التربية بالقدوة والفعل الصامت
التربية بالفعل الصامت، وتسمى بالتربية بالقدوة، فالابن أكثر ما يحب أن يقلد أباه، ولهُ وَلهٌ كبير بمحاكاة الأب، ويفرح إذا قيل: أنت مثل أبيك، وهكذا البنت تحب أن تقلد أمها، قال الشاعر:
ومن تربية السلف رحمهم الله لأبنائهم ما حكته بطون كتب الأخبار من توجيه عمرو بن عتبة رحمه الله لمعلم ولده؛ إذ يقول له: ليكن أول صلاحك لولدي إصلاحك لنفسك؛ فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت.
فهذه حقيقة ظاهرة في الأثر البالغ للتربية بالقدوة، يقول بعض التربويين: هناك جهازان شديدا الحساسية في نفس الابن هما جهاز الالتقاط وجهاز المحاكاة، وقد يتأخر الوعي قليلاً أو كثيراً، ولكن هذا لا يغير شيئا من الأمر، فهو يلتقط بغير وعي، أو بغير وعي كامل، ثم يقلد بغير وعي أو بغير وعي كامل كل ما يراه حوله أو يسمعه.
ومثال يوضح هذا الأمر:إذا مرض الولد فرآك قبل أو بعد جلب الدواء ترفع يديك وتدعو الله، عرف أن الشافي الذي يتوكل عليه هو الله تعالى.
وفي المقابل السيئ: الأب الذي يأمر ابنته بالعفاف، ثم يجلس مع ابنته على المسلسلات لتنظر ابنته لافتخاره وشوقه عند تقليب عينه وهو يرى وجوه الممثلات ونحورهن، هو يعلمها نقيض ما يدعوها له.
وهاك مثالاً أوضح: الأب الذي يسمع رنين الهاتف ثم يقول لابنه: قل أبي غير موجود، ويتغيب ابنه عن حلقة التحفيظ بغير عذر؛ فيذهب به ويقول: كان مريضًا، ثم يمثل أنه يضرب الابن الكبير أمام الابن الصغير وهو في الحقيقة لا يضربه، ويُظهر لابنه أن الدواء حلو؛ فإذا ذاقه تبين له أنه مر شديد المرارة، ويشير لابنه الصغير بمفتاحٍ أو نحوه ثم يحتضنه ولا يعطيه، ماذا تتوقع أن يكون وقع هذه الأفعال على ابنه، إنه يؤصل فيه أن الكذب أسرع وسيلة للحصول على مآربه والتخلص من المآزق، لا تحتقر هذا، فهو مؤثر جدًا في عملية التربية، فعن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال: دعتني أمي يومًا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا، فقالت: ها تعال أعطك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أردت أن تعطيه؟"، قالت: أردت أن أعطيه تمرًا، فقال لها رسول الله رضي الله عنه: "أما إنك لولم تعطه شيئًا كُتبت عليك كذبة"، رواه أبو داود والبيهقي، وحسنه الألباني.
فلنحذر كل الحذر من التناقض في عملية التربية بين أقوالنا وأفعالنا!
د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري
التربية بالفعل الصامت، وتسمى بالتربية بالقدوة، فالابن أكثر ما يحب أن يقلد أباه، ولهُ وَلهٌ كبير بمحاكاة الأب، ويفرح إذا قيل: أنت مثل أبيك، وهكذا البنت تحب أن تقلد أمها، قال الشاعر:
مشى الطاووس يوماً باعوجاج فقلد شكل مشيته بنوهُ فقال: علام تختالون؟ قالوا: بدأت به ونحن مقلدوهُ فقوِّم مشيك المعوجَّ واعدلْ فإنا إن عدلْتَ معدلوهُ وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوَّده أبوهُ |
فهذه حقيقة ظاهرة في الأثر البالغ للتربية بالقدوة، يقول بعض التربويين: هناك جهازان شديدا الحساسية في نفس الابن هما جهاز الالتقاط وجهاز المحاكاة، وقد يتأخر الوعي قليلاً أو كثيراً، ولكن هذا لا يغير شيئا من الأمر، فهو يلتقط بغير وعي، أو بغير وعي كامل، ثم يقلد بغير وعي أو بغير وعي كامل كل ما يراه حوله أو يسمعه.
ومثال يوضح هذا الأمر:إذا مرض الولد فرآك قبل أو بعد جلب الدواء ترفع يديك وتدعو الله، عرف أن الشافي الذي يتوكل عليه هو الله تعالى.
وفي المقابل السيئ: الأب الذي يأمر ابنته بالعفاف، ثم يجلس مع ابنته على المسلسلات لتنظر ابنته لافتخاره وشوقه عند تقليب عينه وهو يرى وجوه الممثلات ونحورهن، هو يعلمها نقيض ما يدعوها له.
وهاك مثالاً أوضح: الأب الذي يسمع رنين الهاتف ثم يقول لابنه: قل أبي غير موجود، ويتغيب ابنه عن حلقة التحفيظ بغير عذر؛ فيذهب به ويقول: كان مريضًا، ثم يمثل أنه يضرب الابن الكبير أمام الابن الصغير وهو في الحقيقة لا يضربه، ويُظهر لابنه أن الدواء حلو؛ فإذا ذاقه تبين له أنه مر شديد المرارة، ويشير لابنه الصغير بمفتاحٍ أو نحوه ثم يحتضنه ولا يعطيه، ماذا تتوقع أن يكون وقع هذه الأفعال على ابنه، إنه يؤصل فيه أن الكذب أسرع وسيلة للحصول على مآربه والتخلص من المآزق، لا تحتقر هذا، فهو مؤثر جدًا في عملية التربية، فعن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال: دعتني أمي يومًا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا، فقالت: ها تعال أعطك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أردت أن تعطيه؟"، قالت: أردت أن أعطيه تمرًا، فقال لها رسول الله رضي الله عنه: "أما إنك لولم تعطه شيئًا كُتبت عليك كذبة"، رواه أبو داود والبيهقي، وحسنه الألباني.
فلنحذر كل الحذر من التناقض في عملية التربية بين أقوالنا وأفعالنا!
د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري