السحر الأسود بين النظرية والتطبيق
يمكن تفهّم بعض من جوانب النظرية المعقّدة والتطبيق العملي للسحر الشعائري من خلال بعض النقاط الرئيسية التي يستند عليها.
أولاً:
الكون المرئي لديه نظير غير مرئي، وهو من قسمين، المستويات العلوية التي يقطنها أرواح خيّرة وجميلة، والمستويات السفلية، التي هي مظلمة ومحظورة، ويسكنها الأرواح والشياطين الخاضعة لقيادة الملاك الساقط وأمراءه العشرة.
ثانياً:
من خلال الإجراءات السرّية للسحر الشعائري، يصبح ممكناً التواصل مع هذه الكائنات الخفية والحصول على مساعدتها في بعض من المشروعات البشرية الدنيوية.
الأرواح الخيّرة تميل دائماً لمنح مساعدتها لأي مشروع يرغبه الساحر، بينما الأرواح الشريرة تخدم فقط الذين يضمرون الشرّ ويرغبون في التدمير والتشويه.
ثالثاً:
من الممكن عقد اتفاقية أو حلف أو تعهّد مع الكائنات الروحية حيث يصبح بعدها الساحر لبعض الوقت (يتم تحديد مدته) سيداً آمراً لأحد هذه الكائنات.
رابعاً:
يُمارس السحر الأسود الحقيقي بمساعدة كائن روحي شرّير، يخدم الساحر طوال فترة حياته، لكن وفق الشرط الموضوع مسبقاً خلال التعهّد والقائل بأن الساحر سيصبح خادم مطيع لكائنه الشرّير بعد مماته وانتقاله إلى الحياة الأخرى.
ولهذا السبب يُلاحظ بأن العامل في السحر الأسود يذهب بعيداً في تجاوزه الحدود الأخلاقية والقيام بأي عمل ممكن لإطالة فترة بقاءه على قيد الحياة، لأنه يدرك جيداً بأن أمور كثيرة غير مستحبّة تنتظره بعد القبر.
إن أخطر أشكال السحر الأسود هو التحريف العلمي للقوى السحرية من أجل تحقيق غايات شخصية. إن الشكل العام والمُبسّط لهذا الأمر هو “الأنانية البشرية”، حيث أن الأنانية هي المسبب الأساسي لكل الشرور في العالم. فالإنسان مستعدّ لمقايضة روحه الأبدية مقابل “سلطة” دنيوية مؤقّتة كما فعل د.فاوست حيث تطوّرت آلية غامضة مكنته من إجراء هذه المقايضة , لكن مثل باقي السحرة الآخرين، انتهى أمر دكتورفاوست بكارثة قضت على حياته. لقد وجدوه مقتولاً في صباح أحد الأيام وسكيناً مغروساً في ظهره، واعتُقد بأن خادمه الروحي هو الذي قتله.
رغم أن “الدكتور فاوست” الذي تحدث عنه الشاعر “غوثيه” يُعتبر بشكل عام أنه شخصية خيالية، إلا أن هذا الساحر كان حقيقياً وعاش فعلاً في القرن السادس عشر. ألف الدكتور “فاوست” كتاب يوصف فيه تجاربه مع الأرواح، والمقطع التالي مقتبساً منه:
(وجب أن لا نخلط بين الدكتور “فاوست” و”يوهان فاوست”، مالك مطبعة).
“.. بينما العامل في السحر الأسود الذي يوقّع حلفه مع عفريته “العنصر” يكون في البداية مقتنعاً بأنه قوي بما يكفي للسيطرة بالكامل على القوى الموضوعة تحت تصرّفه، لكنه سيكتشف لاحقاً بأن هذا مجرّد وهم. قبل أن تمرّ سنوات عديدة، سوف يضطرّ إلى توجيه كل قواه للاهتمام بموضوع المحافظة على الذات. فالعالم المرعب الذي لزم مصيره به نتيجة شهواته الدنيوية يقترب منه يوماً بعد يوم، حتى يصبح على حافة بحر هائج باضطراب عظيم، ويتوقّع في أي لحظة أن يسقط فيه ويُجذب إلى أعماقه العكرة.. .. خائفاً من الموت.. لأنه سيتحوّل إلى خادم لعفريته.. يبدأ الساحر باقتراف الجرائم، جريمة بعد جريمة، لإطالة وجوده الدنيوي البائس. مدركاً بأن الحياة مُصانة من قبل قوة حياتية كونية غامضة والتي هي من الخواص العامة لكافة المخلوقات، يتحوّل الساحر إلى مصاص دماء خفي، سارقاً هذه الطاقة الحياتية من الآخرين. حسب خرافات القرون الوسطى، كان العاملين في السحر الأسود يحوّلون أنفسهم إلى ذئاب werewolves ويجوبون الأرض ليلاً، مهاجمين الضحايا المساكين طمعاً بقوة الحياة الكامنة في دمائهم..”