علاقة الشرق بالغرب :
تعد فتوحات الإسكندر السبب في مجيء الإغريق والرومان إلى المسرح الشرقي ، وكان هذا أول التقاء حضاري بين هذين العالمين.
وكان من نتائج هذا التفاعل الحضاري نشوء حضارة جديدة أطلق عليها الحضارة (الهلنستية) تمييزاً لها عن الحضارة (الهلينية) التي تعني الحضارة الإغريقية في البلاد الأم ، وأصبحت الحضارة (الهنستية) الحضارة التي تميزت بها بلدان الشرق الأدنى في القرون الثلاثة التي سبقت المسيحية.
وكان غزو الإسكندر للشرق هو بداية لتطلع الغرب لخيرات الشرق واحتلاله ، فعندما حلت الإمبراطورية الرومانية محل الإمبراطورية الإغريقية بعدما تغلبت روما على إسبرطة وأثينا ، احتلت سوريا سنة 64 ق.ب وانتهت بضم مصر إليها ، ثم غزت شمال إفريقيا بكامله بعد قضائها المبرم والنهائي على مدينة (قرطاجنة) التي صيرتها خراباً إلى يومنا هذا ، وذلك بعد حرقها وتدميرها وزرع أرضها بالملح حتى لا تنبت مرة أخرى ، وبلغت حدود الإمبراطورية الرومانية من المحيط الأطلسي غرباً إلى الصحراء السورية العربية شرقاً.
وهكذا نجد أن علاقة الغرب بالشرق التي بدأت منذ الحروب الفارسية اليونانية إلى الحروب الرومانية مررواً بالفتوحات الإغريقية أدت إلى وصول الإغريق والرومان إلى هذه الأصقاع التي استعمروها سياسياً وحضارياً ، وكان لها أثر بالغ من الناحية الاقتصادية باحتلال هؤلاء الغزاة للموانئ العربية ، وإقامة مراكز تجارية بها ، كما عززوها بقواعد عسكرية لحماية تلك التجارة ، وهنا نتوقف وقفة : إذ نجد التاريخ يعيد نفسه ، فهاهو الحضور الغربي في الخليج العربي لحماية مصالحة الاقتصادية والسياسية والعسكرية ابتداء من الاحتلال البرتغالي مروراً بالانتداب البريطاني وانتهاء بالاحتلال الأنجلو أمريكي للعراق ، ووجود قواعد عسكرية أمريكية في الخليج.
هذه بداية كان لا بد منها لمعرفة أبعاد وجذور علاقة الغرب بالشرق قبل الإسلام ، وأنها كانت علاقة قائمة على تفاعل حضاري وتبادل تجاري من ناحية ، وتطورت إلى أن أصبحت علاقات قائمة على أطماع ، ومصالح اقتصادية.
لقد جسد المشروع الصليبي عصبية الغرب تجاه الإسلام وهذا ما اعتبره توماس أرنولد بمثابة (حركة روحية أوضحت نفسها بنظام روحي ، ووصفها بأنها عبارة عن حرب مقدسة ، حرب عادلة عند رجال الدين من الوجهة النظرية ، فضلاً عن أنها حرب مباركة يصح أن يعول الناس مصائرهم عليها ، حرب أشعلت في سبيل القضية النصرانية ، ووحدت مصدر قوى المسيحية كلها في إطار عداء جمعي ضد خصمها الألد في الدين) ، بينما يرى المستشرق الروسي (اليكسي فاسيلينتس جورافكسي) أن الدراسات الأوروبية المعاصرة حول الإسلام قد تشكلت على مدى أربعة عشر قرناً تقريباً من تجاور الإسلام والمسيحية أو من وجودهما المشترك ، ويقرر في موضع آخر أن التصورات الأوربية عن الإسلام قد تشكلت ما بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر للميلاد ، في كثير من جوانبها وخطوطها الكبرى على خلفية التفسير المسيحي الشرقي للعقيدة الإسلامية ، مشيراً في ذلك إلى مؤلفات (يوحنا الدمشقي) التي ناقش فيها الإسلام كبدعة ، وأن المسلمين لا يعتقدون بألوهية المسيح وصلبه ، وأن يوحنا يرفض أن محمداً صلى الله عليه وسلم نبي الله وهو خاتم المرسلين ، وأن القرآن كلمة الله المنزلة إلى محمد صلى الله عليه وسلم من السماء إذ يرى أن سلسلة الرسالات النبوية ختمت بيوحنا المعمدان ولم تكن الكوميديا الإلهية لدانتي الإيطالي ، وقصائد لوجيت الإنجليزي سوى أمثلة على تلك العصبية الغريبة التي وضعت الإسلام أمام محكمة تاريخية ودعت إلى إعدامه ونفيه خارج عقل الغرب وروحه.
بواعث الحروب الصليبية:
للحروب الصليبية أسباب دينية واقتصادية واجتماعية وسياسية سأتعرض لكل منها بشيء من التوضيح.
1-الأسباب الدينية:
يثبت التاريخ أن المسيحيين عاشوا دائماً في كنف الدولة الإسلامية عيشة هادئة هنيئة ، تشهد عليها الرسالة التي بعث بها (ثيودسيوس) بطرق بيت القدس سنة 869 إلى زميله (اجناتيوس) بطرق القسطنطينية والتي امتدح فيها المسلمين وأثنى على قلوبهم الرحيمة وتسامحهم المطلق حتى أنهم سمحوا للمسيحيين ببناء مزيد من الكنائس دون أي تدخل في شؤونهم الخاصة. وقد قال بطرق بيت المقدس بالحرف الواحد في رسالته : (إن المسلمين قوم عادلون ونحن لا نلقى منهم أي أذى أو تعنت).
وهذا وإن تعرض بعض المسيحيين أحياناً في بعض البلدان الإسلامية لنوع من الضغط أو الاضطهاد ، فتلك حالات فردية شاذة شذت عن القاعدة العامة التي حرص الإسلام عليها دائماً. وهي التسامح المطلق مع أهل الكتاب ، وإذا كان بعض المؤلفين الأوربيين قد تمسكوا بهذه الحالات الفردية ، وأرادوا أن يتخذوها دليلاً على تعسف حكام المسلمين مع المسيحيين في عصر الحروب الصليبية ، فلعل هؤلاء الكتاب نسوا أو تناسوا ما صحب انتشار المسيحية ذاتها من اضطهادات ومجازر بدأت منذ القرن الرابع للميلاد ، واستمرت حتى نهاية العصور الوسطى ، ويكفي أن أذكر ما قام به خلفاء الأمير قسطنطين الأول من اضطهادات لإرغام غير المسيحيين على اعتناق المسيحية ، وما قام به شارلمان في القرن الثامن من فرض المسيحية على السكسون والبارفيين بحد السيف حتى أنه قتل من السكسون في مذبحة (فردن) الشهيرة أكثر من أربعة آلاف فرد جملة واحدة ، وما ارتكبه الفرسان التيتون ، وفرسان منظمة السيف من وحشية وقسوة بالغة في محاولتهم نشر المسيحية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر من البروسيين واللتوانيين وغيرهم من الشعوب السلافية قرب شاطئ البحر البلطي ، هذا إضافة إلى ما قام به المنصرون (الجزويت) في القرن السابع عشر من عنف لنشر المسيحية في الهند.
مما سبق يتبين لنا أنه لم يكن هناك اضطهاد ديني لمسيحي الشرق من قبل المسلمين يبرر قيام هذه الحملة الصليبية على الإسلام وبلاده ، والتي امتدت أكثر من قرنين من الزمان (1092- 1295م) ، ولكن دعاة الحملة الصليبية الأولى ، وعلى رأسهم (البابا أوريان الثاني) قد استغلوا فكرة الاضطهاد للاستهلاك المحلي للدعاية لمشروعهم في غرب أوروبا ،
تعد فتوحات الإسكندر السبب في مجيء الإغريق والرومان إلى المسرح الشرقي ، وكان هذا أول التقاء حضاري بين هذين العالمين.
وكان من نتائج هذا التفاعل الحضاري نشوء حضارة جديدة أطلق عليها الحضارة (الهلنستية) تمييزاً لها عن الحضارة (الهلينية) التي تعني الحضارة الإغريقية في البلاد الأم ، وأصبحت الحضارة (الهنستية) الحضارة التي تميزت بها بلدان الشرق الأدنى في القرون الثلاثة التي سبقت المسيحية.
وكان غزو الإسكندر للشرق هو بداية لتطلع الغرب لخيرات الشرق واحتلاله ، فعندما حلت الإمبراطورية الرومانية محل الإمبراطورية الإغريقية بعدما تغلبت روما على إسبرطة وأثينا ، احتلت سوريا سنة 64 ق.ب وانتهت بضم مصر إليها ، ثم غزت شمال إفريقيا بكامله بعد قضائها المبرم والنهائي على مدينة (قرطاجنة) التي صيرتها خراباً إلى يومنا هذا ، وذلك بعد حرقها وتدميرها وزرع أرضها بالملح حتى لا تنبت مرة أخرى ، وبلغت حدود الإمبراطورية الرومانية من المحيط الأطلسي غرباً إلى الصحراء السورية العربية شرقاً.
وهكذا نجد أن علاقة الغرب بالشرق التي بدأت منذ الحروب الفارسية اليونانية إلى الحروب الرومانية مررواً بالفتوحات الإغريقية أدت إلى وصول الإغريق والرومان إلى هذه الأصقاع التي استعمروها سياسياً وحضارياً ، وكان لها أثر بالغ من الناحية الاقتصادية باحتلال هؤلاء الغزاة للموانئ العربية ، وإقامة مراكز تجارية بها ، كما عززوها بقواعد عسكرية لحماية تلك التجارة ، وهنا نتوقف وقفة : إذ نجد التاريخ يعيد نفسه ، فهاهو الحضور الغربي في الخليج العربي لحماية مصالحة الاقتصادية والسياسية والعسكرية ابتداء من الاحتلال البرتغالي مروراً بالانتداب البريطاني وانتهاء بالاحتلال الأنجلو أمريكي للعراق ، ووجود قواعد عسكرية أمريكية في الخليج.
هذه بداية كان لا بد منها لمعرفة أبعاد وجذور علاقة الغرب بالشرق قبل الإسلام ، وأنها كانت علاقة قائمة على تفاعل حضاري وتبادل تجاري من ناحية ، وتطورت إلى أن أصبحت علاقات قائمة على أطماع ، ومصالح اقتصادية.
لقد جسد المشروع الصليبي عصبية الغرب تجاه الإسلام وهذا ما اعتبره توماس أرنولد بمثابة (حركة روحية أوضحت نفسها بنظام روحي ، ووصفها بأنها عبارة عن حرب مقدسة ، حرب عادلة عند رجال الدين من الوجهة النظرية ، فضلاً عن أنها حرب مباركة يصح أن يعول الناس مصائرهم عليها ، حرب أشعلت في سبيل القضية النصرانية ، ووحدت مصدر قوى المسيحية كلها في إطار عداء جمعي ضد خصمها الألد في الدين) ، بينما يرى المستشرق الروسي (اليكسي فاسيلينتس جورافكسي) أن الدراسات الأوروبية المعاصرة حول الإسلام قد تشكلت على مدى أربعة عشر قرناً تقريباً من تجاور الإسلام والمسيحية أو من وجودهما المشترك ، ويقرر في موضع آخر أن التصورات الأوربية عن الإسلام قد تشكلت ما بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر للميلاد ، في كثير من جوانبها وخطوطها الكبرى على خلفية التفسير المسيحي الشرقي للعقيدة الإسلامية ، مشيراً في ذلك إلى مؤلفات (يوحنا الدمشقي) التي ناقش فيها الإسلام كبدعة ، وأن المسلمين لا يعتقدون بألوهية المسيح وصلبه ، وأن يوحنا يرفض أن محمداً صلى الله عليه وسلم نبي الله وهو خاتم المرسلين ، وأن القرآن كلمة الله المنزلة إلى محمد صلى الله عليه وسلم من السماء إذ يرى أن سلسلة الرسالات النبوية ختمت بيوحنا المعمدان ولم تكن الكوميديا الإلهية لدانتي الإيطالي ، وقصائد لوجيت الإنجليزي سوى أمثلة على تلك العصبية الغريبة التي وضعت الإسلام أمام محكمة تاريخية ودعت إلى إعدامه ونفيه خارج عقل الغرب وروحه.
بواعث الحروب الصليبية:
للحروب الصليبية أسباب دينية واقتصادية واجتماعية وسياسية سأتعرض لكل منها بشيء من التوضيح.
1-الأسباب الدينية:
يثبت التاريخ أن المسيحيين عاشوا دائماً في كنف الدولة الإسلامية عيشة هادئة هنيئة ، تشهد عليها الرسالة التي بعث بها (ثيودسيوس) بطرق بيت القدس سنة 869 إلى زميله (اجناتيوس) بطرق القسطنطينية والتي امتدح فيها المسلمين وأثنى على قلوبهم الرحيمة وتسامحهم المطلق حتى أنهم سمحوا للمسيحيين ببناء مزيد من الكنائس دون أي تدخل في شؤونهم الخاصة. وقد قال بطرق بيت المقدس بالحرف الواحد في رسالته : (إن المسلمين قوم عادلون ونحن لا نلقى منهم أي أذى أو تعنت).
وهذا وإن تعرض بعض المسيحيين أحياناً في بعض البلدان الإسلامية لنوع من الضغط أو الاضطهاد ، فتلك حالات فردية شاذة شذت عن القاعدة العامة التي حرص الإسلام عليها دائماً. وهي التسامح المطلق مع أهل الكتاب ، وإذا كان بعض المؤلفين الأوربيين قد تمسكوا بهذه الحالات الفردية ، وأرادوا أن يتخذوها دليلاً على تعسف حكام المسلمين مع المسيحيين في عصر الحروب الصليبية ، فلعل هؤلاء الكتاب نسوا أو تناسوا ما صحب انتشار المسيحية ذاتها من اضطهادات ومجازر بدأت منذ القرن الرابع للميلاد ، واستمرت حتى نهاية العصور الوسطى ، ويكفي أن أذكر ما قام به خلفاء الأمير قسطنطين الأول من اضطهادات لإرغام غير المسيحيين على اعتناق المسيحية ، وما قام به شارلمان في القرن الثامن من فرض المسيحية على السكسون والبارفيين بحد السيف حتى أنه قتل من السكسون في مذبحة (فردن) الشهيرة أكثر من أربعة آلاف فرد جملة واحدة ، وما ارتكبه الفرسان التيتون ، وفرسان منظمة السيف من وحشية وقسوة بالغة في محاولتهم نشر المسيحية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر من البروسيين واللتوانيين وغيرهم من الشعوب السلافية قرب شاطئ البحر البلطي ، هذا إضافة إلى ما قام به المنصرون (الجزويت) في القرن السابع عشر من عنف لنشر المسيحية في الهند.
مما سبق يتبين لنا أنه لم يكن هناك اضطهاد ديني لمسيحي الشرق من قبل المسلمين يبرر قيام هذه الحملة الصليبية على الإسلام وبلاده ، والتي امتدت أكثر من قرنين من الزمان (1092- 1295م) ، ولكن دعاة الحملة الصليبية الأولى ، وعلى رأسهم (البابا أوريان الثاني) قد استغلوا فكرة الاضطهاد للاستهلاك المحلي للدعاية لمشروعهم في غرب أوروبا ،
تعليق