السندريلا ... هل قتلت أم انتحرت
في هذه الحياة هناك أشخاص يمرون عليها مرور الكرام ، لا يشعر بحياتهم و لا مماتهم أحد فهم الحاضرون الغائبون.
وآخرون كما أحدثت حياتهم دوي و ضجيج أحدث موتهم و هم الغائبون الحاضرون.
و سندريلا الشاشة العربية من هذا النوع الثاني الذي يترك بصمته في أي مكان يلج إليه، كل ما فيها يدعوك و يأمرك بالتوقف بدء من مشوار حياتها و مرورا بجمالها و مرحها ووصولا حتى لموتها! .
أيقونة الجمال و الشباب منذ تربعت على عرش القلوب فخفقت من أجلها القلوب ، صنعت لنفسها أسطورة لأنها بالفعل أسطورة لن يستطيع الزمان محوها .
مع والدها وشقيقاتها ..
أسمها بالكامل "سعاد محمد كمال حسني البابا" ولدت عام 1943 بحي بولاق أحد أشهر الأحياء الشعبية بالقاهرة، نشأت في أسرة فقيرة كبيرة العدد ، الأب و زوجتان و ستة عشر أخ و أخت ، ترتيبها بينهم العاشرة .
دبت الخلافات العائلية بين أبيها و أمها فانفصلا و هي بسن الخامسة ، لم تحظي سعاد بأي قدر من التعليم حتى تزوجت أمها من زوجها الثاني و الذي كان يعمل بمجال التعليم فأشرف على تعليمها بالمنزل .
كان الشاعر و المخرج "عبد الرحمن الخميسي" صديقا لوالدها و قد رأى فيها موهبة مبكرة توشك على الظهور فأسند لها دور "أوفيليا" في مسرحيته المقتبسة عن رائعة شكسبير "هاملت" أذهلت به الجميع.
اول افلامها "حسن ونعيمة" ..
أدت السندريلا العديد و العديد من الأدوار السينمائية التي تعد بصمة في تاريخ المصرية و العربية أهمها :
- "القادسية" : و هو فيلم تاريخي أنتاج مصري عراقي مشترك عن الحرب بين الجيش الإسلامي و الجيش الفارسي.
- "الكرنك" : الذي منع عرضه لفترة ثم أضيف إلى نهايته مشهد أصرت الرقابة على أضافته، و هذا الفيلم يحتوي على أعنف مشهد اغتصاب في تاريخ السينما المصرية.
- "خلي بالك من زوزو" : الذي كان بمثابة الطفرة الحقيقة في مسيرة السندريلا الفنية ، و الذي صمد في دور السينما لمدة عام كامل نظرا للإقبال الجماهيري منقطع النظير عليه .
- "الراعي و النساء" : أخر أفلامها مع الرائع "أحمد زكي" والذي لم يلقى نجاحا يذكر عكس ما توقع له .
أما عن الرجال في حياة السندريلا فقد تزوجت خمس مرات أهمهم في قلبها زواجها العرفي من "العندليب الأسمر" ، و الذي ظلت عائلتها تنفيه حتى وقت قريب، و هو ما أكده الصحفي"مفيد فوزي" و طبيبها الخاص و صديقها في الغربة "عصام عبد الصمد" الذي جاء على لسانه هذا الحوار بينه و بينها :
هو : هل إشاعة زواجك من حليم صحيحة؟
هي : نعم صحيحة.
هو : أذن لماذا أخفيتها كل هذا الوقت؟
هي : كانت هذه رغبة عبد الحليم فقد خاف على مشاعر معجباته و قد غاظني الأمر و قلت له أنا أيضا أخاف على مشاعر معجبيني.
هو: و بعد وفاته لماذا لم تعلني هذا الزواج؟
هي: خشيت أن تعتقد عائلته أني أطمع في الميراث فآثرت الصمت.
و قد كانت الشرارة الأولى بينهما بالمغرب عندما سافرا معا ضمن الوفد المصري للاحتفال بالجلوس الملكي ، هناك اتفقا على الزواج السري.
كان عبد الحليم شديد الغيرة عليها
و قد كان حليم شديد الغيرة عليها يجعل المراقبين يتلصصون عليها ليعرف كل خطوة تخطوها وقد صرح طبيبه الخاص أن مرضه جعله غير قادر على ممارسة حقوقه الزوجية ، توترت العلاقة بينهما عقب عرض فيلم "خلي بالك من زوزو" و لكنها ظلت على ذمته حتى وفاته.
وطريق المرض في حياتها طويل بطول عمرها عانت فيه من الآلام و الأوجاع التي لا يتحملها بشر ! بدأ عندما انزلقت قدماها على سلم بيتها المتهالك وهي في الخامسة من عمرها ، مما أدى إلى إصابتها بشرخ في العمود الفقري، و عندما أدت في أحد أفلامها دور لاعبة سيرك أصرت على أن تقوم هي بالحركات الخطيرة ، فازدادت حالتها سوء و أبلغها الأطباء عن احتمال إصابتها بالشلل ، أصيبت بفيروس في العصب السابع بوجهها أدى إلى شلله و تغير ملامحه، بدأ كل من يشاهدها يلاحظ زيادة وزنها بشكل سريع، أصيبت بهشاشة العظام وأدت كثرة الأدوية و العقاقير التي تناولتها إلى خلل كبير في أسنانها مما أضطر معه طبيبها المعالج إلى خلعها كلها وإعادة تركيبها .
في أحد مستشفيات لندن أجرت عملية تركيب شريحة في ظهرها لمحاولة علاج التآكل بين فقرتين بالعمود الفقري و لكن زيادة وزنها أدت إلى التواء الشريحة التي كانت تسبب لها آلام شديدة وجعلتها غير قادرة على الحركة.
في تلك الفترة كانت سعاد تعالج على نفقة الدولة و لكن كعادة أصحاب القلوب الرحيمة لم يعجبهم ذلك و أدعوا أنها ليست مريضة و أن ما تقوم به في لندن ما هو إلا عمليات تجميل و تخسيس لوزنها و الشعب أولى بهذه النفقات (قلبهم على الشعب!) .
سنواتها الأخيرة كانت قاسية
و قد أتت نار الغيرة التي تمتلئ بها القلوب الحاقدة على السندريلا آثارها فقد أوقفت الدولة نفقات علاجها رغم تظلمها ، و كان هذا سببا للحالة النفسية السيئة التي وصلت لها خاصة أنها كانت تعاني من الاكتئاب نتيجة وفاة الشاعر"صلاح جاهين" الذي ربطتها به علاقة صداقة قوية حتى أنها أقامت معه لترعاه خلال الخمسة أيام الأخيرة من حياته ، وعندما مات بكته كما لم تبكي أبيها و قالت: (اليوم مات والدي و رفيق مشواري الفني و صديقي الغالي) دخلت بعدها في حالة اكتئاب لمدة طويلة ، فأضطر الأطباء إلى إعطائها أدوية مضادة للاكتئاب.
و مما زاد حالتها سوء على سوء تلك المقالة التي كتبت عنها في جريدة"روزاليوسف" و التي كسرت كبريائها عندما وصفتها الكاتبة بأنها تعيش حياة التسول في شوارع لندن و أنها تقتات من صناديق النفايات و أن أحد أصدقائها دعاها إلى منزله لكي يشاهدها الآخرون و يسخرون من بدانتها ! .
كل هذا و أميرة القلوب صامدة صامتة تتلقى العلاج و تتبع نظام غذائي قاس حتى تصل للوزن الذي يسمح لها بالحركة! وترفض جميع المساعدات التي تعرض عليها بعزة نفس و كبرياء .
قبل أن نسرد حادثة موتها علينا أن نلقي أولا الضوء على مبني"ستيوارت تاور" المبني الذي سقطت السندريلا من أحدى شرفاته . فقد عرف ببرج الانتحار ، يقطنه العديد من العرب و خاصة المصريين ، حدثت به العديد من حالات الانتحار - المشكوك فيها - لعرب و أجانب علي حد سواء، سنذكر في عجالة أهم حادثتين :
- الليثي ناصف :
قائد و مؤسس الحرس الجمهوري في عهد عبد الناصر و عمل مع السادات لفترة ثم طلب بعدها نقله ليعمل بالخارج بوزارة الخارجية ، و أقام فور وصوله "بستيورات تاور" و في صباح أحد أيام عام 1973 أستيقظ مبكرا كعادته و بعد فترة سمعت زوجته طرقا على الباب فإذا به أحد رجال الشرطة يبلغها أن زوجها انتحر و أنه ممدد على الرصيف جثة هامدة.و كان تقرير الطب الشرعي في غاية الاستخفاف بالعقول ! جاء فيه أن القتيل شعر بالدوار و نظرا لأنه طويل القامة فقد سقط بسهولة(أحمد الله على قصر قامتي) .
هناك بعض الروايات التي تؤكد أن ما حدث عملية اغتيال مدبرة.
- أشرف مروان
زوج الابنة المدللة لعبد الناصر و سكرتير السادات، أشاعت إسرائيل عنه أنه عميل مزدوج و أنه أمدها بمعلومات غاية في الأهمية وسرب لهم موعد الهجوم في حرب أكتوبر لكنهم تجاهلوه لعلمهم أنه عميل مزدوج ، لذلك يعتبره البعض خائن.بينما الجانب المصري يؤكد أنه بطل قومي و أن المخابرات المصرية زرعته في الموساد و أمدته بتلك المعلومات الهامة ليكسب ثقة الجهاز (خداع استراتيجي) و في اللحظة الحاسمة يمدوه بمعلومات كاذبة مضللة.
وجد ممددا أسفل البناية و اعتبرته شرطة "اسكوتلاند يارد" منتحرا كعادتهم دوما مع مثل تلك الحالات و نفت وجود أي شبه جنائية.
صورة نادرة قبيل وفاتها
بعد أن تعرفنا علي التاريخ الأسود لهذا المبني المشبوه الذي تفوح منه رائحة الموت فلنرجع بالذاكرة لمساء الخميس الموافق 21 يونيو 2001 و بالتحديد بضاحية مايدافيل بعاصمة الضباب في هذا الوقت خلت الشرفات و البلكونات من الواقفين فيما عدا طفلا صغير لا يتعدي عمره التسع سنوات يقف في شرفة منزله المقابل لمبني ستيوارت تاور ، انجليزي الجنسية من أصول مغربية ، يقف و يحدق بالمارة على قلتهم وإذا به يشاهد جسما يطير في الهواء ثم يسقط سقوطا مدويا ليستقر على الأرض ، ظن لوهلة أن ما يشاهده ما هو إلا هلاوس و خيالات، هرع إلى حضن أمه و هو يرتعد محاولا أخبارها بما رآه ، و اعتقدت الأم في بادئ الأمر أنها مجرد خيالات أطفال ، هرعت إلى الشرفة لتتحقق من الأمر وعندما أيقنت أن ما أخبرها به طفلها صحيح اتصلت بشرطة لتبلغهم أن هناك رجل أنتحر من البناية المقابلة، نعم أخبرتهم أنها جثة رجل لأن الفنانة الراحلة كانت تقص شعرها بشكل مبالغ فيه في هذا الوقت لذلك ظنتها تلك السيدة رجلا.
عندما حضرت سيارة الإسعاف كانت الجثة ملقاة داخل مرأب أسفل العمارة ، تلاشت ملامحها من شدة الارتطام ، عظامها مهشمة خاصة الأطراف ، كان الوجه شديد البياض و ينتج هذا عندما يحدث نزيف داخلي حاد بتجويف البطن، ترتدي "تريننج سوت" أزرق اللون.
اختلفت الروايات فالبعض يشير على أنها حادثة انتحار فقد كانت سعاد تعالج من عدة أمراض مزمنة سببت لها المعاناة و الآلام فضلا عن حالة الاكتئاب التي كانت تمر بها، كما أنها أتبعت نظاما غذائيا قاسيا كان يسبب لها هبوطا حاد ، و مما زاد سوء حالتها حرمانها من تذوق كلمة "ماما" فقد كانت تتمني و لو إنجاب طفل واحد و هو ما أخبرها الأطباء باستحالة حدوثه نظرا لحالتها الصحية.
المبنى الذي سقطت عنه
أما الرافضون لفكرة الانتحار و يميلون أكثر إلي أنها قتلت ثم ألقي بها من الشرفة فأدلتهم كثيرة و مقنعة في نفس الوقت :
- عندما قررت الدولة وقف علاج السندريلا على نفقتها كان لابد لها أن تبحث عن مصدر أخر لتستكمل علاجها و تواجه غلاء المعيشة في لندن فعزمت على كتابة مذكراتها و لا يخفى على أحد علاقتها بجهاز المخابرات كغيرها من الفنانات ، فاستخدام النساء معروف و معمول به من كافة أجهزة المخابرات على مستوي العالم ، فالرجل في حضرة المرأة يصبح كالطفل التائه ، ينسي نفسه و يشي بأقرب الناس إليه ، و تستطيع المرأة أن تصل إلى أعمق خبايا الرجل ، كما فعلت "دليلة" مع "شمشون" حينما باح لها في لحظة انسجام بسر قوته و كان هذا سبب هلاكه! .
تقوم أجهزة المخابرات بتجنيدهن بالضغط عليهن عن طريق أشرطة جنسية تسجل لهن ، فإما التعاون أو الفضيحة! توكل إليهن مهمة الإيقاع بالشخصيات المهمة داخل الدولة و خارجها التي يستهدفها الجهاز ، و أثناء ذلك يتم تصويرهم في أوضاع مشينة تكون فيما بعد وسيلة لتهديدهم و ابتزازهم!
وصرحت الراحلة أنها ستكتب كل شيء و ستزج بالعديد من أسماء الشخصيات العامة التي كان بعضها ما زال في مناصب قيادية ، و يقال أن هذه القيادات أرادت تصفيتها فالعميلة الميتة أفضل من العميلة المتحدثة .
- شخصية صديقتها "نادية يسري" المثيرة للشك !
وهي الصديقة صاحبة الشقة التي سقطت من شرفتها الفنانة الراحلة، فقد جمعت بينهما مصادفة غريبة قبل موتها بأيام ، فقد دعتها للإقامة لديها و كأنها تقودها لمكان حتفها ! .جثمان سعاد حسني برفقة عدد من الفنانين وشقيقتها
كما تضاربت أقوالها مع ما جاء بتحقيقات الشرطة فقد أجابت عند سؤالها عن مكان وجودها وقت وقوع الجريمة أنها كانت عائدة من شراء بعض الاحتياجات على بعد عدة أمتار من البناية، في حين أكدت التحريات أنها لم تغادر الشقة و هو ما يؤكد مشاركتها في الحادث أو على الأقل مشاهدته.
الغريب أنها لم تكلف نفسها عناء الاتصال بعائلة سعاد لتخبرهم بوفاتها إلا في اليوم التالي بل عادت إلى شقتها و قضت ليلتها و كأن شيئا لم يكن و كأن من ماتت لم تكن صديقتها ! .
- أقوال الجيران و شهادتهم أنهم سمعوا صرخات عنيفة و مشاجرة حادة و أنهم أبلغوا الشرطة التي لم تحرك ساكنا! .
- عندما بحث اسكوتلانديارد عن الأداة التي قصت بها الراحلة سلك الشرفة لم يعثروا عليها و كأن من سينتحر سيهتم بإخفائها خارج الشقة! يرى البعض أن الفاعل في غفلة منه نسى و أخذها معه، فالجريمة الكاملة لم توجد بعد! .
- الشهود الذين شاهدوا الجثة أكدوا أنه لم يخرج منها قطرة دم واحدة و هو ما يشير أنها قتلت قبل إسقاطها و هو ما يؤكده التخثر في حجيرات القلب .
- و كما تركت سندريلا في القصة حذائها ليعثر عليها أميرها تركت سندريلا الشاشة العربية حذائها ليكون دليلا على مقتلها ! .
فقد عثر على فردة منه بالحمام و على الأخرى بالشرفة و كأن هناك من كان يدفعها و يجرها و يتصارع معها ! .
- قبل وفاتها أبلغت العديد من أصدقائها بنيتها العودة إلى الوطن بعد أن فقدت 18 كيلو من وزنها و استعادت جزء كبير من صحتها حتى أنها أرسلت 16 حقيبة تحتوي على متعلقاتها الشخصية.
من الجدير بالذكر أن شقيقتها جانجا قدمت بلاغا ضد أربعة من رموز النظام السابق فضلا عن صديقتها تتهمهم فيه بقتل السندريلا و أن الجثمان الراقد في مدافن الأسرة ليس جثمان شقيقتها، لأنه أثناء تغسيلهم له عثروا على كسر بالجمجمة على عكس ما جاء بتقرير الطب الشرعي الإنجليزي الذي أفاد أن الراحلة سقطت على جنبها الأيسر ثم استقرت علي ظهرها و لا يوجد كسور بالجمجمة! .
عزيزي القارئ و جهة نظر أي طرف أقنعتك و جعلت تنضم إليه و تؤيده؟ .
ختاما ..
سواء كانت السندريلا انتحرت أو قتلت فالأكيد الذي لا جدال فيه أنها كما ظلمت في حياتها ظلمت في مماتها !
تعليق