السؤال:
ما الصفات التي جعلت من عمر بن الخطاب رضي الله عنه شخصاً فريداً يفر الشيطان منه ؟
وهل يمكن لأي مسلم في الوقت الحاضر أن يتحلى بتلك الصفات ؟
الجواب :
الحمد لله,
روى البخاري (3294) ، ومسلم (2396) عن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ ، قَالَ:
" اسْتَأْذَنَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ ، عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ ،
فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الحِجَابَ ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ ،
فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ،
قَالَ : ( عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاَءِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدِي ، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الحِجَابَ ) ،
قَالَ عُمَرُ : فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ يَهَبْنَ ، ثُمَّ قَالَ : أَيْ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ ، أَتَهَبْنَنِي وَلاَ تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟
قُلْنَ: نَعَمْ، أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ ) .
وروى الترمذي (3691) وصححه ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ :
" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فَسَمِعْنَا لَغَطًا وَصَوْتَ صِبْيَانٍ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا حَبَشِيَّةٌ تَزْفِنُ وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهَا، فَقَالَ: ( يَا عَائِشَةُ تَعَالَيْ فَانْظُرِي ) ،
فَجِئْتُ فَوَضَعْتُ لَحْيَيَّ عَلَى مَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا مَا بَيْنَ المَنْكِبِ إِلَى رَأْسِهِ ، فَقَالَ لِي : ( أَمَا شَبِعْتِ ، أَمَا شَبِعْتِ ) ، قَالَتْ: فَجَعَلْتُ أَقُولُ: لَا ؛ لِأَنْظُرَ مَنْزِلَتِي عِنْدَهُ ، إِذْ طَلَعَ عُمَرُ،
قَالَتْ : فَارْفَضَّ النَّاسُ عَنْهَا: قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ قَدْ فَرُّوا مِنْ عُمَرَ ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وروى الترمذي (3690) وصححه عن بُرَيْدَةَ قال :
" خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ ،
فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ إِنْ رَدَّكَ اللَّهُ سَالِمًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالدُّفِّ وَأَتَغَنَّى ،
فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي وَإِلَّا فَلَا ) ، فَجَعَلَتْ تَضْرِبُ ،
فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ ،
ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ ،
ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ ،
ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَأَلْقَتِ الدُّفَّ تَحْتَ اسْتِهَا ، ثُمَّ قَعَدَتْ عَلَيْهِ ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ، إِنِّي كُنْتُ جَالِسًا وَهِيَ تَضْرِبُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ ، فَلَمَّا دَخَلْتَ أَنْتَ يَا عُمَرُ أَلْقَتِ الدُّفَّ ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
ولا شك أنه كان لعمر رضي الله عنه من خلال الخير وخصال الإيمان ما لم يبلغ أحد من هذه الأمة شأوه ،
سوى صديق هذه الأمة الذي سبقه ، وفُضّل عليه ،
وأما من سواه ، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن بعدهم ، فما بلغوا في الولاية ، ولا خصال الإيمان منزلته ، ولا باراه أحد فيها .
ومع ما كان عليه عمر رضي الله عنه من عظيم الإخلاص ، والصدق ، وما أعطيه من منازل الخير والتقوى ،
فالذي يظهر أن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ، من فرار الشيطان من عمر رضي الله عنه : كان كرامة له ،
وخصوصية ، خصه الله بها ، لا يلزم أن يكون قد أعطيها لأجل عمل معين قام به ؛ بل ربما كان ذلك لتكامل خصال الخير
فيه ، أو لأمر معين ، لا نعلمه ، ولم يأتنا خبر من الصادق أن من فعل كذا ، فر الشيطان منه ، ولا نعلم أن تلك الكرامة قد
حصلت لغيره من الأمة أصلا .
ولعل من أعظم تلك الخصال غيظا للشيطان ، وإعانة لعمر رضي الله عنه عليه ، حتى فر منه : صدق لهجته في الحق ،
فلا يداهن ، ولا يداري ، وقوته في الأخذ به ، فلا يضعف عنه ، ولا يلين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
" الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يَسْتَطِيلُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِهَوَاهُ ، وَعُمَرُ قَمَعَ هَوَاهُ " .
انتهى من " منهاج السنة النبوية " (6/ 55) .
--------
المصدر باختصار بسيط
تعليق