قال الموبذان: أيها الملك عسى أن يكون خيراً، وإني أيها الملك كنت أرى البارحة ان النيران قد خمدت، وقلعت بيوتها وهلك سدنتها وقد اغمني ذلك، وكنت عزمت على أن لا أخبر الملك حتى يوجه إلي فأتيته .
قال كسرى فما الداعي؟ قال الموبذان قد بلغني ان بأرض العرب كاهناً يقال له سطيح، يخبر بما يكون قبل كونه، فلو أرسل اليه الملك رسولاً يسأله عن ذلك، فلعله أن يخبره بالجواب فيه.
قال كسرى ومن لنا بحصيف ينفذ في ذلك؟ وكان على باب الملك فيمن وفد عليه من العرب رجل، يقال له عبد المسيح من رهط سطيح، فأشار به الموبذان على كسرى، فأحضره ولم يخبره بما رآه، وقال انطلق إلى سطيح، فاسأله عن رؤيا رأيتها، فاذا اخبرك بها، فاسأله أن يخبرك بتأويلها،
فاذا أخبرك فارجع مسرعاً ولا تتخلف، قال أفعل أيها الملك، فأمر له بمال وجائزة، وحمله جائزة الى سطيح.
فركب عبد المسيح راحلته، ومضى مبادراً يقطع المفاوز والفيافي، حتى لحق مكان سطيح بعد ايام، فلما بلغ بيته وجده عليلاً لما به فوقف عليه وسلم وجعل يرتجز ويقول ليسمعه: اصم ام يسمع غطريف اليمن * يا فاصل الخطة اعيت من ومن من ابيات قال سطيح مجيبا له عبد المسيح، على جمل فسيح، أوفى على سطيح، وقد أشفى على الضريح، يسأل عن ارتجاج الايوان، ورؤيا الموبذان، وخمود النيران.
قال: فالتأويل يا سطيح؟ قال: تنقضي أيامهم، وتنقطع آثارهم، وتملك العرب ديارهم، عند ظهور صاحب التلاوة، والقضيب والهراوة.
قال: ومتى ذلك يا سطيح؟ قال: إلى أن يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات، وقبل ذلك ينقضي امر سطيح ويواريه الضريح، ولا يصلح له فيها قرار.
وقد روي هنا الكلام على غير هذا النوع واكثر منه كلاماً (1) فرجع عبد المسيح إلى كسرى، وقد دعى كلامه، فعجب كسرى وسره وقال: إلى أن يلي منا ستة عشر ملكا يكون سعة لدفع الهم، ولعل ذلك لايكون، فرأى الملك منهم تلك العدة في سنين قليلة حتى انقضى ملكهم في خلافة عثمان رضي الله عنه .
وقيل إن الرؤيا كانت ليلة مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال إن سطيحا عاش أربعمائة سنة.
وأما شق الاول، وهو شق بن حويل بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام، فهو اول كاهن في العرب العاربة، وارم ابو الجبابرة من عاد وثمود وطسم وجديس وغيرهم، ويقال إنه كانت له عين واحدة في جبهته، ويقال إنه [كان] يشق وجهه نار.
ويقال ان الدجال من ولده، ويقال إنه هو الدجال بعينه، أنظره الله إلى وقته، وهو محبوس في بعض جزائر البحر.
وفي حديث تميم الداري انه خرج في بعض الأسفار فوقع الى جزيرة، فرآه وخاطبه، وسأله عن ظهوره، وانه وجده مغلولا، مشدوداً إلى صخرة، وان الشياطين تأتيه بما يأكله، على ما يقول.
وفي خبر آخر أنه لا يحتاج الى الغذاء، ورآه تميم الداري، وله عين واحدة، وحدث بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يرويه عنه فيقول: حدثني تميم
الداري، ويذكر طرفاً من خبر الدجال.
ويقال إن أمه امرأة من الجن عشقت أباه حويلا، فتزوجته فأولدها الدجال وهو خوص بن حويل، وكان مشوهاً مبدلاً، وكان إبليس يعمل له العجائب، فلما كان وقت سليمان عليه السلام دعاه فلم يجبه، فحبسه في جزيرة في البحر.
وقيل إن أباه استهوته الشياطين لما كانت أمه منهم، وانه من مدينة ماريول التي غلبت عليها الجن، وهي من مدائن المغرب، وأن الجن في طاعته.
ويقال إن خوصاً هذا كان يحضر السارق فيأمره برد ما سرق، فان فعل وإلا صار حية فيلتوي في عنقه فيقتله، وقيل أنه ربما خاطبهم ولا يرونه، وكان إذا حكم على أحد فلم يرض حكمه بصبص أحذقته في احدى عينيه فرده أعور.
وقيل أن مجلسه كان في قبة بوادي برهوت في اليمن، وكانوا يحجون اليه، وقيل انه لم ينم قط، وانهم كانوا يرون فوق عينيه ناراً بيضاء، وكذلك عن الموضع الذي هو فيه مسجون انه يعلوه بالليل نار مضيئة، وبالنهار دخان.
وأما شق اليشكري وكان حكيم العرب في الجاهلية، وقد كان ربيعة بن نصر لما رأى رؤياه وجه الى شق وسطيح، فأتاه سطيح قبل شق، وكان من جوابه ما قدمنا ذكره في أخبار سطيح، فلما قدم عليه شق قال له: يا شق اني رأيت رؤيا هالتني فما هي؟ وكتمه قول سطيح، فقال له شق رأيت حممة، خرجت من ظلمة، فوقعت بين روض وأكمة فأكلت كل ذات نسمة،
قال: صدقت فما تأويلها؟ قال: أحلف بما بين الحرتين من انسان، ليطأن أرضكم السودان، وليغلبن على كل طفلة البنان، وليملكن ما بين أبين الي نجران.
قال: أيكون في زماننا هذا؟
قال: بل بعده بزمان، ثم يستنقذكم عظيم ذو شان
قال: وممن هو هذا العظيم؟
قال: غلام من بيت ذي يزن، فلا يترك أحدا منهم باليمن، قال: فهل يدوم ذلك؟ قال: بل ينقطع برسول يرسل، يأتي بالعدل بين اهل الدين والفضل، يكون الملك فيهم إلى يوم الفصل
قال: وما يوم الفصل؟
قال: يوم يدعى من السماء بدعوات، يسمع بها الأحياء والأموات، ويجمع الخلق فيه للميقات، يكون فيه لمن آمن الخير والخيرات، ولمن كفر الويل والترحات، قال: أحق ما تقول يا شق؟ قال: أي ورب السماء والأرض، وما بينهما من رفع وخفض، أن ما أنبأتك به لحق محض، ما فيه كذب ولا نقض، فأجازه ربيعة بجائزة سنية، ووصله وصرفه.
1) عبارة ت: عبد المسيح، على حمل مسيح، يسأل عن خمود النيران، رؤيا الموبذان وسقوط الايوان، لاخبر بالبرهان، أما عدد الشرفات فيلي مثلها ملوك وملكات وخمود النيران ينقضي ملكهم على الزمان، وذلك عند ظهور صاحب التلاوة أمر والقضيب والهراوة، فتنقضي آثارهم، وتملك العرب ديارهم، وهناك ينقضي سطيح، ويواريه الضريح، ولا تكون الدنيا له بدار ولا يقر به فيها قرار، وقد يروون هذا الكلام على غير هذا السجع.
تعليق