عمارة رشدي بالإسكندرية
عمارة ضخمة ذات لون كئيب توقف عندها الزمن , كأنها تغط في سبات عميق وطويل غير آبهة بكل ما يدور حولها من صخب ولغط وضجيج . وغير آبهة أيضا بالشهرة الكبيرة التي حازت عليها عبر السنين , فهي معروفة لدى كل سكان الإسكندرية ، خصوصا سكان منطقة رشدي التي تنتصب على جانب أحد شوارعها تلك العمارة المهجورة التي أصبحت مدار الكثير من الأساطير , والتي يقال بأنها هجرت منذ زمن طويل بسبب ما كان يحدث فيها من أشياء وأمور غريبة .. أمور لا تخطر على بال ولا يمكن أن نراها سوى في أفلام الرعب السينمائية ما الذي حصل بالضبط ؟ ..
حوادث فظيعة وأمور مأساوية جعلت ساكني تلك العمارة المشئومة يلعنون اليوم الأسود الذي وطئت أقدامهم فيها أرضها الملعونة ..
هناك قصص كثيرة يرويها الناس , بعضها تتحدث عن رجل ألقى بنفسه من الطابق الأخير لسبب مجهول ، وكان صراخه المرعب الذي شق سكون الليل هو آخر ما تركه وراءه .. وهناك أيضا ذلك الرجل اليوناني الذي غرق هو وجميع أفراد عائلته في حادث مركب صيد بعد يومين فقط من سكنه بالعمارة .. وهناك أيضا قصة العريس الذي شاهد الدماء تسيل من جدران شقته ثم لاحقه قط اسود كبير ! ..
الغرائب والأحداث الغامضة استمرت بالوقوع داخل العمارة حتى اقفل الحراس أبوابها بالخشب و الحجارة وتركوها لأشباحها وعفاريتها المشاكسة ... ومنذ ذلك الحين أصبح الناس في الإسكندرية يتحاشون مجرد النظر إليها , ويمرون مسرعين من أمامها لئلا تطاردهم بشرورها ..
بعض الأساطير تزعم بأن العمارة كانت في طور البناء عندما وقع مصحف من احد العمال و بنيت العمارة فوقه .. وهناك من يقول بأن أرض العمارة بنيت فوق مسجد كان قد تعرض للهدم من قبل المقاول الذي شيد العمارة .. وهناك أيضا من يقول بأن العمارة بنيت فوق مقبرة , وبأن بعض المدفونين في تلك المقبرة كانوا قد ماتوا في حوادث مأساوية غامضة , لذا سكنت عفاريتهم تلك العمارة وراحت ترعب كل من يجرؤ على السكن فيها . وقصة أخرى تزعم بأن هناك مقاولان اشتركا في بناء العمارة , لكن أحدهما قام بالنصب على الآخر وسلب أمواله , فأنتقم هذا الأخير بعمل تعويذة (عمل ) لدى أحد السحرة المتمرسين بالسحر الأسود , وقام بدفن التعويذة في أساسات المبنى لكي لا يصل إليها أحد .
قصص عجيبة القصة أو الأسطورة الأكثر رواجا حول المبنى هو أنه شيد عام 1961 , وكان صاحبه رجل يوناني أحضر أسرته لتعيش معه , لكن لم تمر سوى أيام قلائل على سكنه في العمارة حتى مات هو وأولاده بعد أن غرقت مركبهم أثناء خروجهم في رحلة صيد .. وبعد موت "الخواجه" باعت زوجته العمارة وغادرت البلاد .
صاحب العمارة الجديد قرر أن يؤجر شققها , لكن النحس طارد كل من حاول السكن فيها , فالرجل الذي استأجر الدور الأول مات في حريق هائل اندلع في شقته بعد فترة قصيرة من سكنه فيها , أما الطبيب الذي استأجر الدور الثاني فقد مات بحادث سيارة بعد أيام قلائل على افتتاح عيادته . الدور الثالث استأجرته امرأة تعيش لوحدها لأن أولادها يعملون في الخارج , وبعد أيام قليلة عثروا عليها مقتولة ولم يعرف القاتل أبدا . هناك أيضا شركة تجارية استأجرت الدور الرابع لكنها سرعان ما أفلست ومات صاحبها منتحرا .
أما أشهر القصص فهي عن ذلك العريس البائس الذي دفعته أزمة السكن لتحدي قوى الشر التي تهيمن على العمارة فتجرأ على استئجار إحدى شققها .. حدث ذلك مطلع تسعينيات القرن المنصرم .. ويقال بأن الليلة الأولى لذلك العريس المسكين في العمارة كانت ليلة حمراء صاخبة .. ليس لأنها ليلة الدخلة .. لكن بسبب ما جرى فيها من أمور تفوق الخيال ..
ففي تلك الليلة المرعبة شاهد العريس وعروسه بقعا من الدم تسيل من على الجدران , ثم راحت الحنفيات تسكب ماءا أحمر كالدم , وظهر لهما قط أسود عملاق , وحين حاولا الفرار من القط وجدوا امرأة مقطوعة الرأس تنتظرهم في الصالة , وكان رأسها المقطوع مرميا على الأرض وهو يضحك بصوت مفزع .. العروسان المرعوبان ركضا نحو باب الشقة .. فوجدا بأن الباب قد اختفى , وكان هناك رجل أسود مخيف المنظر ذو أنياب طويلة وحادة ينتظرهم , ففتح فمه ليبتلعهم ولم يشعرا بعد ذلك بشيء .. ووجدهما الناس في صباح اليوم التالي مغشي عليها في الشارع وهما شبه عاريين .
ويقال بأن كل من سكن العمارة بعد ذلك كان يجد أثاثه محطما وملقيا بالشارع في الصباح ! .. وبأن العفاريت كانت تهز المبنى لترعب ساكنيه .. والدم يتدفق من الحنفيات .. والأبواب والشبابيك تفتح وتغلق من تلقاء نفسها ..
وحين أتوا بشيخ ليقرأ على العمارة ويخلصها من عفاريتها .. اختفى سلم العمارة ! .. نعم لم يجد الشيخ سلما ليصعد عليه .. وحين حاول دخول شقق الدور الأرضي اختفت أبواب الشقق !! .. ويقال بأنه بعد فترة على ذلك حضر شيخ آخر وسخر من حكايات الناس عن العفاريت التي تسكن العمارة .. وقرر أن يسكن وحيدا في العمارة لكي يثبت للناس بأن كل ما يدور حولها من حكايات هي مجرد خرافات لا أساس لها من الصحة .. وفعلا مر اليوم الأول بسلام من دون أي حوادث .. والثاني كذلك .. والثالث .. والرابع .. حتى ظن الناس بأن كلام الشيخ مضبوط وبأن كل ما يدور حول العمارة هو مجرد هراء .. لكن هذا الاستنتاج لم يدم طويلا .. ففي اليوم السابع أستيقظ الناس ليجدوا الشيخ ملقى في الشارع وأثاثه من حوله محطم ومبعثر على الأرض , وحين سألوه عن من فعل به هذا لم يستطع أن يجيبهم من شدة رعبه , ويقال بأن مات بعد أيام قليلة من شدة الصدمة .
بعيدا عن كل ما قيل ويقال عن العمارة فأن البعض من سكان الحي القدماء يقولون بأن كل الأساطير حول العمارة لا أساس لها من الصحة , وأن سبب بقاء تلك العمارة خالية من السكان حتى يومنا هذا هو أن صاحبها مات بعد الانتهاء من بنائها بفترة قصيرة فأختلف ورثته حولها وبقيت العمارة مهجورة حتى يومنا هذا بسبب ذلك الخلاف .
وهذه القصة يؤكدها حادث اقتحام مجموعة من الشباب للعمارة عام 2012 بناء على دعوة وجهها أحدهم على الفيسبوك , وهناك صور وفيديوهات على النت يظهر فيها هؤلاء الشباب وهم يلوحون بأيديهم من شرفات العمارة بعد أن دخلوا إليها عبر مرآب سيارات مجاور لها , وقد تحدث بعض هؤلاء الشباب المقتحمين قائلين بأنهم لم يروا شيئا غريبا أو خارقا للعادة في الداخل , وأن العمارة غير مكتملة البناء , حيث أن الجدران ما زالت غير مكسوة بالجبس , مما يدل على أن أحدا لم يسكن في هذه العمارة بالسابق , وبالتالي فأن كل القصص التي قيلت عن المبنى لا أساس لها من الصحة .
لكن بغض النظر عن اقتحام المبنى فأن الكثير من الناس مازالوا يؤمنون بأن سرا كبيرا يكتنف هذه العمارة .. لو كان هناك خلاف بين الورثة فعلا فهل يعقل أن يستمر منذ الستينات وحتى الآن ! .. وهل من المنطقي ترك هكذا عقار ضخم يساوي الملايين متروكا ومهملا بهذه الصورة .. طيب من الذي يدفع راتب الحارس وعائلته ؟ .. ومن الذي قام بسد باب العمارة بالطوب .. لماذا كل هذا الغموض والسرية .. ومن هم أولئك الأشخاص الذين يأتون إلى العمارة ليلا بسيارات حديثة ويغادرونها قبل طلوع الصباح كما يزعم بعض سكان المنطقة .. هل هناك أمر يجري داخل هذا المبنى ويحاول المسئولون عنه إخفائه والتستر عليه وراء حكايات العفاريت والأشباح ؟ .. كل هذه أسئلة تبقى من دون جواب ..
تعليق