صحف ابراهيم وموسى
أنزل الله سبحانه وتعالى الرسٌل حتى يكونوا مبشرين ومنذرين، يدعون إلى الإيمان بالله وحده لا شريك له، وترك عبادة الوثنية، والإقرار والاعتراف بملكه سبحانه وتعالى، وانزل مع الأنبياء كتباً سماوية كمعجزات خالدة، ومنهم من خصهم بصحف كإبراهيم وموسى، وصحُف إبراهيم هي إحدى الرسائل السماوية التي نزلت على إبراهيم عليه الصلاة والسلام والتي ورد ذكرها في القرآن الكريم، وهي عشرة صحُفـ، وإبراهيم عليه السلام هو صاحب الديانة الحنيفة، وكلمة حنيفة حسب المنهج الإسلامي تعني الاعتقاد قولا وفعلاً، والإيمان بالله سبحانه وتعالى هو الخالق، وهو الوحيد المخصوص في العبادة، فبعد ان اتخذ الله سبحانه وتعالى إبراهيم خليلاً، وخصه بالرسالة، وأمره أن يبلغ دعوته، انزل عليه صحفاً، انتقل من العراق إلى فلسطين، ثم إلى مصر والحجاز، ويعود له الفضل في أن أطلق على امة محمد صلى الله عليه وسلم بالمسلمين، ولم يتبعه من قومه سوا أبن أخيه لوط.
أمّا موسى عليه السلام فقد اختصه الله سبحانه وتعالى بدعوة بني إسرائيل، وانزل عليه التوراة وسماه الله صحفاً وهي احد الكتب السماوية، واجمع بعض آهل العلم على إن التوراة تختلف عن صُحف موسى، ولكن ذهب الإمام القرطبي للقول بأن المقصود في قوله تعالى " إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى* صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى" هو الكتب السماوية التي اختص الله بها إبراهيم وموسى، وليست الألفاظ بعينها في هذه الصحُف، أي قصد المعنى دلالة على ما انزله الله من كتب سماوية. فقد اختص الله سبحانه وتعالى صحُف إبراهيم وموسى لتدليل على فضلهما، وان جميع الكتب السماوية الأخرى متفقة على ما جاء في صحفهما .
واشتملت على سلسة من المواعظ والأحكام، ومما اشتملته كما جاء على لسان النبي صلى الله عليه وسلم عندما سأله أبا ذر عن صحُف إبراهيم، فدلل النبي على آتها أمثال ومواعظ حول الظلم وما له من أثار، وان يتجنب الإنسان الظلم الأخر حتى لو كان كافر، وعلى الإنسان العاقل أن يكون حفظاً للسانه، مراقباً كلامه،عاد لزمانه وأما صحُف موسى، فكانت كلها عبر ومنها: عجباً لمن أيقن الموت كيف يفرح، وعجباً لمن أيقن القدر كيف يغضب، وعجباً لمن رأى تقلب الدنيا بأهلها كيف يطمئن ويهنأ إليها، وعجباً لمن أيقن بنار كيف يضحك، ومن أيقن بالحساب والآخرة كيف لا يعمل.
فيتوجب على المؤمن الإيمان التام بأن الله انزل صحفاً على إبراهيم وموسى عليهما السلام، حيث ذكر الله فضل صحف إبراهيم وموسى بقوله سبحانه وتعالى" ألا تزر وازرة وزر اهرى"، وقد خص الله صحف إبراهيم بهذا القولـ حيث كانو قبل إبراهيم عليه السلام يأخذون الرجل منهم بذنب غيره من من ارتكب جريمة القتل او الجرح، فابلغهم إبراهيم عليه السلام بهذا القول، ونهاهم عن ذلك، وكذلك الأمر بالنسبة لصحُف موسى.
ولكن كل ما جاء في صحُف ابراهيم وموسى عليهما السلام فقد وغير معلومة، ولم يصلنا من اثرها شيء، الا ما ذكره القرأن الكريم وسنة نبوية شريفة توضح بعضاً مما جاء في صحُف ابراهيم وموسى
من أهم النقاط التي تلتقي عندها الأديان هي إبراهيم – عليه السلام -، فلا تخلو ديانة سماوية من احترام وتوقير هذا النبي العظيم، فالجميع يدعي الانتساب إليه والتعلق به، لما له من أثر عظيم على هذه البشرية، فإبراهيم – عليه السلام – تعدى كونه مجرد نبي ورسول من الله، لكونه رمزاً بشرياً لحرية العقل والانفتاح وعدم الجمود ومخالفة الشهوات وعدم الانصياع لأحد مهما كانت الظروف ومهما كانت الأسباب. فاليهود والمسيحيون والمسلمون على حد سواء يمتلكون قصة إبراهيم كاملة بكافة أحداثها مع اختلاف طفيف في التفاصيل من ناحية الأشخاص المحيطين به والأماكن التي حدثت بها، ولكن مضمون الأحداث ومغزاها واحدا عند الجميع وهو السعي وراء الحقيقة المطلقة التي لا يحوزها إلا الله تعالى في علاه.
لعظم مكانة إبراهيم عند ربه –عز وجل-، لم يشأ الله أن يقطع ذريته بعد جيل أو جيلين، بل جعل ذريته أطهر ذرية ليوم الدين، فجميع الأنبياء الذين أتوا من بعده هم نسله، وبالتالي فهو أبو جميع الرسالات السماوية فقد جاء من نسله أعظم ثلاث رسل موسى وجاء باليهودية، وعيسى نبي المسيحية ومحمد نبي المسلمين، وبهذا يكون إبراهيم عليه السلام قد جمع شرفاً عظيماً وذلك من عظم محبة الله له وتشريفه، فهو خليل الرحمن.
مرت على إبراهيم عليه السلام أحداث عظيمة وقصص مختلفة أظهر فيها جميعها ما تمتع به من صفات فلقد مر في جدال عقلي مذهل مع عباد الأصنام والشمس والقمر ومع حوار لا يخلو من الفطنة الإبراهيمية الفريدة مع النمرود، كما تعرض لامتحانات ربانية منها إلقاؤه في النار عليه السلام و محنة ذبحه لابنه، ولقد أظهر عليه السلام رضا غير اعتيادي في مسألة الصبر على قضاء الله بعد رزقه بالأولاد لفترة طويلة إلى أن رزقه الله بإسماعيل وإسحاق الانبياء العظام –عليهم السلام- ، هذا عدا عن رحمته وعطفه وحنانه حتى على أعداء الإنسانية كقوم نبي الله لوط –عليه السلام – الذين خالفوا الفطرة الإنسانية الطاهرة بأعمالهم المشينة، وذلك عندما أرسل الله عليهم عقاباً منساباً لما اقترفوه من جرائم، وأخيراً وهو الأهم امتثاله المطلق - عليه السلام – لأوامر الله تعالى وعدم مخالفته إياه في أي شئ. وبهذا يكون هذا الإبراهيم العظيم، أعظم البشر وأعظم الأنبياء على الإطلاق لما تعرض له خلال حياته من امتحانات وابتلاءات عجيبة لو حصل جزء يسير منها لأحد آخر لما استطاع التحمل ليوم واحد.
وبسبب عظم مهمة إبراهيم العظيم –عليه الصلاة والسلام – فقد أرسل الله إليه مجموعة من الرسائل سميت بالصحف الإبراهيمية وقد ورد ذكرها في آي التنزيل الحكيم.