مخلوقات غريبة ما بين الأسطورة و التاريخ
قال تعالى : " و يخلق ما لا تعلمون " . صدق الله العظيم
سمعنا كثيراً عن مخلوقات غريبة في عالمنا ، و كنت أظن أنها مجرد أساطير ، لكن هناك قاعدة و هي أن لكل أسطورة أصل في التاريخ .
فمما سمعنا عنه :
طائر الرخ ، و هي أسطورة نشأت عن طيور عملاقة كانت تعيش فعلاً في الزمان السحيق و انقرضت الآن .
التنين ، و لعله نشأ عن بعض أنواع الديناصورات القديمة الطائرة ، أو الثعابين العملاقة التي تعيش في الغابات .
وهناك غيرها الكثير من المخلوقات المشهورة التي تسيدت عالم الأساطير .
لكن هل سمعتم عن البشر مقطوعي الرأس ..
للوهلة الأولى التي سترى فيها صورهم المرسومة ، ستتوقع ، بل ستوقن إنها أساطير كانت تُرسم على الجدران كغيرها من الأساطير التي أعتاد أهل الحضارات القديمة رسمها على جدرانهم .
لكن لو تعمقنا بالموضوع أكثر .. فربما ستغير رأيك .. إذ تم تسجيل مشاهدات وروايات تاريخية عن هذه المخلوقات منذ العصور القديمة و إلى العصور الوسطى ، تحديدا بالمناطق النائية وفي أماكن شتى من العالم . ولعل هذه الوفرة في الراويات من ناحية الزمان والمكان وتعدد مصادرها هي التي أسبغت على الموضوع نوعا من الواقعية بعيدا عن عالم الأساطير ، أو بالأحرى دفعت الباحثين للتنقيب والبحث عن الأصل الواقعي للأسطورة .
ودعونا نبدأ رحلة البحث من العصور القديمة ، فقد جاء ذكر الرجال مقطوعي الرأس ( Headless men ) على لسان هيرودوت في تاريخه ، وذلك في معرض حديثه عن الأقوام الساكنة في ليبيا القديمة ، فزعم وجود هذه المخلوقات في الجزء الشرقي من البلاد إلى جانب مخلوقات غريبة وقبيحة أخرى كالبشر الكلاب وإنسان الغاب المتوحش .
وفي السياق ذاته ذكر بليني الأكبر في تاريخه الطبيعي قبيلة ( بليميا Blemmyae ) وعدّهم من قبائل شمال أفريقيا و قال : (ليس لديهم أي رؤوس ، وأفواههم وعيونهم تقبع في صدورهم ) ، وقيل بأن هذه القبائل تقطن في أثيوبيا .
المؤرخ سترابو جاء على ذكرهم أيضا ، قال بأنهم مسالمين ويعيشون في الصحراء الشرقية بالقرب من مدينة مروي في السودان . وفي الواقع كانت هناك بالفعل قبيلة تدعى بليميس عاشت جنوب مصر وخاضت حروب عدة ضد الرومان .
البيلميا لم يكونوا بالضرورة من دون رأس ، فبعض الكتاب ذكروا بأنهم كانوا يخبئون رؤوسهم بين أكتافهم . ولعل في ذلك واقعية أكثر ، وربما أصل الأسطورة يعود إلى أشخاص مصابين بنوع من الإعاقة الجسدية أو التشوه الخلقي ، كحدبة الظهر مثلا ، مما يجعل رؤوسهم تبدو وكأنها معلقة إلى صدورهم .
عالم اللاهوت الفرنسي صموئيل بوخارت تطرق إلى كلمة (البليميا) وقال بأنها مشتقة من مصطلحين أو كلمتين عبريتين معناهما "بلا دماغ" . مما يعني أن شعب البليميين كانوا بشرا بلا أدمغة .
خلال عصر الاستكشاف ، تحدث المستكشف والمغامر الانجليزي السير والتر رالي عن رجال مقطوعي الرأس أطلق عليهم أسم ايوايبانوما ، وذلك في معرض حديثه عن رحلته الاستكشافية إلى مقاطعة غوايانا في فنزولا . في الواقع هي لم تكن رحلة استكشافية بقدر ما كانت رحلة للبحث عن الذهب والكنوز الأمريكية القديمة . كان رالي مصمما على أن ما رآه حقيقي ، لكن أغلب الظن أنه هو نفسه لم يشاهد أولئك الرجال مقطوعي الرأس وإنما استوحى قصته من روايات قبائل الهنود الحمر التي تستوطن تلك الأصقاع ، وأستشهد كذلك بما ذكره بعض الرحالة الأسبان الأوائل في كتبهم .
أما البشر الكلاب ، فشعب الأزتيك في المكسيك كان يؤمن أيمانا مطلقا بوجودهم ، زعموا بأنها وحوش تقتل الصيادين ، وآمنوا بأن هذه المخلوقات التي تسمى نجويل (Nagual ) تسرق الجبن وتغتصب النساء لكنهم لا يقتلون أحدا ما لم يتعرض لهم . هذه المخلوقات هي في حقيقة الأمر سحرة من البشر يمتلكون القدرة على التخفي بأشكال وهيئات شتى . ومازال صدى هذه الأساطير يتردد إلى يومنا هذا في بعض المناطق النائية من المكسيك حيث يعتقد الناس أن النجويل هم أشخاص لديهم القدرة على التحول إلى أشكال حيوانية خلال الليل ويستخدمون هذه القدرة في اقتراف الجرائم والسرقة والاغتصاب ، يعني تقريبا نفس فكرة المستذئب في الفلكلور الأوربي .
المخلوقات المتحولة لها مثيل آخر في أساطير شعوب الهنود الحمر ، خصوصا فلكلور قبائل النافاجو في الولايات المتحدة ، حيث توجد أسطورة الماشي بالجلد (skin walker ) ، وهي تتحدث عن سحرة أشرار من الرجال والنساء لهم القدرة على التحول والتنقل في هيئة حيوانات ، ولا يتمكن الساحر من نيل هذه القدرة الخارقة إلا عن طريق اقتراف عمل شرير بشع يدمر الجانب الإنساني من شخصيته ولا يبقى إلا على الجانب الحيواني ، كقتل أفراد عائلته أو اغتصابهم أو ممارسة الجنس مع جثث الموتى في المقابر – نيكروفيليا - .
بعيدا عن الأمريكيتين ، عرف العالم القديم أساطير كثيرة عن البشر ذوي الرؤوس الكلبية ، وأغلب الظن أن معظم تلك الأساطير مستمدة من أشكال الآلهة الفرعونية القديمة ، خصوصا انوبيس ، أله الموتى الذي يتجسد في هيئة إنسان برأس أبن آوى ، وكذلك حابي ، وهو أحد أبناء حورس الأربعة الذين يحرسون عرش اوزيريس في العالم السفلي ، والذي يظهر بهيئة إنسان برأس قرد البابون ، وهو شبيه بالكلب طبعا . ومن وحي هذه الأساطير المصرية القديمة ظهرت أسطورة البشر المستكلبين (Cynocephaly ) فذكرت المصادر الإغريقية القديمة أن هؤلاء البشر هم أقوام متوحشة تسكن الهند وتستوطن الجبال العالية ، وقالوا بأن هذه الأقوام أو القبائل تتواصل مع بعضها عن طريق النباح وتعتاش على الصيد . أما المؤرخ الشهير هيرودوت فقد ذكر بأنهم من الأقوام التي تستوطن شرق ليبيا القديمة ، وقد تطرقنا لهذا سابقا .
الكثير من الناس في العصور القديمة كان يؤمن بأن هذه المخلوقات موجودة حقا ، لا بل هي كانت حقيقية في نظرهم إلى درجة أن جدلا طويلا ثار حول كونها من نسل آدم وحواء أم لا . كان يعتقد بأنها مخلوقات خارقة القوة وشريرة . وفي بعض النصوص الدينية القديمة ورد بأنهم كانوا قوم متوحشون يعيشون في مدينة (أكلة لحوم البشر) وبأن الرب أرسل إليهم الرسل وأنهم دخلوا المسيحية ونبذوا أعمالهم الشريرة السابقة . وفي نفس الشأن نجد بعض الرسومات المسيحية الأرثوذكسية تصور القديس كريستوفر في هيئة إنسان برأس كلب . بعض المخطوطات القديمة ذكرت بأن القديس كريستوفر كان في بادئ الأمر رجلا متوحشا برأس كلب يعيش في أرض كنعان ، يأكل لحوم البشر وينبح كالكلاب ، لكنه ندم على أفعاله وتاب بعد أن قابل السيد المسيح ، وقد كوفئ على ذلك بأن عاد إلى الطبيعة البشرية فأصبح رأسه كبقية الناس . طبعا هذه ليست سوى رواية من بين راويات عدة عن حياة القديس كريستوفر . الرواية الأشهر هي أنه كان أنسانا طبيعيا من قوم كنعان لكنه ضخم الجثة وذو وجه مخيف .
الإيمان بوجود البشر الكلاب أستمر خلال العصور الوسطى في أوروبا ، ولعل أسطورة الرجل الذئب (Werewolf ) مستمدة أصلا من أسطورة الرجل الكلب .
الرحالة الأوربيون الأوائل مثل جيوفاني وماركوبولو ذكروا أيضا قصصا عن الرجال الكلاب . جيوفاني قال بأن إمبراطور المغول اوقطاي خان حارب أقواما متوحشة برؤوس كلاب في البحر الشمالي . أما ماركوبولو فقد ذكر بأن هناك جزيرة بالقرب من الصين يسكنها برابرة أجسادهم ضخمة ورؤوسهم كرؤوس الكلاب .
ذو العين الواحدة لكن لو تعمقنا بالموضوع أكثر .. فربما ستغير رأيك .. إذ تم تسجيل مشاهدات وروايات تاريخية عن هذه المخلوقات منذ العصور القديمة و إلى العصور الوسطى ، تحديدا بالمناطق النائية وفي أماكن شتى من العالم . ولعل هذه الوفرة في الراويات من ناحية الزمان والمكان وتعدد مصادرها هي التي أسبغت على الموضوع نوعا من الواقعية بعيدا عن عالم الأساطير ، أو بالأحرى دفعت الباحثين للتنقيب والبحث عن الأصل الواقعي للأسطورة .
ودعونا نبدأ رحلة البحث من العصور القديمة ، فقد جاء ذكر الرجال مقطوعي الرأس ( Headless men ) على لسان هيرودوت في تاريخه ، وذلك في معرض حديثه عن الأقوام الساكنة في ليبيا القديمة ، فزعم وجود هذه المخلوقات في الجزء الشرقي من البلاد إلى جانب مخلوقات غريبة وقبيحة أخرى كالبشر الكلاب وإنسان الغاب المتوحش .
وفي السياق ذاته ذكر بليني الأكبر في تاريخه الطبيعي قبيلة ( بليميا Blemmyae ) وعدّهم من قبائل شمال أفريقيا و قال : (ليس لديهم أي رؤوس ، وأفواههم وعيونهم تقبع في صدورهم ) ، وقيل بأن هذه القبائل تقطن في أثيوبيا .
المؤرخ سترابو جاء على ذكرهم أيضا ، قال بأنهم مسالمين ويعيشون في الصحراء الشرقية بالقرب من مدينة مروي في السودان . وفي الواقع كانت هناك بالفعل قبيلة تدعى بليميس عاشت جنوب مصر وخاضت حروب عدة ضد الرومان .
البيلميا لم يكونوا بالضرورة من دون رأس ، فبعض الكتاب ذكروا بأنهم كانوا يخبئون رؤوسهم بين أكتافهم . ولعل في ذلك واقعية أكثر ، وربما أصل الأسطورة يعود إلى أشخاص مصابين بنوع من الإعاقة الجسدية أو التشوه الخلقي ، كحدبة الظهر مثلا ، مما يجعل رؤوسهم تبدو وكأنها معلقة إلى صدورهم .
عالم اللاهوت الفرنسي صموئيل بوخارت تطرق إلى كلمة (البليميا) وقال بأنها مشتقة من مصطلحين أو كلمتين عبريتين معناهما "بلا دماغ" . مما يعني أن شعب البليميين كانوا بشرا بلا أدمغة .
خلال عصر الاستكشاف ، تحدث المستكشف والمغامر الانجليزي السير والتر رالي عن رجال مقطوعي الرأس أطلق عليهم أسم ايوايبانوما ، وذلك في معرض حديثه عن رحلته الاستكشافية إلى مقاطعة غوايانا في فنزولا . في الواقع هي لم تكن رحلة استكشافية بقدر ما كانت رحلة للبحث عن الذهب والكنوز الأمريكية القديمة . كان رالي مصمما على أن ما رآه حقيقي ، لكن أغلب الظن أنه هو نفسه لم يشاهد أولئك الرجال مقطوعي الرأس وإنما استوحى قصته من روايات قبائل الهنود الحمر التي تستوطن تلك الأصقاع ، وأستشهد كذلك بما ذكره بعض الرحالة الأسبان الأوائل في كتبهم .
أما البشر الكلاب ، فشعب الأزتيك في المكسيك كان يؤمن أيمانا مطلقا بوجودهم ، زعموا بأنها وحوش تقتل الصيادين ، وآمنوا بأن هذه المخلوقات التي تسمى نجويل (Nagual ) تسرق الجبن وتغتصب النساء لكنهم لا يقتلون أحدا ما لم يتعرض لهم . هذه المخلوقات هي في حقيقة الأمر سحرة من البشر يمتلكون القدرة على التخفي بأشكال وهيئات شتى . ومازال صدى هذه الأساطير يتردد إلى يومنا هذا في بعض المناطق النائية من المكسيك حيث يعتقد الناس أن النجويل هم أشخاص لديهم القدرة على التحول إلى أشكال حيوانية خلال الليل ويستخدمون هذه القدرة في اقتراف الجرائم والسرقة والاغتصاب ، يعني تقريبا نفس فكرة المستذئب في الفلكلور الأوربي .
المخلوقات المتحولة لها مثيل آخر في أساطير شعوب الهنود الحمر ، خصوصا فلكلور قبائل النافاجو في الولايات المتحدة ، حيث توجد أسطورة الماشي بالجلد (skin walker ) ، وهي تتحدث عن سحرة أشرار من الرجال والنساء لهم القدرة على التحول والتنقل في هيئة حيوانات ، ولا يتمكن الساحر من نيل هذه القدرة الخارقة إلا عن طريق اقتراف عمل شرير بشع يدمر الجانب الإنساني من شخصيته ولا يبقى إلا على الجانب الحيواني ، كقتل أفراد عائلته أو اغتصابهم أو ممارسة الجنس مع جثث الموتى في المقابر – نيكروفيليا - .
الكثير من الناس في العصور القديمة كان يؤمن بأن هذه المخلوقات موجودة حقا ، لا بل هي كانت حقيقية في نظرهم إلى درجة أن جدلا طويلا ثار حول كونها من نسل آدم وحواء أم لا . كان يعتقد بأنها مخلوقات خارقة القوة وشريرة . وفي بعض النصوص الدينية القديمة ورد بأنهم كانوا قوم متوحشون يعيشون في مدينة (أكلة لحوم البشر) وبأن الرب أرسل إليهم الرسل وأنهم دخلوا المسيحية ونبذوا أعمالهم الشريرة السابقة . وفي نفس الشأن نجد بعض الرسومات المسيحية الأرثوذكسية تصور القديس كريستوفر في هيئة إنسان برأس كلب . بعض المخطوطات القديمة ذكرت بأن القديس كريستوفر كان في بادئ الأمر رجلا متوحشا برأس كلب يعيش في أرض كنعان ، يأكل لحوم البشر وينبح كالكلاب ، لكنه ندم على أفعاله وتاب بعد أن قابل السيد المسيح ، وقد كوفئ على ذلك بأن عاد إلى الطبيعة البشرية فأصبح رأسه كبقية الناس . طبعا هذه ليست سوى رواية من بين راويات عدة عن حياة القديس كريستوفر . الرواية الأشهر هي أنه كان أنسانا طبيعيا من قوم كنعان لكنه ضخم الجثة وذو وجه مخيف .
الإيمان بوجود البشر الكلاب أستمر خلال العصور الوسطى في أوروبا ، ولعل أسطورة الرجل الذئب (Werewolf ) مستمدة أصلا من أسطورة الرجل الكلب .
الرحالة الأوربيون الأوائل مثل جيوفاني وماركوبولو ذكروا أيضا قصصا عن الرجال الكلاب . جيوفاني قال بأن إمبراطور المغول اوقطاي خان حارب أقواما متوحشة برؤوس كلاب في البحر الشمالي . أما ماركوبولو فقد ذكر بأن هناك جزيرة بالقرب من الصين يسكنها برابرة أجسادهم ضخمة ورؤوسهم كرؤوس الكلاب .
من الأساطير الغريبة الأخرى التي تطرقت لها المصادر القديمة هي تلك التي تحدثت عن مخلوقات ذات عين واحدة ، وهي مخلوقات كان لها شهرة واسعة لدى الإغريق والرومان ، وعرفت بأسم سايكلوبس (Cyclops ) ، وقيل بأنها من جنس العمالقة .
أشهر القصص والأساطير عن السايكلوبس هي تلك التي تتحدث عن بوليفيموس ، وقد ورد ذكره بالتفصيل في ملحمة الأوديسا لهوميروس ، قيل بأنه عاش مع قومه من العمالقة في جزيرة صقلية وكان يرعى الحيوانات ويقتات على لحوم البشر الذين يقودهم حضهم العاثر إلى جزيرته .
أحد أولئك الذين وقعوا في قبضة بوليفيموس هو بطل الملحمة أوديسيوس ورجاله الأثناعشر ، فقام العملاق بحبسهم في مغارته وأغلق عليهم درب الخروج بصخرة كبيرة ثم راح يأكل منهم في كل يوم اثنان .
أوديسيوس ورجاله فكروا في سبيل للنجاة من العملاق المتوحش ، وكان لدى اوديسيوس بعض الخمر فقدمه للعملاق الذي سرعان ما ثمل وداهمه النعاس ، وقبل أن ينام نظر إلى اوديسيوس وسأله عن أسمه ووعده بأن يكافئه لو أخبره الحقيقة ، فقال اوديسيوس بأن أسمه هو : "لا أحد " ، فقال العملاق بأنه سيكافئه بأن يستبقيه حيا حتى لا يبقى غيره من الرجال ليؤكل .
العملاق غط في نوم عميق بفعل الخمر ، وكان أوديسيوس قد هيأ عصا كبيرة وأجتهد في جعل رأسها مدببا حادا ثم قام بغرزها في عين العملاق النائم ، فأنتفض العملاق وهو يتخبط ويئن من شدة الألم ونادى على قومه لينجدوه قائلا بأن "لا أحد " غرز عصا في عينه الوحيدة مما تسبب له بالعمى ، فلما سمع قومه ذلك ضحكوا وتركوه ظنا منهم بأنه أصيب بالجنون .
في الصباح فتح العملاق باب المغارة ليخرج أغنامه ، وكان قد فقد نظره مما مكن أوديسيوس ورفاقه مع الهرب بعد أن أوثقوا أنفسهم إلى بطون الأغنام ، وما أن خرجوا من المغارة حتى ركضوا إلى سفينتهم على الساحل وركبوها وانطلقوا مبتدعين عن الجزيرة ، وفيما مركبهم يبتعد صاح اوديسيوس ساخرا من العملاق بوليفيموس ، أخبره بأن أسمه الحقيقي هو أوديسيوس وبأنه خدعه ، فضج بوليفيموس بالصراخ ومن شدة غضبه أقتلع صخرة كبيرة ورماها في عرض البحر نحو سفينة أوديسيوس ، وقد كاد أن يحطم السفينة لولا أن يد القدر امتدت لتنجي اوديسيوس ورفاقه .
قصة أوديسيوس مع العملاق ذو العين الواحدة بوليفيموس نجد لها انعكاس وصدى واضح في رحلة السندباد البحري الثالثة ، حيث أن السندباد ورفاقه نزلوا جزيرة مجهولة في عرض البحر واحتجزوا في قصر عملاق يأكل البشر ، وقد هربوا بنفس الطريقة التي هرب بها أوديسيوس ورفاقه .
الأساطير الإغريقية تخبرنا أيضا عن ثلاثة آخرين من عمالقة السايكلوب ، وهم الأشقاء برونتيس وستروبيس وارجيس ، كانوا من أشقاء التيتان ، وهم الآلهة الأوائل الذين حكموا العالم وكانوا من نسل ربة الأرض وإله السماء ، لكن انقلابا قاده الإلهة الشباب بقيادة زيوس أزاح الآلهة الكبار وأرسلهم إلى سجن عميق بباطن الأرض . الأشقاء الثلاثة اصطفوا مع زيوس ، وكانوا ماهرين جدا في الحدادة ، فصنعوا له سلاحه الفتاك .. البرق .
هناك أسطورة أخرى عن ذوي العين الواحدة ، وهي تتحدث عن الشقيقات غراييا ، وهن ثلاث شقيقات ساحرات كن يتناوبن النظر بعين واحدة ، كل واحدة منهن كانت تنتظر دورها لتأخذ العين وتنظر بها .
المصادر التاريخية القديمة تحدثت أيضا عن وجود أمم من ذوي العين الواحدة ، قيل بأن قبيلة منهم كانت تعيش جنوب روسيا وتدعى اريماسبي (Arimaspi ) ، وهي قبيلة سكيثية من المحاربين الأشداء وكانت في حرب مستمرة مع جيرانها . في الفلكلور الألماني هناك أيضا محاربي الهاغين المرعبين . وفي ايرلندا هناك العملاق بالور الذي يموت في الحال كل من يجرؤ على النظر إلى عينه الوحيدة .
المصادر العربية والإسلامية
وردت العديد من الإشارات إلى وجود هذه الأمم الغريبة في كتب الرحالة والجغرافيين العرب والمسلمين . فلقد ذكر الشيخ الجغرافي العلامة العثماني محيي الدين أبن محمد الريس الذي تـ عام 962 هـ في خرائطه أن بأمريكا الجنوبية : ((أمم من الناس وجوههم في صدورهم وليس لهم رؤؤس وطول الواحد منهم سبع أشبار وبين عينيه مسافة شبر وهم غير مؤذون وأمم أخرى وجوههم وجوه الثعالب والكلاب )) .
وقال العلامة زكريا القزويني في كتابه كتاب (عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات) في قسم – أمم غريبة الأشكال – قال منها - أمة (منسك) وهم في جهة المشرق لهم أذان مثل أذان الفيلة وكل أذن مثل كساء (وهم الذين طولهم وعرضهم سواء) –ومنها- أمة في جزائر البحر وجوههم مثل وجوه الكلاب وسائر بدنهم كبدن الناس يتقوتون بثمار الأشجار وأن وجدوا شيئا من الحيوانات أكلوه –ومنها- أمة لا رأس لأبدانهم وأفواههم وعيونهم على صدورهم )) .
وذكر في كتاب (العظمة) لأبو الشيخ عبد الله بن محمد الأصبهاني ، خبر عن هذه الأمم ، حيث قال بإسناد طويل نقلا عن رجل من أهل رومية : ( أتانا رجل في وجهه أثر خموش قد بقيت, فسألنا: ما هذا الذي بوجهك؟ فقال: خرجنا في مركب, فأذرتنا الريح إلى جزيرة, فلم نستطع نبرح, فأتانا قوم وجوههم وجوه الكلاب, وسائر خلقهم يشبه خلق الناس, فسبق إلينا رجل منهم, ووقف الآخرون عنا, فساقنا الرجل إلى منزله, فإذا دار واسعة وفيها قدر نحاس على أثافيها, وحولها جماجم وأذرع وسوق الناس! فأدخلنا بيتا فإذا فيه إنسان قد كان أصابه مثل ما أصابنا, فجعل يأتينا بالطعام والفواكه, فقال لي ذلك الإنسان: إنما يطعمكم هذا الطعام, فمن سمن منكم أكله! فانظر لنفسك, وكذلك فعل بأصحابي. قال: فكنت أقصر عن الأكل ! فكان كل من سمن من أصحابي ذهب به فأكله, حتى بقيت أنا وذلك الرجل, وحضر لهم عيد, فقال لي الرجل: حضر لهم عيد يخرجون إليه بأجمعهم, ويقيمون ثلاثا, فإن يك بك نجاء فانجُ, فأما أنا فقد ذهبت رجلاي, وأعلم أنهم أسرع شيء طلبا, وأشده استنشاقا لرائحة, وأعرف أثر الرجل, إلا من دخل تحت شجرة كذا, والشجرة تكثر في بلادهم. فخرجت أسير الليل, وأكمن النهار تحت الشجرة, فلما كان اليوم الثالث إذا هم قد جاءوا كالكلاب يقصون أثري, فمروا بتلك الشجرة وأنا فيها, فانقطع عنهم الأثر, فرجعوا, فلما جاوزوا أمنت وخرجت, فبينا أنا أسير في تلك الجزيرة إذ رفع لي شجرة كبيرة, فانتهيت إليها, فإذا بها من كل شجر الفواكه, وإذا تحت ظلالها رجال كأحسن ما رأيت من صورة رجال أندية, فقعدت إلى ناد منهم, فجعلت أكلمهم فلا يفهمون كلامي, ولا أفهم كلامهم, فبينا أنا جالس معهم إذ وضع رجل منهم يده على عاتقي, فإذا هو على رقبتي, ثم لوى رجليه علي, ثم أنهضني, فجعلت أعانفه.. لأطرحه, فخمش في وجهي, وجعل يدور بي على تلك الثمار فيجتنيها ويلقيها إلى أصحابه, ويضحكون ! فلما غمي عمدت إلى عنب فقطعته, ثم أتيت به إلى نقرة في صخرة, فعصرته ثم تركته حتى إذا غلا كرعت فيه, فقال: أي شيء هو؟ فقلت: أكرع, فكرع فيه فسكر, فتحللت رجلاه, فقذفت به, وخرجت ذاهبا حتى دفعت إلى المدينة, فلما دنوت منها إذا ناس كالأشبار, أكثرهم عور, فاجتمع علي منهم جماعة يسوقوني إلى أميرهم, فأمر بي إلى الحبس, فانتهوا بي إلى حبس كقفص الدجاج, فلما أدخلوني قمت فكسرته, فأهملوني, فكنت أعيش فيهم. ثم إذا هم يستعدون للقتال, فقلت لهم: ما هذا؟ قالوا: عدو يأتينا, فلم نلبث أن طلعت الفراش, فإذا أكثرهم عور, فأخذت عصا, فشددت عليها, فطارت وذهبت عنهم, فأكرموني وعظموني, فاشتقت إلى النساء, فقالوا: نزوجك ! وكلما زوجوني امرأة فأفضيت إليها قتلتها! فقالوا: أقمْ عندنا ولا تبال بقتلهن! فعمدت إلى جذعين فهيأتهما, وأخذت حبالا من لحاء الشجر, ثم ربطت الجذعين, وجعلت فيهما طعاما وماء, وركبت واقتنعت ببقية ثوب معي, فألقتني الريح إليكم ..!! فهذه الخموش مما حدثتكم) .
وقد ذكر أيضا هذه الجزيرة أبن الوردي بكتاب خريدة العجائب وفريدة الغرائب وقال مثل قول أبو الشيخ الأصبهاني عنها في بعض (الوثائق العثمانية ) والدالة على وجود هذه الأمم . كما ذكر ابن اياس الحنفي في بدائع الزهور خبر عن الأمم التي تسكن في الأرض السادسة تحتنا ، فذكر منهم امة لهم أجساد بشر و رؤوس كلاب ! .
وقد ذكر خبر هذه الأمم التي لا رؤوس لأبدانهم أيضا في كتاب (المعارف) وقال: (( ثم ملك التُبع العبد بن أبرهة وهو ذو الأذعار سمي بذلك لأنه كان غزا بلاد النسناس فقتل منهم مقتله عظيمة ورجع إلى اليمن من سبيهم بقوم وجوههم في صدورهم فذعر الناس منهم فسمي ذا الأذعار وكان هذا في حياة أبيه فلما ملك أصابه الفالج فذهب شقه قبل غزوه وكان ملكه خمسا وعشرين سنة )) .
أصل هذه الأساطير
في الواقع العلماء لم يكتشفوا إلى يومنا هذا أناسا وجوههم في صدورهم ولا بشرا برأس كلب ولا عمالقة بعين واحدة . لكن المؤمنون بقصص ما وراء الطبيعة والغرائب وضعوا بعض التفسيرات لهذه القصص قائلين بأن لا دخان من غير نار ، وبأن القدماء ما كانوا ليجمعوا على ذكر هذه الأساطير لولا أن لها أصلا واقعيا . فذهب البعض منهم إلى أن هذه الأقوام كانت موجودة فعلا لكنها انقرضت بفعل توسع البشر ، وهي في الحقيقة تهمة لا نستطيع أن نزكي بني البشر عنها لما عرف عنهم من الميل للعدوان والعنف طوال تاريخهم .
وهناك من يرى بأن هذه الأقوام هم يأجوج ومأجوج ، وهم محبوسون إلى آخر الدهر .
فيما يرى آخرون بأنهم من أقوام الأرض المجوفة ، وهو موضوع يطول الحديث عنه .
أما التفسيرات العلمية فتذهب إلى أن معظم هذه الأساطير مصدرها إعاقات وعاهات بشرية نادرة ، فكما أسلفنا ، أغلب الظن أن حدبة الظهر هي مصدر أسطورة الرجال مقطوعي الرأس ، أما البشر الكلاب فهناك بالفعل أناس ينمو شعرهم بغزارة فيغطي وجوههم وأجسادهم بالكامل حتى ليظن الإنسان بأنهم ذئاب أو كلاب ، وهذا يحدث بسبب خلل جيني نادر يتسبب في مرض يدعى فرط الشعر الخلقي (Hypertrichosis ) . طبعا القدماء لم يكونوا يعلمون شيئا عن الجينات فربما حسبوا الشخص المصاب بهذه الأمراض من زمرة الوحوش . أما بالنسبة لذوي العين الواحدة فيقال بأن أصل الأسطورة مستمد من منظر الحدادين في العصور القديمة ، فهؤلاء كانوا يغطون إحدى أعينهم بجلدة ولا يعملون إلا بعين واحدة ، والسبب في ذلك هو أن الحداد كان يدرك بأن العمى هو مصيره الحتمي نتيجة تحديقه الطويل إلى النار التي يستعملها في عمله لتذويب وطرق وتطويع الحديد ، لهذا كان يستعمل عين واحدة فقط للعمل ، أما العين الأخرى فيغطيها ويحافظ عليها سليمة من اجل تقاعده ! .
تعليق