علم الطاقة الباطني
انتشر في السنوات الأخيرة في العالم ومنه عالمنا الإسلامي مصطلح "الطاقة" بمدلولات جديدة غير التي كنا نعرفها، فليس المقصود منها الطاقة الحرارية ، ولا الكهربائية وتحولاتها الفيزيائية والكيميائية المختلفة سواءً الكامنة منها أو الحركية أو الموجية
إن الطاقة المرادة هي الطاقة الكونية حسب المفاهيم الفلسفية والعقائد الشرقية، وهي طاقة عجيبة يدّعون أنها مبثوثة في الكون، وهي عند مكتشفيها ومعتقديها من أصحاب ديانات الشرق متولدة منبثقة عن "الكلي الواحد" الذي منه تكوّن الكون وإليه يعود، ولها نفس قوته وتأثيره؛ لأنها بقيت على صفاته بعد الانبثاق (لا مرئي، ولا شكل له، وليس له بداية، وليس له نهاية) بخلاف القسم الآخر الذي تجسّدت منه الكائنات والأجرام، وهذه هي عقيدة وحدة الوجود بتلوناتها المختلفة العقل الكلي، الوعي الكامل، الين واليانج.
أما المُروِّجون لها من أصحاب الديانات السماوية ومنهم المسلمون فيُفسِّرونها بما يظهر عدم تعارضه مع عقيدتهم في الإله، فيدّعون أنها طاقة عظيمة خلقها الله في الكون، وجعل لها تأثيراً عظيماً على حياتنا وصحتنا وروحانياتنا وعواطفنا وأخلاقياتنا، ومنهجنا في الحياة!
وهذه الطاقة غير قابلة للقياس بأجهزة قياس الطاقة المعروفة، وإنما يُدّعى قياسها بواسطة أجهزة خاصة مثل "البندول"، فبحسب اتجاه دورانه تُعرف الطاقة السلبية من الطاقة الإيجابية، وبعضهم يستخدم "كاميرا كيرليان" التي تصور التفريغ الكهربائي أو التصوير "الثيرموني"، أو تصوير شرارة "الكورونا"، أو جهاز الكشف عن الأعصاب ويزعمون أن النتائج الظاهرة هي قياسات "الطاقة الكونية" في الجسد! في محاولة منهم لجعل "الطاقة الكونية" شيئاً يقاس كالطاقة الفيزيائية؛ لتلبس لبوس العلم، ولتوحي ببعدها عن المعاني الدينية والفلسفات الوثنية، مستغلين جهل أغلب الناس بهذه الأجهزة وحقيقة ما تقيس.
ومن ثم فهذه الطاقة المسمَّاة الطاقة الكونية لا يعترف بها العلماء الفيزيائيون فليست هي الطاقة التي يعرفون، ولا يعترف بها علماء الشريعة والدين، فليست الطاقة التي قد يستخدمونها مجازاً بمعنى الهمة أو الإيمانيات العالية ونحوه، إذ كِلا الطاقتين لا علاقة لها بطرائق الاستمداد التي يروج لها أهل الطاقة الكونية، وهي عقائد أديان الشرق وبخاصة الصين والهند والتبت وهي ما يروج له حكمائهم الروحانيين وطواغيتهم قديماً وحديثاً.
وتُسمَّى هذه الطاقة بأسماء مختلفة بحسب اللغة، وتمرين الاستمداد فهي طاقة "التشي"، وطاقة "الكي"، وتُسمَّى "البرانا" و"مانا".
يزعم مُروِّجوها من المسلمين -جهلاً أو تلبيساً-: "أنها المقصودة بمصطلح البركة عند المسلمين! فهي التي تسيّر الأمور بسلاسة، ويستشعرها المسلم في وقته وصحته وروحانيته" وتعجب عندما ترى هؤلاء المروجين يؤكدون أنها بركة ليست خاصة بدين معين، ولا تختص بالمسلمين دون غيرهم، بل إن حظ المستنيرين من أهل ديانات الشرق منها أكبر بكثير من أكثر المسلمين اليوم لغفلة المسلمين عن جهاز الطاقة في الجسم الأثيري، وعدم اهتمامهم بشكراته ومساراته"!
وتنقسم الطاقة الكونية إلى طاقة إيجابية وهي الموجودة في الحب والسلام والطمأنينة ونحوها، وطاقة سلبية وهي الموجودة في الكره والخوف والحروب ونحوها.
لذا؛ يطالب معتنقوها بمن فيهم من المسلمين بتصفية النفوس والعالم من الطاقات السلبية أي: لا بد من القضاء على الكره والخوف من قلوب العالمين! والقضاء على مسبباتها من النقد والجدال والحروب!
الأمر لدى المسلم في غاية الوضوح -بفضل الله الذي تكفَّل بحفظ الدين فتربَّت الأمة على نصوص الوحيين- فلا يمكن أن يقوم إيمان إذا انتهت هذه العواطف الإيمانية من قلوب المؤمنين، قال صلى الله عليه وسلم: «أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله» (رواه أحمد، والطبراني، والحاكم، والبزَّار، وهو حسن).
وكيف تقوم العقيدة بلا ولاء وبراء، وكيف ترفع راية "لا إله إلا الله" بلا جهاد! وكيف تتحقق الخيرية في الأمة بلا أمر بالمعروف ولا نهي عن المنكر؟!
وقد سمَّى الشيخ "محمد قطب" هذه المشاعر في كتابه (منهج التربية الإسلامية): "الخطوط المتقابلة في النفس البشرية"، وأكَّد بفكره النيّر، وفهمه لنصوص الوحيين أنه لا بد من تربية هذه الخطوط المتقابلة بصورة متوازنة بما أسماه التربية بتفريغ الطاقة، فلا بد أن يحافظ على الحب في النفس نابضاً محرّكاً ولا بد من تفريغه في حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وحب الطاعات. كما يجب أن يحافظ على الكره والبغض ويفرغ في اتجاه المعاصي وأعداء الله من المشركين، ولا بد من حرب على الذين يحادون الله ورسوله -وِفق الأحكام المفصّلة في مظانها- وإلا لمَا قام الإيمان ولا تم الإسلام.
ومن المؤسف أن ينخدع بفكر الطاقة الكونية فئام من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، بل ويتصدون لنشر تطبيقاته في المجتمع المسلم وهذه البلاد الطيبة، مما ينذر بعودة الوثنية والقضاء على عقيدة الولاء والبراء تدريجياً.
طرق استمداد الطاقة الكونية
يتم استمداد الطاقة الكونية بعدد من الوسائل والتدريبات والأنظمة الحياتية والاستشفاءات. وكلما تعاضدت الوسائل كانت النتيجة فاعلة أكثر وكان الوصول أسرع -بزعمهم- للاستنارة "enlightment".
وفيما يلي سأذكر الطرق التي يتم التدريب عليها عندنا
1- عن طريق نظام "الماكروبيوتيك":
وهو نظام شامل وفلسفة فكرية للكون والحياة، تفسّر ماهية الوجود، ومن الموجود الأول؟ وكيف وجدت الكائنات؟ وما هي فلسفة الديانة الطاوية والفلسفة الإغريقية القديمة وبوذية زن، التي تعتقد بكلي واحد فاضت عنه الموجودات بشكل ثنائي متناقض متناغم "الين واليانغ"، وعلى أساس فهم هذه الفلسفة، وكيفية تكون الكائنات واطراد "الين واليانغ" في سائر الموجودات، وأهمية الوصول للتناغم ليعود "الكل" واحداً، ويتناغم الكون في وحدة واحدة؛ لا فرق بين خالق ومخلوق ولا بين إنسان وحيوان أو نبات وجماد، ولا بين جنس وجنس ودين ودين، في عالم يحفه السلام والحب، ويحكمه فكر واحد يعتمد فلسفة "تناغم الين واليانغ" من أجل وحدة عالمية!
وتُقدم فلسفة "الماكروبيوتيك" في بلاد التوحيد الحبيبة في صورة دورات توعية غذائية تنبه على نظام الكون وفلسفة النقيضين "الين واليانغ" مع محاولة أسلمة هذا الفكر الفلسفي الملحد بليِّّ أعناق الأدلة، أو فهمها من منطلق تلك الفلسفة فيزعم المدربون المسلمون أن مفهوم النقيضين "الين واليانغ" هو الزوجية المطردة في مخلوقات الله {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات من الآية:49].
فكل الأشياء مكونة من ذكر وأنثى، وموجب وسالب، وأبيض وأسود، وحار وبارد ورطب ويابس -لاحظ أن الكلام يبدو حقاً! وهكذا سائر الشُُبه- وتتغير قوى "الين واليانغ" بحسب قوى العناصر الخمسة: (الماء، والمعدن، والنار، والخشب، والأرض)، والتي تتغير بحسب تأثيرات الكواكب وروحانياتها؛ فيصبح الذكر أنثى والأنثى ذكر، ويتحول الموجب سالب والسلب موجب! "لاحظ الفرق بين المعاني الظاهرة التي نعرفها للزوجية والذكر والأنثى، ولاحظ المعاني الباطنية التي تتلبس بالمعاني الظاهرة للتلبيس على الناس فيما يعرفون".
ووفق هذه الفلسفة يتم اعتماد حمية غذائية يغلب عليها الحبوب "الشعير والحنطة" والخضروات الورقية وجذور النباتات والطحالب البحرية، وتدعو لتجنب الأغذية الحيوانية ومنتجاتها من الألبان وكذلك تجنب العسل والفواكه والتزام "الميزو" وهو شعير مخمَّر تحت الأرض 3 سنوات ويزعمون له خصائص تتعدى جسد الإنسان وصحته وروحانيته وإلى حماية منـزله من الإشعاعات النووية لو تعرض العالم لحرب من هذا النوع!
والنظام الغذائي الماكروبيوتيكي طوره الفيلسوف الياباني "جورج أوشاوا" جامعاً فيه بين بوذية زن مع تعاليم النصرانية مع بعض سمات الطب الغربي- وهو يتضمن -بلا شك- عادات غذائية وحياتية نافعة كالاهتمام بنوع الغذاء ومحاربة الشره، وأهمية مضغ الطعام جيداً -وفيه مبالغة عجيبة حيث تقام دورات للتدريب على المضغ فلا تبلع اللقمة من إنسان صحيح قبل مضغها 40-60 مرة، بينما يجب على المريض بأي مرض أن يمضغها ما لا يقل عن 200 مضغة قبل بلعها!
وشكَّلت هذه المنافع لباس الحق الذي على جسد الباطل فاشتبهت على كثيرين ممن فتنوا بها فحاولوا دراستها وتفسير النصوص والهدي النبوي في الغذاء على ضوئها، غافلين أو متغافلين عن المصادمات الفلسفية لأسسها "الين واليانغ" مع معتقد المسلمين، وما يتبع ذلك من عقيدة "العناصر الخمسة" و"الأجسام السبعة" و"جهاز الطاقة" و"الشكرات"، بالإضافة لوصايا تجنب الألبان واللحوم والعسل! الذي يتعارض مع منهج الإسلام في التغذية المبني على الحلال والحرام وفق الشريعة الغرَّاء، فاللحوم طيبة والألبان مباركة، والعسل نافع فيه شفاء، مع قاعدة لا إفراط ولا تفريط «فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ» (جزءٌ من حديثٍ رواه الترمذي)، وسائر آداب الطعام في هدي المصطفى عليه الصلاة والسلام.
وتتعدى دورات "الماكروبيوتيك" الحميات الغذائية والتوعية الصحية لتشمل كل الحياة، فتُقدِّم تمارين التنفس التحولي، وتمارين الاسترخاء والتأمُّل التجاوزي، وتدعو لتعلم مهارات وتدريبات التعامل مع جهاز الطاقة و"شكراته" من خلال "الريكي" و"التشي كونغ" و"اليوجا" وغيرها مع الاهتمام بالخصائص الروحانية المزعومة والطبائع لجميع الموجودات فالشموع -بزعمهم- تجلب المحبة، وحجر الكهرمان يجلب الثقة بالنفس، واللون الأخضر يشفي الكلى، والمانترا (أوم.. أوم.. أوم) -وأوم اسم طاغوت هندوسي باللغة السنسكريتية- تمكِّن من شفاء هذا المرض أو ذاك "المانترا كلمة خاصة -وهي غالباً اسم طاغوت في أديان الشرق- تردد عند فتح كل "شاكرا" أو عند التأمُّل والرغبة في جمع الطاقة في عدسة قوية للتصرف بقوة الطاقة في الأشياء المحسوسة وغير المحسوسة بل المجيدين لها يستطيعون أن يقولوا للرجل: "كن مريضاً فيكون مريضاً، كن معافى؛ فيكون معافى!" كما يزعمون ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولا بد من تصميم المنزل بطريقة "الفونغ شوي" الصيني أو (الستهابايتا فيدا) الهندوسي أو بالطريقة الفرعونية المؤسلمة "البايوجيوماتري"! وهي طرق تصميم وديكور تعتمد استعمال الخصائص الروحانية المزعومة للأحجار والتماثيل "أسدَي المعبد للحماية، الضفدع ذو الأرجل الثلاثة للثروة..."، والأشكال الهندسية وخصائصها في جلب الطاقة الإيجابية "طاقة الحب والسلام" وطرد الطاقات السلبية "الكره والبغض"، مع الأهرامات التي تعمل كهوائيات لجلب طاقة "تشي" الكونية.
وعند أسلمة هذه الوثنيات عند المصممين المسلمين تستبعد التماثيل -من بعضهم- وتضاف بعض المفاهيم الإسلامية كالاهتمام باتجاه القبلة في تصميم الحمامات وفي وضعية أسرة النوم!
فالماكروبيوتيك فلسفة شاملة يدخل تحتها أنواع الشرك والوثنية والسحر والدجل من الوثنيات القديمة والحديثة. ومع هذا يُروِّج لها كثير ممن ظاهرهم الخير والصلاح في هذه البلاد مفتونين ببعض نفع حصل لهم باتباع حميته الغذائية، مع أن دراسات علمية كثيرة أثبتت ضرر التزامه على الصحة والعقل لعدم وجود توازن صحيح في الحمية بين المجموعات الغذائية التي يدل العقل السليم على أهميتها، وهي المتوافقة مع هدي النقل الصحيح في الأطعمة والأشربة. ولكن الشيطان زين لهم نسبة الأثر إلى الماكروبيوتيك فقط!
ولو علِموا أن تحكمهم في غذائهم واتباعهم لأي حمية مع التزام رياضة يؤثر لا شك على الصحة ومن ثم الحيوية وصفاء الذهن، فكيف وهم مسلمون يجمعون مع هذا دعاء وصلاة!
2- عن طريق تدريبات الريكي
بدأت "الريكي" في اليابان على يد "ميكاوا يوسوي"، كان أصلها دراسة معجزات الإبراء في النصرانية، وعند بوذا، وخرج بعد دراستها وصيام 21 يوم بمبادئها: فقد استطاع أن يدخل "طاقة الإبراء الكونية" في داخله ومن ثم خرج ليعالج الآخرين -هكذا يزعمون-!
فـ"الرِي" طاقة قوة الحياة في الجسم والموجودة في جهاز الطاقة في الجسم الأثيري، و"الكي" الطاقة الكونية الإلهية "طاقة الإبراء" وبعد أن يتم فتح "الشكرات" من قبل خبير الطاقة "المشعوذ" يتم التدرب على تسليك مسارات الطاقة في الجسم الأثيري لضمان تدفق كامل للطاقة في الجسم تعتمد التنفس التحولي والتأمُّل الارتقائي، وفي جو هادئ وضوء خافت وفي وضعية استرخاء تام يتم التخاطب مع أعضاء الجسم عضواً عضواً بصوت رتيب خفيض "كيف حالك رئتي أنت سعيدة وبصحة جيدة، كيف حالك معدتي..." مع التركيز على الداخل وتخيل العضو وتأمُّل لونه وما يحيط به، مع المحافظة على الشعور بالسلام والحب لكل الناس وكل الأرض بلا استثناء ومحو كل "الطاقات السلبية" من الجسم.
وبعدها -كما يزعمون- يتناغم الإنسان مع جسده وتتدفق الطاقة الكونية بسلاسة فيه، ويشعر بتحسن عام في صحته، ونشاط وسمو روحي! ومع التدريب اليومي، مع التخلق بما يدعونه من مثاليات الريكي؛ يصبح الإنسان صاحب روحانية عالية تمكنه من الصلاة بخشوع وطمأنينة لا سيما إذا أعطى اهتماماً خاصاً "للشكرات" العلوية الخاصة بالروحانيات! كما تصبح صحته جيدة بدون أدوية وجراحات، ولن يحتاجها غالباً لأن جسمه أصبح صديقه، وأصبح متوافقاً مع عقله وروحه ونفسه، وستصبح أخلاقياته عالية لتأثير التدريبات على الشهوة الغضبية، وتخليص الجسم من الطاقات السلبية كالبغض وغيره.
وبالتدريج يصبح المتدرب أكثر روحانية وسمواً وسلاماً وحباً لكل الناس! ويصبح ذا طاقة عجيبة تمكنه من علاج المرضى بلمسة علاجية من يده! أو طاقة قوية يرسلها له عن بُعد، ولو عبر الشبكة العنكبوتية، أو عبر الهاتف إذا تم اتفاق على الوقت وعرف المدرب اسم المريض واسم أمه!
تعليق