مفتاح الحياة..
توازن في الطاقة البشرية
وجدتها .. وجدتها .. كلمة نرددها كلما توصلنا إلى حل لأحجية تحتل تفكيرنا، أو مسألة عالقة في أذهاننا تنتظر جواباً هائماً في مكان ما في هذا الأثير الواسع، كل منا يبحث عن جواب لسؤال ما، نلوب بحثاً عن معرفة لأسئلتنا..نتوق للإجابة عن ما يعتمل أرواحنا وعقولنا من تساؤلات لا تمتلك مفاتيح للحل، البحث عن اليقين راحة لذواتنا، ونظل نبحث ونبحث عما يريح تفكيرنا من الدوران في حلقات مفرغة، جميعنا دون استثناء يسعى للتوصل إلى قمة المعرفة المنتقصة وبلوغها الكمال.قد لا نمتلك أسئلة وأحاجي، قد نخترع بعضها في سبيل استعمال عقولنا، قد .. وقد ويبقى أحدنا منتظراً أن ينطق عبارة أرخميدس المشهورة، وجدتها !! ولكن هل بالفعل امتلكنا الحل!؟ وهل التوصل إلى شي من المعرفة يعني فتح أبواب جديدة أمام معارف أوسع وأعمق؟ أم نكتفي بما بلغناه من علوم لا تشبع شغفنا ونقنع أنفسنا بأننا وجدنا اليقين
المفاتيح كانت دائماً وأبداً بداية حلقة البحث، والخيط الواصل الممتد لتشرَّع الأبواب أمام آفاق جديدة في بحر الحياة الواسع، وتبدأ حكاية المفتاح مع مفتاح الحياة ” غنخ” عند المصريين القدماء، الذي حمل اسم مفتاح النيل أيضاً أو صليب اليد.وكما تتنوع الأسماء تتنوع التحليلات والتفاسير لمعنى كل اسمٍ منهم، وعلى اعتبار مجال البحث في دهاليز العِلم المصري القديم واسع جداً ولا حدود له، نلاحظ أنه لا يوجد توافق تام بين الباحثين حول تفسير معنى هذا المفتاح والهدف الذي وُجد لأجله أو حتى سبب اتخاذه لهذا الشكل الذي اكتسبه..
إنها لمتعة تفوق الوصف في الإبحار والخوض في تفاصيل الأسرار التي تركتها الحضارة الفرعونية بما يعتريها من غموض وتشويق، بما فيها من حكايا وأساطير لها معاني ودلالات لم تتكشف خفاياها إلى يومنا هذا، وقد نال مفتاح الحياة “عنخ” نصيب الأسد من هذه التفاسير، التي سنتعرض للبعض منها هنا .
وباعتباره أول تعويذة في المعتقدات المصرية كان قد قدمها الإله الفرعوني “تحوت” إله الحكمة إلى البشر، أتت بالتزامن مع بداية ظهور اللغة الهيروغليفية، فكان أبرز ما شغل تفكير الباحثين في علم المصريات Egyptology، وأخذ حيزاً كبيراً في دراساتهم وتحليلاتهم، بدءاً من تصميمه الذي يبدو على شكل عروة لوزية مثبتة على جسم رأسي قائم، يفصل بينهما جزء عرضي.وبما أن الأصل الذي استمد منه تصميم هذا الرمز مازال غامضاً ومبهم، فقد اختلفت الآراء حول الهدف منه وتعددت الأقاويل، واتجه البعض إلى الاعتقاد بأنه رمز كوني غير بشري له ارتباط بالآلهة التي تمنح الحياة والخلود والقوة الخارقة، وفيما يلي أبرز ما قيل في هذه التميمة.
الحياة الأبدية
مال العدد الأغلب من الباحثين إلى تفسير معنى هذه التعويذة بأنها كانت رمزاً للحياة التي تستمر بعد الموت وأن الفراعنة استعملوه في هذا الصدد، فأثناء أداء طقوس عباداتهم القديمة كانوا يقربونه من الوجه لكي يمنحوا الإنسان المزيد من الأنفاس تكسبه سنوات حياة جديدة سعياً منهم للخلود الأبدي..ولذلك ارتبطت علامة مفتاح الحياة بالعالم الآخر، بما أن أمل الموتى هو الانبعاث والحياة من جديد، وتلازم أيضاً ظهور هذه التميمة مع عدد من الرموز الأخرى ذات الطابع السحري التي اعتُقد بأنها تمنح الحياة والسكينة والطمأنينة والحماية للمتوفي..فغالباً ما نرى رمز عنخ موجوداً في لوحات المدافن المصرية القديمة، بشكل زخرفي مصنوع من معدن مصقول بالذهب أو النحاس ويرمزون بذلك للشمس التي يجسدها حورس إله الشمس الذي يمسك المفتاح بيده، والمقصود منه هو بعث صاحب المدفن من الموت إلى الحياة.
الولادة والحياة
بينما اتجه باحثون آخرون للاعتقاد بأن قدماء المصريين قد صمموا هذا المفتاح كرمز للولادة وبزوغ الحياة، وبأنهم قاموا برسمه على شكل يشبه الرحم، وتفرّع البعض منهم بوصفهم لشكله فقالوا أن المقبض المعكوف بشكل بيضاوي ذو نقطتين متعاكستين في رأسه يرمز إلى المذكر والمؤنث لأنهما أساس وجود الحياة بكافة أشكالها.وأضاف آخرون بأن المفتاح يصور في شكله الالتقاء الروحي بين الآلهتين إيزيس وأوزوريس وما تركه من أثر على وفرة المياه في نهر النيل وهو أساس نشوء الحياة في مصر.
وفي تفسير آخر يقود لنفس معنى الولادة وبداية الحياة، قيل أن هذا الرمز يأخذ هيئة رجل في وضعية الوقوف على قدميه فارداً ذراعيه على شكل حرف “تي T” ، وهو التعبير الأقدم عن نشوء الحياة، فالخط الأفقي يمثل السماء والخط العمودي يمثل خروج الحياة من الأرض باتجاه السماء، والشكل البيضاوي الذي يعلو حرف T يُقصد به بيضة الخلق، وفي أشكال أخرى كان يأخذ محلها قرص الشمس الذي يرمز للإله حورس.وبسبب hقتناع الفلاحون في مصر بهذا التفسير وتبنيهم له، كانوا يصنعون هذه التميمة من سعف النخيل ومن أعواد القمح ويعلقونها على الأشجار وعلى أبواب مساكنهم طلباً للبركة والخير ونماء المحصول.
الأنوثة والذكورة
وبما أن الحضارة الفرعونية بما تحويه من أساطير تركت أثراً كبيراً لدى العالم الغربي بشكل عام، فقد اهتم الكثير من علمائهم بإيجاد تفسير لتلك النظريات وإعطاء براهين عليها، كان أبرز هؤلاء العلماء الباحث في التاريخ القديم البريطاني “توماس إينمان Thomas Inman” الذي قدم تفسيراً علمياً لمفتاح الحياة عنخ وظهرت نظريته عام 1869..وقد خالف بها كل ما خرج به العلماء العرب سابقاً، ونسف من خلالها جميع تحليلاتهم، بأن هذه التميمة ترمز إلى اجتماع الذكورة والأنوثة في شكل مفتاح الحياة، وما يعنيه ذلك من أن اتحاد هذين العنصرين هو هبة منحها الإله لخلقه ليكملا بعضهما البعض بما لديهم من قدرة على العطاء.
التقاء فرعي النيل
وفي رأي يتلاقى مع فكرة الأنوثة والذكورة والحياة، وصلت التفاسير الحديثة إلى نتيجة مفادها أن المفتاح يصور بشكله امتداد نهر النيل وفروعه، أما الذي يفصل المفتاح في منتصفه هو الخط الفاصل بين الإقليمين الشمالي والجنوبي (مصر والسودان) في عصر الآلهة إيزيس، التي كانت آلهة الخصوبة إيزيس مع أوزوريس حيث أنهما يمنحان نهر النيل الغزارة والحياة، وقد أجمع الأكاديميين المصريين حديثاً بأن مفتاح الحياة يجسد الدور الهام لنهر النيل في وجود الحياة في مصر..واعتبروا أن الجزء العمودي للمفتاح يمثل مجرى النهر من الجنوب إلى الشمال، وأن الخط الأفقي يمثل ضفتي نهر النيل في شرق مصر وغربها، أما الرأس البيضاوي فهو يرمز لمنطقة دلتا النيل التي تقع شمال مصر.
الطب القديم
ويروى أن المصريون القدماء قد استعملوا علامة مفتاح الحياة في الطب الذي يأخذ طابع السحر، وقد اسموها حينها بالحجاب وظنوا أنه يمتلك القدرة على منح القوة والحياة ويقي من الشر، وكانوا يستخدمون هذا المفتاح المصنوع من المعدن لمعالجة لدغات الأفاعي والعقارب..فكانوا يعتقدون بإمكانية إيقاف مفعول السم من خلال وضعه لمدة محددة على مكان اللدغ، بينما استعان به الأطباء القدامى في تسكين الآلام واستعملوه كمضاد حيوي في بعض الحالات.
الطب الحديث (العلاج بالطاقة)
وبناءً على ما توصل إليه العلم الحديث من نظريات ودراسات علمية مدعومة بالبراهين، أقر العلماء بأن رمز المفتاح “عنخ” هو الشكل الهندسي الوحيد القادر على إعادة تنظيم الطاقة وتجديدها في المكان الذي يتواجد فيه، فمن خلال البحوث التي قام بها عالم الفيزياء الأميركي والتر بومان راسل Walter Bowman Russell وصل إلى نتيجة تبين أن الكون نشأ وتطور بسبب التفاعل بين طاقتين رئيسيتين هما الطاقة الكهربائية مقابل الطاقة المغناطيسية.
وهو ذات الشيء الذي وصل إليه الفراعنة في علومهم بأن الكهرباء هي طاقة الشمس التي اعتبروها مذكّر، أما المغناطيسية فهي طاقة القمر وهي المؤنث، وتوصلوا إلى أن الحياة نشأت نتيجة للتوازن والتفاعل بينهما.وبالعودة لنظرية والتر راسل فإن الكهرباء تنتقل في خطوط مستقيمة ومتقاطعة، أما المغناطيسية فتنتقل في خطوط ذات شكل بيضاوي أو شبه دائري، وإن قارننا هذه النتيجة بالشكل الذي أخذه مفتاح الحياة سنجد أن الجزء السفلي منه الذي جرى تصميمه على شكل حرف T وهو يمثل الطاقة الكهربائية أو الشمس، في حين أن الجزء الأعلى منه ذو الشكل البيضاوي فهو يمثل الطاقة المغناطيسية أو القمر..فهو رمز للتوازن بين الطاقتين، ولهذا السبب يتم الاعتماد عليه بشكل رئيسي في علم العلاج بالطاقة، وهو أداة أساسية تمكن من ضبط الطاقة الحيوية لدى بعض المرضى، وهذا ما دفع الكتير من الناس لأن يضعوا رمز مفتاح الحياة في منازلهم فهو يساعد على نشر الطاقة الكهرومغناطيسية بشكل متوازن في المكان الذي يوضع فيه، وهذه الطاقة تؤثر إيجابياً في سلوك ومزاج الأشخاص المتواجدين به وتشعرهم بالارتياح.
تفاسير متنوعة
وعلى الرغم من اقتناع الأغلبية المطلقة من الباحثين بما ذكر أعلاه من تفسيرات وتحليلات تميل إلى أن تكون منطقية كونها ترتكز على دليل حسي مدرك، لكن ذلك لم يكن كافياً لإقناع كل الباحثين والمهتمين بتفسير ماهية تميمة عنخ..#ذهب البعض للاعتقاد بأن هذا المفتاح الفرعوني يرمز إلى سعي البشر للمعرفة التامة والوصول إلى أسمى درجات العلم، وقد اعتبره البعض الآخر أنه تميمة تجلب الحظ والسعادة وتمنح لحاملها القوة والصحة والخير الدائم، وكان ذلك سبب ارتداء قادة الجند لها في أعناقهم أثناء الحروب أو نقشهم لها على معاصمهم ودروعهم، وانتقل هذا الاعتقاد إلى الرومان ولاحقاً إلى أوروبا وظنوا أنها تساعدهم على الانتصار في المعارك.
بينما رأى آخرون أنه يمثل حزام كان يرتديه الصيادون والعمال من الطبقة الدنيا ويظهر ذلك في نقوشات مصر القديمة، بينما تهيأ للبعض أن رمز المفتاح يمثل غطاء العورة عند الرجال في قديم الزمان، كما ظن البعض الآخر بأنه مجرد تعويذة تساعد على حمايتهم من الأخطار، فكان عمال المناجم في مصر القديمة يعلقونه في رقابهم إيماناً منهم بذلك.وكما تعددت التفسيرات والتحليلات حول ماهية هذا المفتاح ووظيفته، فإن الآراء اختلفت حول المفعول الذي يؤديه بحسب لونه، فكان يعتقد بأن المفتاح ذو اللون الذهبي والأزرق يستعمل لطرد الأرواح الشريرة وصد الحسد والعلاج منه، واللون الأبيض يدل على الطهارة.أما اللون الأخضر فهو لضمان الصحة التامة والشباب الدائم، والمفتاح ذو اللون الأسود يستخدم لجلب الحظ، في حين أن تميمة المفتاح المصنوعة من الذهب فهي تجمع كل عناصر الخير وتجلبها وتمنع كل ما فيه شر وتصده.انتشر اسم مفتاح الحياة عنخ في مختلف أصقاع العالم، وظهرت حوله العديد من النظريات محاولة فهم وإثبات معناه وماهيته، ترك أثراً لدى كل من عرف به وصار رمزاً يلف العالم من أقصاه إلى أقصاه باعتباره أحد أهم الرموز العجيبة التي أبدعتها إحدى أعظم الحضارات البشرية وأقدمها.
وتأثرت به معظم الثقافات على مر التاريخ، فنجد مفتاح الحياة ظاهراً على الكثير من العملات المعدنية القديمة في قبرص كما في آسيا الصغرى، وقد اتخذته العديد من المنظمات حول العالم شعاراً لها كما الكثير من المؤتمرات والفعاليات العالمية، واعتمد كرمز لتمثيل كوكب الزهرة الذي اكتسب اسمه من الآلهة فينوس عند الغربيين.
تعليق