بحث
التصوف اليهودي
(القبَّالاه)
تحدّث القرآن الكريم عن الدين اليهودي بالتفصيل أحياناً، وبالتكرار أحياناً أخرى. وتناول أهم مرتكزات الشريعة اليهودية وأنبياء بني إسرائيل وفرعون وموسى (عليه السلام) في حياته ومهمته الرسالية. وما آل إليه حال اليهود من بعد موسى وداود وسليمان (عليهم السلام) حتى مجيء عيسى (عليه السلام) إليهم. قال تعالى:
{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} الصف6.
أهم مرتكزات الشريعة اليهودية كما حدثنا عنها القرآن الكريم توافق مرتكزات الشريعة الإسلامية، لأن المصدر واحد، واليهودية مثل الإسلام تشريع مرتبط بأوجه الحياة المختلفة الاجتماعية منها والسياسية والمعاشية، وعليه يجب أن تقوم الدولة والمجتمع. وعلى هذا تعمل الأمتان الإسلامية واليهودية على تحقيق السيادة على الأرض. ولهذا نجد أن هناك ارتباط أزلي بين اليهود والمسلمين إلى قيام الساعة. ولكنه ارتباط يكتنفه توتر وعداوة تصل إلى حد القتال. عن عَبْد اللَّهِ بْنَ عُمَرَ (رَضيَ الله عَنْهُ) عنِ النبيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(تُقَاتِلُكُمُ الْيَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ). "رواه مسلم".
أخلص من هذا الحديث أن دراسة الدين اليهودي مهمة وضرورية وإلا لما تحدث القرآن الكريم عنه بهذا العدد الكثير من الآيات. وعموماً دراسة الأديان لا تجد حظها في الجامعات العربية ، ولذلك لا تتوفر المراجع ومصادر المعلومات، .
هذا البحث محاولة لإلقاء الضوء على جانب مهم من جوانب الدين اليهودي وهو التصوف المعروف باسم القبَّالاه. والقبَّالاه تعمل على نشر ثقافة اليهود وفكرهم الديني. والهدف من البحث توضيح نشأة وتاريخ التصوف اليهودي، ومدى ارتباطه بمفاهيم التوراة وكتب العهد القديم والتلمود. وأهم الموضوعات التي يقوم عليها التصوف اليهودي، وعلاقة اليهود اليوم بالتصوّف. وليس من أهداف البحث مناقشة مفاهيم التصوف اليهودي، فهذا يحتاج لبحث آخر، لأن هذه المفاهيم يحتاج شرحها تفصيلاً ودقة وتوضيحاً نسبة لتعقيدها وارتباطها بالمفاهيم الفلسفية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتصوف اليهودي، وكذلك بالتصوف الإسلامي والمسيحي، وحتى بالأديان الوضعية، وذلك لأن التصوف ظاهرة إنسانية قديمة مرتبطة بالعقائد الدينية وملازمة للإنسان حتى اليوم
معنى التصوف في الدين اليهودي:(القبَّالاه)
تحدّث القرآن الكريم عن الدين اليهودي بالتفصيل أحياناً، وبالتكرار أحياناً أخرى. وتناول أهم مرتكزات الشريعة اليهودية وأنبياء بني إسرائيل وفرعون وموسى (عليه السلام) في حياته ومهمته الرسالية. وما آل إليه حال اليهود من بعد موسى وداود وسليمان (عليهم السلام) حتى مجيء عيسى (عليه السلام) إليهم. قال تعالى:
{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} الصف6.
أهم مرتكزات الشريعة اليهودية كما حدثنا عنها القرآن الكريم توافق مرتكزات الشريعة الإسلامية، لأن المصدر واحد، واليهودية مثل الإسلام تشريع مرتبط بأوجه الحياة المختلفة الاجتماعية منها والسياسية والمعاشية، وعليه يجب أن تقوم الدولة والمجتمع. وعلى هذا تعمل الأمتان الإسلامية واليهودية على تحقيق السيادة على الأرض. ولهذا نجد أن هناك ارتباط أزلي بين اليهود والمسلمين إلى قيام الساعة. ولكنه ارتباط يكتنفه توتر وعداوة تصل إلى حد القتال. عن عَبْد اللَّهِ بْنَ عُمَرَ (رَضيَ الله عَنْهُ) عنِ النبيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(تُقَاتِلُكُمُ الْيَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ). "رواه مسلم".
أخلص من هذا الحديث أن دراسة الدين اليهودي مهمة وضرورية وإلا لما تحدث القرآن الكريم عنه بهذا العدد الكثير من الآيات. وعموماً دراسة الأديان لا تجد حظها في الجامعات العربية ، ولذلك لا تتوفر المراجع ومصادر المعلومات، .
هذا البحث محاولة لإلقاء الضوء على جانب مهم من جوانب الدين اليهودي وهو التصوف المعروف باسم القبَّالاه. والقبَّالاه تعمل على نشر ثقافة اليهود وفكرهم الديني. والهدف من البحث توضيح نشأة وتاريخ التصوف اليهودي، ومدى ارتباطه بمفاهيم التوراة وكتب العهد القديم والتلمود. وأهم الموضوعات التي يقوم عليها التصوف اليهودي، وعلاقة اليهود اليوم بالتصوّف. وليس من أهداف البحث مناقشة مفاهيم التصوف اليهودي، فهذا يحتاج لبحث آخر، لأن هذه المفاهيم يحتاج شرحها تفصيلاً ودقة وتوضيحاً نسبة لتعقيدها وارتباطها بالمفاهيم الفلسفية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتصوف اليهودي، وكذلك بالتصوف الإسلامي والمسيحي، وحتى بالأديان الوضعية، وذلك لأن التصوف ظاهرة إنسانية قديمة مرتبطة بالعقائد الدينية وملازمة للإنسان حتى اليوم
يعرف التصوف في اليهودية بكلمة (قبّالاه Kabbalah) وهي كلمة عبرية تفيد معنى القبول أو التقبل أو ما يتلقاه المرء عن السلف أي التقاليد والتراث، وهذا التراث عبارة عن مجموعة ضخمة من التفسيرات والتأويلات الباطنية للنصوص الدينية التي تعرف باسم الشريعة الشفوية. والقبَّالاه تتألف من قصص خيالية ومن شعر وروحانيات تدعو للمثالية في بعض الأحيان، وتنحو نحو المبالغة والشطط أحياناً أخرى . وتطور مصطلح القبَّالاه في معناه، وأصبح يعني التعاليم الغامضة والخفية المتعلقة بطبيعة الإله وعلاقته بالخلق، وقد كانت تعرف القبَّالاه بالحكمة الخفية أو المستورة The Hidden Wisdom. وهي تشبه ما جاء في تراث العهد
الجديد "We Speak The Wisdom of God in Mystry".
تأثر الدين اليهودي بالعقائد الدينية للمجتمعات المجاورة مثل الفرعونية والبابلية والآشورية والفارسية. وقد ارتبطت العقائد الدينية لهذه المجتمعات بالسحر والتنجيم وخوارق العادات، وقد انتقل كل هذا إلى الدين اليهودي، وظهرت طبقة من الكهان والقضاة الذين انحرفوا عن العقيدة الصحيحة، وانتشرت فوضى اجتماعية وأخلاقية ودينية هزت المجتمع . لذلك توالى الأنبياء والمصلحون على بني إسرائيل في محاولات لتصحيح الأوضاع المنفلتة. وظهرت على أيام النبي صموئيل في العام 1105 ق. م ما يعرف بمدرسة الأنبياء، يدرّس فيها حوارييه تفسير التوراة وتعاليم الإله.
وكان الحواريون يؤلفون حلقة حول نبيّهم، ويأتون بحركات راقصة على أنغام آلات موسيقية. وقد كانت الموسيقى والترنيم جزءاً لا يتجزأ من العبادة في العهد القديم، فقد جاء في سفر المزامير "هَلِّلُويَا! سَبِّحُوا اللهَ فِي هَيْكَلِهِ. سَبِّحُوهُ بِصَوْتِ بُوقٍ. سَبِّحُوهُ بِالرَّبَابِ وَالْعُودِ. سَبِّحُوهُ بِالدُّفِّ وَالرَّقْصِ. سَبِّحُوهُ بِأَوْتَارٍ وَمِزْمَارٍ.
سَبِّحُوهُ عَلَى وَقْعِ الصُّنُوجِ. سَبِّحُوهُ بالصُّنُوجِ الْمُدَاوِّيَّةِ. هَلِّلُويَا".
وجاء في سفر صموئيل الثاني 6 – 5 "وَكان دَاوُدُ وَكُلُّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ يَلْعَبُونَ أَمَامَ الرَّبِّ بِكُلِّ أَنْوَاعِ الآلاَتِ مِنْ خَشَبِ السَّرْوِ بِالْعِيدَانِ وَبِالرَّبَابِ وَبِالدُّفُوفِ وَبِالْجُنُوكِ وَبِالصُّنُوجِ". ولم تزل الاضطرابات السياسية والفوضى الاجتماعية والانحرافات الدينية تمور في مجتمع بني إسرائيل وتهزه هزّاً عنيفاًً كان من نتاجه ظهور عدد كبير من مدعي النبوة الذين يمارسون خوارق العادات عن طريق السحر، وضاق الناس ذرعاً من هذه الحالة فطلبوا ملكاً يسوسهم، وجاء في سفر التثنية 17- 14: "وَمَتَى بَلَغْتُمُ الأَرْضَ الَّتِي يُوَرِّثُهَا لَكُمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ وَامْتَلَكْتُمُوهَا وَاسْتَوْطَنْتُمْ فِيهَا وَقُلْتُمْ: لِنُتَوِّجْ عَلَيْنَا مَلِكاً كَبَقِيَّةِ الأُمَمِ الْمُحِيطَةِ بِنَا فَإِنَّكُمْ تُقِيمُونَ عَلَيْكُمْ مَلِكاً الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ، شَرِيطَةَ أَنْ يَكُونَ وَاحِداً مِنْ أَسْبَاطِكُمْ". وقد جاء النص التوراتي موافقاً في بعض معناه لما جاء في القرآن الكريم في سورة البقرة "الآية (246)" {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}.
تواصل الانهيار في الدولة والمجتمع إلى أن غزاهم البابليون عام 586 ق.م، وحطموا هيكل النبي سليمان عليه السلام الرمز الديني لليهود، والذي كان يقف شاهداً على عظمة دولتهم ومجدهم السياسي، وأخذ اليهود أسرى إلى بابل، وكان من بينهم النبي حزقيال وكان وقتها شاباً يستعد ليكون كاهناً في الهيكل قبل السبي، فقد دعاه الإله ليكون نبياً أثناء وجوده في بابل، وكان يتنبأ لليهود بالخلاص، فكان يبث أشواق الخلاص والعودة للمجد السليماني. وقد اشتهر حزقيال بالرؤيا الرمزية التي هي إعلان للحق الإلهي .
كتبت العودة لبني إسرائيل لبلادهم على يد الفرس الذين هزموا البابليين، وأعادوا بناء الهيكل، ولكن لم تزل الفوضى، ولم يزل بنو إسرائيل تحت نير الاستعمار والغزو من الدول المجاورة، حتى أرسل الله تعالى عيسى (عليه السلام)، وقد رفض الأحبار والكهنة دعوة سيدنا عيسى (عليه السلام) حينما لم يجدوا فيه المخلص الذي كانوا ينشدونه، فقد كانت دعوته في بداية أمرها موجهه لتصحيح المسلمات الدينية الخاطئة التي أدخلت على الدين اليهودي، فقد كان عيسى عليه السلام يخاطب اليهود "وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُنَقُّونَ خَارِجَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ، وَهُمَا مِنْ دَاخِل مَمْلُوآنِ اخْتِطَافًا وَدَعَارَةً.
أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّ الأَعْمَى! نَقِّ أَوَّلاً دَاخِلَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ لِكَيْ يَكُونَ خَارِجُهُمَا أَيْضًا نَقِيًّا" .
غزا الرومان دولة اليهود وحطم قائدهم (تيطس) هيكل سليمان للمرة الثانية عام 70 للميلاد، ولم تقم له قائمة حتى اليوم. وعلى الرغم من رفض اليهود للمسيحية إلاّ أنها انتشرت خاصة بعد أن اعتنق الرومان المسيحية، وأصبحت الدين الرسمي للإمبراطورية، وحينها أدرك اليهود الخطر على دينهم فعكفوا على جمع شتات تعاليم التوراة، فظهر التلمود ما بين القرن الأول والثاني للميلاد، وهو عبارة عن جمع مكتوب لتعاليم التوراة الشفوية المتوارثة عن الأحبار والكهان، ويقال أن أول من جمع التلمود هو "يهوذا الهناسي"، وكان ذلك ما بين القرن الأول والثاني للميلاد .
ويعتبر التلمود من المصادر الأساسية للفكر الصوفي اليهودي، لأنه يحوي الأساطير التي تتناول قضايا الألوهية والكون ومصير اليهود، وعلاقة اليهودي بالإله، وقضية المخلص الذي انتظره اليهود طويلاً. وبظهور التلمود ظهر معه اتجاه التصوف ما بين القرن الأول والثاني وكذلك الثالث الميلادي، ولكن حركة التصوف اليهودي لم تصل ذروتها إلا ما بين القرن الثاني عشر والقرن الخامس عشر للميلاد .
يتبع
تعليق