باب المناكحة بين الانس والجن:
لقد ثبت لنا بأن الجن تتشكل وكانت تعيث الفساد في الأرض بالظهور عيانا، وكانت الشياطين تسترق السمع، وكانت الشياطين تتغول للإنسان، وكانت هناك أمور كثيرة تحدث قبل الاسلام ، فكما ثبت ان الشيطان كان يظهر في دار الندوة وفي معركة بدر عيانا ، فان هذه الامور انتهت بعد بعث النبي صلى الله عليه وسلم .
وثبت في الاحاديث الصحيحة ان الشيطان كان يتشكل ليسرق ، وفي كل المرات كان يشير إلى أن الإية التي تعصمنا منهم هي آية الكرسي .
وقد نزلت بعدها المعوذتين ، فأصبحت التحصينات من الأذكار والآيات القرآنية المانعة للجن والشيطان لايكاد يخلو منها بيت .
والحديث النبوي الصحيح أن الشيطان لا يفتح غلقا إذا ذكر إسم الله. أما في المناطق الخالية من السكان والخالية من ذكر الله فهي معرضة لأي خروج للجن عن النواميس الآلهية التي حجبته عن جنسنا.
لم يثبت في الأثر الصحيح أن هناك حالات تزاوج تمت بين اي من الصحابة أو التابعين وبين الجن، كما لم نسمع من ابائنا واجدادنا عن شئ من هذا القبيل ، إلا أخبار منقطعه نتيجة جهل الناس بهذه الامور، وقد تتبعت عشرات الحالات فلم أجد إلا الوسوسة أو المس أو الإدعاء الكاذب.
النقطة الأهم في هذا الباب قال الله عز وجل: "وما فرطنا في الكتاب من شئ "
وقال صلى الله عليه وسلم: "أليوم أكملت لكم دينكم ورضيت لكم الإسلام دينا". هل نستطيع أن نرد قول الله عز وجل؟ أين الأصول التي ستقوم عليها المناكحة بين الإنس والجن ؟ أين الأولاد نتاج هذا الزواج ؟ أين الطمائنينة لهذا الزواج وأين القوامة ؟! المفروضة للرجل على المراءة ؟!
كيف يقول الله عز وجل ذلك ولا يذكر لهذا الزواج اسس وقوانين ، كيف لا يفسر هذا الزواج الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ ، فمن قال بزواج الجن من الإنس عليه إقامة الدليل ، اما ما ذكره العلامة ابن تيميه في مجموع فتاويه فخطأ كبيرا ، لانه على ما يبدوا تأثر بالسمع دون التحقق – وقد أشتغل بعض الإخوان بالإفتاء في التعاملات بين الجن والإنس ؟! وطرحوا الاسئلة وأبدعوا في الأجوبة. وكثير من مفتى هذا الزمن يفتون على إفتاء إبن تيمية ويعتبرونه مرجع لا نقاش فيما قال ، وأنا أحب إبن تيمية ولم أجد أوسع منه علما وقد في مسائل غاية في الأهمية وأجاد وأفلح ، وفي المقابل أخطاء في أمور ، فنحن نأخذ ما صح عندنا بعد رد الموضوع إلى الكتاب والسنة أولا ثم يأتي الإجتهاد على الدليل.
سئل الشيخ محمد بن صالح بن العثيمي:
هل يجامع الجني نساء بني آدم؟
س: في سورة الرحمن يقول الله – سبحانه وتعالى – عن نساء أهل الجنة: "لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان" هل يسلط الجن على نساء أهل الدنيا؟
الجواب: نعم في سورة الرحمن "لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان"، وهذه الإية تدل على أن الجن يدخلون الجنة إذا كانوا مؤمنين كما هو القول الراجح ، أما دخول الكفارمنهم النار فمتفق عليه بالإجماع لقوله تعالى: "قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار" الأعراف . ويسأل يقول هل يمكن أن يتسلط الجني على إنسية فيجامعها، أو إنسي يجامع جنية؟. يقول العلماء: إن هذا ممكن ، وإنه يمكن للجني أن يجامع المرأة وإنها تحس بذلك ، وكذلك الإنسي يجامع الجنية ويحس بذلك.
كما نرى أفتى إبن عثيمين ليس على بينة عنده ، ولكن على ما أفتى به العلماء من قبله ، وكل العلماء الذين أفتوا فقد أفتوا على فتوى إبن تيمية غفر الله له وأجزاه عنا وعن المسلمين خير الجزاء ، وأنا لا أنكر أن يقع الجماع بين الإنس والجن ، ولكن كما قال ابن عثيمين "الإنسي يحس والجني يحس" والإحساس ، ليس دليل على الإيلاج وليس دليل على لإمكانية الإنجاب فافهم.
وقد ذكر ابن تيمية فى فتاويه 19\39: "وقد يتناكح الانس والجن ويولد بينهما ، وهذا كثير معروف ، وقد ذكر العلماء ذلك وتكلموا عليه ، وكره أكثر العلماء مناكحة الجن".
وقال الله تعالى في سورة النحل
"والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون ""
تفسير القرطبي ج: 10 ص: 142: قوله تعالى والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا جعل بمعنى خلق وقد تقدم من أنفسكم أزواجا يعني آدم وخلق منه حواء وقيل المعنى جعل لكم من أنفسكم أي من جنسكم ونوعكم وعلى خلقتكم كما قال لقد جاءكم رسول من أنفسكم أي من الآدميين وفي هذا رد على العرب التي كانت تعتقد أنها كانت تزوج الجن وتباضعها حتى روي أن عمرو بن هند تزوج منهم غولا وكان يخبؤها عن البرق لئلا تراه فتنفر فلما كان في بعض الليالي لمع البرق وعاينته السعلاة فقالت عمرو ونفرت فلم يرها أبدا وهذا من أكاذيبها وإن كان جائزا في حكم الله وحكمته.
ابن كثير ج\2 ص578: يذكر تعالى نعمه على عبيده بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجا من جنسهم وشكلهم ولو جعل الأزواج من نوع آخر ما حصل الائتلاف والمودة والرحمة ولكن من رحمته خلق من بني آدم ذكورا وإناثا وجعل الإناث أزواجا للذكور ثم ذكر تعالى أنه جعل من الأزواج البنين والحفدة وهم أولاد البنين قاله ابن عباس وعكرمة والحسن والضحاك وابن زيد .
معاني القرآن ج: 4 ص: 87
وقوله جل وعز والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا روى سعيد عن قتادة في قوله ( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا) قال خلق حواء من ضلع آدم وقال غيره جعل لكم من أنفسكم أزواجا أي من جنسكم
قال الله تعالى في سورة الروم الإية 21( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) .
ابن كثير ج3 ص430): وقوله تعالى ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا ) أي خلق لكم من جنسكم إناثا تكون لكم أزواجا ( لتسكنوا إليها ) كما قال تعالى ( وهو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها ) يعني بذلك حواء خلقها الله من آدم من ضلعه الأقصر الأيسر ولو أنه تعالى جعل بني آدم كلهم ذكورا وجعل إناثهم من جنس آخر من غيرهم إما من جان أو حيوان لما حصل هذا الائتلاف بينهم وبين الأزواج بل كانت تحصل نفرة لو كانت الأزواج من غير الجنس ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم وجعل بينهم وبينهن مودة وهي المحبة ورحمة وهي الرأفة فإن الرجل يمسك المرأة أما لمحبته لها أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد أو محتاجة إليه في الإنفاق أو للألفة بينهما وغير ذلك.
ولما هذا الموضوع من أهمية ، فانني اركز عليه بطرق مختلفه لعل الله يهدينا جميعا الى الطريق السديد ،فغالبا ما تكون أحاديث الناس على غالب أحداث العصر الذي يعيشون فيه ، فإن كانت حروب تجد الحديث في الشارع وفي التلفزيون وفي كل مكان عن ذلك الحدث ، وفي العصورالسابقة كانت الغول والسعالي من الجن تتغول للإنسان ، لذلك كانت القصص كلها تدور حول عالم الجن ، وكان الناس يزيدون ويبالغون وينسجون القصص من الخيال ، وكان هناك كتاب ورواة ومهرجين يؤلفون القصص ، فتروج هذه القصص على أنها واقع ، وقد تأثر على ما يبدوا بعض علماؤنا بواقع الحال فأفتوا على السمع. وفي عصرنا هذا نجد أن أفلام السينما تتحدث عن المجهول ، أما عن عالم يعيش في كوكب آخر يغزو الأرض ، وأما عن الأرواح ساءا أرواح الموتى أو أرواح الشياطين ، والظاهر ان الإنسان دائما يتوق الى المجهول والى الخيال الرحب.
وقد ذكر صاحب الفهرست "ج: 1 ص: 428" أسماء عشاق الانس للجن وعشاق الجن للانس كتاب دعد والرباب كتاب رفاعة العبسي وسكر كتاب سعسع وقمع كتاب ناعم بن دارم ورحيمة وشيطان الطاق كتاب الاغلب والدباب كتاب الضرغام وحودروفس كتاب عمرو ودقيانوس كتاب الشماخ ودمع كتاب الخزرجي والمحتال واسما كتاب حضر بن النبهان والجنية كتاب الدلفاء وأخوتها والجني كتاب دعد الفزارية والجني وعمرو كتاب عمر بن سفيان السلمي والجنية كتاب عمرو بن المكشوح والجنية كتاب ربيعة بن قدام والجنية كتاب سعد بن عمير والنوار قال محمد بن إسحاق كانت الاسمار والخرافات مرغوبا فيها مشتهاة في أيام خلفاء بني العباس وسيما في أيام المقتدر فصنف الوراقون وكذبوا فكان ممن يفتعل ذلك رجل يعرف بابن دلان واسمه احمد بن محمد بن دلان وآخر يعرف بابن العطار وجماعة وقد ذكرنا فيما تقدم من كان يعمل الخرافات والاسمار على أ لسنة الحيوان وغيره وهم سهل بن هارون وعلي بن داود والعتابي وأحمد بن أبي طاهر الكتب المؤلفة في عجائب البحر وغيره وهي كتاب يعرف بكتاب صخر المغربي وألفه ويحتوي على ثلاثين حديثا عشرة في عجائب البر وعشرة في عجائب الشجرة وعشرة في عجائب البحر كتاب واثلة بن الأسقع كتاب السميفع بن ذي ترحم الحميري والعقوق بنت زيد كتاب الشيخ بن الشاب .
وفي ختام باب المناكحة أود أن أذكر الأخوان بأننا جميعا إن شاء الله على الحق ماضون، وأنا أؤكد أن هناك معاشرة بين الإنس والجن ، ولكنها لا تتعدى الحلم ، وأنا أقول بمماسة الجني للإنسي وتلبس الجني جسد الإنسي ، ودخول الجني إلى باطن الإنسي في حالات السحر، كالطعم والسقي. وأنكر نطق الجني على لسان الإنسي في جميع الأحوال ما عدا حالة التلبس أي المس الزائد ، ونسبة حالات النطق الفعلي واحد إلى عشرة الاف / الشيخ عايش القرعان
نسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين، وأن يعلمنا الحكمة والتأويل، وأن يجعلنا هداة مهتدين، وأن يحيينا على الإسلام والسنة، وأن يميتنا على الإيمان والتوحيد، وأن يجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تعليق