سحر بني إسرائيل
السحر أبعاده غائرة في الزمان، من اشتغل بالسحر كان هدفه استعباد البشر وسبق المعرفة بالغيب، السحر من القوى الخفية في الكون وكلمة السحر مأخوذة من السَّحَر الذي هو آخر الليل وأول النهار فيه من ظلمة الليل ومن ضوء النهار فهو ليس نهاراً ولا ليلاً لذلك فإن له واقعين ليس واقعا واحدا.
والسحر جامع بين شيئين شئ يخيل إليك أنه واقع وهو ليس بواقع أي أن له ظاهراً لا يعبر عن واقعه. ظاهر أشياء تتخيل أنها تحدث وهي في الحقيقة لا تحدث.
السحر تأثيره على العين فالعين هي التي تُسحر لترى أشياء غير واقعة ولا حقيقية يقول الله عز وجل: "سحروا أعين الناس واسترهبوهم".
هناك نوعان من السحر نوع يعتمد على البشر وما يستطيعون القيام به من خفة اليد وخداع أعين الناس ونوع يعتمد على الاستعانة بقوى تفوق قدرات البشر، والغرض من السحر عموماً هو استرهاب الناس وتخويفهم والسيطرة عليهم.
والسحر هو مجرد تخييل وخداع للبصر والحواس قال تعالى: "يُخيل إليه من سحرهم أنها تسعى".
عندما ألقى سيدنا موسى عصاه فإذا هي تحولت لحية حقيقية ليس مجرد تخييل وخفة يد وخداع بصري لذا سجد السحرة على الفور لأنهم خبراء في السحر ويعرفون خدع خفة اليد، هم سحروا أعين الناس بتخييلهم أن حبالهم وعصيهم حيات تسعى ولكن أعين السحرة لم تُخدع لأنهم يعرفون الحيلة، لكن لما رأوا أن ما أتى به سيدنا موسى ليس سحراً ولا خداعاً بصرياً ولا تخييلاً ألقوا سجداً مؤمنين به نبياً وبربه إلهاً، لأنهم يعرفون الصنعة وما أتى به موسى ليس حيلة بل معجزة وليس تخييلاً وخداعاً بل واقعاً وحقيقة ومادة عصا موسى تحولت بالفعل إلى حية تسعى وهو ما لا يستطيع السحرة فعله مطلقاً.
وفرعون لم يؤمن لأن عينه مسحورة بفعل السحرة ولا يستطيع التفرقة بين حبال السحرة التي بدلوها بحيات بخفة أيديهم وحيلهم وبين عصا موسى التي تحولت حقيقة لحية تسعى، رغم أن حية سيدنا موسى الحقيقية التهمت حيات السحرة المزيفة.
فالسحر هو تخيل حقيقة وليس تغير حقيقة، بينما المعجزة هي تغير حقيقة.
والنوع الثاني من السحر الذي يُستعان فيه بالجن والشياطين، فللشياطين علاقة قوية بالسحر فقد ذكر لنا القرآن الكريم أن الشياطين علموا الناس السحر وماداموا علموا غيرهم أي أنهم محترفين في الصنعة وأتقنوها.
وذلك لأن الجن أجسام نارية شفافة خلقوا من النار ولهم قدرة على التشكل ويخترقون الجدران وسرعتهم تفوق البشر وتحكمهم الصورة التي يتشكلون بها، وإجماع أهل السنة والجماعة على أن البشر لا يمكنهم رؤية الجن على صورته الحقيقية.
حتى أن علماء أهل السُنة اعتبروا من يدعي أنه رأى الجن على صورته الحقيقية فاسق مردود الشهادة، يقول الإمام الشافعي: "وممن تُرد شهادته ولا تُسلم له عدالته من يزعم أنه يرى الجن عيانا ويدعي أن له منهم أعواناً".
وذلك لأن مادة الجن اللطيفة النارية الشفافة خارج نطاق رؤية البشر فلا يمكنهم مشاهدة الجن على خلقته الأصلية، لكن يمكن مشاهدته إذا تشكل في صورة أخرى تخضع لحدود البصر البشري كصورة كلب أو حمار أو إنسان مثلا.
ولما يتشكل الجن في صورة فإنهم يخضعون لقوانين تلك الصورة، فمثلاً إذا تشكل الجن في صورة إنسان فإنه لا يخترق الجدران ويموت بالرصاص ويمكن قتله والإمساك به فهو خاضع لقوانين الإنسان لذا لا يستطيع الجن البقاء على غير صورته الحقيقية فترة طويلة لأنه قد يهلك ويُقتل، وهذا من رحمة الله بنا فإذا كانت الجن لا تخضع للصورة التي تتشكل بها لفعلوا المصائب في الأرض دون قدرة عليهم.
لذلك يستعين السحرة بالجن لتملك قوى تفوق قدرات الإنسان العادي للتسلط على البشر والتحكم فيهم والاستخدام في الشر والضر وقد أخبرنا الله عز وجل أن السحر كفر والسحرة كفار.
الله خلق الإنس والجان وذكر في القرآن الكريم: شياطين الإنس والجان، إذاً هناك شياطين من الإنس وهناك شياطين من الجان .. فالإنس والجان الذين ءامنوا بالله هم الصالحين أما الإنس والجان الذين استعانوا ببعضهم على الكفر وعبادة إبليس وإفساد الأرض فهم الشياطين من الإنس والجان.
يرجع بنا التاريخ الى بابل (العراق) في كثرة السحر والسحرة حتى ضرب المثل في إتقان السحر بحكماء وكهنة وسحرة بابل، كما أنهم جعلوا من الكواكب آلهة وعبدوها، ويعتقدون أن حوادث العالم كلها من أفعال النجوم والكواكب والطالع، وعملوا أصناماً على أسماء الكواكب وعبدوها وقدموا لها القرابين، وفي هذه الظروف جاء سيدنا إبراهيم عليه السلام ليدعوهم إلى الإسلام لله الواحد الأحد رب الكواكب.
وتواجد السحر أيضاً في زمان فرعون موسى بمصر، ومن أكثر الأمم التي اشتغلت بالسحر حتى يومنا هذا بني اسرائيل.
وبني اسرائيل ادعوا أن سيدنا سليمان كان ساحراً وأنه كبير السحرة ونسبوا له خاتم سليمان وغيرها من الأكاذيب.
وذُكرت قصة سيدنا سليمان والسحر في سورة البقرة للرد على افتراءات بني اسرائيل وقد كان السحر موجوداً قبل عصر سيدنا سليمان، كما وضحنا في مصر حيث أن سيدنا موسى كان قبل سيدنا سليمان، وفي بابل حيث أن سيدنا ابراهيم كان قبل كليهما.
قال تعالى:
"وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ . وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ . وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ".
ذكَر الله تعالى لنبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بعضَ مخازي اليهود من بني إسرائيل، الذين لم يؤمنوا به ولا بالقرءان الكريمِ المصدِّق للتوراة الأصلية التي أُنزلت على سيدنا موسى عليه السلامُ وتضمنتِ الدعوةَ إلى الإيمانِ باللهِ وحدَه لا شريكَ له والإيمانِ بموسى رسولاً ونبيًّا وبالإسلامِ دينًا والتوراة شريعة.
يتبع
تعليق