إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تشي جيفارا

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تشي جيفارا

    تشي جيفارا

    إرنستو جيفارا دِ لا سيرنا
    صورة:CheHigh.jpg
    ولــد في
    14 مايو 1928
    الأرجنتين
    توفي في
    9 أكتوبر 1967
    بوليفيا


    تشي جيفارا
    إرنستو جيفارا دِ لا سيرنا Ernesto Guevara de la Serna

    (ينطق گيڤارا، بالجيم الخرساء.ولد 14 مايو سنة 1928 و توفي 9 أكتوبر سنة 1967 . ثوري كوبي أرجينتيني المولد، كان رفيق فيديل كاسترو. يعتبر شخصية ثورية فذّة في نظر الكثيرين. وهو شخصية يسارية محبوبة. درس الطب في جامعة بوينيس أيريس و تخرج عام 1953، وكانت رئتيه مصابة بالربو ، و بسبب ذلك لم يلتحق بالتجنيد العسكري . قام بجولة حول أمريكا الجنوبية مع أحد أصدقائه على متن دراجة نارية وهو في السنة الأخيرة من الطب و كونت نلك الرحلة شخصيته و إحساسه بوحده أميركا الجنوبية و بالظلم الكبير من الدول الإمبريالية للمزارع البسيط الاميريكي . توجه بعدها إلى غواتيمالا ، حيث كان رئيسها يقود حكومة يسارية شعبية ، كانت من خلال تعديلات ، وعلى وجه الخصوص تعديلات في شؤون الارض والزراعة ، تتجه نحو ثورية اشتراكية. وكانت الإطاحة بالحكومة الغواتيمالية عام 1954 بانقلاب عسكري مدعوم من قبل وكالة الإستخبارات الأمريكية ، على إثرها سافر للمكسيك بعد أن حذرته السفارة الأرجنتينية من أنه مطلوب من قبل المخابرات الأمريكية ، التقى هناك راؤول كاسترو المنفي مع أصدقائه يجهزون للثورة و ينتظرون خروج فيديل كاسترو من سجنه في كوبا ، ما ان خرج فيديل كاسترو من سجنه و تم نفيه الى المكسيك حتى قرر غيفارا الإنظمام للثورة الكوبية فقد نظر إليه فيديل كاسترو كطبيب هم في أمس الحاجة إليه .
    دخل الثوار كوبا على ظهر زورق و خسروا نصف عددهم في معركة مع الجيش إحتاج بعدها الثوار فترة لأعادة لم شملهم و معالجة جرحاهم و بدء أول هجوم يشنه الثوار ليبرز تشي غيفارا كقائد و مقاتل شرس جدا لا يهاب الموت و سريع البديهة يحسن التصرف في الأزمات لم يعد غيفارا مجرد طبيب بل أصبح قائدا برتبة عقيد و شريك فيديل كاسترو في قيادة الثورة أشرف كاسترو على استراتيجية المعارك و قاد غيفارا و خطط للمعارك عرف كاسترو بخطاباته التي صنعت له للثورة شعبيتها لكن كان غيفارا خلف أدلجة الخطاب و إعادة رسم ايديولوجيا الثورة على الأساس الماركسي اللينيني
    كان خطاب كاسترو الذي سبب إضراب شامل و خطة غيفارا للنزول من جبال سييرا باتجاه العاصمة الكوبية و هرب الرئيس الكوبي باتيستا ليدخل غيفارا على رأس ثلاث مائة مقاتل الى هافانا ليبدأ عهد جديد في حياة كوبا
    صدر قانون يعطي الجنسية و المواطنية الكاملة لكل من حارب مع الثوار برتبة عقيد و لا توجد هذه المواصفات سوى في غيفارا الذي عيين مديرا للمصرف المركزي و أشرف على تصفية خصوم الثورة و بناء الدولة في فترة لم تعلن فيها الثورة عن وجهها الشيوعي و ما أن أمسكت الثورة بزمام الأمور و بخاصة الجيش قامت الحكومة الشيوعية التي كان فيها غيفارا وزيراً للصناعة مثل كوبا في الخارج و تحدث باسمها في الأمم المتحدة زار الإتحاد السوفيتي و الصين إختلف مع السوفييت على إثر سحب صورايخهم من كوبا بعد أن وقعت الولايات المتحدة معاهدة عدم إعتداء مع كوبا لكن عمره السياسي لم يطول فلم تعجبه الحياة السياسية فأختفى و نشرت مقالات كثيرة عن مقتله لكي يرد لعل رده يحدد مكانه لكنه لم يرد و بقي في زائير (الكونغو الديمقراطي ) بجانب قائد ثورة الكونغو باتريس لومومبا يحارب لكن فجأة ظهر في بوليفيا قائدا لثورة جديدة لم يوثق هذه المرحلة سوى رسائله لفيديل كاسترو الذي لم ينقطع الإتصال معه حتى أيامه الأخيرة


    قتل جيفارا في بوليفيا أثناء محاولة لتنظيم ثورة على الحكومة هناك، وتمت عملية القبض عليه بالتنسيق مع المخابرات الأمريكية حيث قامت القوات البوليفية بقتله. وقد شبّت أزمة بعد عملية اغتياله وسميت بأزمة "كلمات جيفارا" أي مذكراته. وقد تم نشر هذه المذكرات بعد اغتياله بخمسة أعوام وصار جيفارا رمز من رموز الثوار على الظلم. نشر فليكس رودريجيس، العميل السابق لجهاز المخابرات الأميركية (CIA) عن إعدام تشي جيفارا. وتمثل هذه الصور آخر لحظات حياة هذا الثوري الأرجنتيني قبل إعدامه بالرصاص ب"لا هيغويرا" في غابة "فالي غراندي" ببوليفيا، في 9 أكتوبر(تشرين الأول) من عام 1967. وتظهر الصور كيفية أسر تشي جيفارا، واستلقائه على الأرض، وعيناه شبه المغلقتان ووجهه المورم والأرض الملطخة بدمه بعد إعدامه. كما تنهي الصور كل الإشاعات حول مقتل تشي جيفارا أثناء معارك طاحنة مع الجيش البوليفي. وقبيل عدة شهور، كشف السيد فليكس رودريجيس النقاب عن أن أيدي تشي جيفارا بُترت من أجل التعرٌف على بصمات أيديه.
    كره تشي اتكال الثورة الكوبية على الاتحاد السوفيتي، واستمر في ابتكار وسائل أخرى للحصول على التمويل وتوزيعه. ولأنه الوحيد الذي درس فعلا أعمال كارل ماركس بين قادة حرب العصابات المنتصرين في كوبا ، فانه كان يحتقر البيروقراطيين ومافيا الحزب الذين صعدوا على أكتاف الآخرين في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، وفي كوبا أيضا.
    كشف آي اف ستون كيف انهمك تشي جيفارا في نقاش علني، أثناء مؤتمر في مدينة بونتي ديل استي بأورجواي مبكرا في 1961 - - وهو المولود في الأرجنتين حيث درس الطب هناك - - مع بعض شباب اليسار الجديد من نيويورك. أثناء تلك المناقشة، مر بهم اثنان من جهاز الحزب الشيوعي الأرجنتيني. لم يستطع جيفارا أن يمنع نفسه من الصياح بصوت عال، "هيي، لماذا انتم هنا، أمن اجل أن تبدءوا الثورة المضادة؟"
    تشي، مثل كثيرون في الحركة الناشئة لليسار الجديد حول العالم، خاض تجربته الأولى مع بيروقراطية الحزب الشيوعي ومقت محاولاتهم لفرض بيروقراطيتهم على الحركات الثورية للسكان الأصليين.
    وفعلا، الثورة في كوبا صنعت، على عكس المفاهيم المعاصرة للكثيرين في الولايات المتحدة اليوم، مستقلة وفي بعض الأحيان معارضة للحزب الشيوعي الكوبي. ولقد أخذ بناء مثل هذه العلاقة التي لم يكن من السهل صنعها عدة سنوات فقط بعد الثورة ونجحت في اخذ سلطة الدولة وتأسيسها دافعة إلى الاندماج بين القوى الثورية والحزب - - الاندماج الذي لم يضع نهاية لمشاكل جيفارا والثورة الكوبية نفسها.
    نستطيع تعلم بعض أشياء عن حالتنا في الولايات المتحدة اليوم بفحص توجهات تشي في أمريكا اللاتينية.
    احد المشاكل من هذا القبيل: اعتماد كوبا المتزايد على الاتحاد السوفيتي (في بعض الأوجه يماثل الاعتماد المتزايد لبعض المنظمات الراديكالية على منح المؤسسات في صورة أموال ولوازم لولبية أخرى). ، قررت الحكومة، أثناء احتياجها اليائس للنقد من اجل شراء لوازم شعبها الضرورية - - وبعد نقاش مرير - - قررت أن تضيع فرصة تنويع الزراعة في كوبا من اجل التوسع في محصولها النقدي الرئيسي، قصب السكر، الذي يتم تبادله أمام البترول السوفيتي، لتستهلك جزء من هذا لبترول وتعيد بيع الباقي في السوق العالمي. وبالتدريج فقدت كوبا، بالرغم من تحذيرات تشي (والآخرين)، القدرة على إطعام شعبها نفسه - - وهي المشكلة التي بلغت أبعادا مدمرة بانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991.
    وهي نفس الأزمات التي أحدقت بالاتحاد السوفيتي والدول التي كان معترفا بها كدول اشتراكية عندما سعوا وراء النموذج الصناعي للتنمية وحاولوا أن يدفعوا ثمنه بالإنتاج والتنافس في السوق العالمي. كان رد فعل تشي: لا تنتج من اجل السوق العالمي. ارفض تحليلات التكلفة/المنفعة ( cost/benefit) كمعيار لما ينبغي إنتاجه. آمن تشي، بان المجتمع الجديد حقيقة، عليه أن يجعل طموحه هو ما يحلم به شعبه من اجل المستقبل، وان يعمل على تنفيذه فورا، في كل أوان وزمان. وحتى تبلغ ذلك، على الثورات الشيوعية بشكل حقيقي أن ترفض معيار "الكفاءة"، وعليها أن ترعى المحاولات المجتمعية المحلية حتى تخلق مجتمعا أكثر إنسانية بدلا من ذلك.
    اصطدم احتقار تشي لكهنوت الماركسية الرسمي (بينما كان يعتبر نفسه ماركسيا)، واحتقاره للبيروقراطيين من كل لون، اصطدم بالنزعة الاقتصادية الميكانيكية المخدرة التي صارت عليها الماركسية. "الثورة"، عند تشي واليسار الجديد الذي يستلهم جيفارا، تقهقرت إلى خلفية الأجندة التاريخية.
    أممية تشي وارتباطه المميز بالفقراء والمنبوذين في كل مكان، ورفضه الاعتراف بقداسة الحدود القومية في الحرب ضد إمبريالية الولايات المتحدة، ألهمت الحركات الراديكالية الجديدة في العالم كله. نادى تشي الراديكاليين لنحول أنفسنا إلى شيء جديد، أن نكون أناس اشتراكيون قبل الثورة، هذا إذا ما كان مقدرا لنا أن يكون لدينا أمل في أن نحقق فعلا الحياة التي نستحق أن نعيشها. نداؤه "بان نبدأ العيش بطريقة لها معنى الآن" تردد صداه عبر الجيل بأكمله، فاتحا ذراعيه ليصل بدرجة كبيرة من ناحية إلى وجودية سارتر، ومن ناحية أخرى ممتدا نحو ماركس. من خلال الحركة، ومن خلال انتزاع مباشرة الثورة عن طريق الاشتباك مع الظلم بكل أشكاله، في كل لحظة، ومن خلال وضع مثاليات المرء فورا في الممارسة العملية، صاغ تشي من التيارات الفلسفية المعاصرة الرئيسية موجة مد من التمرد.
    بالنسبة لتشي، القاعدة الماركسية الأساسية: "من كل حسب قدرته إلى كل حسب احتياجه"، لم تكن ببساطة شعارا للمدى الطويل ولكنها ضرورة عملية ملحة يجب تطبيقها على الفور. العراقيل المضنية لتطوير بلد صغير (أو محطة إذاعية!!!!) طبقا لقواعد اشتراكية، وعلى الجانب الآخر، العراقيل الخاصة في سياق هجوم الإمبريالية الأمريكية المستمر (على شكل حصار ومقاطعة، وغزو، وتهديد بحرب نووية، وتحرشات اقتصادية وأيديولوجية)، كل ذلك كان يصارع ضد رؤية تشي وضيق اختيارات المجتمع الثوري لبدائل أحلاهما مر.
    كثير من منظماتنا الآن، بمعنى من المعاني، تواجه نفس هذه "الاختيارات" اليوم.
    في خضم هذه الضغوط المتعارضة، حاول جيفارا وضع مقاييس مختلفة لكوبا، وللإنسانية عموما. أدار جيفارا عملية توزيع ملايين الدولارات التي حصل عليها من الاتحاد السوفييتي، كوزير للمالية، على الفنانين، وعلى الفلاحين اللذين يعيشون في فقر مدقع، وهو أمر يعتبر في الولايات المتحدة، كما نقول عليه، "مخاطر شديدة التواضع".
    استشاط البيروقراطيون الروس غيظا، مثل أي بنكير رأسمالي، من اتجاه جيفارا القائل بـ "خذ ما تحتاجه، ولا تشغل بالك بكيفية سداده". فقد نبهوا فيدل بضرورة السيطرة على تشي وشددوا بضرورة اصدار لوائح لتنظيم التوزيع "الأمثل" للتمويل، وهو ما حدث بالضبط بعد عشرين سنة تحت حكم برجنيف، وفيما يبدو لم يتعلموا منه شيء، عندما جارت الدولة السوفيتية على بولندا لتسدد ديونها المتضخمة للبنوك الغربية، مسببة صعوبات واستقطاعات دفعت الطبقة العاملة البولندية لاتخاذ رد فعل تمثل في: تأسيس منظمة "التضامن" - Solidarnosc. فعلا، كان الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت أفضل صديق صادفه تشيس مانهاتن في عمره! وقد دفع بذلك الثمن النهائي.
    في 1959، اكتسح رجال حرب العصابات، برئاسة فيدل كاسترو، هافانا واسقطوا الديكتاتورية العسكرية لفولجنسيو باتيستا. هذا برغم تسليح حكومة الولايات المتحدة وتمويلها لباتيستا ولعملاء الـ CIA داخل جيش عصابات كاسترو.
    كان فرانك فيوريني، برتبة ليفتنانت في جيش العصابات، فعليا، واحدا من عملاء الـ CIA العديدين هناك. طفا اسم فيوريني على السطح بعد سنوات قلائل كأحد مخططي عملية خليج الخنازير لغزو كوبا، وبعدها بسنتين كواحد من "الأفاقين" الثلاثة الذين قبض عليهم في دلاس بعد لحظات قلائل من اغتيال الرئيس كنيدي وأطلق سراحه بعدها فورا (واحد من "الأفاقين" الآخرين لم يكن سوى عميل الـ CIA هوارد هانت)، ومرة اخرى كأحد الجناة المتورطين في عشرات من محاولات الـ CIA لاغتيال فيدل كاسترو.
    ذاع صيت فيوريني تماما مرة أخرى في 1973 كأحد أفراد عملية السطو على مركز عمليات الحزب الديموقراطي في الفندق المشهور باسم ووترجيت، منتعلا اسم فرانك ستورجس. حقا، لقد دبرت العملية في وقتها المضبوط حين كانت جلسات استماع ووترجيت على وشك إثارة علامات استفهام جدية حول عملية خليج الخنازير وعمليات الولايات المتحدة السرية في كوبا، وفجأة تكشفت "بشكل غير متوقع" حقيقة وجود شرائط تسجيل سرية تخص البيت الأبيض. ومن هذه اللحظة، كل ما سمعناه كان هو: ماذا كان يعرف نيكسون ومتى علم به، أما الاستجوابات المعبأة بالانفجارات المحتملة والتي كانت على وشك كشف التاريخ السري لتدخلات الـ CIA الغير شرعية في كوبا، وتلك الخاصة بمقتل جون ف كيندي، ومحاولات اغتيال كاسترو، فقد تم تجنيبها بشكل فعال.
    إلا انه وتحت هذا التهديد الدائم بالحرب من جانب الولايات المتحدة - - حربا علنية بالإضافة إلى العمليات السرية التي لم تتوقف - - خطت الثورة الكوبية، بتحريض من جيفارا على وجه الخصوص، بعض من أكثر الخطوات جسارة في التقدم نحو "اشتراكية من طراز جديد".
    قارن بين ذلك وبين الدول "الشيوعية" سابقا، التي ضحت بالسمات الاشتراكية كيفما كانت الرؤية التي كانت لديها، من اجل توفير بيئة مرحبة بالاستثمار الرأسمالي، من اجل القدرة على التنافس في السوق العالمي. تشي، كرئيس لبنك كوبا الوطني، وهو يبحر ضد التيار كعادته دائما - - جعل ورق البنكنوت الكوبي مشهورا عندما كان يوقع عليه بكلمة "تشي". كان السؤال الأول الذي سأله تشي لموظفيه عندما تولى إدارة البنك، "أين تودع كوبا احتياطي ذهبها ودولاراتها؟" وعندما اخبروه، "في فورت نوكس"، بدأ مباشرة في تحويل احتياطي الذهب الكوبي لعملات غير أمريكية تم صدرها للبنوك الكندية والسويسرية. (1)
    لم يكن اهتمام تشي منصبا على تطوير مؤسسات بنكية "كمحلل" في كوبا، ولكن اهتمامه انصب على شيئين: محاربة الإمبريالية الأمريكية، مثل إبعاد ذهب الثورة من بين مخالب حكومة الولايات المتحدة (والتي كانت تستطيع بسهولة شديدة اختراع عذرا لمصادرته، كما فعلت بالممتلكات الكوبية الأخرى فيما بعد. كان تشي بعيد النظر في فهم أن هذه الأشياء قابلة للحدوث)؛ وعلى نفس مستوى الأهمية، اهتم بإيجاد سبل بناء وتمويل خلق إنسان اشتراكي جديد دون الاعتماد على الآليات الرأسمالية، التي فهم أنها سوف تنتهي بتدمير أروع الجهود. وضع تشي وجهة نظره بأروع ما يكون، والذي جري أيضا أنها أصبحت أفكار اليسار الجديد دوليا، في خطاب، "عن الطب الثوري":
    "لقد زرت لحد ما، كل بلاد أمريكا اللاتينية، ما عدا هايتي وسانتو دومينجو. وكانت الظروف التي أحاطت بترحالي، في المرة الأولى كطالب، وفيما بعد كطبيب، سببا في تعرفي عن قرب بالفقر، والجوع، والمرض؛ بالعجز عن علاج طفل بسبب الحاجة إلى المال؛ بظلام العقول الذي يخلقه الحرمان المستمر والمعاملة القاسية، لتلك الدرجة التي يستطيع الأب فيها أن يقبل موت احد أبنائه كأمر عادي غير مهم، كما يحدث غالبا في الطبقات السفلى في أمريكا موطننا الأم . بدأت وقتها إدراك أن هناك أشياء كانت في الأهمية بالنسبة لي مساوية لان أصبح عالما مشهورا أو مساوية لتقديمي مساهمة كبيرة في العلوم الطبية: أدركت أنني ارغب في مساعدة هؤلاء الناس.
    "كيف يمكن للمرء فعلا أن ينفذ عملا من اعمال الرفاه الاجتماعي؟ كيف يوحد المرء المسعى الفردي مع احتياجات المجتمع؟
    "بخصوص مهمة التنظيم هذه، كما بالنسبة لكل المهام الثورية، الفرد بشكل جوهري هو الذي نحتاج إليه. الثورة لا تجعل من الإرادة الجماعية ولا من المبادرة الجماعية، كما يدعي البعض، معيارا واحدا قياسيا. على العكس، أنها تطلق موهبة المرء الفردية من عقالها. ما تفعله الثورة هو وضع هذه الموهبة على الطريق. وتصبح مهمتنا الآن هي وضع القدرات الإبداعية لكل أساتذة الطب على الطريق نحو مهام الطب الاجتماعي.
    "حياة الإنسان الفرد تستحق مليون مرة أعظم من كل ممتلكات أغنى أغنياء الأرض... الإحساس بالفخر لأنك خدمت جارك أكثر أهمية بكثير من مكافأة طيبة على العمل ذاته. والشيء الملموس أكثر والشيء الأبقى من كل الذهب الذي قد يجمعه الفرد هو امتنان الناس له.
    "يجب البدء في محو كل مفاهيمنا القديمة. يجب ألا نذهب للناس ونقول لهم، ’ها نحن قد جئنا‘. جئنا لنتفضل عليكم بوجودنا معكم، لنعلمكم علومنا، لنظهر لكم أخطاءكم، وحاجتكم للثقافة، وجهلكم بالأشياء الأولية‘. يجب أن نذهب بدلا من ذلك بعقل فضولي وروح متواضعة لننهل من هذا المعين العظيم للحكمة الذي هو الشعب.
    "فيما بعد سوف ندرك لمرات كثيرة كم كنا خاطئين في مفاهيمنا التي اعتدناها بحيث أصبحت جزء منا ومكون تلقائي في طريقة تفكيرنا. نحن في حاجة غالبا لتغيير مفاهيمنا، وليس فقط المفاهيم العامة، الاجتماعية أو الفلسفية، ولكن في بعض الأحيان الطبية أيضا.
    سوف نرى أن الأمراض لا تحتاج دائما إلي طرق تدخل علاجية كالتي تستخدم في مستشفيات المدن الكبيرة. سوف نرى أن الطبيب يجب عليه، على سبيل المثال، أن يكون أيضا فلاح ويزرع أطعمة جديدة ويحصدها، لرغبته في استهلاك أطعمة جديدة، وتنويع الهيكل الغذائي الذي هو محدود جدا، وفقير جدا.
    "إذا ما خططنا لإعادة توزيع ثروة هؤلاء الذين لديهم الكثير جدا لنعطي هؤلاء الذين لا يمتلكون شيئا؛ لو نوينا أن يصبح العمل مبدعا يوميا، مصدرا ديناميكيا لكل أسباب سعادتنا، فمن ثم نحن لدينا أهداف نسعى نحوها". (2)
    حب تشي للناس أخذه أولا إلى الكونغو ثم إلى بوليفيا، حيث نظم فرقة من رجال حرب العصابات لتكون، كما كان يتعشم، عاملا مساعدا على الإلهام بالثورة.

    من مجلة الشباب

    من‏ ‏هو‏ ‏جيفارا ?
    بعد‏ ‏مرور‏ 38 ‏عاما‏ ‏علي‏ ‏وفاته‏:‏هل‏ ‏اصبح‏ ‏تشي‏ ‏جيفارا‏ .. ‏مجرد‏ ‏تقليعة‏..‏؟‏!‏
    تحقيق : أمل سرور


    لا‏ ‏أعرف‏ ‏ما‏ ‏الذي‏ ‏ينتابني‏ ‏عندما‏ ‏تقع‏ ‏عيناي‏ ‏عليه‏..‏؟

    ربما‏ ‏قشعريرة‏ ‏تدب‏ ‏في‏ ‏جسدي‏ ,‏أو‏ ‏خفقان‏ ‏يصيب‏ ‏دقات‏ ‏قلبي‏ ‏المتسارعة‏ .. ‏شجن‏ ‏وصمت‏ ‏وتأمل‏ ‏وربما‏ ‏دموع‏ ‏تحاول‏ ‏ان‏ ‏تجد‏ ‏طريقا‏ ‏للهروب‏ ‏من‏ ‏حدقة‏ ‏عيني‏ ‏عيناه‏ ‏تحوي‏ ‏بحورا‏ ‏من‏ ‏الحنان‏ ‏المتحدي‏ ‏والاصرار‏ ‏الصارخ‏.. ‏ابتسامة‏ ‏تخفي‏ ‏وراءها‏ ‏عواصف‏ ‏وأعاصير‏ ‏وربما‏ ‏تسونامي‏ ‏تطيح‏ ‏بكل‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏ظالم‏ ‏علي‏ ‏وجه‏ ‏الأرض‏..!!‏

    ملامح‏ ‏وجهه‏ ‏الشقية‏ ‏الطفولية‏ ‏لا‏ ‏تنم‏ ‏أبدا‏ ‏سوي‏ ‏عن‏ ‏دونجوان‏ ‏قادر‏ ‏بحرفنة‏ ‏أن‏ ‏يوقع‏ ‏نساء‏ ‏الأرض‏ ‏جميعا‏ ‏في‏ ‏فخ‏ ‏عشقه‏ ‏ليخضن‏ ‏حروبا‏ ‏داميةمن‏ ‏أجل‏ ‏الفوز‏ ‏بهذا‏ ‏الرجل‏..!!‏

    كلما‏ ‏نظرت‏ ‏الي‏ ‏قبعته‏ ‏السوداء‏ ‏الشهيرة‏ ‏التي‏ ‏يرتديها‏ ‏فوق‏ ‏خصلات‏ ‏شعره‏ ‏المتهدل‏.. ‏وكلما‏ ‏تأملت‏ ‏سيجارة‏ ‏الكوبي‏ ‏المتميز‏ ‏الذي‏ ‏لم‏ ‏يفارقه‏ ‏طيلة‏ ‏سنوات‏ ‏عمره‏ ‏تذكرت‏ ‏أساطير‏ ‏الزمن‏ ‏الجميل‏ ‏عظمة‏ ‏عبد‏ ‏الناصر‏ , ‏رومانسية‏ ‏حليم‏, ‏حنجرة‏ ‏أم‏ ‏كلثوم‏ , ‏عنفوان‏ ‏بابلونيرودا‏, ‏أصابع‏ ‏بيكاسو‏ ‏السحرية‏, ‏صلاح‏ ‏جاهين‏ ‏وأمل‏ ‏دنقل‏ ‏ونجيب‏ ‏سرور‏ ‏ويحيي‏ ‏الطاهر‏ ‏عبد‏ ‏الله‏ ‏ويوسف‏ ‏ادريس‏.. ‏نظرة‏ ‏اليه‏ ‏تعيد‏ ‏الروح‏ ‏الي‏...!!‏

    تجعلني‏ ‏أفتح‏ ‏رئتي‏ ‏لآخرهما‏ ‏لأستنشق‏ ‏عبير‏ ‏وأصالة‏ ‏زمن‏ ‏الستينات‏ ‏ذاك‏ ‏الزمن‏ ‏الذي‏ ‏لم‏ ‏يسعفني‏ ‏العمر‏ ‏لكي‏ ‏أتذوق‏ ‏حلاوة‏ ‏انتصاراته‏ ‏ومرارة‏ ‏انكساراته‏!!‏

    يخطفني‏ ‏هذا‏ ‏الرجل‏ ‏ويطير‏ ‏بعيدا‏ ‏عن‏ ‏زماننا‏ ‏الذي‏ ‏ضاعت‏ ‏فيه‏ ‏حنجرة‏ ‏أم‏ ‏كلثوم‏ ‏وفيروز‏ ‏وحليم‏ ‏ونجاة‏ ‏وفريد‏ ‏وسط‏ ‏هوس‏ ‏مجنون‏ ‏بالفيديو‏ ‏كليب‏..!!‏

    أتأمل‏ ‏ما‏ ‏حولي‏ ‏من‏ ‏أحداث‏ ‏تافهة‏ ‏وساخنة‏ ‏في‏ ‏آن‏ ‏واحد‏.. ‏فأجد‏ ‏ذلك‏ ‏الرجل‏ ‏يعاود‏ ‏الظهور‏ ‏مرة‏ ‏أخري‏ .. ‏يأتي‏ ‏بدخان‏ ‏سيجارة‏ ‏الكوبي‏ ‏وعباراته‏ ‏القوية‏.. ‏يعود‏ ‏بصوره‏ ‏الشهيرة‏ ‏التي‏ ‏راحت‏ ‏تلصق‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏مكان‏.. ‏علي‏ ‏الجدران‏ , ‏والتيشرتات‏, ‏والميداليات‏, ‏وحتي‏ ‏بوستر‏ ‏علي‏ ‏السيارات‏..!!‏

    تأملوا‏ ‏معي‏ ‏بعضا‏ ‏من‏ ‏عباراته‏ ‏التي‏ ‏عاودت‏ ‏الظهور‏ ‏مرة‏ ‏أخري‏ ‏بل‏ ‏وأصبحت‏ ‏محفورة‏ ‏في‏ ‏أذهان‏ ‏الكثيرين‏ ‏من‏ ‏شبابنا‏..‏

    هو‏ ‏من‏ ‏قال‏ ‏أن‏ ..‏الثورة‏ ‏قوية‏ ‏كالفولاز‏.. ‏حمراء‏ ‏كالجمر‏, ‏باقية‏ ‏كالسنديان‏ ‏عميقة‏ ‏كحبنا‏ ‏الوحشي‏ ‏للوطن‏, ‏إنني‏ ‏أحس‏ ‏بكل‏ ‏صفعة‏ ‏توجه‏ ‏لكل‏ ‏مظلوم‏ ‏في‏ ‏هذه‏ ‏الدنيا‏.. ‏فأينما‏ ‏تجد‏ ‏الظلم‏ ‏فذاك‏ ‏وطني‏ ..‏

    وهو‏ ‏من‏ ‏تحدث‏ ‏قائلا‏..‏الثوار‏ ‏يملأون‏ ‏العالم‏ ‏ضجيجا‏ ‏كي‏ ‏لا‏ ‏ينام‏ ‏العالم‏ ‏بثقله‏ ‏علي‏ ‏أجساد‏ ‏الفقراء‏ .. ‏إن‏ ‏الطريق‏ ‏مظلم‏ ‏وحالك‏ ‏فاذا‏ ‏لم‏ ‏تحترق‏ ‏أنت‏ ‏وأنا‏ ‏فمن‏ ‏سينير‏ ‏الطريق؟‏!‏

    وهو‏ ‏الذي‏ ‏قال‏..‏لن‏ ‏يكون‏ ‏لدينا‏ ‏ما‏ ‏نحيا‏ ‏من‏ ‏أجله‏ ‏إن‏ ‏لم‏ ‏نكن‏ ‏علي‏ ‏استعداد‏ ‏أن‏ ‏نموت‏ ‏من‏ ‏أجله

    انه‏ ‏الثائر‏ ‏المناضل‏ ‏الوسيم‏ ‏المحارب‏ ‏الذي‏ ‏عاش‏ ‏ومات‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏الحرية‏ ‏والعدل‏..‏

    إنه‏ ‏أرنستو‏ ‏تشي‏ ‏جيفارا‏..‏

    لماذا‏ ‏يعاود‏ ‏الظهور‏ ‏الآن‏ .. ‏لماذا‏ ‏يملأمصر‏ ‏والعالم‏ ‏العربي‏ ‏والغربي‏ ‏بصوره‏ ‏ومبادئه‏ ‏وعباراته‏..‏؟‏!‏

    هل‏ ‏تحول‏ ‏هذا‏ ‏الرمز‏ ‏الاسطوري‏ ‏الي‏ ‏مجرد‏ ‏تقليعة‏ ‏أو‏ ‏موضة‏ ‏بين‏ ‏شباب‏ ‏اليوم‏..‏؟‏!‏

    أم‏ ‏أن‏ ‏لعودته‏ ‏دلالات‏ ‏أخري‏ ‏ربما‏ ‏تكون‏ ‏أقوي‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏المعاني‏ ‏التافهة‏..‏؟‏!‏

    هل‏ ‏أصبح‏ ‏جيفارا‏ ‏مجرد‏ ‏اسم‏ ‏أو‏ ‏سلعة‏ ‏تجارية‏ ‏يتنافس‏ ‏عليها‏ ‏التجار‏ ‏للربح‏ ‏السريع‏..‏؟‏!‏

    ومن‏ ‏هو‏ ‏تشي‏ ‏جيفارا‏ ‏ماهي‏ ‏قصة‏ ‏هذا‏ ‏الرجل‏ ‏وهل‏ ‏يستحق‏ ‏هذا‏ ‏الاسم‏ ‏تلك‏ ‏الضجة‏ ‏المثارة‏ ‏حوله‏..‏؟‏!‏

    أسئلة‏ ‏وعلامات‏ ‏استفهام‏ ‏كثيرة‏ ‏ربما‏ ‏تجد‏ ‏اجاباتها‏ ‏عبر‏ ‏السطور‏ ‏المقبلة‏ ‏ربما‏ ‏تعرف‏ ‏جديدا‏ ‏أو‏ ‏نضيف‏ ‏اليك‏ ‏شيئا‏ .. ‏ربما‏ ‏يغلي‏ ‏الدم‏ ‏في‏ ‏عروقك‏ ‏وتضبط‏ ‏نفسك‏ ‏متلبسا‏ ‏متمنيا‏ ‏أن‏ ‏تصبح‏ ‏يوما‏ ‏ما‏ ‏مثل‏ ‏جيفارا‏.. ‏وربما‏ ‏تنهمر‏ ‏دموعك‏ ‏ياولدي‏ ‏انهارا‏ ‏عندما‏ ‏تعرف‏ ‏كيف‏ ‏مات‏ ‏هذا‏ ‏الرجل‏.. ‏إن‏ ‏نجحت‏ ‏في‏ ‏أن‏ ‏أحرك‏ ‏مشاعرك‏ ‏او‏ ‏احاسيسك‏ ‏أيا‏ ‏كانت‏ ‏فهذا‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏اتمناه‏ ‏وإن‏ ‏فشلت‏ ‏فليبق‏ ‏لي‏ ‏شرف‏ ‏المحاولة‏..‏
    ‏من‏ ‏وراء‏ ‏هذا‏ ‏الهوس‏ ‏بجيفارا؟


    هل‏ ‏تعلق‏ ‏صورته‏ ‏في‏ ‏غرفتك‏ ‏أو‏ ‏تضعها‏ ‏علي‏ ‏زجاج‏ ‏سيارتك‏ ‏الخلفي‏ ‏مثما‏ ‏يفعل‏ ‏الكثيرون‏ ‏من‏ ‏الشباب‏ ‏؟

    أم‏ ‏أنك‏ ‏ترتدي‏ ‏تي‏ ‏شيرت‏ ‏أو‏ ‏كاب‏ ‏عليه‏ ‏صورته‏ ‏الشهيرة‏ ‏؟

    والأهم‏ ‏من‏ ‏ذلك‏ .. ‏هل‏ ‏تعرف‏ ‏من‏ ‏يكون؟

    كان‏ ‏أمرا‏ ‏لافتا‏ ‏للنظر‏ ‏جدا‏ ‏أن‏ ‏تنتشر‏ ‏صور‏ ‏جيفارا‏ ‏بهذا‏ ‏الشكل‏ ‏بين‏ ‏الشباب‏ .. ‏حتي‏ ‏كاد‏ ‏الثائر‏ ‏والمناضل‏ ‏الكبير‏ ‏يتحول‏ ‏إلي‏ ‏مجرد‏ ‏موضة‏ ‏يجري‏ ‏وراءها‏ ‏الشباب‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏دول‏ ‏العالم‏ .. ‏وكان‏ ‏السؤال‏ ‏الذي‏ ‏شغلني‏ ‏كثيرا‏ ‏هو‏:‏

    هل‏ ‏هناك‏ ‏شركات‏ ‏أو‏ ‏منظمات‏ ‏أو‏ ‏حتي‏ ‏مؤسسات‏ ‏تجارية‏ ‏تقف‏ ‏وراء‏ ‏طبع‏ ‏صوره‏ ‏علي‏ ‏التي‏ ‏شيرتات‏ ‏والأكواب‏ ‏وزجاج‏ ‏السيارات‏ ‏؟

    هل‏ ‏أكتشفوا‏ ‏فجأة‏ ‏أن‏ ‏له‏ ‏ملامح‏ ‏دونجوان‏ ‏فقرروا‏ ‏أن‏ ‏يحولوه‏ ‏إلي‏ ‏مجرد‏ ‏بضاعة‏ ‏مربحة؟

    أنا‏ ‏شخصيا‏ ‏كلما‏ ‏نظرت‏ ‏الي‏ ‏قبعته‏ ‏السوداء‏ ‏الشهيرة‏ ‏التي‏ ‏يرتديها‏ ‏فوق‏ ‏خصلات‏ ‏شعره‏ ‏المتهدل‏.. ‏وكلما‏ ‏تأملت‏ ‏سيجاره‏ ‏الكوبي‏ ‏المتميز‏ ‏الذي‏ ‏لم‏ ‏يفارقه‏ ‏طيلة‏ ‏سنوات‏ ‏عمره‏ ‏تذكرت‏ ‏أساطير‏ ‏الزمن‏ ‏الجميل‏ ‏عظمة‏ ‏عبد‏ ‏الناصر‏ , ‏رومانسية‏ ‏حليم‏, ‏حنجرة‏ ‏أم‏ ‏كلثوم‏ , ‏عنفوان‏ ‏بابلونيرودا‏, ‏أصابع‏ ‏بيكاسو‏ ‏السحرية‏, ‏صلاح‏ ‏جاهين‏ ‏وأمل‏ ‏دنقل‏ ‏ونجيب‏ ‏سرور‏ ‏ويحيي‏ ‏الطاهر‏ ‏عبد‏ ‏الله‏ ‏ويوسف‏ ‏ادريس‏.. ‏نظرة‏ ‏اليه‏ ‏تعيد‏ ‏الروح‏ ‏الي‏...!!‏

    تجعلني‏ ‏أفتح‏ ‏رئتي‏ ‏لآخرهما‏ ‏لأستنشق‏ ‏عبير‏ ‏وأصالة‏ ‏زمن‏ ‏الستينات‏ ‏ذاك‏ ‏الزمن‏ ‏الذي‏ ‏لم‏ ‏يسعفني‏ ‏العمر‏ ‏لكي‏ ‏أتذوق‏ ‏حلاوة‏ ‏انتصاراته‏ ‏ومرارة‏ ‏انكساراته‏!!‏

    يخطفني‏ ‏هذا‏ ‏الرجل‏ ‏ويطير‏ ‏بعيدا‏ ‏عن‏ ‏زماننا‏ ‏الذي‏ ‏ضاعت‏ ‏فيه‏ ‏حنجرة‏ ‏أم‏ ‏كلثوم‏ ‏وفيروز‏ ‏وحليم‏ ‏ونجاة‏ ‏وفريد‏ ‏وسط‏ ‏هوس‏ ‏مجنون‏ ‏بالفيديو‏ ‏كليب‏..!!‏

    هو‏ ‏من‏ ‏قال‏ ‏أن‏ ..‏الثورة‏ ‏قوية‏ ‏كالفولاذ‏.. ‏حمراء‏ ‏كالجمر‏, ‏باقية‏ ‏كالسنديان‏ ‏عميقة‏ ‏كحبنا‏ ‏الوحشي‏ ‏للوطن‏, ‏إنني‏ ‏أحس‏ ‏بكل‏ ‏صفعة‏ ‏توجه‏ ‏لكل‏ ‏مظلوم‏ ‏في‏ ‏هذه‏ ‏الدنيا‏.. ‏فأينما‏ ‏تجد‏ ‏الظلم‏ ‏فذاك‏ ‏وطني‏ ..‏وهو‏ ‏من‏ ‏تحدث‏ ‏قائلا‏..‏الثوار‏ ‏يملأون‏ ‏العالم‏ ‏ضجيجا‏ ‏كي‏ ‏لا‏ ‏ينام‏ ‏العالم‏ ‏بثقله‏ ‏علي‏ ‏أجساد‏ ‏الفقراء‏ .. ‏إن‏ ‏الطريق‏ ‏مظلم‏ ‏وحالك‏ ‏فاذا‏ ‏لم‏ ‏تحترق‏ ‏أنت‏ ‏وأنا‏ ‏فمن‏ ‏سينير‏ ‏الطريق؟‏!‏

    وهو‏ ‏الذي‏ ‏قال‏..‏لن‏ ‏يكون‏ ‏لدينا‏ ‏ما‏ ‏نحيا‏ ‏من‏ ‏أجله‏ ‏إن‏ ‏لم‏ ‏نكن‏ ‏علي‏ ‏استعداد‏ ‏لأن‏ ‏نموت‏ ‏من‏ ‏أجله

    انه‏ ‏الثائر‏ ‏المناضل‏ ‏الوسيم‏ ‏المحارب‏ ‏الذي‏ ‏عاش‏ ‏ومات‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏الحرية‏ ‏والعدل‏..‏

    أسئلة‏ ‏وعلامات‏ ‏استفهام‏ ‏كثيرة‏ ‏ربما‏ ‏تجد‏ ‏اجاباتها‏ ‏عبر‏ ‏السطور‏ ‏المقبلة‏ ‏ربما‏ ‏تعرف‏ ‏جديدا‏ ‏أو‏ ‏نضيف‏ ‏اليك‏ ‏شيئا‏ .. ‏ربما‏ ‏يغلي‏ ‏الدم‏ ‏في‏ ‏عروقك‏ ‏وتضبط‏ ‏نفسك‏ ‏متلبسا‏ ‏متمنيا‏ ‏أن‏ ‏تصبح‏ ‏يوما‏ ‏ما‏ ‏مثل‏ ‏جيفارا‏.. ‏وربما‏ ‏تنهمر‏ ‏دموعك‏ ‏ياولدي‏ ‏انهارا‏ ‏عندما‏ ‏تعرف‏ ‏كيف‏ ‏مات‏ ‏هذا‏ ‏الرجل‏.. ‏إن‏ ‏نجحت‏ ‏في‏ ‏أن‏ ‏أحرك‏ ‏مشاعرك‏ ‏او‏ ‏احاسيسك‏ ‏أيا‏ ‏كانت‏ ‏فهذا‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏اتمناه‏ ‏وإن‏ ‏فشلت‏ ‏فليبق‏ ‏لي‏ ‏شرف‏ ‏المحاولة‏..‏

    من‏ ‏هو‏ ‏جيفارا‏..‏؟‏ ‏كيف‏ ‏كانت‏ ‏شخصيته؟‏ ‏وماذا‏ ‏فعل‏ ‏ليكون‏ ‏تلك‏ ‏الأسطورة‏ ‏أو‏ ‏الكاريزما‏ ‏التي‏ ‏تدور‏ ‏حولها‏ ‏الأذهان‏ ‏في‏ ‏العالم‏..‏؟‏!‏كيف‏ ‏عاش‏ ‏ولماذا‏ ‏قتله‏ ‏الأمريكان‏..‏؟‏! ‏ولماذا‏ ‏أصبح‏ ‏رمزا‏ ‏للعدل‏ ‏والحرية‏..‏؟‏!‏
    مشهد‏ 1‏

    في‏ ‏يوم‏ ‏عاصف‏ ‏ممطر‏ ‏من‏ ‏عام‏ 1930 ‏شهدت‏ ‏الأرجنتين‏ ‏صرخة‏ ‏تلك‏ ‏المرأة‏ ‏البريطانية‏ ‏الأصل‏ ‏معلنة‏ ‏وصول‏ ‏طفلها‏ ‏الأول‏ ‏الذي‏ ‏اختارت‏ ‏له‏ ‏إسم‏ '‏أرنستو‏ ‏جيفارا‏' ‏كان‏ ‏نحيلا‏ ‏منذ‏ ‏لحظات‏ ‏ولادته‏ ‏الأولي‏ ‏وحكم‏ ‏عليه‏ ‏بأن‏ ‏يصاب‏ ‏بمرض‏ ‏الربو‏ ‏الصدري‏ ‏ولأن‏ ‏والدته‏ ‏كانت‏ ‏شديدة‏ ‏الحرص‏ ‏عليه‏ ‏فكانت‏ ‏تلف‏ ‏جسده‏ ‏بالقطن‏ ‏حفاظا‏ ‏عليه‏ ‏من‏ ‏الشمس‏ ‏والرطوبة‏ ‏والهواء‏..‏

    ظلت‏ ‏الأم‏ ‏تعامل‏ ‏طفلها‏ ‏المدلل‏ ‏بهذا‏ ‏الحرص‏ ‏والخوف‏ ‏الشديدين‏ ‏إلي‏ ‏أن‏ ‏أصبح‏ ‏عمره‏ 6 ‏سنوات‏..!!‏

    شعر‏ ‏الطفل‏ ‏جيفارا‏ ‏بالأختناق‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏المعاملة‏ ‏الحريصة‏ ‏المدللة‏ ‏فقرر‏ ‏أن‏ ‏ينتفض‏ ‏من‏ ‏القطن‏ ‏الذي‏ ‏يلف‏ ‏جسده‏, ‏وثار‏ ‏عليه‏ ‏وأخذ‏ ‏يمارس‏ ‏جميع‏ ‏أنواع‏ ‏الرياضة‏ ‏فوقع‏ ‏فريسة‏ ‏في‏ ‏عشق‏ ‏ركوب‏ ‏الدراجات‏, ‏والخيل‏ ‏لكي‏ ‏يثبت‏ ‏لنفسه‏ ‏أنه‏ ‏لايمكن‏ ‏لأحد‏ ‏أن‏ ‏يفرض‏ ‏عليه‏ ‏أيه‏ ‏قيود‏.. ‏ولطالما‏ ‏وصفه‏ ‏والده‏ ‏بأنه‏ ‏متمرد‏ ‏لحد‏ ‏الجنون‏ ‏وأن‏ ‏عينيه‏ ‏المضيئتين‏ ‏تخفيان‏ ‏وراءهما‏ ‏الكثير‏ ‏من‏ ‏الهدوء‏ ‏ولكنه‏ ‏ـ‏ ‏حتما‏ ‏ـ‏ ‏يسبق‏ ‏عاصفة‏ ‏مجهولة‏..!!‏
    مشهد‏ 2‏

    كبر‏ ‏الطفل‏.. ‏ورغم‏ ‏أنه‏ ‏لم‏ ‏يتجاوز‏ ‏الـــ‏ 15 ‏عاما‏ ‏إلا‏ ‏أنه‏ ‏أصبح‏ '‏دونجوان‏ ‏عصره‏' ‏لم‏ ‏ترحمه‏ ‏أعين‏ ‏الفتيات‏ ‏المراهقات‏ ‏ولم‏ ‏ترحمه‏ ‏معاكستهن‏ ‏خاصة‏ ‏وأن‏ ‏الشاب‏ ‏حليوه‏ ‏يغمز‏ ‏بعينه‏ ‏اليمني‏ ‏فيوقع‏ ‏الفتيات‏ ‏في‏ ‏شرك‏ ‏حبه‏..!!‏

    إلي‏ ‏أن‏ ‏سجنت‏ ‏والدته‏ ‏فجأة‏ ‏ودون‏ ‏أي‏ ‏مقدمات‏ ‏بل‏ ‏وتعرضت‏ ‏للتعذيب‏ ‏ولم‏ ‏ينقذها‏ ‏سوي‏ ‏نفوذ‏ ‏عائلته‏ ‏وغني‏ ‏والده‏ ‏ومن‏ ‏هنا‏ ‏بدأ‏ ‏يشعر‏ ‏بالظلم‏ ‏ويكرهه‏ ‏ويقف‏ ‏في‏ ‏الشارع‏ ‏مع‏ ‏بعض‏ ‏زملائه‏ ‏ويسب‏ ‏أحد‏ ‏الضباط‏ ‏الذي‏ ‏يقوم‏ ‏بضربه‏ ‏علقة‏ ‏ساخنة‏.‏ينهي‏ ‏الوسيم‏ ‏دراسته‏ ‏الثانوية‏ ‏ويخيره‏ ‏والده‏ ‏ما‏ ‏بين‏ ‏مهنتي‏ ‏المحاماة‏ ‏أو‏ ‏الطب‏.. ‏ويختار‏ ‏أرنستو‏ ‏جيفارا‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏طبيبا‏ ‏وعندما‏ ‏سأله‏ ‏والده‏ ‏عن‏ ‏السبب‏.. ‏أجابه‏ ‏قائلا‏.. ‏سوف‏ ‏أساعد‏ ‏كل‏ ‏مريض‏ ‏علي‏ ‏التحرر‏ ‏من‏ ‏مرضه‏..!!‏

    بهذا‏ ‏المنطق‏ ‏جلس‏ ‏علي‏ ‏مقاعد‏ ‏الدراسة‏ ‏الجامعية‏ ‏وعرف‏ ‏أسرار‏ ‏الجسد‏ ‏البشري‏ ‏وبدأ‏ ‏في‏ ‏قراءة‏ ‏الأفكار‏ ‏الثورية‏ ‏وخاصة‏ ‏مباديء‏ ‏الثورة‏ ‏الفرنسية‏ ‏والروسية‏.. ‏من‏ ‏هنا‏ ‏أدرك‏ ‏جيفارا‏ ‏أن‏ ‏الثورة‏ ‏الحقيقية‏ ‏التي‏ ‏ينشدها‏ ‏لا‏ ‏تقتصر‏ ‏علي‏ ‏التحرر‏ ‏من‏ ‏أمراض‏ ‏الجسد‏ ‏بل‏ ‏الثورة‏ ‏الحقيقية‏ ‏هي‏ ‏التي‏ ‏تقلب‏ ‏تربة‏ ‏الأرض‏ ‏رأسا‏ ‏علي‏ ‏عقب‏ ‏لتزرع‏ ‏فيها‏ ‏الخصب‏ ‏والحياة‏ ‏الجديدة‏ ‏من‏ ‏هنا‏ ‏بدأ‏ ‏المتمرد‏ ‏الكامن‏ ‏بداخله‏ ‏في‏ ‏التحرك‏ ‏ذلك‏ ‏المتمرد‏ ‏الذي‏ ‏دفعه‏ ‏دفعا‏ ‏إلي‏ ‏أن‏ ‏يقول‏ ‏أن‏ ‏مهنة‏ ‏الطب‏ ‏ليست‏ ‏شيئا‏, ‏وأن‏ ‏ما‏ ‏ينقصه‏ ‏شيء‏ ‏ما‏ ‏في‏ ‏داخله‏ ‏يناديه‏ ‏لأن‏ ‏يخرج‏ ‏من‏ ‏بيئته‏ ‏الضيقة‏ ‏فينطلق‏ ‏ويشاهد‏ ‏مئات‏ ‏العيون‏ ‏الجائعة‏ ‏والمظلومة‏..‏

    سأل‏ ‏نفسه‏ ‏كثيرا‏.. ‏ماذا‏ ‏يعني‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏طبيبا‏ ‏وتفتح‏ ‏عيادة‏ ‏في‏ ‏شارع‏ ‏كبير‏..‏؟‏! ‏أن‏ ‏تصلح‏ ‏الأجسام‏ ‏وتداويها‏ ‏بينما‏ ‏هناك‏ ‏الملايين‏ ‏محتاجون‏ ‏إلي‏ ‏طب‏ ‏من‏ ‏نوع‏ ‏آخر‏ ‏يغير‏ ‏كل‏ ‏حياتهم‏ ‏لا‏ ‏جزءا‏ ‏صغيرا‏ ‏من‏ ‏أجسامهم‏..‏؟‏!‏

    في‏ ‏هذه‏ ‏اللحظة‏ ‏فقط‏ ‏أدرك‏ ‏جيفارا‏ ‏أن‏ ‏التحرر‏ ‏الصحيح‏ ‏لا‏ ‏يعني‏ ‏فقط‏ ‏خروجه‏ ‏من‏ ‏القطن‏ ‏وتمرده‏ ‏علي‏ ‏اهتمام‏ ‏والدته‏ ‏المرضي‏ ‏بينما‏ ‏هناك‏ ‏الملايين‏ ‏يلفها‏ ‏قطن‏ ‏أكثر‏ ‏إيلاما‏ ‏وقسوة‏ ‏بالنسبة‏ ‏إلي‏ ‏النفس‏ ‏البشرية‏..‏

    في‏ ‏هذه‏ ‏اللحظة‏ ‏فقط‏ ‏عاد‏ ‏جيفارا‏ ‏إلي‏ ‏المنزل‏ ‏وقال‏ ‏لوالده‏ ‏إنه‏ ‏لن‏ ‏يمارس‏ ‏الطب‏ ‏ولن‏ ‏يفتح‏ ‏عيادة‏, ‏ولن‏ ‏يستقبل‏ ‏الزبائن‏, ‏ولن‏ ‏يتزوج‏ ‏ويستقر‏ ‏في‏ ‏منزل‏ ‏هاديء‏ ‏ولن‏ ‏ينجب‏ ‏الأطفال‏.. ‏ولكنه‏ ‏سيرحل‏!! ‏لم‏ ‏يصدق‏ ‏والده‏ ‏فطلب‏ ‏منه‏ ‏أن‏ ‏يستريح‏ ‏ليلته‏ ‏علي‏ ‏أن‏ ‏يكملا‏ ‏حوارهما‏ ‏في‏ ‏الصباح‏ ‏الباكر‏, ‏نام‏ ‏جيفارا‏ ‏ولم‏ ‏يذهب‏ ‏تعبه‏ ‏ولم‏ ‏يكن‏ ‏يرضي‏ ‏أن‏ ‏يستريح‏ ‏من‏ ‏آلام‏ ‏التعسين‏ ‏في‏ ‏العالم‏.. ‏نام‏ ‏آرنستو‏ ‏تلك‏ ‏الليلة‏ ‏وفي‏ ‏الصباح‏ ‏غادر‏ ‏المنزل‏ ‏ليبدأ‏ ‏رحلته‏!!‏

    منذ‏ ‏ذلك‏ ‏اليوم‏ ‏الذي‏ ‏رحل‏ ‏فيه‏ ‏جيفارا‏ ‏تاركا‏ ‏أسرته‏ ‏ومهنة‏ ‏الطب‏ ‏أصبح‏ ‏الجميع‏ ‏يرونه‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏مظاهرة‏ ‏أو‏ ‏إضراب‏ ‏أو‏ ‏معركة‏ ‏أو‏ ‏ثورة‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏الحرية‏..‏

    في‏ ‏بيرو‏, ‏تشيلي‏, ‏بوليفيا‏, ‏كولومبيا‏, ‏فنزويلا‏.. ‏وفي‏ ‏جواتيمالا‏ ‏وقف‏ ‏مع‏ ‏حاكمها‏ ‏ضد‏ ‏نفوذ‏ ‏الشركات‏ ‏الأمريكية‏ ‏ومنها‏ ‏إلي‏ ‏المكسيك‏..!!‏

    يشتد‏ ‏المرض‏ ‏عليه‏ ‏خاصة‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏تمكن‏ ‏الربو‏ ‏من‏ ‏صدره‏ ‏ودخل‏ ‏مستشفي‏ ‏صغيرا‏ ‏ليتزوج‏ ‏ممرضته‏ ‏التي‏ ‏تكبره‏ ‏بعشر‏ ‏سنوات‏ ‏وبعد‏ ‏خروجه‏ ‏من‏ ‏المستشفي‏ ‏ينطلق‏ ‏إلي‏ ‏الأدغال‏ ‏ليلتقي‏ ‏بصديق‏ ‏عمره‏ ‏فيديل‏ ‏كاسترو‏ ‏ليبدآ‏ ‏معا‏ ‏رحلة‏ ‏كفاح‏ ‏شهيرة‏ ‏ضد‏ ‏الأمريكان‏ ‏طريق‏ ‏مشوار‏ ‏طويل‏ ‏قطعه‏ ‏الإثنان‏ ‏كاسترو‏ ‏وجيفارا‏ ‏وسط‏ ‏الأدغال‏ ‏والغابات‏.. ‏تعرضا‏ ‏للخيانة‏ ‏والإنتصار‏ ‏والإنكسار‏ ‏التقت‏ ‏آراؤهما‏ ‏وأوجاعهما‏ ‏وكان‏ ‏هدفهما‏ ‏الأوحد‏ ‏هو‏ ‏اسقاط‏ ‏باتيستا‏ ‏حاكم‏ ‏كوبا‏ ‏الصغيرة‏ ‏وفي‏ ‏عام‏ 1959 ‏دخل‏ ‏الإثنان‏ ‏بقواتهما‏ ‏منتصرين‏ ‏إلي‏ ‏كوبا‏.. ‏تسلم‏ ‏كاسترو‏ ‏السلطة‏ ‏وبدأ‏ ‏جيفارا‏ ‏يعد‏ ‏معه‏ ‏الدولة‏ ‏الاشتراكية‏ ‏الجديدة‏ ‏خاصة‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏تسلم‏ ‏إدارة‏ ‏المصرف‏ ‏المركزي‏ ‏الكوبي‏ ‏وبعدها‏ ‏وزيرا‏ ‏للصناعة‏..!!‏

    كان‏ ‏نشيطا‏ ‏لا‏ ‏يعرف‏ ‏النوم‏ ‏له‏ ‏طريقا‏, ‏هكذا‏ ‏قال‏ ‏جان‏ ‏بول‏ ‏سارتر‏ ‏عندما‏ ‏زار‏ ‏جيفارا‏ ‏في‏ ‏مكتبه‏.. ‏تحدث‏ ‏قائلا‏..‏

    إن‏ ‏الليل‏ ‏لا‏ ‏يدخل‏ ‏مكتب‏ ‏جيفارا‏ ‏ولا‏ ‏يبدو‏ ‏النوم‏ ‏بالنسبة‏ ‏إليه‏ ‏حاجة‏ ‏طبيعية‏ ‏وإنما‏ ‏كما‏ ‏روتينيا‏ ‏يحاول‏ ‏القضاء‏ ‏والتخلص‏ ‏منه‏!!‏
    مشهد‏ (4)‏

    كوبا‏ ‏تنجح‏.. ‏تقف‏ ‏علي‏ ‏قدميها‏, ‏تتحرر‏ ‏وتصبح‏ ‏نموذجا‏ ‏اشتراكيا‏ ‏طالما‏ ‏حلم‏ ‏به‏ ‏وحققه‏ ‏جيفارا‏..‏

    قرر‏ ‏المتمرد‏ ‏الثائر‏ ‏أن‏ ‏يترك‏ ‏منصبه‏ ‏وشعبيته‏ ‏في‏ ‏كوبا‏ ‏ويرحل‏ ‏إلي‏ ‏دول‏ ‏أخري‏ ‏محاولا‏ ‏تطبيق‏ ‏النموذج‏ ‏الكوبي‏ ‏فيها‏.. ‏محاربا‏ ‏الظلم‏ ‏والقهر‏ ‏الذي‏ ‏تتعرض‏ ‏له‏ ‏دول‏ ‏أمريكا‏ ‏اللاتينية‏ ‏الأخري‏.. ‏ما‏ ‏فعله‏ ‏جيفارا‏ ‏في‏ ‏حروبه‏ ‏يشبه‏ ‏كثيرا‏ ‏ما‏ ‏فعله‏ ‏عمر‏ ‏المختار‏ ‏ضد‏ ‏الاحتلال‏ ‏الايطالي‏ ‏لبلاده‏.‏

    كان‏ ‏يقول‏ ‏إنه‏ :‏واجب‏ ‏علي‏ ‏كل‏ ‏مناضل‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏إنسانيا‏ ‏بجوهره‏, ‏في‏ ‏العدالة‏ ‏والصدق‏ ‏كي‏ ‏يتحرر‏ ‏من‏ ‏التطرف‏ ‏والعزلة‏ ‏عن‏ ‏الجماهير‏..‏

    بأفكاره‏ ‏الثورية‏ ‏وقف‏ ‏ضد‏ ‏سياسات‏ ‏المحتلين‏ ‏في‏ ‏أمريكا‏ ‏اللاتينية‏ ‏في‏ ‏بيرو‏, ‏فيتنام‏, ‏الدومنيكان‏, ‏الكونغو‏.. ‏استطاع‏ ‏أن

    يجعل‏ ‏المخابرات‏ ‏الأمريكية‏ ‏تصاب‏ ‏في‏ ‏حيرة‏ ‏منه‏ .. ‏تريد‏ ‏النيل‏ ‏منه‏ ‏ولكن‏ ‏لا‏ ‏جدوي‏ .. ‏حيرة‏ ‏كدة‏ ‏شبه‏ ‏حيرتهم‏ ‏بالنسبة‏ ‏لأسامة‏ ‏بن‏ ‏لادن‏ ‏ـ‏ ‏وانطلق‏ ‏إلي‏ ‏محطته‏ ‏الأخيرة‏ .. ‏بوليفيا‏ .. ‏قاتل‏ ‏الجيوش‏ ‏البوليفية‏ ‏التي‏ ‏تحالفت‏ ‏مع‏ ‏المخابرات‏ ‏والقوات‏ ‏الأمريكية‏ ‏ولكنه‏ ‏شعر‏ ‏بأنها‏ ‏النهاية‏ ‏خاصة‏ ‏عندما‏ ‏قال‏ ..‏

    القائد‏ ‏إما‏ ‏أن‏ ‏ينتصر‏ ‏أو‏ ‏يموت‏ .. ‏وكثيرون‏ ‏سقطوا‏ ‏في‏ ‏الطريق‏ ‏الطويل‏.‏
    المشهد‏ ‏الأخير

    المناضل‏ ‏هو‏ ‏آخر‏ ‏من‏ ‏يأكل‏ ‏وآخر‏ ‏من‏ ‏ينام‏ ‏وأول‏ ‏من‏ ‏يموت‏..‏

    ما‏ ‏يؤلم‏ ‏الثائر‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏يموت‏ ‏علي‏ ‏يد‏ ‏من‏ ‏يقاتل‏ ‏من‏ ‏أجلهم‏..‏

    هكذا‏ ‏كان‏ ‏ينظر‏ ‏إلي‏ ‏الموت‏ .. ‏كان‏ ‏معه‏ ‏لم‏ ‏يفارقه‏ ‏لحظة‏ ‏واحدة‏ ‏مثله‏ ‏مثل‏ ‏السيجار‏..‏

    في‏ ‏يوم‏ ‏مؤلم‏ ‏وأسطوري‏ ‏من‏ ‏عام‏ 1967 ‏تصدر‏ ‏مانشيتات‏ ‏المجلات‏ ‏والجرائد‏ ‏الأمريكية‏ ‏عنوان‏ ‏حزين‏ ‏يقول‏ ..‏

    هذا‏ ‏هو‏ ‏تشي‏ ‏جيفارا‏ .. ‏لقد‏ ‏انتصرنا‏ ‏عليه‏..‏

    الثقة‏ ‏التي‏ ‏ظهرت‏ ‏في‏ ‏لهجة‏ ‏الإعلام‏ ‏الأمريكي‏ ‏وقتها‏ ‏أدخلت‏ ‏اليقين‏ ‏داخل‏ ‏كل‏ ‏القلوب‏ ‏المحبة‏ ‏لجيفارا‏ ‏بأنه‏ ‏قد‏ ‏وقع‏ ‏بالفعل‏ ‏في‏ ‏مصيدتهم‏ ‏بعد‏ ‏مطاردات‏ ‏عنيفة‏ ‏استعملت‏ ‏فيها‏ ‏الولايات‏ ‏المتحدة‏ ‏مختلف‏ ‏الوسائل‏ ‏للقضاء‏ ‏علي‏ ‏حرب‏ ‏العصابات‏ ‏التي‏ ‏كان‏ ‏يقودها‏ ‏جيفارا‏ ‏في‏ ‏بوليفيا‏ ‏بعدها‏ ‏أعلن‏ ‏الرئيس‏ ‏البوليفي‏ ‏رونيه‏ ‏بارينتوس‏ ‏أنه‏ ‏واثق‏ ‏هذه‏ ‏المرة‏ ‏من‏ ‏القبض‏ ‏علي‏ ‏جيفارا‏ ‏وأعوانه‏..!! ‏نعم‏ ‏وقع‏ ‏جيفارا‏ ‏جريحا‏ ‏في‏ ‏قبضتهم‏ ‏وكانت‏ ‏الأوامر‏ ‏تقضي‏ ‏بأن‏ ‏يتم‏ ‏الحفاظ‏ ‏عليه‏ ‏حيا‏ ‏وبعد‏ ‏ضربه‏ ‏ضربا‏ ‏مبرحا‏ ‏وهو‏ ‏ملقي‏ ‏في‏ ‏زنزانته‏ ‏مصابا‏ ‏بطلقات‏ ‏نارية‏ ‏متعددة‏ ‏في‏ ‏مختلف‏ ‏انحاء‏ ‏جسده‏ ‏الهزيل‏ ‏أصابه‏ ‏الضابط‏ ‏برصاصة‏ ‏في‏ ‏رأسه‏ ‏أنهت‏ ‏حياته‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏مثلت‏ ‏القوات‏ ‏الأمريكية‏ ‏بجثته‏ ‏ودفنته‏ ‏في‏ ‏مكان‏ ‏ليس‏ ‏معلوما‏..!!‏

    الروايات‏ ‏اختلفت‏ ‏عن‏ ‏مقتل‏ ‏جيفارا‏ .. ‏يقولون‏ ‏أن‏ ‏ماريو‏ ‏وهو‏ ‏اسم‏ ‏الضابط‏ ‏الذي‏ ‏قتله‏ ‏دخل‏ ‏عليه‏ ‏في‏ ‏الزنزانه‏ ‏فقال‏ ‏له‏ ‏تشي‏ ‏أطلق‏ ‏النار‏ ‏ولاتخف‏ ‏أنك‏ ‏ببساطة‏ ‏ستقتل‏ ‏مجرد‏ ‏رجل‏ ‏ولكن‏ ‏ماريو‏ ‏أطلق‏ ‏عليه‏ ‏النار‏ ‏من‏ ‏أعلي‏ ‏لأسفل‏ ‏حتي‏ ‏تطول‏ ‏فترة‏ ‏احتضاره‏.‏

    المهم‏ ‏أن‏ ‏السلطات‏ ‏البوليفية‏ ‏إلي‏ ‏الآن‏ ‏لم‏ ‏تقل‏ ‏كيف‏ ‏مات‏ ‏جيفارا؟

    ولم‏ ‏تعرف‏ ‏أحدا‏ ‏بمكانه‏ ‏إلا‏ ‏أنهم‏ ‏عام‏ 1997 ‏وجدوا‏ ‏رفاته‏ ‏مؤخرا‏ ‏في‏ ‏بوليفيا‏ ‏وتم‏ ‏دفنها‏ ‏وتجميع‏ ‏عظامه‏ ‏في‏ ‏بلدته‏ ‏الأرجنتين‏..!!‏

    ‏صديقه‏ ‏الصدوق‏ ‏كاسترو‏ ‏لم‏ ‏يصدق‏ ‏هو‏ ‏الآخر‏ ‏وراح‏ ‏يعلن‏ ‏أنه‏ ‏لم‏ ‏يقتل‏ ‏وأنها‏ ‏مجرد‏ ‏اشاعة‏ ‏لولا‏ ‏مافعله‏ ‏جبروت‏ ‏الأمريكان‏ .. ‏تصور‏ ‏لكي‏ ‏يسكتوا‏ ‏لسان‏ ‏كاسترو‏ ‏ويؤكدوا‏ ‏له‏ ‏مقتله‏ ‏قطعوا‏ ‏يد‏ ‏جيفارا‏ ‏وارسلوها‏ ‏في‏ ‏طرد‏ ‏إلي‏ ‏كاسترو‏.. ‏إلي‏ ‏اللحظة‏ ‏التي‏ ‏تقرأ‏ ‏فيها‏ ‏تلك‏ ‏السطور‏ ‏وكاسترو‏ ‏زعيم‏ ‏كوبا‏ ‏الأن‏ ‏لايزال‏ ‏يحتفظ‏ ‏بيد‏ ‏تشي‏ ‏جيفارا‏...!‏

    مات‏ ‏جيفارا‏ ‏منذ‏ 38 ‏عاما‏ .. ‏فاضت‏ ‏روحه‏ ‏إلي‏ ‏السماء‏ ‏إلا‏ ‏أنه‏ ‏مازال‏ ‏حيا‏ ‏في‏ ‏قلوب‏ ‏الكثيرين‏ .. ‏كلما‏ ‏ضاق‏ ‏الخناق‏ ‏وزاد‏ ‏الظلم‏ ‏واحتقنت‏ ‏الأمور‏ .. ‏علت‏ ‏الأصوات‏ ‏منادية‏ ‏بالحرية‏ ‏والتحرر‏ ‏وظهرت‏ ‏كلمات‏ ‏جيفارا‏ ‏ورفعت‏ ‏صوره‏ ‏عاليا‏ .. ‏هكذا‏ ‏لم‏ ‏يمت‏ ‏بل‏ ‏أنه‏ ‏مازال‏ ‏حيا‏ ‏في‏ ‏قلب‏ ‏كل‏ ‏مظلوم‏ ‏علي‏ ‏وجه‏ ‏الأرض‏..‏

    إلي‏ ‏هذه‏ ‏اللحظة‏ ‏لم‏ ‏يعرف‏ ‏أحد‏ ‏في‏ ‏أي‏ ‏دولة‏ ‏ما‏ ‏كيف‏ ‏مات‏ ‏جيفارا‏ .. ‏تراني‏ ‏أتساءل‏ ‏مع‏ ‏كلمات‏ ‏أحمد‏ ‏فؤاد‏ ‏نجم‏ ‏التي‏ ‏تغني‏ ‏بها‏ ‏الشيخ‏ ‏إمام‏..‏

    يمكن‏ ‏صرخ‏ ‏من‏ ‏الألم‏ ‏من‏ ‏لسعة‏ ‏النار‏ ‏في‏ ‏الحشا

    ‏يمكن‏ ‏ضحك‏ ‏أو‏ ‏ابتسم‏ ‏أو‏ ‏ارتعش‏ ‏أو‏ ‏انتشي

    يمكن‏ ‏لفظ‏ ‏آخر‏ ‏نفس‏ ‏كلمة‏ ‏وداع‏ ‏لأجل‏ ‏الجياع

    يمكن‏ ‏وصية‏ ‏للي‏ ‏حاضنين‏ ‏القضية‏ ‏بالصراع

    صور‏ ‏كتير‏ ‏ملو‏ ‏الخيال‏ ‏والف‏ ‏مليون‏ ‏احتمال

    لكن‏ ‏أكيد‏ ‏ولاجدال‏ .. ‏
    جيفارا‏ ‏مات

    موتة‏ ‏رجال‏..!!‏
    في‏ ‏شوارع‏ ‏القاهرة‏.. ‏مجانين‏ ‏جيفارا‏ ‏يقولون‏


    رحلة‏ ‏سريعة‏ ‏عبر‏ ‏النت‏ ‏جعلتني‏ ‏علي‏ ‏يقين‏ ‏بأن‏ ‏هناك‏ ‏نوعين‏ ‏من‏ ‏الشباب‏ ‏تربطهما‏ ‏علاقة‏ ‏وثيقة‏ ‏بشخصية‏ ‏جيفارا‏ ..‏

    النوع‏ ‏الأول‏ ‏قاريء‏ , ‏مثقف‏, ‏مهتم‏, ‏مهموم‏, ‏متابع‏ ‏للأحداث‏ ‏وله‏ ‏وجهة‏ ‏نظر‏ ‏خاصة‏ ‏جدا‏ ‏فيما‏ ‏يدور‏ ‏حولنا‏ ‏بل‏ ‏أنه‏ ‏يعرف‏ ‏الكثير‏ ‏والكثير‏ ‏عن‏ ‏شخصية‏ ‏جيفارا‏ ‏وبالتالي‏ ‏له‏ ‏مبرراته‏ ‏ومنطقه‏ ‏في‏ ‏الاحتفاظ‏ ‏بصور‏ ‏جيفارا‏ ‏وحفظ‏ ‏عباراته‏ ‏وتاريخ‏ ‏حياته‏.. ‏أما‏ ‏النوع‏ ‏الثاني‏ ‏فقد‏ ‏رفع‏ ‏شعار‏ ‏حلو‏ ‏وأمور‏ ‏وعينيه‏ ‏تجنن‏.. ‏هذا‏ ‏الشعار‏ ‏هو‏ ‏الوحيد‏ ‏الذي‏ ‏شدهم‏ ‏إلي‏ ‏صورة‏ ‏جيفارا‏ ‏وجعلهم‏ ‏يحتفظون‏ ‏بها‏ ‏بل‏ ‏ويقومون‏ ‏بطبعها‏ ‏علي‏ ‏التيشرتات‏ ‏ويضعونها‏ ‏بوستر‏ ‏علي‏ ‏سيارتهم‏ ‏الفارهة‏. ‏

    و‏ ‏انقل‏ ‏لكم‏ ‏بالحرف‏ ‏دون‏ ‏مبالغة‏ ‏أو‏ ‏حذف‏ ‏مادار‏ ‏في‏ ‏حواراتي‏ ‏معهم‏..‏

    سيارة‏ ‏فارهة‏ 4*4 ‏تقف‏ ‏امام‏ ‏أحد‏ ‏المولات‏ ‏التجارية‏ ‏الشهيرة‏ ‏في‏ ‏مدينة‏ ‏نصر‏..‏صاحبتها‏ ‏فتاة‏ ‏شقراء‏ ‏ترتدي‏ ‏الجينز‏ ‏والبادي‏.. ‏اقتربت‏ ‏منها‏ ‏وبلا‏ ‏تردد‏ ‏سألتها‏..‏

    انت‏ ‏جايبة‏ ‏بوستر‏ ‏جيفارا‏ ‏منين‏.. ‏أصلي‏ ‏عاوزة‏ ‏أجيب‏ ‏واحد‏ ‏زيه‏ ..‏؟‏!‏


    لقيته‏ ‏عند‏ ‏واحدة‏ ‏صاحبتي‏ ‏فأخذته‏ ‏منها‏ ‏بس‏ ‏ممكن‏ ‏أطلبها‏ ‏لك‏ ‏علي‏ ‏الموبايل‏ ‏دلوقت‏ ‏واقولك‏..‏

    ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏تطلب‏ ‏صديقتها‏ ‏قلت‏ ‏لها‏.. ‏اشمعني‏ ‏جيفارا‏ ‏اللي‏ ‏انت‏ ‏اخترتيه‏.. ‏انت‏ ‏تعرفيه‏..‏

    لأ‏ .. ‏ابدا‏ ‏بس‏ ‏صورته‏ ‏حلوة‏ ‏وبصراحة‏ ‏زي‏ ‏القمر‏ ‏وكل‏ ‏العربيات‏ ‏حاطاه‏ ‏فما‏ ‏صدقت‏ ‏لقيته‏.‏

    لكن‏ ‏ماتعرفيش‏ ‏حاجة‏ ‏عنه‏ ‏خالص‏..‏

    كل‏ ‏اللي‏ ‏أعرفه‏ ‏إنه‏ ‏من‏ ‏أمريكا‏ ‏اللاتينية‏ ‏تقريبا‏ ‏كان‏ ‏ممثل‏ ‏سينما‏ ‏مشهورا‏.. ‏وأنا‏ ‏بحب‏ ‏الممثلين‏ ‏جدا‏ ‏خاصة‏ ‏آل‏ ‏باتشينو‏ ‏وشايفه‏ ‏عيونهم‏ ‏شبه‏ ‏بعضها‏..‏

    ليست‏ ‏منال‏ ‏ـ‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏اسمها‏ ‏ـ‏ ‏هي‏ ‏الوحيدة‏ ‏من‏ ‏الفتيات‏ ‏التي‏ ‏روت‏ ‏هذا‏ ‏الرد‏.. ‏بل‏ ‏معظم‏ ‏الفتيات‏ ‏اللاتي‏ ‏يتراوحن‏ ‏في‏ ‏العمر‏ ‏مابين‏ 20 ‏و‏ 25 ‏عاما‏ ‏رددن‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏النوعية‏ ‏من‏ ‏الردود‏..‏

    واحدة‏ ‏منهن‏ ‏قالت‏ ‏لي‏ ‏شعره‏ ‏مش‏ ‏معقول‏ ‏هيجنني‏.. ‏يا‏ ‏سلام‏ ‏لو‏ ‏لقيت‏ ‏واحد‏ ‏شبهه‏ ‏أنا‏ ‏اللي‏ ‏هروح‏ ‏له‏ ‏وأقول‏ ‏له‏ ‏عاوزة‏ ‏أتجوزك‏.‏

    وأخري‏ ‏قالت‏ ‏لي‏ ‏الحاجة‏ ‏الوحيدة‏ ‏اللي‏ ‏بتشدني‏ ‏في‏ ‏الراجل‏ ‏القمر‏ ‏ده‏ ‏السيجار‏ ‏اللي‏ ‏ماسكه‏ ‏في‏ ‏ايديه‏ ‏حاجة‏ ‏تهوس‏..!!‏

    أغرب‏ ‏رأي‏ ‏سمعته‏ ‏هو‏ ‏ما‏ ‏قالته‏ ‏لي‏ ‏ذات‏ ‏العشرين‏ ‏ربيعا‏ ‏التي‏ ‏يبهرها‏ ‏قبعته‏ ‏التي‏ ‏يرتديها‏ .. ‏قالت‏ ‏لي‏ ‏بالحرف‏.. ‏أنا‏ ‏مجنونة‏ ‏بجيفارا‏ ‏وأخرجت‏ ‏من‏ ‏جيبها‏ ‏الصغير‏ ‏ميدالية‏ ‏مرسوما‏ ‏عليها‏ ‏صورته‏ ‏وقالت‏ ‏ـ‏ ‏أصلي‏ ‏بتفائل‏ ‏بيها‏ ‏واشتريت‏ ‏واحدة‏ ‏اختها‏ ‏للولد‏ ‏اللي‏ ‏أنا‏ ‏مرتبطة‏ ‏بيه‏.. ‏ولو‏ ‏ضاعت‏ ‏هحس‏ ‏إن‏ ‏حبيبي‏ ‏ممكن‏ ‏يضيع‏ ‏مني‏ ‏في‏ ‏أي‏ ‏وقت‏...!!‏

    إذا‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏مبرر‏ ‏الفتيات‏ ‏اللاتي‏ ‏وقعن‏ ‏في‏ ‏عشق‏ ‏عينيه‏ ‏ويتغزلن‏ ‏في‏ ‏قبعته‏ ‏وابتسامته‏ ‏فما‏ ‏هو‏ ‏مبرر‏ ‏الشبان‏ ‏الذين‏ ‏يحتفظون‏ ‏بصور‏..‏؟‏!‏

    أجمع‏ ‏معظم‏ ‏الشباب‏ ‏الذين‏ ‏تكلمت‏ ‏معهم‏ ‏علي‏ ‏أن‏ ‏جيفارا‏ ‏أصبح‏ ‏فتي‏ ‏الأحلام‏ ‏بالنسبة‏ ‏للكثيرين‏ ‏من‏ ‏فتيات‏ ‏هذا‏ ‏الجيل‏ ‏وأن‏ ‏صور‏ ‏جيفارا‏ ‏علي‏ ‏سياراتهم‏ ‏أو‏ ‏التيشرتات‏ ‏التي‏ ‏يرتدونها‏ ‏كفيلة‏ ‏بفتح‏ ‏الكلام‏ ‏مع‏ ‏الفتيات‏.. ‏يعني‏ ‏مثلا‏ ‏شاب‏ ‏عمره‏ 19 ‏عاما‏ ‏يذهب‏ ‏بسيارته‏ ‏الي‏ ‏الجامعة‏ ‏وقد‏ ‏تحولت‏ ‏معرضا‏ ‏لصور‏ ‏جيفارا‏.. ‏قال‏ ‏لي‏ ‏إن‏ ‏جيفارا‏ ‏هذا‏ ‏وشه‏ ‏زي‏ ‏الفل‏.. ‏كل‏ ‏بنات‏ ‏الجامعة‏ ‏الحلوين‏ ‏جريوا‏ ‏عليه‏ ‏وسألوه‏ ‏انت‏ ‏جايب‏ ‏الصور‏ ‏دي‏ ‏منين‏.. ‏وبالشكل‏ ‏ده‏ ‏استطاع‏ ‏أن‏ ‏يكسب‏ ‏قلوبهن‏ ‏في‏ ‏غمضة‏ ‏عين‏...!!‏

    سؤال‏ ‏يلح‏ ‏علي‏ ‏ويكاد‏ ‏يلتهم‏ ‏رأسي‏.. ‏من‏ ‏وراء‏ ‏طبع‏ ‏صورة‏ ‏جيفارا‏ ‏علي‏ ‏التيشرتات‏ ‏وبوستر‏ ‏السيارات‏.. ‏هل‏ ‏هي‏ ‏شركات‏ ‏تجارية‏ ‏ذات‏ ‏نفوذ‏ ‏وتقرأ‏ ‏جيدا‏ ‏موضة‏ ‏الشباب‏ ‏وتقاليعهم‏ ‏الجديدة‏ ‏فتسير‏ ‏وراءها‏ ‏للربح‏ ‏المادي‏ ‏والتجاري‏ ‏السريع‏.. ‏أم‏ ‏أنه‏ ‏مجهود‏ ‏فردي‏ ‏فقط‏..‏؟‏!‏

    بخطي‏ ‏حريصة‏ ‏وصلت‏ ‏الي‏ ‏الاجابة‏.. ‏المسألة‏ ‏لدينا‏ ‏في‏ ‏مصر‏ ‏ليست‏ ‏منظمة‏ ‏علي‏ ‏الاطلاق‏ ‏بل‏ ‏هي‏ ‏تسير‏ ‏في‏ ‏خط‏ ‏عشوائي‏ ‏تماما‏.. ‏تبدأ‏ ‏عندما‏ ‏يعجب‏ ‏شخص‏ ‏ما‏ ‏بالصورة‏ ‏في‏ ‏أي‏ ‏مجلة‏ ‏أو‏ ‏عند‏ ‏صديق‏ ‏يأخذها‏ ‏ويذهب‏ ‏الي‏ ‏أحد‏ ‏أهم‏ ‏المحلات‏ ‏التي‏ ‏تمتلك‏ ‏مصانع‏ ‏لطبع‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الصور‏ ‏مع‏ ‏التيشرتات‏ ‏أو‏ ‏ميداليات‏ ‏أو‏ ‏بوستر‏ ‏للسيارات‏, ‏وبالطبع‏ ‏يقوم‏ ‏بطلب‏ ‏عدد‏ ‏محدود‏ ‏منها‏ ‏والزبون‏ ‏بيجيب‏ ‏زبون‏.. ‏هذا‏ ‏ما‏ ‏قاله‏ ‏لي‏ ‏صاحب‏ ‏هذه‏ ‏المحلات‏ ‏والذي‏ ‏رفض‏ ‏ذكر‏ ‏اسمه‏..‏

    المسألة‏ ‏مختلفة‏ ‏تماما‏ ‏في‏ ‏دول‏ ‏العالم‏ ‏الأخري‏.. ‏لن‏ ‏ننكر‏ ‏أن‏ ‏تشي‏ ‏جيفارا‏ ‏تحول‏ ‏الي‏ ‏ماركة‏ ‏رأسمالية‏ ‏في‏ ‏عقر‏ ‏دار‏ ‏أمريكا‏ ‏عدوته‏ ‏اللدودة‏.. ‏فأصبحت‏ ‏صورته‏ ‏تزين‏ ‏الأكواب‏ ‏في‏ ‏الكافتيريات‏, ‏والولاعات‏, ‏وميداليات‏ ‏المفاتيح‏, ‏وحقائب‏ ‏السيدات‏, ‏وعلب‏ ‏الشاي‏ ‏الأخضر‏ ‏بل‏ ‏والاعلانات‏ ‏التجارية‏ ‏حتي‏ ‏أنه‏ ‏يوجد‏ ‏اعلان‏ ‏صابون‏ ‏سائل‏ ‏يقول‏..‏

    تشي‏ ‏يغسل‏ ‏اكثر‏ ‏بياضا‏..‏

    تأملوا‏ ‏معي‏ ‏كيف‏ ‏يتم‏ ‏التسويق‏ ‏لهذه‏ ‏المنتجات‏..‏؟‏!‏

    شركات‏ ‏كبري‏ ‏تقوم‏ ‏بهذا‏ ‏التسويق‏ ‏التجاري‏ ‏من‏ ‏أمثال‏ ‏بولوينجتون‏ ‏كوت‏ ‏فاكتوري‏ ‏التي‏ ‏مولت‏ ‏اعلانا‏ ‏في‏ ‏التليفزيون‏ ‏لشاب‏ ‏يرتدي‏ ‏بنطلون‏ ‏جينز‏ ‏وقميص‏ ‏تشي‏ ‏وايضا‏ ‏شركة‏ ‏بوتيك‏ ‏فلامنجو‏ ‏التابعة‏ ‏لـ‏ ‏يونيون‏ ‏سيتي‏ ‏في‏ ‏نيوجيرسي‏ ‏والذي‏ ‏رد‏ ‏صاحبها‏ ‏علي‏ ‏غضب‏ ‏المثقفين‏ ‏في‏ ‏أمريكا‏ ‏علي‏ ‏استعمال‏ ‏جيفارا‏ ‏بصورة‏ ‏تجارية‏ ‏غير‏ ‏لائقة‏ ‏قائلا‏.. ‏أبيع‏ ‏أي‏ ‏شيء‏ ‏يرغب‏ ‏الناس‏ ‏في‏ ‏شرائه‏!‏

    وأخيرا‏ ‏أهديك‏ ‏هذه‏ ‏القصة‏: ‏منذ‏ ‏سنوات‏ ‏طويلة‏ ‏رفض‏ ‏مصور‏ ‏جيفارا‏ ‏البرتوكوردوار‏ ‏عرضا‏ ‏مغريا‏ ‏من‏ ‏أحدي‏ ‏شركات‏ ‏الكحول‏ ‏التي‏ ‏كانت‏ ‏تريد‏ ‏استغلال‏ ‏الصورة‏ ‏التي‏ ‏قام‏ ‏بتصويرها‏ ‏لـ‏ ‏تشي‏ ‏جيفارا‏ ‏لكي‏ ‏تضعها‏ ‏علي‏ ‏زجاجات‏ ‏الخمور‏.. ‏رفع‏ ‏الرجل‏ ‏قضية‏ ‏علي‏ ‏الشركة‏ ‏وحصل‏ ‏علي‏ 50 ‏الف‏ ‏دولار‏ ‏تعويضا‏.. ‏وعلي‏ ‏الفور‏ ‏تبرع‏ ‏بها‏ ‏للنظام‏ ‏الصحي‏ ‏في‏ ‏دولته‏ ‏كوبا‏..‏

    وعندما‏ ‏سألته‏ ‏وكالة‏ ‏رويترز‏ ‏لماذا‏ ‏لم‏ ‏تحتفظ‏ ‏بالنقود‏ ‏لنفسك‏ ‏؟‏! ‏أجاب‏ ‏قائلا‏.. ‏لو‏ ‏كان‏ ‏جيفارا‏ ‏حيا‏ ‏لفعل‏ ‏مثلي‏ ‏تماما‏.. !!‏

    أظن‏ ‏أنك‏ ‏تستطيع‏ ‏أن‏ ‏تلحظ‏ ‏الفرق‏ ‏بين‏ ‏الآن‏ ‏وزمان‏...‏
    ولا‏ ‏تعليق‏...!!‏
    تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي صولة المستنفر الحامي

  • #2
    بسم الله الرحمن الرحيم
    تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي صولة المستنفر الحامي

    تعليق


    • #3
      اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
      تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي صولة المستنفر الحامي

      تعليق


      • #4
        سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
        تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي صولة المستنفر الحامي

        تعليق

        يعمل...
        X