يعتقد الكثيرون أن "الروبوت" وليد العصر التكنولوجي، ولكن هل تعلم أن فكرة الروبوت فكرة قديمة ضاربة بجذورها في عمق الحضارات القديمة.
وأول من استعمل كلمة " ربوت" هو الكاتب التشييكي كارل كابيك في بداية مطلع القرن العشرين، وذلك من خلال مسرحيته الأشهر "R.UR" وترجمتها " الروبوتات الكونية لروسّم" عام 1921م حيث تخيل المؤلف أن أحد العلماء قام باختراع بشر آليين لمساعدة الناس للقيام بمهام بسيطة ومحددة.. إلا أنه حينما بدأ يقحم هؤلاء البشر الآليين في عالم الحرب.. تحولت ضده وضد عنصر البشر وتملكت زمام العالم، وقد استخرج الكاتب كلمة روبوت من لغته التشيكية والتي تعني كلمة روبوت فيها: عمل السخرة ، أو العمل الجبري أو العمل الشاق.
وفي أول الأمر اقتصر مصطلح الروبوت على الآلة شبيهة الإنسان، وهو ما دعا البعض على إطلاق كلمة "إنسان آلي" عليه، ولكن مع مرور الوقت والتطور الهائل تغير مفهوم كلمة ربوت لتعني – حاليا – آلة تستعمل الذكاء الاصطناعي – وليس القوة فقط – في القيام بمهام مختلفة، ومن ثم أخذ الربوت أشكالا مختلفة قد لا تقترب كثيرا من شكل الإنسان حتى وإن قام بتقليده.
هذا عن اختراع فكرة الروبوت في عصر التكنولوجيا، ولكن ماذا عن الروبوت في الحضارات القديمة ؟ هل كان له وجود – دون التسمية – أم أن الأمر مجرد اجتهاد وخيال كاتب ؟
من المذهل والعجيب أنه عند دراسة الحضارات القديمة ملاحظة "فكرة الروبوتية" ولكن بشكل بدائي وتنفيذ محدود، فقد تمثلت فكرة تقليد الإنسان في الحضارات القديمة وما سبقها من حياة بدائية في تشكيل مادة الطين أو الخشب أو المعادن – بعد اكتشافها – على شاكلة الإنسان أو الحيوان، حتى ةلو اعتبرها الإنسان الحديث نمطا متخلفا وتافها ولا تدخل تحت تصنيف الروبوتية ، إلا أننا يمكن أن نعتبرها أنها كانت البداية ليحلق الإنسان بخياله ، وليسعى لتقليد ذاته ، بدأت فكرة " الروبوت في الحضارات القديمة عند الإنسان الأول عندما اعتقد أن الآلهة تعيش في طيات الريح وأمواج البحار، بينما تعيش الأرواح الشريرة في جذوع الشجر ، والأحجار، والمعادن، فكانت الحركة هي التعبير عن الحياة ، فإذا تحرك الجماد الجماد كان ذلك – في ظنهم – دليلا على حياته، ومع فكرة ملازمة الحركة للحياة أمكن لطبقة معينة قوامها السحرة والكهنة السيطرة على عقول العامة ؛ وذلك بتحريك دمى جامدة بأسلوب خاف بعيد عن فهم العوام وإدراكهم، وعادة ما يكون الأسلوب ميكانيكيا أي لا دخل للإنسان فيه – مباشرة – عند حدوثه، وأمكن للسحرة تثبيت فكرة أنهم ماداموا يستطيعون تحريك الجماد فإنهم بذلك يبعثون الحياة فيه ، وهكذا أمكن لهم التحكم في عقول العوام
ومن البديهي أن يكون الحرة عدوا لدودا للعلم والتكنولوجيا ؛ لأنه بينما لا يخفي العلم والتكنولوجيا أسرارا، فإن الساحر يخفيها بل يبالغ في إخفائها خشية افتضاح أمره، ولكن مع ذلك لا غنى للساحرة عن التعرف على أبسط مباديء الميكانيكا لكي يستطيع تحريك الدمى دون أن يتدخل مباشرة وقت التحريك، وكانت تلك إولى خطوات الصراع بين السحر والتكنولوجيا، فبينما طالب العلم أن يكون تعلمه مشاعا ، احتكره السحرة لأنفسهم واستخدموه لتحقيق مآربهم، وما قصة سامري بني إسرائيل عنا ببعيد.
نماذج لروبوتات – تجاوزا – الحضارات القديمة
1- ما زالت تلك الدمية الخشبية الملونة للعروس التي تحرك أطرافها بجذب خيط قابعة في متحف الآثار المصرية بالقاهرة شاهدة على خيال متحضر وإبداع متميز، فقد كانت تلك الدمية محاولة لفنان أو ساحر أو مخترع جلس منذ آلاف السنين ليصنع روبوتا يحاكي الإنسان في وصفه ورسمه وسلوكه.
2-مازال تمثالا "ممنون" قائمين في الأقصر من بقايا مدخل المعبد الجنائزي لفرعون مصر "أمينوفيس الثالث" الذي حكم مصر بين عامي 1397 إلى عام 1360 قبل الميلاد، وبقى التمثالان اللذان يصل طول كل واحد منهما 70 قدما شاهدين على خصوبة خيال الإنسان المصري القديم، إذ توجد كلمات محفورة على قاعدتي التمثالين باللغة اللاتينية القديمة تشيد بجمال الترانيم والأصوات العذبة التي تخرج منهما عند شروق الشمس، كما كتب بعض الرحالة والمرخون كشاهدي عيان على تلك الظاهرة العجيبة، وبعد التدقيق في جسدي التمثالين اكتشف الشيء العجيب المذهل وهو: وجود جيوب هوائية داخل رأسي التمثالين حيث يتجمع فيهما الندى وقطرات الماء ليلا ، وعند بزوغ الشمس يحدث لها تبخر، ومع ارتفاع درجات الحرارة لا تجد الأبخرة لها منافذ إلا منافذ معينة أعدها الفنان أو - الساحر - بدقة فتخرج منها الأبخرة باندفاع، فتحدث تلك الأصوات .
3- وكذلك يوجد قناع على شكل رأس كبير مفرغ من البرونز لابن آوي الذي رمز به عند قدماء المصريون لـ " أنوبيس" إذا كان كهنة المعبد يخفون في رأسه بوقا لتكبير الصوت وتضخيمه وكان الكهنة – حسب النقوش القديمة – يلبسون ذلك القناع لتمثيل دور أنوبيس الذي يصدر أحكامه على المتعبدين وأصحاب الحوائج، إذ يخرج أنوبيس – وقد لبس القناع – برأس عملاق يصرخ عليهم بصوت ترتعد له الفرائص
ولك أن تتخيل حالة الهلع والفزع التي يصاب بها الناس يوم يرونه، وما هو في الأصل سوى دمية تتحرك بواسطة مقاود مخفية ، انطلاقا من فكرة الروبوتية التي كان يمتلئ بها خيال الإنسان المصري القديم.
ولم تكن فكرة الروبوتية في خيال أبناء الحضارة المصرية القديمة فحسب، وإنما يتبين من الأدب اليوناني القديم كذلك أن فكرة الروبوتية أخذت مكانا مهما عند اليونانيين القدماء وسأحيلك عزيزي القارئ إلى بعض ما كتبه أرسطو في القرن الرابع قبل الميلاد حيق قال: " إذا أمكن لكل أداة (آلة) القيام بعملها والإنصات لرغبة الآخرين أو توقعها ! فإذا أمكن للنول أن ينسج، وللريشة لمس القيثارة دون أن تهديها يد إنسان، فلن يحتاج القائمون على العمل لخدام أو عبيد !" (كذا) ماذا أبقى أرسطو بعد هذا الكلام إلا أن نقول إنه قدم منذ ما يقارب الثلاثة آلاف عام وصفا دقيقا للمحور الذي تقوم عليه تكنولوجيا الروبوتية.
تعليق