بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وقفات مع مايُسمّى بـ" هرمجدون " - وحقيقة المَلحَمة الكُبرى في آخر الزمان و ظهور الدجّال !
السؤال:
السلام عليكم,
ما الهَرْمجدّون؟
وهل جرت أحداثها ؟ أم أنها ستجري في المستقبل؟
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
(هَرْمجدّون) كلمة مكوّنة من (هَرْ) العبرية، وتعني الجبل أو التلّ،
و (مجدّو) الكنعانية، بمعنى موضع الجيوش ومخيّمها،
وهو تلّ معروف بفلسطين، يقال له اليوم تلّ المتسلِّم، على بعد 30 ميلاً شرقي ساحل البحر الأبيض المتوسط. وهي أفضل ممر يربط مصر بسوريا والشمال، ولذلك كانت موضع غزوات كثيرة قديمًا. وهي اليوم خراب، وتبعد عن تلّ أبيت 55 ميلاً،
وليس لهذا الاسم ذكر في نصوص الكتاب والسنّة،
و ليس عند المسلمين ( اعتقاد خاص ) بهذا الموضع على التحديد.
لكن لهذا الموضع عند النصارى تصوّرٌ مستمدّ من كتابهم المقدّس عندهم،
ومن رؤيا يوحنّا، التي تبشر بمذبحةٍ عظيمةٍ لأهل الأرض، تقع في آخر الزمان،
في هذا المكان المسمّى بهرمجدون (انظر: رؤيا يوحنّا، وبالأخص الأصحاح: 16/12-16) .
ولهذا التصوّر النصراني استمداد من تصور يهودي، يخبر أيضًا عن معركة حاسمة في آخر الزمان، يموت فيها ثلثا أهل الأرض، بزعمهم.
(انظر: سفر حزقيال: الأصحاح: 38،39، وسفر زكريا: الأصحاح: 12) .
وكلّ من اليهود والنصارى يزعم أن هذه المعركة ستكون عاقبتها انتصار أبناء ديانتهم،
فاليهود يزعمون أن مسيحهم سينزل ويقيم دولتهم ،
والنصارى يزعمون أن المسيح (الذي ادّعوه إلهًا لهم) سينزل مرة أخرى، لينصرهم على جميع أمم الأرض.
وبعد أن نشأت الفرقة النصرانية المعروفة بالبروتستانتية، على يد مؤسسها مارتن لوثر (ت 953 هـ-1546م) ، تغلغلت المبادئ والعقائد اليهودية في قلوب النصارى البروتستانت، وانتعشت روح صداقة بين الديانتين، مع أن اليهود هم أعدى أعداء النصارى، وهم زعموا صلب المسيح!!
وفي هذه الأجواء نشأت الأصولية النصرانية، وذلك سنة (1313هـ - 1895م) والتي أحيت فكرة المجيء الثاني للمسيح، وربطت ربطًا عقائديًّا بين هذه العودة للمسيح وبقاء دولة إسرائيل في فلسطين؛ لأنها بحسب رأيهم تمهيد لمعركة هرمجدون الحاسمة, التي يعتقدون أنها لن تنتهي إلا بنزول المسيح،
وتشيع هذه العقائد كثيرًا في الولايات المتحدة الأمريكية، ولها وجود قويّ في البيت الأبيض الأمريكي، وتحدّد كثيرًا من ملامح السياسة الأمريكية الخارجية، وبخاصة فيما يتعلق بالقضايا الإسلامية، وقضية فلسطين والاحتلال اليهودي بالأخص. ولذلك فقد أصبح ذكر معركة هرمجدون كثيرًا ما يتردّد في وسائل الإعلام العالمية، بل في المحافل السياسية!!
ولم يَعُد أمر هذه المعركة المتنبّأ بها ممّا يصحّ تجاهله، بعد أن أصبحت العقائد المرتبطة بها تسطّر حروفًا بارزةً في التاريخ الحاضر.
أمّا نحن المسلمين:
فنؤمن أنه ستقع معركة عظيمة في بلاد الشام، بيننا وبين الروم، وهم الغرب وأننا بعد معركة شرسة سنخرج منتصرين.
هذا ما لا نشك فيه , لثبوته عن نبينا صلى الله عليه وسلم:
ففي صحيح البخاري (3176)
عن عوف بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:
" اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ :
مَوْتِي،
ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،
ثُمَّ مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ،
ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا،
ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ الْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ،
ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا".
وبنو الأصفر: هم الروم. والغاية: هي الراية.
وفي صحيح مسلم (2897) :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
"لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ، أَوْ بِدَابِقٍ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ، فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتْ الرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ. فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ : لَا وَاللَّهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا. فَيُقَاتِلُونَهُمْ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ،
وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ إِذْ صَاحَ فِيهِمْ الشَّيْطَانُ: إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ.
فَيَخْرُجُونَ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فَإِذَا جَاءُوا الشَّأْمَ خَرَجَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ؛ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ إِذْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّهُمْ،
فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بِيَدِهِ فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ".
الأعماق ودابق: موضعان بالشام.
وفي صحيح مسلم (2899) :
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ كِلَاهُمَا ، عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ وَاللَّفْظُ لِابْنِ حُجْرٍ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْعَدَوِيِّ ، عَنْ يُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ ، قَالَ : هَاجَتْ رِيحٌ حَمْرَاءُ بِالْكُوفَةِ ، فَجَاءَ رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ هِجِّيرَى إِلَّا يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ، جَاءَتِ السَّاعَةُ ، قَالَ : فَقَعَدَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ : إِنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ حَتَّى لَا يُقْسَمَ مِيرَاثٌ ، وَلَا يُفْرَحَ بِغَنِيمَةٍ ، قَالَ بِيَدِهِ : هَكَذَا وَنَحَّاهَا نَحْوَ الشَّأْمِ ، فَقَالَ عَدُوٌّ : يَجْمَعُونَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ ، وَيَجْمَعُ لَهُمْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ ، قُلْتُ : الرُّومَ تَعْنِي ، قَالَ : نَعَمْ ، وَتَكُونُ عِنْدَ ذَاكُمُ الْقِتَالِ رَدَّةٌ شَدِيدَةٌ ، فَيَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً ، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً ، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً ، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يُمْسُوا فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الرَّابِعِ نَهَدَ إِلَيْهِمْ بَقِيَّةُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ ، فَيَجْعَلُ اللَّهُ الدَّبْرَةَ عَلَيْهِمْ ، فَيَقْتُلُونَ مَقْتَلَةً إِمَّا ، قَالَ : لَا يُرَى مِثْلُهَا ، وَإِمَّا قَالَ : لَمْ يُرَ مِثْلُهَا حَتَّى إِنَّ الطَّائِرَ لَيَمُرُّ بِجَنَبَاتِهِمْ ، فَمَا يُخَلِّفُهُمْ حَتَّى يَخِرَّ مَيْتًا ، فَيَتَعَادُّ بَنُو الْأَبِ كَانُوا مِائَةً ، فَلَا يَجِدُونَهُ بَقِيَ مِنْهُمْ إِلَّا الرَّجُلُ الْوَاحِدُ ، فَبِأَيِّ غَنِيمَةٍ يُفْرَحُ أَوْ أَيُّ مِيرَاثٍ يُقَاسَمُ ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعُوا بِبَأْسٍ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ ، فَجَاءَهُمُ الصَّرِيخُ إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَلَفَهُمْ فِي ذَرَارِيِّهِمْ ، فَيَرْفُضُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَيُقْبِلُونَ ، فَيَبْعَثُونَ عَشَرَةَ فَوَارِسَ طَلِيعَةً ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي لَأَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ ، وَأَلْوَانَ خُيُولِهِمْ هُمْ خَيْرُ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ ، أَوْ مِنْ خَيْرِ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ " ،
والدّبرة: أي الهزيمة.
إلى غير ذلك من الأحاديث. ونحن لا نشك أن هذا هو الوعد الحق ، وما سواه فمفترى. ومع ذلك فعلى المسلمين أن يعملوا على نصرة قضاياهم بالجهاد والعلم والدعوة والإصلاح، لا أن يناموا في انتظار معجزة، أو في انتظار موعودٍ حق؛ لكن لا يعلم متى وقته إلا الله تعالى. ومن ذلك أن يدافعوا عن دينهم وأوطانهم وأعراضهم وثرواتهم ودمائهم المستباحة في كل مكان، وأن يكونوا على مستوى الخطر الداهم الذي يحيق بهم هذه الأيام، والذي يهدّدهم في دينهم ووجودهم،
والذي يراهن على استئصالهم وإبادتهم باسم الحرب على الإرهاب. فهذا الغرب الذي آمن بهرمجدون، لم يَنَمْ في انتظارها، بل هاهوذا يسعى عمليًّا لتحقيقها،
ويرسم خططه المستقبلية بناءً على تصوّره ومعتقداته فيها.أمّا أكثر المسلمين:
فبين لاهٍ لاعب، ويائسٍ عاجز، ومتعلق بالخوارق والمعجزات إلا فئامًا من المسلمين، يعملون ويجاهدون (بجميع أنواع الجهاد) لنصرة أمتهم، والدفاع عن دينها وكيانها.
وفق الله الجميع لمراضيه، وجعل أعمالنا خالصة فيه. والله أعلم.
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
------------------------------------------------
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم
الْمَصْدَرُ:
خزانة الفتاوى
تعليق