الرقية الشرعية بين الحقيقة والدجل..
اختلفت آراء علماء الأزهر حول مراكز الرقية الشرعية فبعضهم اتهمها بالتكسب بالقرآن، والآخر بـممارسة السحر والدجل والشعوذة، والجميع اجتمع على أن الرقية الشرعية بالقرآن يقوم بها الشخص المريض نفسه، التقت البوابة نيوز مع أحد العاملين بتلك المراكز التي تعالج بالرقية الشرعية وعدد من علماء الأزهر وكانت هذه هي آراؤهم.قال الشيخ مجدى زكى، أحد الدعاة العاملين في المؤسسة العلاجية للعلاج بالرقية الشرعية بالجيزة: إن مؤسستنا لا تعالج إلا بالقرآن الكريم فقط للشخص المصاب بالمس أو السحر، وذلك عن طريق الرقية الشرعية في جلسات قد تستغرق جلستين أو ثلاثة أو أكثر حسب حالة المريض، مضيفا أن الرقية قد تتم بقراءة بعض آيات القرآن على الماء أو العسل النحل ثم يعطى للشخص لتناوله كما جاء بالسنة النبوية المطهرة، وقد جاء أيضا في السنة استعمال ورق السدر في الرقية، أما آيات الرقية فمنها أوائل سورة البقرة وآية الكرسى وأول عشر آيات من سورة الصافات، وأول عشر آيات من سورة يس، والمعوذتين والإخلاص، وتختلف الآيات وتكرارها حسب حالة المريض ونوع المرض سواء بالسحر أو المس أو الحسد.
وأضاف زكى أن المؤسسة بها عدد من المشايخ المعالجين بالقرآن يقومون بعلاج الحالة المرضية في المؤسسة نفسها أو في منزله حسب حالته المرضية نظير مقابل مادى رمزى وليس للكسب الكبير، موضحا أن الرقية الشرعية تكون مسموعة ومقروءة يقوم الراقى بتلاوتها على المصاب، أما إذا وجدت شخصا يقوم بالهمس والتعزيم على أشياء معينة يطلبها من المريض فهذا سحر وليس رقية وهو دجل وشعوذة ونحن ننكر ذلك تماما ولا نعمل به لأنه محرم.
وأكد زكى أن علاج المس والسحر له طرق عديدة تختلف حسب المعالج فهناك من يعالج بالرقية الشرعية من القرآن الكريم وهى أصح الطرق، وهناك من يعالج بنظام الطلاسم وهو أن يأخذ اسم المريض ويعمل له طلسم، وهناك علاج للسحر بالسحر عن طريق جان قوى موجود على المعالج نفسه يجعله يسيطر على الجان الموجود على المريض، وهناك نوع آخر يكون المعالج عليه جان قوى يدخله في جسم المريض ليقوم بإخراج الجن الموجود على المريض بأن يتفق معه في معاهدة أو ما شابه ذلك، وهناك طرق أخرى يأمر فيها المعالج بأن يأتى المريض بالسحر أو العمل من مكان وجوده فقد يتواجد السحر في كفن ميت أو في بطن سمكة كما يزعمون، وهناك نوع أيضا يسمى العلاج بالأرقام الفلكية، وكل هذه الأنواع باطلة وخاطئة تماما لأنها نوع من السحر الذي نهى عنه الدين الإسلامى فيما عدا العلاج بالرقية الشرعية فهى من القرآن.
وقال الدكتور بكر زكى عوض، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر الشريف، لقد ورد في بعض النصوص النبوية أن بعض سور القرآن الكريم إذا تلاها الشخص على نفسه فإنها تقيه من مس الشيطان من ناحية ووساوسه من ناحية أخرى، وخص هاتين السورتين بالذكر وهما سورة الفلق والناس، على أن يقوم الإنسان بفعل هذا بنفسه، وقد ورد في السنة النبوية أن بعض الصحابة الكرام قام برقية رجل آخر قد لدغه ثعبان فبرئ منه إكراما للصحابى من ناحية وإكراما للنص القرآنى من ناحية ثانية، وقد أعطاهم هذا الرجل أعطية فتوقفوا عن تناولها فلما أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لهم أن يأكلوا منها.
وأوضح عوض أن السنة النبوية قد جاء فيها أن الإنسان قبل أن ينام يستحب له أن يقرأ آية الكرسى وسور الصمد والفلق والناس، وأن ينفخ أو ينفث في كفيه ويمسح بهما ما استطاع من جسده، ومثل ذلك نفعله أيضا مع الأطفال، أما فيما يتعلق بالمراكز التي أنشئت للعلاج من المس والسحر أو بالرقية الشرعية أو ما شابه ذلك فهى أقرب إلى النصب منها إلى مبادئ الإسلام، لأن كثيرا ممن يمارسون تلك الأعمال ليسوا بأصحاب فقه ولا وعى دينى ولا معرفة بأصول الرقية الشرعية من قريب ولا من بعيد، ومنهم أيضا من يدعى استخدامه الجن ليعالج به من هو ممسوس بجن آخر، فهذا الشخص مريض يحتاج إلى علاج لأن عليه جنا يستخدمه، فلو كان قادرا على نفع غيره وشفائه فلماذا لا يفعل ذلك في حق نفسه المريضة.
وأرجع عوض السبب في لجوء المسلمين إلى هذه المراكز في ضعف وعيهم بدينهم، وبخاصة أننا نجد ذلك واضحا في الإعلان عن هذه المراكز في الشوارع أو في مجلات وصحف، ويقال إنها مركز للعلاج بالرقية الشرعية أو العلاج الروحانى أو السحر والمس، فكل ذلك ناتج عن انحدار ثقافى وقلة الوعى الدينى، أو أزمة نفسية يعيشها الإنسان فيتوهم بأنه ممسوس.
وأكد عميد كلية أصول الدين أن الرقية الشرعية لا بد أن يقوم بها الإنسان لعلاج نفسه، ولا يمكن أن تغنى عن الطب والعلاج فهناك بعض المراكز تزعم أنها قادرة على إجراء عمليات جراحية لبعض مرضى القب والمخ أو الكبد ويقولون إن الشفاء يتم بلا مشرط أو إجراء عملية جراحية فأنا أقول إن ذلك مخالف جملة وتفصيلا لسنن الله جل وعلا، ولو كان أصحاب هذه المراكز على ثقة من كلامهم فلماذا لا يقومون بالتوجه لمستشفيات الأورام وعلاج المرضى هناك حتى يوفروا على الدولة ما ينفق على علاج المرضى بالمليارات.
فيما قال الدكتور سالم عبدالجليل، وكيل وزارة الأوقاف الأسبق، إن هناك رقية شرعية في الدين الإسلامى وتكون بالقرآن الكريم، فإذا أصيب الإنسان بوسوسة من الشيطان أو مس أو سحر أو ما شابه ذلك نكتفى بقراءة سورة البقرة؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "سورة البقرة لا تستطيعها البطلة" أي السحرة، بأن يقوم الشخص المريض نفسه بقراءتها بتأن وبتدبر فيصرف الله تعالى ما به من مرض، وبالتالى فإن الرقية الشرعية يقوم بها المريض نفسه ولا يقوم بها غيره وذلك بقراءة الفاتحة والمعوذتين صباحا ومساء ثلاث مرات فلو فعل هذا بيقين لن يحتاج إلى دجالين.
وأوضح عبدالجليل أن الشيطان موجود بالفعل ويوسوس للإنسان، كما يوجد مس أو لمس من الجن للإنسان لقول الله تعالى: "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ "، مؤكدا أن هذا لا يعنى دخول الجن في جسم الإنسان كما يقول الدجالون والسحرة، وإنما هو مس أو وسوسة قد يتغلب عليه الإنسان بالذكر والقرآن لقول الله تعالى أيضا: "وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله ".
وأكد عبدالجليل أن مراكز الرقية الشرعية ما هي إلا أكل عيش.
فيما رأى الدكتور محمد الشحات الجندى، عضو مجمع البحوث الإسلامية ورئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الأسبق، أن من يلجأ إلى استخدام السحر لعلاج مرضى السحر والحسد والمس هو دجال ومشعوذ، وليس من الإسلام في شيء، فالقرآن الكريم كتاب هداية يمكن التبرك به ويمكن أن يقرأه الإنسان لينعم الله عليه بالسكينة أو الطمأنينة، أما العلاج فهو مسألة أخرى تخضع لمقاييس علمية، وما ورد في القرآن من علاج فقط هو العسل النحل، أما قيام بعض الناس بفتح مراكز لعلاج الناس بالقرآن والسنة هو دجل ولا يصح في الدين الإسلامي لأنه لا دليل عليه في القرآن والسنة النبوية، فهم يستخدمون القرآن والسنة لكسب المال أو طلب النفوذ والزعامة وسط القوم.
وأضاف الجندى أن هناك رقية شرعية في الدين لكن هي للتبرك بها ولا يمكن استخدامها في الشفاء من أمراض السحر والمس فهذه بدعة وليس عليها دليل صحيح لاستخدامها في العلاج، لأن القرآن ليس بكتاب طب حتى لو تضمن بعض الحقائق العلمية لكنه كتاب هداية يهدى الناس إلى الطريق الصحيح نحو الله.