حقيقة الصوفية في ضوء الكتاب والسنة
بسم الله الرحمن الرحيم
الكتاب: حقيقة الصوفية في ضوء الكتاب والسنة.
المؤلف: الدكتور محمد بن ربيع هادي المدخلي، المدرس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
مقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد فهذه محاضرة قمت بإلقائها على طلبة دار الحديث المكية عام 1401 هـ وهي بعنوان"حقيقة الصوفية في ضوء الكتاب والسنة".
وقد طلب مني بعض المخلصين طبعها ونشرها لتعم بها الفائدة فلبيت رغم ضيق الوقت لديّ ، وقد راعيت عند إعدادها مدارك الطلاب الذين ألقيت عليهم، فجاءت بحمد الله مبسطة مع شمولها لجوانب الموضوع.
وأسأل الله أن ينفع بها كل طالب للحق والله وراء المقصد .
المؤلف، مكة المكرمة في 6/3/1404هـ .
تمهيد:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد: فإن الله تبارك وتعالى خلقنا في هذه الحياة لحكمة عظيمة يحبها ويرضاها ألا وهي عبادته وحده لا شريك له كما قال تعالى:﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾،[الذاريات:45].
وقد ميّز الله الإنسان من بين سائر المخلوقات بأن منحه العقل الذي يستطيع أن يعرف به ربه ويستطيع أن يميز بين ما ينفعه ويضره، ومن رحمته سبحانه بعباده لم يكلهم في معرفة الخير والشر إلى العقل وحده، بل أرسل الرسل وأنزل إليهم الكتب التي تشتمل على أوامر الله ونواهيه وأحكامه التي فيها سعادة البشر في الدنيا والآخرة .
وبعد إرسال الرسل لا تبقى حجة أو عذر لضال أو زائغ عن طريق الله، بل يكون مستحقاً للعذاب، قال تعالى:﴿رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل﴾،[النساء:194].
وقد ختم الله الرسل بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهو خاتم الرسل وأفضلهم . وقد أنزل عليه أفضل الكتب فكانت شريعته أكمل وأجمل الشرائع، ولم يلتحق صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى حتى أكمل الله الدين وأتم النعمة كما قال تعالى في الآية التي أنزلت قبيل وفاته صلى الله عليه وسلم وذلك في يوم عرفة وهو بالموقف في حجة الوداع ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً﴾،[المائدة:4].فلم يبقى مجال لأحد كائنا من كان أن يبتدع في الدين شيئاً أو يزيد فيه أو ينقص منه. وكان أول ما دعا إليه رسول الله عليه الصلاة والسلام هو التوحيد المتمثل في شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . وقد مكث في مكة بعد البعثة ثلاثة عشر عاماً يدعو إلى هذه الكلمة ولم يدع إلى شيء غيرها، وقد أطبقت الرسل على الدعوة إلى هذه الكلمة، فما منهم من أحد إلا افتتح دعوته لقومه بقوله: ﴿اعبدوا الله مالكم من إله غيره﴾ فالتوحيد هو زبدة الرسالات وغايتها وقطب رحاها ترتكز كلها عليه وتستند في وجودها إليه ولنستشهد ببعض الآيات في ذلك:
قال الله تعالى: ﴿ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين﴾،[النحل:36].
وقال تعالى: ﴿لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم﴾،[الأعراف:59].
وقال تعالى: ﴿وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض﴾،[هود:61].وقال تعالى: ﴿وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره﴾،[هود:84].
إلى غير ذلك من الآيات التي تنص على أن الدعوة إلى التوحيد هي أول ما يفاتح به الرسل قومهم لأن التوحيد هو أساس الإسلام الذي هو دين الرسل ولأنبياء جميعاً فإذا ثبت الأساس يبنى عليه غيره من العبادات والأحكام.
وليس معنى هذا أن يستهين الدعاة بفروع الإسلام الأخرى، ولكن من المتفق عليه أنه لا يصح عمل ولا يقبل ما لم تكن عقيدة صاحب هذا العمل مستقيمة وصحيحة.
كما انه لا يصح أن نبني داراً قبل أن نثبت الأساس الذي تبنى عليه، و إلا فإن البناء سرعان ما ينهار ويسقط؛ ويؤكد هذا أن الشرك: هو ضد التوحيد أعظم إثماً وجرماً مما سواه من الذنوب ولذلك أخبر الله تعالى أنه من مات على الشرك لا يغفر الله له.
قال تعالى: ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك ما يشاء﴾[النساء:116]. وكل ذنب يقترفه الإنسان دون الشرك بالله والكفر به هناك رجاء أن يغفره الله ويدخل صاحبه الجنة إذا كان سالماً من أوضار الشرك. أما من مات على الشرك بالله ولو كان يدعي الإسلام فمصيره المحتوم هو النار أجارنا الله وإياكم منها .
لذلك أيها الأخوة وأيها الدعاة يجب أن ننتبه لهذا الأمر الجليل فندعو الناس إلى التوحيد ونحذرهم من الشرك بالله ونجعل ذلك في رأس قائمة ما ندعو إليه.
وحينما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمين ليدعوهم إلى الله علمه كيف يبدأ دعوته حيث أرشده إلى الأهم فالمهم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له : إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا غله إلا الله – وفي رواية أن يوحدوا الله – فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله أفترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنياهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك بذلك فإياك و كرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب " – متفق عليه - .
والشاهد من الحديث هو إرشاده صلى اله عليه وسلم معاذاً كيفية الدعوة وأن يبدأ بالدعوة إلى التوحيد قبل كل شيء فمتى دخلوا في التوحيد يدعوهم إلى الشرائع الأخرى بادئاً بالصلاة التي هي رأس العبادات، فينبغي أن يكون لكل داعية في رسول الله أسوة حسنة .
أيها الأخوة.. وإذا علم هذا فإن خناك دعوات هدامة قامت في صفوف المسلمين زعزعت العقيدة في قلوب كثير من المسلمين وعكرت صفاء العقيدة الإسلامية وتدرجت في مدارجها حتى بلغت مبلغاً خطيراً أدى إلى تفرق المسلمين إلى شيع وأحزاب حيث يصدق عليهم قوله صلى الله عليه وسلم: " ألا وإن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة وهي الجماعة ". رواه أحمد وأبو داود وحسنه الحافظ ولا شك أن كل فرقة من هذه الفرق تزعم نفسها أنها هي الفرقة الناجية، وأنها على الصواب، وأنها تتبع الرسول دون غيرها، علماً بأن طريق الحق هو طريق واحد، وهو المؤدي إلى النجاة وما سواه فهي طرق ضلال تؤدي إلى الهلاك كما وردت في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " خط لنا رسول الله خطاً بيده: وقال هذا سبيل الله مستقيماً، ثم خط خطوطاً عن يمينه وشماله ثم قال هذه السبل ليس منها إلا سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ : ﴿وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله﴾-رواه مسلم-
فطريق الحق هو التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعدم مخالفتهما كما ورد في الحديث:"تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض"-صحيح رواه الحاكم-
وقد بشرنا النبي صلى الله عليه وسلم ببقاء طائفة من أمته على الحق إلى يوم القيامة فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة"-رواه مسلم-.
أيها الأخوة: كان ذلك تمهيداً للموضوع الذي سأتطرق إليه وهو: " الصوفية في ضوء الكتاب والسنة " ذلك لأن الصوفية قد لعبت دوراً كبيراً في حياة المسلمين منذ القرن الثالث الهجري إلى يومنا هذا وقد بلغت أوج مجدها في القرون المتأخرة. وقد أثرت تأثيراً بالغاً في عقائد المسلمين وغيرتها عن مسارها الصحيح الذي جاء به القرآن الكريم والسنة المطهرة وكان ذلك هو أخطر جانب من جوانب الصوفية حيث اقترن بالفكر الصوفي التعلق بالأولياء والمشايخ والمبالغة في تقديس الأموات كما اقترن بها القول بالحلول و وحدة الوجود، إضافة إلى ما أفسدت الصوفية من الجوانب الأخرى. حيث يتسم أتباعها بالتواكل والرهبنة كما أنها عطلت الروح الجهادية في الأمة الإسلامية إذ اشتغلوا عن الجهاد الإسلامي الذي هو القتال في سبيل الله –حيث يسمونه الجهاد الأصغر-مستندين إلى حديث" رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس"
وهو حديث باطل مما أتاح للدول الاستعمارية الفرصة في القرنين الماضيين باحتلال أغلب ديار المسلمين ولا تزال الصوفية ضاربة أطنابها في جميع أرجاء بلاد المسلمين .
تعليق