الكنوز التحت أرضية بين العلم و اللا علم
السلام عليكم أيها الإخوة
نقلت لكم موضوعا مهم جدا و هو لأحد الباحثين المغاربة و لقد سمحت لنفسي بالتصرف فيه قليلا.
البحث عن الكنوز التحت أرضية يحاط أصلا بهالة من السرية، فالأمر يتعلق بممارسات تستدعي قدرا عاليا من التكتم، فمحترفوها قليلا ما يعلنون عن هوياتهم، و ما قد يكتشفونه من كنوز لا ينبغي التصريح به بالمرة، فالجميع يعلم أن ما تحت الأرض هو ملك للدولة. و لهذا يبدو طبيعيا أن يطبق الصمت ليس فقط على طرائق الاشتغال بل حتى ممكنات التعاطي مع هذا الأمر
و لكي نفهم مسألة وجود الكنوز التحت أرضية من عدمها ينبغي أن ننتبه إلى كون الأجداد ما كان يجد أغلبهم من طريقة للادخار غير دفن ثروته في مكان ما و وضع خريطة ملغزة للوصول إليه، و غالبا ما كان يحدث ذلك قبل الرحلات الحجازية أو مع استشعار قرب الأجل المحتوم، فقبلا لم تكن هناك بنوك لوضع الأمانات و الأرصدة المالية، لهذا كان جوف الأرض بنكا سريا للجميع، أما عن سبب ارتباط كثير من الكنوز بمزارات الأولياء، فمن المعلوم أن هناك اقتصادا خفيا ينتعش على هامش طقوس عبادة الأولياء، و أن الولي أو الضريح بعد الرحيل كثيرا ما يستقبل "الرفود" النقدية و العينية، و التي كانت تدفن أحيانا مع الولي الراحل
من منطلق علمي بحت فالكنوز التحت أرضية موجودة، و إلا كيف نفسر اندثار كل الكنوز التي كانت للأسلاف؟ ، و بعدا فإن أمكنة هذه الكنوز كانت محددة في خرائط سرية، تماما كما يحدث اليوم بفارق بسيط، فكل واحد منا يحوز خريطة سرية لكنزه المفترض، تلعبه بامتياز البطاقة المغناطيسية البنكية بقنها السري، فالمرء قبلا كان يدفن كنزه و يضع له قنا سريا في خريطة ملغزة يصعب تشفيرها، و قد يعمد في توثيق اللحظة إلى الكتابة عن حدث الدفن ، و هو ما ينتبه إلىه صيادو الكنوز الذين يقرأون المتون و يكتشفون المسكوت فيها، حينئذ ينطلق موسم من العمل على تشفير الخطاب المضمر و اكتشاف الخريطة السرية و بعدا الوصول إلى المكان المعلوم.
و لأن واضع الخريطة السرية للكنز لا ينسى وضع الكثير من المحاذير و الشروط التعجيزية،من قبيل أن الكنز يحرسه جان عظيم و أن الوصول إليه يقتضي تقديم القرابين أو أن من اقترب منه فسيقع له مكروه ، و ذلك حتى لا يفكر من سقطت الخريطة في يده خطأ، في البحث عن الكنز، و عليه فإن "فقهاء" الكنوز يصرون دوما على أن العملية تستلزم الذبائح و الأطفال الزهريين، و ما إلى ذلك من الطقوس التي تستحضر الجان.
يرتبط الكنز كمعطى مادي بالدين والسحريات، و يشيع الباحثون عن الكنوز قصص وروايات حول رصد الجن للدفائن والخزائن المطمورة دون غيرها من الأشياء الضاربة في الزمان، كيف يتم الجمع بين الدين والسحر لخدمة أغراض دنيوية مادية؟ ولماذا هذا الجمع الشاذ بين الفقيه و» الماكينة« آلة الكشف والتنقيب، هل توظيف الدين والسحر مجرد وسيلة للتخويف والترهيب والترعيب . كيف يرتبط المقدس والمحرم والممنوع بالنقود و نفائس المعادن دون غيرها فيتم الحديث عن الأموال المرصودة والجن الذي يرصد الخزائن؟
السرية كما أوضحت تفيد الشرعنة و تأكيد الحضور، فما يكتنفه الغموض، تظل اليقينيات و الإجابات الجاهزة أكثر ما ينتج بصدده، لهذا ندعو دوما في قارات العلم إلى تجاوز يقينيات الحس المشترك، و مجابهة أكثر القضايا بداهة بالسؤال و النقد، فليس هناك من علم إلا بالسؤال المربك و المزعج لكافة الحقول المجتمعية، و بالطبع فالغموض يفيد في مراكمة الرساميل المادية و الرمزية، و لهذا يجنح صيادو الكنوز إلى إشاعة الكثير من الحكايا المرعبة عن تاريخهم الطويل في استخراج الكنوز و صراعهم مع قوى خفية لا قبل لنا بها، فكل هذه الحكايا تؤسس للشرعية و تقوي من أسهم الحضور و التمكن الاحترافي، و هو ما يعد ضروريا لإقناع الناس و سلبهم أموالهم، و لهذا تتناهى إلى سمعنا مرارا أخبار تتعلق بوقوع أناس في شرك النصب و الاحتيال، بعد أن أقنعهم البعض بأن الكنز يوجد بمنزلهم أو أرضهم أو أنه عائد إلى جدهم السابع عشر مثلا، و اكتشافه لا يكون ممكنا إلا بمشاركتهم في العملية.
و كثيرا ما يستفيق حراس الأضرحة النائية على وجود حفر متناثرة، اشتغل عليها ليلا أناس قادمون من أماكن شتى، بحثا عن الكنز، فالأمر يتعلق ببحث متواصل عن أموال و نفائس لم يجد أصحابها بدا من دفنها في جوف الأرض، أي في البنك الأرضي الذي كان متاحا قبلا، و لكن و من أجل تحصين الممارسة ضد الوافدين الجدد، فلا مناص من القول بأن الأمر يستدعي قدرات خارقة و يستدعي اتحادا مع الجان و تقديما للقرابين، فكل هذه الطقوس تسهم بقسط وافر في تدعيم شرعية التمكن، خصوصا في ظل مجتمع يستند في تفسيراته إلى التقليدي أكثر من الحديث، و للتدليل على ذلك لنتساءل بشكل ضدي، فلو جاء أحدهم إلينا مخبرا إيانا بأنه يتوفر على خريطة لكنز مدفون بمكان ما، فهل سنصدقه؟ لكنه إذا أضاف أنه متخصص في تطويع الجان و أنه استخرج قبلا العديد من الكنوز، و أنه من الضروري ممارسة عدة طقوس و انتظار ليلة بعينها من الشهر و أضاف ما أضاف مما يفيد في أسطرة الفكرة و إخراجها من الاعتيادي و البسيط إلى مستويات عليا من اللامنطق، فحينئذ سيكون الجواب مختلفا، و لما لا نكون ضحية تنويماته و لو كنا حائزين على درجات عليا من التعليم. فالسحريات تفيد في شرعنة انوجاد و انبناء الظاهرة، كما أن المقدس الديني يهب الشرعية كذلك للفعل و الفاعل، و لهذا نلاحظ المراهنة الدائمة على الدين و استثماره في مختلف المجالات لحيازة أكبر قدر من الرساميل، فلماذا و الحالة هاته نرفض أو لا نتفهم اشتغال صيادي الكنوز بهذا المقترب و إلحاحهم المستمر على أنهم فقهاء.
تعليق