الأخلاق الكريمة والعبادة:
إن الأخلاق الفاضلة من نحو أعمال القلب والعقل والجوارح واللسان مثل صدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والرفق والرأفة، والدعاء، وخشية اللّه والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، وأمثال ذلك، كلها داخلة في مفهوم العبادة، وذلك أن العبادة هي الغاية المحبوبة للّه والمرضية له.
وبها أرسل اللّه جميع الرسل، والدين كله داخل في العبادة التي تتضمن غاية الذل للّه بغاية المحبة له، ومن هنا تكون فضائل الأخلاق ومكارمها داخلة في إطار الدين و ركنًا أساسيًا من أركانه.
تفاضل الناس في الإيمان:
إن هذه الأخلاق الإيمانية -كما أطلق عليها ابن تيمية- هي وجه من الوجوه التي يتفاضل فيها الناس فيما يتعلق بزيادة الإيمان ونقصه،
يقول ابن تيميه رحمه اللّه تعالى:
"من المعلوم بالذوق الذي يجده كل مؤمن أن الناس يتفاضلون في حب اللّه ورسوله وخشية اللّه، والإنابة إليه، والتوكل عليه، والإخلاص له، وفي سلامة القلوب من الرياء، والكبر والعجب، والرحمة للخلق والنصح لهم، ونحو ذلك من الأخلاق الإيمانية، ومصداق هذا قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا". ا.هـ.
الإيمان ومكارم الأخلاق:
يقول ابن تيمية رحمه اللّه تعالى ما خلاصته:
"إذا كان الإيمان أصله الإيمان الذي في القلب، وأنه لا بد فيه من شيئين:
الأول تصديق بالقلب وإقراره ومعرفته وهذا هو التوحيد،
والآخر عمل القلب وهو التوكل على اللّه وحده ونحو ذلك من حب اللّه ورسوله، وحب ما يحب اللّه ورسوله، وإخلاص العمل للّه وحده، كانت أعمال القلب من الحب والإخلاص والخشية والتوكل ونحوها داخلة في الإيمان بهذا المعنى، وكانت الأخلاق الكريمة داخلة فيه أيضًا،
وأما البدن فلا يمكن أن يتخلى عن مراد القلب لأنه إذا كان في القلب معرفة وإرادة سرى ذلك إلى البدن بالضرورة، ولهذا قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم:
«ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» (البخاري).
وبذلك يكون الإيمان هو مناط تكوين القيم الخلقية والاجتماعية ونحوها، وهو أيضا مصدر الإلزام الخلقي، لأنه هو المسيطر على كل غرائز الإنسان وشهواته، والمتحكم في أحاسيسه ودوافعه.
العبادة ونور الفطرة:
لقد كان من مظاهر تكريم الإنسان أن زوده اللّه تعالى بنور الفطرة التي يستطيع بها أن يعرف ربه، ويستدل بها على صراطه المستقيم وذلك من التدبر في آلائه ونعمه، يقول اللّه تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:30]،
والفطرة: هي الخلق والهيئة التي في نفس الطفل، وهي معدّة ومهيأة لأن يميز بها مصنوعات اللّه تعالى، ويستدل بها على ربه، ويعرف شرائعه، ويؤمن به.
يقول ابن تيمية رحمه اللّه تعالى: "لقد فطر اللّه عباده على محبته وعبادته، فإذا تركت هذه الفطرة بلا فساد، كان القلب عارفا باللّه محبا له عابدا له وحده".
ولكن فساد الفطرة أمر محتمل ووارد سواء أكان من البيئة المحيطة بالإنسان كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» (البخاري).
أو من إغواء الشيطان ووسوسته، وفي هذه الحالة اقتضت رحمة اللّه تعالى بالإنسان أن يرسل إليه الرسل مبشرين ومنذرين ويحدث صراع عنيف بين الشيطان وما يدعو إليه من ناحية وبين الرسل وما يدعون إليه من التزام الصراط المستقيم من ناحية أخرى.
فالثبات على الصراط المستقيم إذن هو محور الصراع بين الخير والشر، بين ما تدعو إليه الرسل وما يسعى إليه الشيطان الرجيم،
فما هذا الصراط؟
تعليق