السؤال:
تثار حاليا هذه الكلمة , هل يجوز قول " الأديان الإبراهيمية " ؟
الجواب :
الحمد لله
معركة المصطلحات من أخطر التحديات الفكرية التي يواجهها المفكرون والمثقفون ، بل عدها الأئمة والعلماء أحد أخطر المزالق التي يقع في مصيدتها المختصون ، فضلا عن غيرهم ؛ ذلك أن بريق المصطلح واعتياده يخفي وراءه الوجه الشاحب الذي يحمله ، ومع كثرة استعماله تختلط الأوراق ، وتمرر المشاريع الهدامة ، ويغدو المحارب لذلك الوجه القبيح غريبا بين الناس ، وساعتئذ تكون قد نجحت الفكرة .
هذا هو حال مصطلحات " الأديان الإبراهيمية "، أو " وحدة الأديان "، أو " الديانة العالمية " ونحوها من الألقاب التي ظهر استعمالها في أواخر القرن الماضي ، كلها تحمل في طياتها معاني حسنة مقبولة ، كمثل التعايش ، والسلام ، ومعاملة أهل الكتاب بالبر والقسط كما أمر الله عز وجل ، بل ويمكن للمسلم أن يقصد كل ذلك تحت مظلة " عقد الذمة " الذي جاء به القرآن الكريم ، ولكن استعمال هؤلاء الملبسين لتلك المعاني الحسنة التي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية ، إنما هو - في الغالب - جسر للمعاني الباطلة الهدامة ، وستار لحقيقة " الخلط " بين الأديان ، وليس مجرد " الحوار "، بل الخلط الذي تفقد معه العقيدة الإسلامية جوهرها القائم على شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، لتصبح الفكرة الأهم هي الوصول إلى الله تعالى ، سواء عن طريق اليهودية أو النصرانية أو الإسلام ، فلا فرق عند أصحاب هذه الدعوة بين تلك الأديان ، فإنما هي طرق متعددة ومتكافئة تدل على الله عز وجل ، والله عز وجل يقول : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) آل عمران/85.
وهي دعوة سابقة قديمة ، أطلقها بعض اليهود والنصارى ، يريدون أن يتنازل المسلمون عن أحقية عقيدتهم ، بأن يقبلوا - على الأقل - اعتبار أديانهم أديان حق ونجاة في الآخرة ، ولكن كان الجواب واضحا صريحا في القرآن الكريم : ( وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) البقرة/135.
وحين أصروا على الانتساب إلى ملة إبراهيم عليه السلام كذبهم القرآن الكريم ؛ لأن ملة إبراهيم : إنما هي ملة التوحيد والإيمان بجميع الأنبياء ، واليهود والنصارى وقعوا في الشرك وفي تكذيب الأنبياء .
يقول الله جل وعلا : ( وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ . قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ . أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ . تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) البقرة/135-141.
فتأمل كيف حصر طريق الهداية بطريق واحد ، وهو إيمان اليهود والنصارى بمثل ما آمن به المسلمون من التوحيد وشهادة أن محمدا رسول الله .
فإياك أن يغرك هذا الخلط ، الذي سماه القرآن الكريم " اللبس "، وذلك في قوله جل وعلا : ( وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) البقرة/42، قال قتادة رحمه الله : " لا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام ، إن دين الله الإسلام ، واليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله " انتهى من " تفسير ابن أبي حاتم " (1/98) .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" قول القائل : المعبود واحد وإن كانت الطرق مختلفة ، ونحو ذلك من الأقوال والأفعال التي تتضمن إما كون الشريعة النصرانية واليهودية المبدلتين المنسوختين موصلة إلى الله ؛ وإما استحسان بعض ما فيها مما يخالف دين الله ، أو التدين بذلك ، أو غير ذلك مما هو كفر بالله وبرسوله ، وبالقرآن وبالإسلام ، بلا خلاف بين الأمة الوسط في ذلك ، وأصل ذلك المشابهة والمشاركة " انتهى من " اقتضاء الصراط المستقيم " (1/540) .
ويقول الشيخ بكر أبوزيد رحمه الله :
" ليعلم كل مسلم عن حقيقة هذه الدعوة : أنها فلسفية النزعة ، سياسية النشأة ، إلحادية الغاية ، تبرز في لباس جديد ، لأخذ ثأرهم من المسلمين : عقيدة ، وأرضا ، وملكا ، فهي تستهدف الإسلام والمسلمين في :
1. إيجاد مرحلة التشويش على الإسلام ، والبلبلة في المسلمين ، وشحنهم بسيل من الشبهات ، والشهوات ؛ ليعيش المسلم بين نفس نافرة ، ونفس حاضرة .
2. قصر المد الإسلامي ، واحتواؤه .
3. تأتي على الإسلام من القواعد ، مستهدفة إبرام القضاء على الإسلام واندراسه ، ووهن المسلمين ، ونزع الإيمان من قلوبهم ، وَوَأده .
4. كف أقلام المسلمين وألسنتهم عن تكفير اليهود والنصارى وغيرهم ممن كفرهم الله ، وكفرهم رسوله صلى الله عليه وسلم - إن لم يؤمنوا بهذا الإسلام ، ويتركوا ما سواه من الأديان .
5. وتستهدف صياغة الفكر بروح العداء للدين في ثوب وحدة الأديان ، وتفسيخ العالم الإسلامي من ديانته ، وعزل شريعته في القرآن والسنة عن الحياة ، حينئذ يسهل تسريحه في مجاهل الفكر ، والأخلاقيات الهدامة ، مفرغا من كل مقوماته ، فلا يترشح لقيادة أو سيادة ، وجعل المسلم في محطة التلقي لمَا يملى عليه من أعدائه ، وأعداء دينه ، وحينئذٍ يصلون إلى خسة الغاية : القفز إلى السلطة العالمية بلا مقاومة .
6. وتستهدف إسقاط جوهر الإسلام واستعلائه ، وظهوره وتميزه ، بجعل دين الإسلام المحكم المحفوظ من التحريف والتبديل في مرتبة متساوية مع غيره من كل دين محرف منسوخ ، بل مع العقائد الوثنية الأخرى .
7. وترمي إلى تمهيد السبيل " للتبشير بالتنصير " والتقديم لذلك بكسر الحواجز لدى المسلمين ، وإخماد توقعات المقاومة من المسلمين ؛ لسبق تعبئتهم بالاسترخاء والتبلد .
8. ثم غاية الغايات : بسط جناح الكفرة من اليهود والنصارى والشيوعيين وغيرهم على العالم بأسره ، والتهامه ، وعلى العالم الإسلامي بخاصة ، وعلى العالم العربي بوجه خاص ، وعلى قلب العالم الإسلامي ، وعاصمته : " الجزيرة العربية " بوجه أخص ، في أقوى مخطط تتكالب فيه أمم الكفر وتتحرك من خلاله ؛ لغزو شامل ضد الإسلام والمسلمين بشتى أنواع النفوذ : الفكري ، والثقافي ، والاقتصادي ، والسياسي ، وإقامة سوق مشترك ، لا تحكمه شريعة الإسلام ، ولا سمع فيه ولا طاعة لخلق فاضل ولا فضيلة ، ولا كسب حلال ، فيفشو الربا ، وتنتشر المفسدات ، وتدجن الضمائر والعقول ، وتشتد القوى الخبيثة ضد أي فطرة سليمة ، وشريعة مستقيمة .
وإنا لنتلو قول الله تعالى : ( إنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ) الأعراف/155" انتهى .
ويقول أيضا رحمه الله – في ختام رسالته السابقة –:
" يجب على المسلمين الكفر بهذه النظرية " وحدة كل دين محرف منسوخ مع دين الإسلام الحق المحكم المحفوظ من التحريف والتبديل الناسخ لما قبله ". وهذا من بدهيات الاعتقاد والمسلمات في الإسلام .
ويجب على أهل الأرض اعتقاد تعدد الشرائع وتنوعها ، وأن شريعة الإسلام هي خاتمة الشرائع ، ناسخة لكل شريعة قبلها ، فلا يجوز لبشر من أفراد الخلائق أن يتعبد الله بشريعة غير شريعة الإسلام .
ويجب على جميع أهل الأرض من الكتابيين وغيرهم الدخول في الإسلام بالشهادتين ، والإيمان بما جاء في الإسلام جملة وتفصيلا ، والعمل به ، واتباعه ، وترك ما سواه من الشرائع المحرفة والكتب المنسوبة إليها ، وأن من لم يدخل في الإسلام فهو كافر مشرك .
ولا يجوز لأحد من أهل الأرض اليوم أن يبقى على أي من الشريعتين : " اليهودية والنصرانية " فضلا عن الدخول في إحداهما ، ولا يجوز لمتبع أي دين غير الإسلام وصفُهُ بأنه مسلم ، أو أنه على ملة إبراهيم .
نسأل الله سبحانه أن يهدي ضال المسلمين ، وأن يذهب عنهم البأس ، وأن يصرف عنهم كيد الكائدين ، وأن يثبتنا جميعا على الإسلام حتى نلقاه إنه على كل شيء قدير . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى من رسالة " الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان " (ص5-103) .
وانظر في موقعنا الفتوى رقم : (10213) ، (10232) ، (128172) .
والله أعلم .
المصدر
تثار حاليا هذه الكلمة , هل يجوز قول " الأديان الإبراهيمية " ؟
الجواب :
الحمد لله
معركة المصطلحات من أخطر التحديات الفكرية التي يواجهها المفكرون والمثقفون ، بل عدها الأئمة والعلماء أحد أخطر المزالق التي يقع في مصيدتها المختصون ، فضلا عن غيرهم ؛ ذلك أن بريق المصطلح واعتياده يخفي وراءه الوجه الشاحب الذي يحمله ، ومع كثرة استعماله تختلط الأوراق ، وتمرر المشاريع الهدامة ، ويغدو المحارب لذلك الوجه القبيح غريبا بين الناس ، وساعتئذ تكون قد نجحت الفكرة .
هذا هو حال مصطلحات " الأديان الإبراهيمية "، أو " وحدة الأديان "، أو " الديانة العالمية " ونحوها من الألقاب التي ظهر استعمالها في أواخر القرن الماضي ، كلها تحمل في طياتها معاني حسنة مقبولة ، كمثل التعايش ، والسلام ، ومعاملة أهل الكتاب بالبر والقسط كما أمر الله عز وجل ، بل ويمكن للمسلم أن يقصد كل ذلك تحت مظلة " عقد الذمة " الذي جاء به القرآن الكريم ، ولكن استعمال هؤلاء الملبسين لتلك المعاني الحسنة التي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية ، إنما هو - في الغالب - جسر للمعاني الباطلة الهدامة ، وستار لحقيقة " الخلط " بين الأديان ، وليس مجرد " الحوار "، بل الخلط الذي تفقد معه العقيدة الإسلامية جوهرها القائم على شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، لتصبح الفكرة الأهم هي الوصول إلى الله تعالى ، سواء عن طريق اليهودية أو النصرانية أو الإسلام ، فلا فرق عند أصحاب هذه الدعوة بين تلك الأديان ، فإنما هي طرق متعددة ومتكافئة تدل على الله عز وجل ، والله عز وجل يقول : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) آل عمران/85.
وهي دعوة سابقة قديمة ، أطلقها بعض اليهود والنصارى ، يريدون أن يتنازل المسلمون عن أحقية عقيدتهم ، بأن يقبلوا - على الأقل - اعتبار أديانهم أديان حق ونجاة في الآخرة ، ولكن كان الجواب واضحا صريحا في القرآن الكريم : ( وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) البقرة/135.
وحين أصروا على الانتساب إلى ملة إبراهيم عليه السلام كذبهم القرآن الكريم ؛ لأن ملة إبراهيم : إنما هي ملة التوحيد والإيمان بجميع الأنبياء ، واليهود والنصارى وقعوا في الشرك وفي تكذيب الأنبياء .
يقول الله جل وعلا : ( وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ . قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ . أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ . تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) البقرة/135-141.
فتأمل كيف حصر طريق الهداية بطريق واحد ، وهو إيمان اليهود والنصارى بمثل ما آمن به المسلمون من التوحيد وشهادة أن محمدا رسول الله .
فإياك أن يغرك هذا الخلط ، الذي سماه القرآن الكريم " اللبس "، وذلك في قوله جل وعلا : ( وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) البقرة/42، قال قتادة رحمه الله : " لا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام ، إن دين الله الإسلام ، واليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله " انتهى من " تفسير ابن أبي حاتم " (1/98) .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" قول القائل : المعبود واحد وإن كانت الطرق مختلفة ، ونحو ذلك من الأقوال والأفعال التي تتضمن إما كون الشريعة النصرانية واليهودية المبدلتين المنسوختين موصلة إلى الله ؛ وإما استحسان بعض ما فيها مما يخالف دين الله ، أو التدين بذلك ، أو غير ذلك مما هو كفر بالله وبرسوله ، وبالقرآن وبالإسلام ، بلا خلاف بين الأمة الوسط في ذلك ، وأصل ذلك المشابهة والمشاركة " انتهى من " اقتضاء الصراط المستقيم " (1/540) .
ويقول الشيخ بكر أبوزيد رحمه الله :
" ليعلم كل مسلم عن حقيقة هذه الدعوة : أنها فلسفية النزعة ، سياسية النشأة ، إلحادية الغاية ، تبرز في لباس جديد ، لأخذ ثأرهم من المسلمين : عقيدة ، وأرضا ، وملكا ، فهي تستهدف الإسلام والمسلمين في :
1. إيجاد مرحلة التشويش على الإسلام ، والبلبلة في المسلمين ، وشحنهم بسيل من الشبهات ، والشهوات ؛ ليعيش المسلم بين نفس نافرة ، ونفس حاضرة .
2. قصر المد الإسلامي ، واحتواؤه .
3. تأتي على الإسلام من القواعد ، مستهدفة إبرام القضاء على الإسلام واندراسه ، ووهن المسلمين ، ونزع الإيمان من قلوبهم ، وَوَأده .
4. كف أقلام المسلمين وألسنتهم عن تكفير اليهود والنصارى وغيرهم ممن كفرهم الله ، وكفرهم رسوله صلى الله عليه وسلم - إن لم يؤمنوا بهذا الإسلام ، ويتركوا ما سواه من الأديان .
5. وتستهدف صياغة الفكر بروح العداء للدين في ثوب وحدة الأديان ، وتفسيخ العالم الإسلامي من ديانته ، وعزل شريعته في القرآن والسنة عن الحياة ، حينئذ يسهل تسريحه في مجاهل الفكر ، والأخلاقيات الهدامة ، مفرغا من كل مقوماته ، فلا يترشح لقيادة أو سيادة ، وجعل المسلم في محطة التلقي لمَا يملى عليه من أعدائه ، وأعداء دينه ، وحينئذٍ يصلون إلى خسة الغاية : القفز إلى السلطة العالمية بلا مقاومة .
6. وتستهدف إسقاط جوهر الإسلام واستعلائه ، وظهوره وتميزه ، بجعل دين الإسلام المحكم المحفوظ من التحريف والتبديل في مرتبة متساوية مع غيره من كل دين محرف منسوخ ، بل مع العقائد الوثنية الأخرى .
7. وترمي إلى تمهيد السبيل " للتبشير بالتنصير " والتقديم لذلك بكسر الحواجز لدى المسلمين ، وإخماد توقعات المقاومة من المسلمين ؛ لسبق تعبئتهم بالاسترخاء والتبلد .
8. ثم غاية الغايات : بسط جناح الكفرة من اليهود والنصارى والشيوعيين وغيرهم على العالم بأسره ، والتهامه ، وعلى العالم الإسلامي بخاصة ، وعلى العالم العربي بوجه خاص ، وعلى قلب العالم الإسلامي ، وعاصمته : " الجزيرة العربية " بوجه أخص ، في أقوى مخطط تتكالب فيه أمم الكفر وتتحرك من خلاله ؛ لغزو شامل ضد الإسلام والمسلمين بشتى أنواع النفوذ : الفكري ، والثقافي ، والاقتصادي ، والسياسي ، وإقامة سوق مشترك ، لا تحكمه شريعة الإسلام ، ولا سمع فيه ولا طاعة لخلق فاضل ولا فضيلة ، ولا كسب حلال ، فيفشو الربا ، وتنتشر المفسدات ، وتدجن الضمائر والعقول ، وتشتد القوى الخبيثة ضد أي فطرة سليمة ، وشريعة مستقيمة .
وإنا لنتلو قول الله تعالى : ( إنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ) الأعراف/155" انتهى .
ويقول أيضا رحمه الله – في ختام رسالته السابقة –:
" يجب على المسلمين الكفر بهذه النظرية " وحدة كل دين محرف منسوخ مع دين الإسلام الحق المحكم المحفوظ من التحريف والتبديل الناسخ لما قبله ". وهذا من بدهيات الاعتقاد والمسلمات في الإسلام .
ويجب على أهل الأرض اعتقاد تعدد الشرائع وتنوعها ، وأن شريعة الإسلام هي خاتمة الشرائع ، ناسخة لكل شريعة قبلها ، فلا يجوز لبشر من أفراد الخلائق أن يتعبد الله بشريعة غير شريعة الإسلام .
ويجب على جميع أهل الأرض من الكتابيين وغيرهم الدخول في الإسلام بالشهادتين ، والإيمان بما جاء في الإسلام جملة وتفصيلا ، والعمل به ، واتباعه ، وترك ما سواه من الشرائع المحرفة والكتب المنسوبة إليها ، وأن من لم يدخل في الإسلام فهو كافر مشرك .
ولا يجوز لأحد من أهل الأرض اليوم أن يبقى على أي من الشريعتين : " اليهودية والنصرانية " فضلا عن الدخول في إحداهما ، ولا يجوز لمتبع أي دين غير الإسلام وصفُهُ بأنه مسلم ، أو أنه على ملة إبراهيم .
نسأل الله سبحانه أن يهدي ضال المسلمين ، وأن يذهب عنهم البأس ، وأن يصرف عنهم كيد الكائدين ، وأن يثبتنا جميعا على الإسلام حتى نلقاه إنه على كل شيء قدير . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى من رسالة " الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان " (ص5-103) .
وانظر في موقعنا الفتوى رقم : (10213) ، (10232) ، (128172) .
والله أعلم .
المصدر
تعليق