قبل الخوض في الحديث عن ردّة فعل المسلمين في الهند، من المهمّ أن نفهم الخلفية التاريخية لطريقة وصول الحكم الإسلامي إلى شبه القارة الهندية التي يبلغ تعداد المسلمين فيها ما يزيد عن ثلث تعداد الأمة الإسلامية، ففيها نحو نصف بليون نسمة: نحو 250 مليونًا في الهند، و160 مليونًا في باكستان و120 مليونًا في بنغلادش. كما أن الأوردو ذات الحروف اللصيقة بالعربية هي اللغة التي يتحدث بها عامة المسلمين في شبه القارة.
الفتح الإسلامي في الهند:
في عام 711م (92هـ) كان تجارٌ مسلمون يبحرون في المحيط الهندي من سيلان قرب ساحل السند. ولكن سفينتهم قد نُهِبت وأُسِر المسلمون وسجنوا. فوصلت أنباء ذلك إلى عاصمة دولة الخلافة، حيث سمع الخليفة الوليد بن عبد الملك بذلك. فأرسل رسالة إلى الحجاج بن يوسف الثقفي، والي العراق أن يطلب من حاكم السند تقديم الاعتذار عن ذلك، وأن يقوم هو (الحجَّاج) بإنقاذ المسلمين المأسورين. فأرسل الحجاج جيشًا بقيادة شابّ من ألمع أبناء الأمة، يحتل اسمه منـزلة مرموقة في قلوب المسلمين، بخاصّة في شبه القارة الهندية، حيث حمل على عاتقه مسؤولية قيادة جيش دولة الخلافة الإسلامية داخل أرض أجنبية، إنه محمد بن القاسم الثقفي، فاتح بلاد السند.
عندما وصل جيش دولة الخلافة ديبال (قرب كراتشي) سلّم محمد بن القاسم مطالبه إلى حاكمها راجا الذي رفضها وبالتالي هزمه المسلمون وفتحوا ديبال. وبعد ذلك أَتْبع محمد بن القاسم نجاحه الأول بفتوحات أخرى، حيث إن واجب المسلمين يقضي بأن يجعلوا كلمة الله عزّ وجلّ هي العليا. وبدافع من العقيدة الإسلامية واصل الجيش الإسلامي تقدمه حتى بلغ ملتان. وفي خلال ثلاث سنوات، أي بحلول عام 714م (95هـ)، أُدخِلت السند بأسرها وجنوب البنجاب في ظلّ حكم الخلافة الإسلامية. وبفتح الجزء الشمالي الغربي من شبه القارة الهندية نَقل الجيشُ الإسلامي عبّاد الأصنام من الظلام إلى نور الإسلام. وطلب محمد بن القاسم من موظفي الخلافة الإداريين بأن يرعوا شؤون الناس بأمانة الإسلام وعدله، فيأخذوا الأموال بحقها من زكاة وجزية دون إرهاق، ويضعوها مواضعها في سد حاجة الفقراء، وتوفير العيش الكريم للرعية في ظل عدل الإسلام.
وفي عهد خلافة هشام بن عبد الملك (105 – 125 / 724م - 743م) فتحت كشمير وكانجرا. وفي عهد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور (136 – فُتحت قندهار، وبذلت الجهود لتعزيز وتوسيع تخوم دولة الخلافة في شبه القارة الهندية. وفي عهد الخليفة هارون الرشيد (170 - 193هـ / 786م - 809م) وسّع الجيش الإسلامي تخوم السند نحو الغرب إلى كوجورات (الموجودة حاليًا في الهند). وفي هذه الحقبة استقرّ الجند الإسلامي وازدهرت مدن جديدة هناك. ومنذ ذلك الوقت فصاعدًا رُفِعت أعدادٌ كبيرة من الهنود من الطبقات الاجتماعية المنبوذة في النظام الكافر وأُدخِلت في ظلّ الأخوة (الإسلامية) العالمية. وقد أُخرجوا من ظلام الجهل والكفر إلى نور الإسلام، يعبدون الله عزّ وجلّ وينبذون آلهتهم من الأصنام الباطلة. فحكم الإسلام ما يعرف اليوم بالهند وباكستان وكشمير وبنغلادش لأكثر من ألف عام.
وعلى خلاف ما يصف المستشرقون تاريخ الهند، يجب أن ندرك أنها كانت إحدى ولايات الخلافة، ولكن ارتباطها بمركز الخلافة كان يضعف أحيانًا حسب قوة الخلافة، وتترك في بعض الفترات لتحكم نفسها بنفسها، ولكن الأحكام الشرعية كانت تطبق عليها من قبل الحكام، وكانت جزءًا من دار الإسلام إلى أن استعمرها البريطانيون. وقد ذكر المؤرخون المسلمون الهند، أمثال ابن كثير الدمشقي (توفي عام 774هـ) في كتابه البداية والنهاية، كجزء من دار الإسلام.
سلطنة دلهي في الهند:
بقيت الهند إحدى مقاطعات الخلافة طيلة عهد سلطنة دلهي (602 - 932هـ / 1205 - 1526م) وفترة حكم دولة المغول الإسلامية في الهند (932 – 1274هـ/ 1526 - 1857م) فيما عدا فترة حكم جلال الدين أكبر (963 - 1014هـ / 1556- 1605م) الذي ارتدّ عن الإسلام وأنشأ دينًا جديدًا.
وفي الربع الأخير من القرن الثاني عشر غزا شهاب الدين الغوري سهل الهند - جانج فاتحًا على التوالي غزني، ملتان، سند، لاهور، ودلهي. وأصبح قطب الدين أيبك أحد قواده سلطان دلهي. وفي القرن الثالث عشر استلم السلطة في دلهي شمس الدين إلتميش (608 – 633هـ/ 1211 - 1236م) وهو مملوك محارب من أصل تركي، مما ساعد السلاطين في المستقبل من التوسع في جميع الاتجاهات. وخلال الـ100 سنة التالية، توسعت ما عرفت بسلطنة دلهي باتجاه الشرق حتى البنغال، وباتجاه الجنوب حتى دكّا. وحكمت تلك السلطنة خمس سلالات حاكمة واحدة بعد الأخرى، وهي: السلالة المملوكية (1206 – 1290م)، وسلالة الخالجي (1290 – 1320م)، وسلالة توغلاق (1320 - 1413م)، وسلالة سيّد (1414 – 1451م) وسلالة لودي (1451 - 1526م).
دولة المغول في الهند:
واستولى بابور الذي جاء من آسيا الوسطى على دلهي عام 932هـ / 1526م وأصبح أول حكام المغول في الهند. وتولى ابنه هُمايون السلطة بعد وفاته (1530 – 1556م). وبحسب وثيقة متوفرة في المكتبة الحكومية في بوبال فإن بابور قد ترك الوصية التالية لهُمايون، التي تبين بأنه رغم نقائصه فقد اهتمّ بتطبيق الإسلام بطريقة عادلة:
أوصيك يا بني بما يلي:
" يجب أن تقيم العدل، وأن تلاحظ الحساسيات الدينية وشعائر الناس، حتى الأبقار التي يعبدها بعض الرعية، فلا تذبحها باستفزاز وتحدٍ، بل إن ذبحتها ففي أماكن خاصة، فهذا يقربك من رعيتك حتى أهل الذمة منهم.لا تهدم أوتتلف أماكن عبادة أي معتقد، وأقم كامل العدل حتى تضمن السلام في البلاد. يمكن أن يبلّغ الإسلام بطريقة أفضل من خلال سيف الحبّ والمودّة بدلًا من سيف الظلم والاضطهاد. تجنب الاختلافات بين الشيعة والسنة. انظر إلى الخصائص المختلفة لشعبك تمامًا كأنها خصائص فصول السنة."
يجب أن ننتبه إلى الجهة التي نأخذ منها تاريخنا، لأنّ معظم تاريخ الهند والتاريخ الإسلامي قد كتبه المستشرقون. نعترف بأن بعض حكام الهند المسلمين أساءوا تطبيق بعض أحكام الإسلام واقترفوا بعض المظالم. ولكن شبه القارة الهندية بقيت تحت حكمهم جزءًا من دار الإسلام، وأن نظام الإسلام كان مطبقًا فيها. وسجلات المحاكم التي لا تزال موجودة في بعض أمّهات المدن تبين أنه لم يكن هناك مصدر قانوني يرجع إليه غير الشريعة الإسلامية، كما أن شبه القارة استمرت تابعة لدولة الخلافة مدة طويلة، حتى إنه لما ضعف ربطها بمركز الخلافة، وصارت تحكم من ولاتها المسلمين بقيت دار إسلام، مرجعها في الأحكام هو الإسلام.
تعليق