الحمد لله الذي بعث رسولَه بالهدى ودينِ الحقِّ ليُظهرَه على الدينِ كلِّه ولو كرهَ الكافرون،
وصلاةً وسلاماً على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه الذين بذلوا أرواحَهم وأموالَهم في نُصرةِ وتبليغِ هذا الدين . وبعد:
إن الإسلامَ كِيانٌ، ولكلِّ كيِانٍ منهجٌ، وكيِانُ الإسلامِ هو الجماعةُ، ومنهجُ الجماعةِ هو السُنَّةُ، وهذا ما يُعبَّرُ عنه بتسمية: (أهلِ السنةِ والجماعة).
وعندما أنزل اللهُ عزَّ وجلَّ شرْعَ الإسلامِ فإنَّه أنزلَه ليكونَ واقعاً على الأرضِ، وليس مجردَ سطورٍ مخطوطة، أو فصولٍ مجموعةٍ في كتاب.
وهذا يقتضي أن يكونَ هناك نُسخةٌ بشريةٌ (عمليةٌ) من هذا التشريعِ النظريِّ المكتوب،
فأمَّا التشريعُ المكتوبُ فهو القرآنُ الكريم، وأمَّا التطبيقُ العمليُّ للقرآنِ فهو سُنَّةُ النبي صلى الله عليه وسلم
1- والسنةُ محورُ اهتمامِها هو النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأقوالِه وأفعالِه وتقريراتِه وصفاتِه وأخلاقِه.
2- والسنةُ النبويةُ وحيٌ من اللهِ كان يَنزلُ به جبريلُ عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم كما كان يَنزلُ بالقرآنِ الكريم
يقول تعالى :وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4)
فتَأملْ كلمةَ يَنطق , والتأكيدُ بعدها بأنه وحي !
3- وأمَرَنا ربُّنا سبحانه وتعالى أن نأتَمِرَ بأوامرِ النبي عليه الصلاة والسلام وننتهيَ عما نهى عنه فقال تعالى: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) [الحشر:7]
4- وأزالَ وصفَ الإيمانِ عن الذين يرفضون حُكمَ النبي عليه الصلاة والسلام فقال تعالى: ( فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [النساء:65] .
فالتسليمُ للنبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يأمرُ به أو ينهى عنه شرطٌ من شروط الإيمانِ بالله، ولِمَ لا؟ ! أليس النبيُّ عليه الصلاة والسلام هو الذي أخبرنا عن الله؟
5- و وصَفَ أن طاعةَ الرسولِ بأنها طاعةٌ لله فقال تعالى: ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ) [النساء:80]
لاحِظْ استخدامَ الفعلِ المضارعِ في قوله تعالى: ( يُطع ) الذي يفيدُ الاستمرار.
6- و هَددَ وتَوعدَ كلَّ من يخالفُ النبي عليه الصلاة والسلام بسوءِ المصيرِ في جهنم : ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) [النساء:115]
7- وبيّنَ دَورَ السنةِ بأنها الـمُبَينةُ للقرآنِ الكريمِ فقال: ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) [النحل:44]
وكلُّ هذه الآياتِ الكريمةِ أدلةٌ قطعيةٌ على حُجيةِ السنةِ النبويةِ في التشريعِ الإسلامي، ولا يمكنُ أن تنفصلَ السنةُ عن القرآن،
فالسنةُ هي الـمُبيِّنةُ لما أجمََلهُ القرآن، وهي المخصِّصةُ لما عمَّمهُ القرآن، وهي المقيِّدةُ لما أطلقَه القرآن.
والسنةُ النبويةُ هي أفضلُ تفسيرٍ للقرآنِ الكريمِ بعد تفسيرِ القرآنِ بالقرآن.
وبلُغةِ أهلِ القانونِ نستطيعُ أن نصفَ السنةَ بأنها القانونُ الذي يوَضحُ ويُفسرُ ويُفصلُ الدستورَ الذي هو عندنا القرآنُ الكريم.
فهل رأى أحدٌ دستوراً بلا قانون ؟! أو قانوناً بلا دستور؟!
ولا يُتصورُ عند أصحابِ العقولِ السليمةِ أنْ ينفصلَ التطبيقُ العمليُّ عن الإطارِ النظريِّ لأي منهجٍ من المناهج، ولا شك أنَّ فصلَ التطبيقِ العمليِّ عن المنهجِ النظريِّ سيقعُ ضررُه على ذلكَ الإطارِ النظريِّ نفسِه، إذ سيكونُ عرضةً للتأويلاتِ الفاسدةِ، والأهواءِ الساقطة.
وهنا سوف أُبينُ بعض المثالبِ والنقائصِ التي لا بُد أننا سنقعُ فيها إذا ما نَحـَّّينا السنةَ وأخَّرناها عن القرآنِ الكريم، وإذا ما عطَّلناها وهمَّشناها وأزلنا عنها صفةَ الوحي.
فماذا سيحدثُ عندما تغيبُ السنة؟
تعليق