
صيانة المخطوطات العربية وترميمها
مع إشارة خاصة
لتجربة الأمانة العامة لدار المخطوطات في صنعاء
د. مجبل لازم مسلم المالكي
تعرف الدراسة بالمخطوطات وصناعة الكتاب العربي الإسلامي، وتستعرض المخاطر التي تتعرض لها المخطوطات، والتدابير والطرق الخاصة بحفظها وصيانتها، ودور تقنيات المعلومات في هذا المجال، وتتطرق إلى الترميم وأنواعه، واختصاصيي الترميم، والخطوات والعمليات الأساسية المتبعة في عملية الترميم، وتركز على توضيح تجربة الأمانة العامة لدار المخطوطات في صنعاء، وأساليبها الفنية في صيانة وترميم هذه المقتنيات، والمعدات والأجهزة المستخدمة في هذه العملية، وتبيان المشكلات والمقترحات الخاصة بتطوير آفاق العمل.
المقدمة
اهتم الإنسان في الحضارات القديمة بحفظ سجلاته باستخدام الرُقم أو الألواح الطينية ولفائف البردي مما كان شائعاً ومستخدماً في حضارتي بلاد الرافدين ووادي النيل والحضارة الصينية• وقد حتمت العوامل الثقافية والدينية والاجتماعية لتلك الحضارات ظهور المكتبات الأولى التي كانت أشبه بالمراكز الأرشيفية التي تعنى بحفظ سجلات المعرفة وقوانين الحكومة والمراسيم الدينية وسواها•
وفي ظل ازدهار الحضارة العربية الإسلامية اعتنى العرب بمخطوطاتهم من حيث الخط واستخدام الأشكال الزخرفية والتزاويق الرائعة، كما اهتموا بتجليدها وترميمها، وكان حرص أمناء المكتبات جلياً في حفظ وصيانة المخطوطات النادرة والنفيسة التي تمتلىء بها خزائن المكتبات العربية الإسلامية على اختلاف أنواعها وخاصة المكتبات الشهيرة الكبرى مثل (بيت الحكمة) في زمن الخلافة العباسية و(دار العلم) في القاهرة في زمن الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، ومكتبة (قرطبة) في الأندلس وسواها من المكتبات الأكاديمية والعامة التي انتشرت في أرجاء العالم الإسلامي•
وقد تطورت بمرور الزمن طرق وأساليب ترميم وصيانة المخطوطات والوثائق التاريخية في العصر الحديث منذ منتصف القرن التاسع عشر، وتنامى الاهتمام بها في السنوات الأخيرة من القرن العشرين وتم إنشاء أقسام خاصة للترميم والصيانة في المكتبات ومعاهد خاصة بأمراض الكتب وعلاجها في الكثير من دول العالم للمحافظة على جودتها ورونقها وإعادة الحياة إليها، كما وضعت البرامج الخاصة بمعالجة المخطوطات وصيانتها وتطور المفهوم العالمي لحفظ هذا التراث الحضاري وصيانته، فأصبحت له قواعد توجب على العاملين في هذا الميدان أن يراعوا في علاج الآثار والمصادر المخطوطة قضايا عديدة منها(1):
1 • ضرورة احتفاظه بمعالم أثريته وقدمه مع تخليصه من كل عوامل التلف والتشوهات التي لحقت به•
2 •ضرورة عدم إضرار المواد المستخدمة في العلاج والترميم بالمخطوطات والمواد الأثرية على المدى الطويل ضماناً لسلامتها وبقائها في حالة سليمة بصفة دائمة للأجيال القادمة•
3 •تهيئة الأوضاع الملائمة لحفظ هذا التراث أثناء عرضه واختزانه في المكتبات ومراكز المعلومات والمتاحف•
ونظراً لأهمية عملية حفظ وترميم المخطوطات في مكتباتنا العربية والمؤسسات المهتمة بتجميع وتنظيم هذه الثروة القومية الحضارية فقد جاءت هذه الدراسة لتحقيق الأهداف التالية:
1 • التعريف بالمخطوطات وصناعة المخطوط العربي الإسلامي•
2 • تسليط الضوء على المخاطر التي تواجه حياة المخطوطات العربية كالمخاطر الطبيعية، والكيميائية، والبيولوجية والذاتية•
3 • تبيان التدابير والطرق الخاصة بحفظ المخطوطات وصيانتها ودور تقنيات المعلومات في هذا الميدان•
4 • التعريف بالترميم وأنواعه واختصاصيي الترميم، والعمليات الأساسية لترميم المخطوطات•
5 • توضيح تجربة الأمانة العامة لدار المخطوطات في صنعاء في مجال صيانة وترميم المخطوطات•
1 ـ التعريف بالمخطوطات
هناك العديد من التعريفات الخاصة بالمخطوطات مما ورد في بعض الموسوعات والمعاجم اللغوية، فضلاً عن التعريفات الأخرى لدى الباحثين وخبراء المخطوطات• فقد جاء في موسوعة علم المكتبات والمعلومات أن (كلمة مخطوط في الولايات المتحدة الأمريكية أطلقت على جميع المواد التي كتبت باليد على الألواح الطينية والأحجار، ويشمل ذلك مخطوطات العصور الوسطى، وعصر النهضة وكذلك المخطوطات الحديثة كالمخطوطات الأدبية والتاريخية والأوراق الخاصة، وسجلات المؤسسات)(2) وجاء في قاموس Collires Dictionary أن كلمة(Manu******) تعني الكتاب أو الوثيقة المكتوبة باليد، أو بالآلة الكاتبة، وخاصة قبل عصر الطباعة(3)•
ويرى عبد الله عبد الرحيم عسيلان(4) أن التراث العربي المخطوط هوما وصل إلينا من مؤلفات ومصنفات مكتوبة بخط مؤلفها، أو بخط أحد النساخ قبل عصر الطباعة، وفي مقابل ذلك الكتب المطبوعة التي أخرجتها آلات الطباعة في العصر الحديث)•
وقد يتسع مدلول هذه الكلمة ليشمل كل ما كتب بخط اليد حتى لو كان رسالة أو عهداً أو نقشاً على الحجر أو رسماً على القماش، وغير ذلك، ويضيق حتى يقتصر على الكتاب المخطوط بخط عربي سواء أكان في شكل لفائف أوفي شكل صحف ضم بعضها إلى بعض على هيئة دفاتر أو كراريس(5)وهذا ما هو شائع أو متعارف عليه لدى عامة الناس وخاصة في أقطار الوطن العربي•
2 ـ صناعة المخطوط العربي الإسلامي
اهتم العرب والمسلمون اهتماماً فائقاً بالمخطوطات العربية لكونها السبيل الوحيد للحفاظ على ما أنتجه العقل العربي والإسلامي فجعلوا منها تحفاً فنية ثمينة، وتركوا فيها نتاجاً علمياً ضخماً، وقد سلكوا مسالك شتى في هذه الصناعة فاهتموا بالتأليف والإملاء وجمع مادة الكتاب وتدوينها ومراجعتها وتهذيبها وإضافة ما ينبغي إضافته، وحذف ما لا ينفع، وقد ازداد التأليف وتطور منذ القرن الثاني الهجري وخاصة بعد ظهور حلقات الدرس ومجالس الإملاء التي حققت انتشارها في بغداد وأرجاء الدولة الإسلامية، كما ازدهرت حركة الترجمة في العصر العباسي وأسهمت في ازدهار مهنة الوراقة وتوسع نسخ الكتب المترجمة•
وتطورت صناعة المخطوط العربي الإسلامي من حيث إخراجها وخطوطها ودقة زخارفها المذهبة وجاذبية صورها، واستخدمت الألوان البديعة في تحليتها، وصنع العرب الألوان من مواد مختلفة منها ما هو مصنوع من مصادر نباتية ومنها ما هو مصنوع من الأحجار الكريمة• ويعد المصحف الشريف من أوائل المخطوطات التي وجهت إليها العناية الفائقة من أجل تجميله وزخرفته وتطوير أساليب رسمه وحفظه• ولم تقتصر المخطوطات الدينية على المصاحف وحدها بل شملت كتب الحديث والسيرة والفقه وغيرها• إلا أن مخطوطات المصاحف تظل أكثر تلك المخطوطات روعة وجمالاً(6)•
كما أبدع العرب في تجليد المخطوطات، ودخل الجلد في صناعة التجليد مع استخدام الزخارف الهندسية والنباتية• وبحلول القرن الرابع الهجري استحدث المجلدون نظام اللسان في الجلدة، كما اهتموا بتبطين الكتب من الداخل بالبردي والرق والورق والقماش والحرير، وتقدم المجلدون في بعض الأقطار الإسلامية في فن صناعة وتجليد الكتاب، وعرفوا طريقة الدق أو الضغط، كما استخدموا التخريم والدهان والتلبيس بالقماش وكانوا أحياناً يقطعون الجلد بالرسم الذي يريدونه، ثم يلصقونه على الأرضية الملونة، وهي عملية تحتاج إلى غاية الدقة والمهارة, وعد عمل المجلد من فنون الكتاب الإسلامي ومتمماً لعمل الخطاط والرسام فوقعت على عاتق المجلد مسؤولية حفظ أوراق الكتاب من التلف، والعناية بمظهره الخارجي بحيث يتلاءم مع القيمة العلمية للكتاب ومحتوياته•(7)
تعليق